هكذا كشفتتهنئة رمضان عمق العداء للإسلام في ألمانيا
تاريخ النشر: 14th, March 2024 GMT
برلين – عدد من المصابيح، وتهنئة مضاءة بكلمتي "رمضان سعيد"، وتكلفة 75 ألف يورو. هذه اللفتة البسيطة من بلدية مدينة فرانكفورت للمسلمين، المدينة المعروفة بالحضور القوي للجالية المسلمة، أثارت حنق اليمينيين المتشددين في ألمانيا، الذين رفعوا أصواتهم رافضين لتهنئة المسلمين بأهم شهر لديهم.
المبادرة بالاحتفاء بدخول رمضان، جاءت من عمر شحاتة، عضو المجلس البلدي من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، كما رحبت بها رئيسة البلدية، نرجس إسكندري غرونبرغ، عن حزب الخضر، مشيدة بدورها في تعزيز التعايش السلمي بين سكان المدينة.
ويُظهر التنديد الكبير بهذه الخطوة البسيطة إشارات كبيرة على تزايد معاداة المسلمين بشكل واضح في ألمانيا، عداء يحاول عدد من أصحابه إخفاءه بمبرّرات منها مسيحية الغالبية من المواطنين، أو عدم اندماج جزء كبير من الجالية المسلمة مع القيم الغربية، رغم تأكيد سياسيين ألمان أن الإسلام ينتمي إلى ألمانيا، وضمنهم المستشارة السابقة أنجيلا ميركل.
"الاحتفاء برمضان أو الأعياد الإسلامية لا يمثل أيّ خطر على ألمانيا"، كما يؤكد الدكتور يورغن زيميرر، وهو مؤرخ في جامعة هامبورغ ومدير مركز أبحاث تراث هامبورغ (ما بعد) الاستعماري، للجزيرة نت.
وشدد زيميرر أنه "حان الوقت لأن تتقبل ألمانيا التنوع الديموغرافي لمواطنيها"، وأنه "مثلما نحتفل بعيد الميلاد أو عيد الفصح، يجب أن نكرم رمضان أو حانوكا (عيد الأنوار اليهودي)".
رفضت التيارات اليمينية واليمين المتطرف في ألمانيا تهنئة المسلمين بشهر رمضان (غيتي) عداء مغلفروبرت لامبورو، رئيس مجموعة حزب "البديل من أجل ألمانيا" في برلمان ولاية هيسن (تتبع لها مدينة فرانكفورت)، كتب على موقع الحزب "هذه الخطوة علامة واضحة على الأسلمة التدريجية لبلادنا"، متابعا "على النقيض من التصريحات الرسمية الساذجة لحزب الخضر، الخطوة ليست علامة على السلام والتكاتف، بل بادرة استسلام للإسلام".
لكن ليس هذا الحزب اليميني الشعبوي هو الوحيد من كان ضد المبادرة، فالاتحاد المسيحي الديمقراطي (حزب ميركل) عارض الخطوة قائلا إنه "لا يجب تخصيص التهنئة على دين معين من أديان الجماعات الدينية، وإذا كان الاحتفاء ضروريا، فيجب أن يعطى للكل" علما أن بلديات وساسة ألمان، ينتمون إلى هذا الحزب، يحتفلون كذلك بمناسبات غير مسيحية، ومنها اليهودية.
ثيلو زاراتسين، وهو مستشار سابق في بلدية برلين عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي، طالب في مقال له بعدم الاحتفال بمناسبات المسلمين. والسبب حسب زعمه أن "جلّ الهجمات بالسكاكين في ألمانيا يقوم بها مسلمون، وعدد كبير من السجناء مسلمون، وعدد كبير من المسلمين في ألمانيا يعيشون على الإعانات الاجتماعية، ولا يحقق أولادهم نتائج جيدة في المدرسة، ولا يوجد بلد مسلم واحد في العالم ديمقراطي حسب المعيار الغربي".
وعُرف زاراتسين بمواقفه المعادية للمسلمين، التي ظهرت في كتابه "الاستحواذ العدائي: كيف يعيق الإسلام التقدم ويهدّد المجتمع"، مما أدى بقيادة الحزب إلى طرده، متهمةً إياه بالإسلاموفوبيا.
"تسامح مفرط"من جهتها نشرت أنابيل شونكه، وهي صانعة محتوى معروفة بمواقفها المعادية للمسلمين، فيديو قالت فيه إنه "بينما يتم سحب أشجار عيد الميلاد من دور الحضانة، فالتقاليد الإسلامية يتم نشرها"، مشيرة بذلك إلى حدث محصور في حضانة واحدة في هامبورغ بحكم أن كل الأطفال فيها مسلمون.
واتهمت أنابيل جزءا كبيرا من المسلمين بالعداء لليهود، قائلة كذلك "إنها لا تريد رؤية أضواء رمضان في شوارع ألمانيا". وحقق الفيديو انتشارا واسعا بين عدد كبير من الألمان المعجبين بمحتواه.
حتى من خارج ألمانيا، صدحت أصوات بانتقاد الخطوة، منهم بينيديكت نيف، من صحيفة "نيو زرويشه تسايتونغ"، الذي كتب: "ألمانيا لا تتعلم أبدا، التسامح المفرط تجاه الإسلام، مقابل إنكار الذات هي كارثة في مفهوم الاندماج. لكن هذا ما يظهر أنه مفهوم ألماني".
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة برلين الحرة الدكتور كارستن كوشميدر للجزيرة نت: "كما هو الحال في معظم الدول الأوروبية، يركز اليمين المتطرف في ألمانيا على المسلمين ويكره الإسلام. إنه أحد موضوعاتهم الرئيسية، محاولا تغذية الاستياء بين السكان (من هذا الدين)".
ويؤكد كوشميدر أن "الوقوف ضد الأجانب أو ضد الأجناس الأخرى يعتبر أمرًا غير مناسب من قبل الكثير من الناس. لكن أن تكون ضد المسلمين أمر مقبول أكثر بكثير، حتى داخل الأحزاب المحافظة ووسائل الإعلام وما إلى ذلك".
المؤرخ الألماني يورغن زيميرر يرى أن الخوف من الإسلام في ألمانيا هو "ذعر مفتعل" (مواقع التواصل الاجتماعي) إسلاموفوبيا مستمرةويوضح يورغن زيميرر أن الخوف من الإسلام هو "ذعر مفتعل، يهدف إلى العودة إلى ألمانيا المتجانسة النقية، على أساس أفكار "النقاء العنصري"، التي ظهرت بشكل بارز في الأيديولوجية النازية"، محذرا من أنها "فكرة العودة إلى ألمانيا قبل عام 1945".
وتؤكد الكثير من هذه المواقف صحة ما جاء في تقرير خبراء عينتهم وزارة الداخلية، ونُشر العام الماضي، حول أن معاداة المسلمين منتشرة في المجتمع الألماني، وأن المسلمين يعانون تهميشا كبيرا، كما يتم تصوير الدين الإسلامي غالبا على أنه "دين رجعي".
وكانت دراسة أخرى صادرة عن مؤسسة بيرتلسمان الألمانية عام 2019 ، قد ذكرت أن ما يزيد عن نصف سكان ألمانيا يرون الإسلام "تهديدا" واضحا للمجتمع، وليس "مصدر غنى وتنوع" ثقافي.
وليست هذه أول مرة يثير فيها شهر رمضان كل هذا التنديد بين اليمينيين الألمان، ففي عام 2018، دعا النائب البرلماني عن حزب البديل، مارتن زيشرت، إلى منع تشغيل الأطباء والسائقين المسلمين أثناء صيامهم خلال شهر رمضان، وأنه يجب منحهم إجازاتهم السنوية خلال هذا الشهر، بذريعة الخوف من قلة تركيزهم في العمل.
جهود ضعيفة
لا تتوفر الحكومة الفدرالية على مفوّض خاص بمحاربة الإسلاموفوبيا رغم تأكيد تقرير الخبراء المستقلين انتشار الظاهرة.
وفي الوقت الذي وقفت فيه الحكومة بحزم ضد هجمات ضد اليهود، مهما كان حجمها أو تأثيرها، فهي لا ترّد بالصرامة ذاتها على معاداة المسلمين التي أضحت أمرا عاديا في الإعلام الألماني وفي شبكات التواصل الاجتماعي، ويُنظر إليها بشكل واسع بأنها تعبير عن الرأي.
ويؤكد يورغن زيميرر أنه "لأسباب تاريخية مفهومة، تعتبر مكافحة معاداة السامية جزءًا أساسيًا من الهوية الألمانية. ومع ذلك، لا ينبغي لنا أن ننسى أن الدرس الأكثر عمومية المستفاد من النازية كان التخلي عن فكرة مفهوم الشعب الألماني، أي المفهوم القائم على سلالة الدم والنسب، لصالح مفهوم أوسع يعتمد على المواطنة".
ويضيف أن "رهاب الإسلام هو بمثابة علامة خفية على الغيرية، أي خلق آخر (مسلم) على أساس الأصل، وعلى العرق، دون إعلان ذلك بشكل صريح".
من جانبه يشير كارستن كوشميدر إلى أنه حتى "المعتدلون واليساريون باتوا يقولون إن الإسلام لا يتناسب مع الديمقراطية، وهو ضد المرأة، أو أننا لا نريد قواعد وقوانين كما هو الحال في دول شرق-أوسطية مسلمة يُنظر لها أنها متزمتة".
ورأى أنه عندما يركز حزب البديل من أجل ألمانيا على العنصرية المناهضة للمسلمين، فإنه قادر على كسب تأييد عدد أكبر من الناس".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات فی ألمانیا کبیر من
إقرأ أيضاً:
الثيوقراطية في النظام الغربي
معنى الثيوقراطية:هو مصطلح يصف حالة حكم رأي رجال الدين المسيحي في العصور الوسطى وتفاعلهم مع الملوك للتمكن من الشعب، فكان رأي رجل الدين الشخصي يعتبر حكما مقدسا إلهيا، والقساوسة يتكلمون باسم الله، أي هو في الخلاصة رأي مقدس يجب أن يكون معيارا لسلوك الجميع وواجب الاتباع منهم.
لذا يمكن القول إن الثيوقراطية لا تتعلق بالدين المسيحي ولا بأي دين آخر، وإنما هو تقديس رأي البشر وفرضه على الآخرين أو جعله معيارا للصواب والخطأ أو الحسن والقبيح، وبالتالي فإن تعصب العلماني إلى العلمانية وسلوكه هذا السلوك في تقديس رأيه ضد الأديان أو غيرها فهو ثيوقراطي متعصب للفكرة التي عنده.
لا غرابة أن نجد العلمانية اللائكية في فرنسا مثلا قد ثارت ضد الملوك ورجال الدين، لكنها في الحقيقة ثارت لأنها واقعة تحت ظلمهم وليس ضد الظلم نفسه، فنجد في التاريخ تعصب ضد الأديان ونجد تحول الملكية إلى إمبراطورية كانت تُعد زمن نابليون الأول للتوريث، فما اختلف الأمر؛ عصبية باسم الدين أصبحت عصبية علمانية، وملكية في سلالة بالحق الإلهي أصبحت وراثية من دكتاتور أو طاغية بحكم القوة والنفوذ وبقي الفساد على وضعه، وهذه أتت كرد فعل أيضا على بداية الثورة الفرنسية عندما أعدم روبسبير الناس بدل سجن الباستيل، وأعدم روبسبير أكثر من 6 آلاف شخص في أقل من شهر ونصف، وفي العام 1794 من معارضته، وأعدم هو الآخر بـ"المقصلة" مع 100 آخرين من أعوانه، وهي كما هو واضح فاعلية للأنا، فهي منظومة تنمية التخلف إذن تتعامل مع غريزة حب السيادة والتملك كأي سلطة في العالم اليوم مهما حوّرت وغلفت نفسها بشعارات وآليات كما تفعل الرأسمالية.
الثيوقراطية الرأسمالية:
النظم الغربية نشأت على إسقاط الأعراف ووضع القانون والدولة، لكن هذا أبقي باطنيا كثير مما تسرب من العصور الوسطى التي أغلقت دون مراجعة لتفاصيلها إلا بقدر ما يهم الثورة الصناعية والانتقال إلى مجتمع لا يتحكم به القساوسة، واستل النظام الديمقراطي وفق شروط نخبوية، وهذا مهم جدا لأن النظام الرأسمالي غايته حماية رأس المال بآليات متعددة منها نشأت على تتابع كالديمقراطية والليبرالية وحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني وغيرها في عملية بناء طويلة شكلت نمط حياة مقبول.
ولأنها لم تواجه في البدء تحديات من الشرق حقيقية أو فكرية لم تُبحث هذه المنطقة إلا بشكل يلائم أفكارها نحوها ومصدرها في هذا المنقول، والذي من ضمنه الحروب البينية. وكان النظر إلى مصدر القوة كتهديد لنمط الحياة كما كان تهديدا للنظم الحاكمة في أوروبا قبل الثورة أو ما يسمى النهضة والتي في حقيقتها تنمية اقتصادية ترافقها تحولات مدنية في المجتمع، لكن أفكارهم عن الإسلام مثلا هي انطباعات منقولة عن الصليبين والقسس في مرحلة التحشيد لغزو الشرق المهرطق والوثني والذي يملك الكنوز، واليوم هو يملك مصادر الطاقة لكن بقيت ذات الأفكار.
ما المشكلة؟
لدينا في واقعنا مشكلة مزدوجة لفوضى الواقع والفراغ الحقيقي الذي لم يُملأ من زمن ضعف قبضة الدولة العثمانية وامتداد النفوذ الغربي إلى داخلها نتيجة الفساد فازداد الأمر تعقيدا، وعلت المقاومة للدخيل بالتمسك بالماضي والتقليد بل اعتبر أي فكر خارج الصندوق يسعى للاجتهاد هو فكر فيه جنوح وكفر، وما أسهل التكفير لحمَلة رايات التغيير. وهنا تحول الواقع إلى ما يشبه الثيوقراطية لكنها مؤيدة للحاكم ولا تحكم أو متحالفة معه، وإنما تؤيده بحكم ولاية التغلب المنقولة عن التنظير الفقهي الواضح في العصر العباسي. والتغلب فاعليته قد بدأت بعد الحكم الشوري الراشدي.
ظهور التطرف من مفرزات تعاظم التحديات والتضييق على الإسلام من داخله وخارجه، فلا يسمح بفهمه بل وضعت شروطا وقواعد للاجتهاد تبقيك في دوار القديم (كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة هي وصاحبها في النار)؛ كذلكم الغرب يعمل على إذكاء الفشل وإبراز التطرف متحدا بذلك مع رجال الدين عنده، المتوجسين على الرعوية، وعناصر من الكراهية وتقسيم المجتمع إلى أقلية وأكثرية وإثنية وطوائف، بل بات المنظرون لا يفهمون الإسلام ومؤمنون بما لا يفهمون أنه الفهم الصائب في ذات طريق العلمانية الثيوقراطية التي تحمل نوعا من العلمانية المقدسة والتصالحية، وهما معروفتان لكنني اصطلحت هاتين الكلمتين للتعبير عنهما.. فتقول أهونها أن الإسلام يمكن أن يحكم كأحد الجهات، دون فهم لحقيقة الإسلام أنه يحكم بغايته وغايته هي أهلية الإنسان وكرامته، فالعلمانية أصلا لا نحتاج لها لـنها تمثل عيوب وإسقاطات تاريخ مختلف لأمم أخرى وثقافة أخرى.
نحن والغرب:
من المفارقات الرهيبة ما يرتكب بحق المسلمين في بلدانهم سواء من الاحتلال أو ممن لا اعتراض عليهم من الغرب لكونهم "علمانيون" فلا لا يرون القمع منهم، وكل أمر ضد الإنسانية يمارَس من حكام المسلمين المستبدين، والذين يتسلطون من غير المسلمين، وجرائم يعتبرها القانون الدولي أنها جرائم حرب لكنها لا يُنظر إليها ولا تعالج ويريدون من هذه الشعوب ألا تدافع عن نفسها ولا تثور ضد الظلم وعلى الوحشية وإهانة الكرامة الإنسانية، وإن فعلت فهي إرعابية (كلمة إرهاب خطأ لغوي).
لا يعترضون إلا شكليا لإبقاء الطاغية خائفا منهم مرتاحين لنقاط ضعفه وحرصه على كرسيه، وهذا منزلق لقاع النفاق والوحشية، مع غياب القيم عن الغرب ومعايير الأخلاق وارتباط سلوكه بالنفعية والتعامل من خلالها.
فإن جاء للحكم إسلامي، وبدل أن يتركوه يخوض التجربة ويطور في أساليب الحكم؛ فليس في الإسلام نظام جاهز وإنما يتبع الغاية بأسلوب العصر.. يقومون بسؤاله أن يحافظ على الأقليات، وهل الأقليات، أديانا وعرقيات، كانت لتبقى لو أن الإسلام متعصب ضد الأديان والقوميات؟ ولا يرون أن الإسلام لا يتعامل بالأقلية والأكثرية فالأمة تفخر برجالها التاريخيين من أية قومية كانوا.. وهل سيسمح بالتعري وشرب الخمر؟.. وكان معاييرهم الثيوقراطية هذه هي الصحيحة؛ ولا يرون ما في مجتمعهم من إفرازات لأن الإنسان لا يعامَل للحفاظ على سلامة تفكيره. والإسلام يهدف للحفاظ على الضروريات الخمس، لكل الأديان وكل البشر. علينا أن ننشئ مركز دراسات من النخب لفهم ديننا على حقيقته، وكذلك الغرب عليه أن يفهم نفسه ويفهم الإسلام أيضا لتستقيم البشرية.