برلين – عدد من المصابيح، وتهنئة مضاءة بكلمتي "رمضان سعيد"، وتكلفة 75 ألف يورو. هذه اللفتة البسيطة من بلدية مدينة فرانكفورت للمسلمين، المدينة المعروفة بالحضور القوي للجالية المسلمة، أثارت حنق اليمينيين المتشددين في ألمانيا، الذين رفعوا أصواتهم رافضين لتهنئة المسلمين بأهم شهر لديهم.

المبادرة بالاحتفاء بدخول رمضان، جاءت من عمر شحاتة، عضو المجلس البلدي من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، كما رحبت بها رئيسة البلدية، نرجس إسكندري غرونبرغ، عن حزب الخضر، مشيدة بدورها في تعزيز التعايش السلمي بين سكان المدينة.

وبعد فرانكفورت، اتخذت مدينة كولونيا الإجراء ذاته، مما أسهم في رفع الأصوات المنددة.

ويُظهر التنديد الكبير بهذه الخطوة البسيطة إشارات كبيرة على تزايد معاداة المسلمين بشكل واضح في ألمانيا، عداء يحاول عدد من أصحابه إخفاءه بمبرّرات منها مسيحية الغالبية من المواطنين، أو عدم اندماج جزء كبير من الجالية المسلمة مع القيم الغربية، رغم تأكيد سياسيين ألمان أن الإسلام ينتمي إلى ألمانيا، وضمنهم المستشارة السابقة أنجيلا ميركل.

"الاحتفاء برمضان أو الأعياد الإسلامية لا يمثل أيّ خطر على ألمانيا"، كما يؤكد الدكتور يورغن زيميرر، وهو مؤرخ في جامعة هامبورغ ومدير مركز أبحاث تراث هامبورغ (ما بعد) الاستعماري، للجزيرة نت.

وشدد زيميرر أنه "حان الوقت لأن تتقبل ألمانيا التنوع الديموغرافي لمواطنيها"، وأنه "مثلما نحتفل بعيد الميلاد أو عيد الفصح، يجب أن نكرم رمضان أو حانوكا (عيد الأنوار اليهودي)".

رفضت التيارات اليمينية واليمين المتطرف في ألمانيا تهنئة المسلمين بشهر رمضان (غيتي) عداء مغلف

روبرت لامبورو، رئيس مجموعة حزب "البديل من أجل ألمانيا" في برلمان ولاية هيسن (تتبع لها مدينة فرانكفورت)، كتب على موقع الحزب "هذه الخطوة علامة واضحة على الأسلمة التدريجية لبلادنا"، متابعا "على النقيض من التصريحات الرسمية الساذجة لحزب الخضر، الخطوة ليست علامة على السلام والتكاتف، بل بادرة استسلام للإسلام".

لكن ليس هذا الحزب اليميني الشعبوي هو الوحيد من كان ضد المبادرة، فالاتحاد المسيحي الديمقراطي (حزب ميركل) عارض الخطوة قائلا إنه "لا يجب تخصيص التهنئة على دين معين من أديان الجماعات الدينية، وإذا كان الاحتفاء ضروريا، فيجب أن يعطى للكل" علما أن بلديات وساسة ألمان، ينتمون إلى هذا الحزب، يحتفلون كذلك بمناسبات غير مسيحية، ومنها اليهودية.

ثيلو زاراتسين، وهو مستشار سابق في بلدية برلين عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي، طالب في مقال له بعدم الاحتفال بمناسبات المسلمين. والسبب حسب زعمه أن "جلّ الهجمات بالسكاكين في ألمانيا يقوم بها مسلمون، وعدد كبير من السجناء مسلمون، وعدد كبير من المسلمين في ألمانيا يعيشون على الإعانات الاجتماعية، ولا يحقق أولادهم نتائج جيدة في المدرسة، ولا يوجد بلد مسلم واحد في العالم ديمقراطي حسب المعيار الغربي".

وعُرف زاراتسين بمواقفه المعادية للمسلمين، التي ظهرت في كتابه "الاستحواذ العدائي: كيف يعيق الإسلام التقدم ويهدّد المجتمع"، مما أدى بقيادة الحزب إلى طرده، متهمةً إياه بالإسلاموفوبيا.

"تسامح مفرط"

من جهتها نشرت أنابيل شونكه، وهي صانعة محتوى معروفة بمواقفها المعادية للمسلمين، فيديو قالت فيه إنه "بينما يتم سحب أشجار عيد الميلاد من دور الحضانة، فالتقاليد الإسلامية يتم نشرها"، مشيرة بذلك إلى حدث محصور في حضانة واحدة في هامبورغ بحكم أن كل الأطفال فيها مسلمون.

واتهمت أنابيل جزءا كبيرا من المسلمين بالعداء لليهود، قائلة كذلك "إنها لا تريد رؤية أضواء رمضان في شوارع ألمانيا". وحقق الفيديو انتشارا واسعا بين عدد كبير من الألمان المعجبين بمحتواه.

حتى من خارج ألمانيا، صدحت أصوات بانتقاد الخطوة، منهم بينيديكت نيف، من صحيفة "نيو زرويشه تسايتونغ"، الذي كتب: "ألمانيا لا تتعلم أبدا، التسامح المفرط تجاه الإسلام، مقابل إنكار الذات هي كارثة في مفهوم الاندماج. لكن هذا ما يظهر أنه مفهوم ألماني".

ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة برلين الحرة الدكتور كارستن كوشميدر للجزيرة نت: "كما هو الحال في معظم الدول الأوروبية، يركز اليمين المتطرف في ألمانيا على المسلمين ويكره الإسلام. إنه أحد موضوعاتهم الرئيسية، محاولا تغذية الاستياء بين السكان (من هذا الدين)".

ويؤكد كوشميدر أن "الوقوف ضد الأجانب أو ضد الأجناس الأخرى يعتبر أمرًا غير مناسب من قبل الكثير من الناس. لكن أن تكون ضد المسلمين أمر مقبول أكثر بكثير، حتى داخل الأحزاب المحافظة ووسائل الإعلام وما إلى ذلك".

المؤرخ الألماني يورغن زيميرر يرى أن الخوف من الإسلام في ألمانيا هو "ذعر مفتعل" (مواقع التواصل الاجتماعي) إسلاموفوبيا مستمرة

ويوضح يورغن زيميرر أن الخوف من الإسلام هو "ذعر مفتعل، يهدف إلى العودة إلى ألمانيا المتجانسة النقية، على أساس أفكار "النقاء العنصري"، التي ظهرت بشكل بارز في الأيديولوجية النازية"، محذرا من أنها "فكرة العودة إلى ألمانيا قبل عام 1945".

وتؤكد الكثير من هذه المواقف صحة ما جاء في تقرير خبراء عينتهم وزارة الداخلية، ونُشر العام الماضي، حول أن معاداة المسلمين منتشرة في المجتمع الألماني، وأن المسلمين يعانون تهميشا كبيرا، كما يتم تصوير الدين الإسلامي غالبا على أنه "دين رجعي".

وكانت دراسة أخرى صادرة عن مؤسسة بيرتلسمان الألمانية عام 2019 ، قد ذكرت أن ما يزيد عن نصف سكان ألمانيا يرون الإسلام "تهديدا" واضحا للمجتمع، وليس "مصدر غنى وتنوع" ثقافي.

وليست هذه أول مرة يثير فيها شهر رمضان كل هذا التنديد بين اليمينيين الألمان، ففي عام 2018، دعا النائب البرلماني عن حزب البديل، مارتن زيشرت، إلى منع تشغيل الأطباء والسائقين المسلمين أثناء صيامهم خلال شهر رمضان، وأنه يجب منحهم إجازاتهم السنوية خلال هذا الشهر، بذريعة الخوف من قلة تركيزهم في العمل.

جهود ضعيفة

لا تتوفر الحكومة الفدرالية على مفوّض خاص بمحاربة الإسلاموفوبيا رغم تأكيد تقرير الخبراء المستقلين انتشار الظاهرة.

وفي الوقت الذي وقفت فيه الحكومة بحزم ضد هجمات ضد اليهود، مهما كان حجمها أو تأثيرها، فهي لا ترّد بالصرامة ذاتها على معاداة المسلمين التي أضحت أمرا عاديا في الإعلام الألماني وفي شبكات التواصل الاجتماعي، ويُنظر إليها بشكل واسع بأنها تعبير عن الرأي.

ويؤكد يورغن زيميرر أنه "لأسباب تاريخية مفهومة، تعتبر مكافحة معاداة السامية جزءًا أساسيًا من الهوية الألمانية. ومع ذلك، لا ينبغي لنا أن ننسى أن الدرس الأكثر عمومية المستفاد من النازية كان التخلي عن فكرة مفهوم الشعب الألماني، أي المفهوم القائم على سلالة الدم والنسب، لصالح مفهوم أوسع يعتمد على المواطنة".

ويضيف أن "رهاب الإسلام هو بمثابة علامة خفية على الغيرية، أي خلق آخر (مسلم) على أساس الأصل، وعلى العرق، دون إعلان ذلك بشكل صريح".

من جانبه يشير كارستن كوشميدر إلى أنه حتى "المعتدلون واليساريون باتوا يقولون إن الإسلام لا يتناسب مع الديمقراطية، وهو ضد المرأة، أو أننا لا نريد قواعد وقوانين كما هو الحال في دول شرق-أوسطية مسلمة يُنظر لها أنها متزمتة".

ورأى أنه عندما يركز حزب البديل من أجل ألمانيا على العنصرية المناهضة للمسلمين، فإنه قادر على كسب تأييد عدد أكبر من الناس".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات فی ألمانیا کبیر من

إقرأ أيضاً:

«قتل الجماعة للواحد»

حفظ المجتمعات وصيانة الأمن بها ونشر السلام فى روبعها من أهم المقاصد المرعية فى الإسلام، ومما يدلل على ذلك ما قال به جمهور العلماء بقتل الجماعة بالفرد بمعنى لو اجتمع جماعة على قتل شخص فإنهم يقتلون به جميعًا تعظيمًا لمقاصد الشريعة الحافظة للنفوس، فالرسول لم يقتل جماعة بواحد لعدم حدوث وقعة فى عهده، وكذلك أبو بكر لم يقتل جماعة بواحد فلم يُعرف عنه أنه قضى فى قضية كهذه، وفى عهد الفاروق عمر – رضى الله عنه – حدث أن قتل جماعة واحدًا، ثبت ذلك روايات كثيرة، بعض هذه الروايات تذكر أنه قتل سبعة بواحد لما اجتمعوا على قتله، وبعضها تذكر أنه قتل امرأة وخليلها لما اجتمعا على قتل غلام، وبعض هذه الروايات تذكر أنه قتل ستة بواحد قتلوه، وبعضها تذكر أنه قتل أربعة قتلوا صبيًا. لذلك ذهب الحنفية والمالكية والشافعية والظاهرية إلى وجوب القصاص فى حالة تعدد الجناة كوجوبه فى حالة انفراد جانٍ واحد بارتكاب الجريمة، لأن الله تعالى أوجب القصاص لاستبقاء الحياة حينما قال سبحانه: «وَلَكُمْ فِى الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِى الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» «البقرة: 179» فمتى علم الإنسان أنه إذا قتل غيره قتل به لم يقدم على القتل تفرد القاتل أو تعدد، ولأن القول بقتل الجماعة بالواحد يتناسب وشرعية العقاب من القصاص كما أن المفسدة المترتبة فى حال القول بعدم قتل الجماعة بالواحد خطيرة على أمن المجتمع لأنه يؤدى إلى التسارع إلى القتل به، فيؤدى إلى إسقاط حكمة الردع والزجر فلو علم الأعداء أنهم بالاجتماع يسقط القصاص عنهم لقتلوا عدوهم فى جماعتهم، فخوفًا من صيرورة النفس الإنسانية للإهدار مآلاً، حكموا بقتل الجماعة بالواحد وتأسيسًا على هذا النظر المقاصدى الثاقب، قرر الإمام الغزالى أن الأيدى تقطع باليد الواحدة أيضًا فقال: «الأيدى تقطع باليد الواحدة كما تقتل النفوس بالنفس، حسمًا لذريعة التوصل إلى الإهدار بالتعاون اليسير الهين على أخذان الفساد وأقران السوء». 
وفى زماننا ومع تفشى الجرائم وتنوعها وتطور أساليبها ومع انتشار عصابات إجرامية منظمة نجد فى هذا التشريع رادعًا للمجرمين، فالإسلام لم يهدف أبدًا إلى جلد الظهور ولا إلى قطع الأيادى ولا إلى رجم الزناه، بل يهدف لنشر الأمن والسكينة وسلم المجتمع ونموه، ولو نظرنا للشروط الموجبة لتطبيق العقوبات والمعروفة بالحدود لوجدنها عسيرة جدًا لكن وجودها فى حد ذاته كان زاجرًا قويًا على عدم تسورها لذلك وجدنا حدودًا تطبيقها على مدار أكثر من ألف وأربعمائة سنة لم يتخطَ عدد أصابع اليدين، فلو نظرنا إلى هذا وجمعناه مع قتل الجماعة بالواحد، بالإضافة لقتل المسلم بغير المسلم وحفظ هذا الشرع لعهود الأمان والذمة لأدركنا سوء فهم البعض لشريعة الإسلام وغياب النظر المقاصدى فى تقديم الإسلام للعالمين وخلط بين أصول الأيمان وفروع الشريعة ما يستوجب أن نجعل من شعارنا «هذا هو الإسلام» نبراسًا يضىء لنا بعض جمال هذا الشرع الحكيم المنزل من عند رب العالمين.

من علماء الأزهر والأوقاف

مقالات مشابهة

  • خطيب المسجد الحرام: ستظل فلسطين والقدس في قلوب المسلمين والعرب
  • قلق إسرائيلي من تصاعد دعم الإيطاليين للفلسطينيين وتنامي العداء للاحتلال
  • «قتل الجماعة للواحد»
  • تصنيف الإخوان المسلمين جماعة إرهابية.. نهاية للحرب أم تصعيد للصراع في السودان؟
  • فلوريدا وتكساس تصنفان الإخوان المسلمين وكير منظمتين إرهابيتين.. لماذا؟
  • اعتداء على مسجدين في هانوفر وسط تصاعد جرائم معاداة الإسلام في ألمانيا
  • تجليات يُتم الفكر في الفضاء الإسلامي.. الذكرى 57 لمحكمة الردة الأولى وتشكيل التحالف الديني العريض ضد الفهم الجديد للإسلام «5- 11»
  • العداء الإثيوبي.. والصبر المصرى
  • ولاية أمريكية تصنف “الإخوان المسلمين” ومجلس “كير” منظمتين إرهابيتين
  • ملتقى العلماء المسلمين: المفاوضات فخّ تطبيعي والاحتلال لا يخرج إلا بالقوة