الجزيرة:
2025-01-22@15:43:12 GMT

تأشيرات في ذكرى الثورة السورية

تاريخ النشر: 14th, March 2024 GMT

تأشيرات في ذكرى الثورة السورية

تدخل الثورةُ السورية المباركة، هذه الأيام، عامها الثالث عشر، في وقت يروّج العدو لسردية أن النظام قد انتصر، وكل شيء قد انتهى، يريدون بذلك هزيمة الناس من باب الحرب النفسية، حتى يقبلوا بأي حل وعلى أي صورة يكون، وهي سردية باطلة شكلًا ومضمونًا، ويردها الواقع، وترفضها حقائق الأشياء بكل أجزائها، ويجب علينا أن نصمد ونرد هذه السردية ونثبت على طريق الثورة حتى تحقق أهدافها.

والحق أن هذه الذكرى تأتي لتذكرنا بصبر هذا الشعب الأبي، وصموده الاستثنائي، وقوته في مواجهة طغيان نظام الجريمة في سوريا، ومن يسانده من قوى الشر والظلام.

وتتزامن هذه الذكرى العزيزة على قلوب السوريين الأحرار، مع شهر رمضان المبارك، شهر الصبر والتضحية والطاعات، شهر القرآن الكريم والصيام والقيام، وصلة الأرحام، شهر الجهاد والبطولات والغزوات الفارقة بين الحق والباطل، كغزوة بدر، وفتح مكة، وحطين، وعين جالوت، وغيرها من المعارك المصيرية في التاريخ الإسلامي.

ولعل هذا التزامن اللطيف، يبعث بمعاني الطمأنينة والبشرى بموعود الله – عز وجل-، لهذا الشعب الصابر المصابر، بأن بعد كل ضيق فرجًا، ومع كل عسر يسرًا.

هذه الثورة المباركة، التي خلّدت اسمها في صحائف التاريخ المجيدة، بوصفها من أعظم ثورات العصر الحديث صمودًا وثباتًا، وأرسخها مشروعية وأحقية، وأغلاها كلفة وتضحيات بشرية ومادية، لا بد لها من وقفة مراجعة جادة، لتصويب مسارها، وإعادة توجيه بوصلتها، وترشيد فعلها.

فلا بد أن نشخّص ما آلت إليه الثورة حاليًا من أوضاع، تشخيصًا دقيقًا حقيقيًا، دون مجاملة أو تزيين أو تزييف، لنحسن بعد ذلك وضع الحلول المناسبة لإعادة النهوض والانطلاق، انطلاقة جديدة راشدة، متجاوزين أخطاء الماضي وعثراته.

انطلاقة الثورة.. أمل وألم

لا يجادل إنسان عاقل أو منصف بأنّ هذه الثورة قامت سلمية بجدارة، مطالبة بالحرية والعدل والكرامة، إلا أن نظام البطش والإرهاب والإجرام في سوريا تعامل معها بلغة القمع والقتل وإرهاب السلطة التي لا يجيد غيرها، فسلط على الشعب الثائر شبّيحته وجلاوزته وأجهزته الباطشة، مرتكبًا بحقهم مجازر وحشية، يندى لها جبين الإنسانية، وتشمئز منها ضمائر العالم الحي، وما القصف بالسلاح الكيميائي إلا مفردة من مفردات تلك الفظائع، التي ارتكبها هؤلاء المجرمون.

لكن الشعب السوري واجه ذلك القتل والإجرام بصبر وتحدٍّ، وصمد أمام آلة إرهاب النظام صمودًا عجبًا، رغم جسامة الخطْب، وفاتورة الموقف الباهظة.

لقد قاومت هذه الثورة الفريدة جبهة واسعة من الأعداء المجرمين من الداخل والخارج، فصمدت.. كما قوبلت بخذلان واضح، ومؤامرة كبيرة فلم يزدها ذلك إلا صمودًا وإيمانًا وتسليمًا.

عدوان طائفي

ثم جاء دور نظام الحقد الطائفي صاحب المشروع الخطر، والمخطط الهدام، حليف نظام الأسد الإستراتيجي، فما إن رأى نظام الأسد بدأ يتهاوى أمام صلابة ثورة الشعب، حتى تدخل لينقذه من السقوط، وخشية انكسار العمود الفقري لمشروعه الطائفي الخبيث، الذي عمل لعقود طويلة على زجّ سوريا في أتون محرقته.

وما لبث نظام إيران أن دخل المعركة بكل لوازمها، وزج بإمكاناته كافة، وحرك أذرعه الطائفية السيئة في كل مكان، مرتكبًا أبشع الجرائم بحق أبناء الشعب السوري في المدن والبلدات والقرى السورية.

لكن رغم كل هذا البطش والإجرام، لم يكن الطريق أمام نظام إيران وأذرعه الإجرامية سهلًا، فكانت المفاجأة لهم أن وجدوا ثوارًا صابرين صامدين.

احتلال روسي

ولما أن عجز النظام وحلفاؤه الطائفيون عن القضاء على الثورة واستئصالها، لم يجدوا بدًّا من عقد معاهدة ماكرة مع نظام روسيا؛ من أجل إنقاذ الموقف؛ فلجأ رأس النظام إلى الخيانة العظمى، وطريقة الغدر الأكبر، باستقدام الروس، حتى يحققوا لهم ما يصبون إليه، راهنًا لهم مقدرات البلاد وخيراتها، وحاضرها ومستقبلها.

وبالفعل، جاء الدب الروسي بهمجيته المعهودة، وقسوته المعروفة، ونفسيته السادية، وأدواته الفتاكة، ووسائله الإجرامية الحديثة، وصاروا يصبون جام غضبهم على أبناء الشعب السوري الذين خرجوا يبحثون عن الحرية والعدل والكرامة.

لقد ارتكب المحتلون الروس جرائم كثيرة، قتلوا خلالها خلقًا كثيرًا، خصوصًا من الأطفال والنساء والشيوخ، فذهب ضحية قصفهم الظالم أسرٌ بكامل أفرادها، كما قاموا بتدمير الكثير من منازل المواطنين، وتخريب البنى التحتية.. ونتيجة قصفهم الهمجي رحل مئات الألوف عن مدنهم وقراهم وبلداتهم، وصاروا إما نازحين على الحدود، أو لاجئين في الدول المحيطة وغيرها من الدول.

عوامل النصر والنجاح

لا بد، كما أسلفنا، من وقفة..

من هنا كان علينا أن نعرف جميع جوانب النقص، لأن معرفة المرض وتشخيصه، هو المقدمة الصحيحة الناجعة للعلاج.

وعلينا أن ندرك تمام الإدراك، أن من أهم عوامل النصر والنجاح، وحدة الصف، واتحاد الكلمة، واجتماع العاملين، وأن الفرقة شر، وهي من أكبر المصائب، التي تواجه المجتمعات والتجمعات، فضلًا عن الثورات، والمشاريع التغييرية الكبيرة.

والمطلب العملي، هو أولًا وحدة التنسيق والتعاون، وهناك جهود ناشئة في هذا الشأن، نشد على أيدي أصحابها للوصول إلى نقطة الالتقاء في عالم المرجو من هكذا عمل مهم ولازم، وبهذا نضع أقدامنا على طريق الوصول بسلام وأمان.

قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ) (الصف:4). وقال نبيه الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم -: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم، كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).

وكلمة لأبناء الشعب السوري: اصبروا وصابروا ورابطوا، واتقوا الله، لعلكم ترحمون.. وحدوا صفوفكم، واجمعوا كلمتكم، وتسامحوا فيما بينكم، وكونوا عباد الله إخوانًا.. تعاونوا على عمل الخير، وكونوا يدًا واحدة، في الداخل والخارج، سياسيين وإغاثيين، مدنيين وعسكريين، علماء وقادة.

ثم ننطلق يدًا واحدة نعمل على إحياء قضيتنا وثورة شعبنا حتى نحقق أهدافها.

ولا بد أيضًا من التركيز على الداخل السوري، وتحقيق اللحمة الوطنية، والنظر في الثغرات، لسد الخلل، وتصحيح الأوضاع، ولم الشمل، وتنظيم الأمور بصورة فعالة، والتواصل مع الناس، لحل مشكلاتهم.

أما أبناء الشعب السوري في الخارج، فعليهم أن يكونوا سفراء خير أينما كانوا وحيث حلّوا لهذا الشعب المنكوب وهذه الثورة المباركة، يذبّون عنه كيد الكائدين، وشائعات المغرضين، وتشويه المشوهين، وطعن الطاعنين، وتلفيق الملفقين، فالأعداء كثر، وغفلة الصالحين مشكلة كبيرة، فالتحديات لا يستهان بها، والعقبات تحتاج إلى تعاون كي نتجاوزها.

وبالمقابل، يلزمنا أن نقف على حقيقة هذا التخاذل الرهيب، الذي يتعلق بقضية ثورة سوريا، ندرس أسباب ذلك ودوافعه، ونقف على حقيقة الأمر بعمق ودراية، من غير عواطف ولا انفعالات، ثم نحاول وضع النقاط على الحروف، في إيجاد الحلول المناسبة لهذه المعضلة.

ومن ثم لا بد من وضع خطة عمل شاملة، لتحريك الحدث السوري عالميًا، دون إهمال لأحد، عربيًا وإسلاميًا ودوليًا، ويكون ذلك عن طريق لجان متخصصة، كل في مجاله، حتى نعيد للقضية السورية ألقها، وما تستحق من عناية على مستوى العالم.

ومعلوم أن القضية السورية، خفت الحماسة لها، بصورة نسبية.. وإن وضعها من جديد على رأس القضايا الساخنة، ضروري ومطلوب.

نتذكر أيضًا أهمية دور العلماء، وأنهم ملح البلد، وما يجب أن يقوموا به، من واجب المناصرة لشعب سوريا، وحث الناس، ليقفوا معهم، وجمع التبرعات لهم، فالعلماء لهم منزلتهم ومكانتهم في نفوس أبناء الأمة، وصوتهم مسموع، وكلمتهم مؤثرة، من هنا كان على عاتقهم، حمل الأمانة إذ هم "ورثة الأنبياء".

الدور العربي والإسلامي المنتظر

إن مشروع الشعب السوري في إسقاط النظام، مشروع عظيم، حق له أن يساند، ويقف كل الناس معه، فزوال هذا النظام خير لسوريا، كما هو أمان لدول الجوار من أمة العرب، وتسلم من شره أمة الإسلام، فزوال النظام المجرم الخائن، فريضة شرعية، وضرورة سياسية، وحالة إنسانية.

إن المعركة في سوريا، معركة أمة، فالشعب السوري، يواجه مشروعًا خبيثًا وخطيرًا، مشروعًا طائفيًا اجتثاثيًا، يريد الهيمنة على الأمة وسحقها وابتلاعها، والمعوّل على شعب سوريا، أن يكون أداة تحطيم هذا المشروع، والقضاء عليه.. وهذا يحتاج إلى مساندين وداعمين ومناصرين، ومن يقدم ما يلزم لمثل هذا العمل العظيم المبارك، فهل من قائل: لبيك يا شعب سوريا.

إن الشعب السوري ينتظر من العرب والمسلمين وأحرار العالم أن يقفوا إلى جانبه، في مشروعه الحضاري، الذي يطالبون به، وينادون بمبادئه، ومما يريدونه أيضًا:

فلا ينسَ كل مسلم على وجه الأرض الدعاء لأبناء الشعب السوري وثورته المباركة، خاصة في هذا الشهر الفضيل؛ حتى يتحقق النصر على المعتدين، ويقيموا دولتهم المنشودة، التي عنوانها العدل، الذي هو جماع الحسنات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات هذه الثورة مشروع ا

إقرأ أيضاً:

الثورات في مواجهة إرث الديكتاتوريات.. إدماج ومصالحة أم إقصاء ومحاكمات عادلة؟

بعد تمكن الثورات من إسقاط رأس النظام، غالبا ما تتباين الآراء والاجتهادات في كيفية التعامل مع إرث أنظمة الاستبداد، وبقايا الديكتاتوريات، ويشمل ذلك جحافل من السياسيين والأمنيين وكبار رجالات الدولة وموظفيها في مختلف تخصصاتهم ومواقعهم الذين خدموا النظام، وساهموا في حمايته واستمراريته لسنوات وعقود.

ففي الثورة التونسية، أو ما اصطلح على تسميتها بالثورة، كان اجتهاد قوى الثورة هو احتواء رجالات العهد البائد عبر المصالحة والإدماج، وهو ما أصاب الثورة في مقتلها وأفضى إلى إجهاضها، وفي مصر اتجه الرأي إلى الاعتصام بالجيش بصفته الحامي والحافظ لمكتسبات الثورة، وهو ما أفضى في نهاية المطاف إلى إجهاض الثورة وإهدار كل مكتسباتها وفق مراقبين.

كيفية التعامل مع إرث الديكتاتوريات، ومعالجة بقايا أنظمة الاستبداد مسألة مربكة وشائكة، غالبا ما تثير الجدل بين قوى الثورة والانتفاضات الشعبية، بين من يرجح خيار الإدماج والمصالحة، وبين من يدفع باتجاه الإقصاء والاجتثاث والمحاكمات العادلة، وباستحضار الأنماط السائدة والمعروفة كيف يمكن للثورات إدارة ذلك الملف الخطير وبالغ الحساسية بحنكة ودراية؟ وهل ثمة تصورات ورؤى غير تلك المعهودة يمكن أن تكون أكثر نجاعة؟

وعلى وقع ما جرى في سوريا بعد عملية "ردع العدوان" التي أفضت إلى إسقاط نظام آل الأسد، ظهرت أصوات وكتابات تقارن بين ما حدث في تونس ومصر وبين ما حدث في سورية مؤخرا، إضافة إلى مراجعة توصيف ما جرى في دول "الربيع العربي" كمصر وتونس.. إن كان بالفعل يندرج تحت مسمى "الثورات" أم أنه حراكات وانتفاضات شعبية لا ترقى إلى مستوى الفعل الثوري الناضج والمكتمل؟

وفي هذا الإطار وصف الكاتب والناشط السياسي السوري، أحمد دعدوش "المقارنات الشائعة حاليا بين سورية ودول أخرى" أنها "تُغفل فارقا جوهريا، فالإسلاميون الذين وصلوا للحكم في تونس ومصر بعد الثورات كانوا ساسة مدنيين مجردين من القوة، وكل ما في الأمر أن الشارع الثوري انتخبهم، لكن لم يستطع أحد أن يغير شيئا في الجيش والمخابرات، فكانت فترة حكم أولئك القادة مليئة بالمتاعب، وسرعان ما انتهت بخلعهم وزجّهم في السجون".

وأضاف: "وفي سورية كان الثمن غاليا جدا لكنه الخيار الوحيد لاجتثاث النظام من جذوره، وحكّام دمشق اليوم هم قادة الفصائل المسلحة، وعناصرهم هم الذين يمثلون الآن الجيش والقوى الأمنية، أما عناصر النظام فأقصى ما يرجونه هو (تسوية أوضاعهم)، وتسليم أسلحتهم، ومن هنا فلا خوف على الثورة من ثورة مضادة مسلحة يقودها النظام المخلوع بالقوة".

وواصل دعدوش حديثه لـ"عربي21" بالقول "بل ينبغي الحذر من أن يعمد فلول النظام لزعزعة الأمن بالفتن الطائفية وأحداث التمرد المتفرقة لتمرير مطالب انفصالية".


                                            أحمد دعدوش كاتب وناشط سياسي سوري

أما بشأن الحل الأنسب للوضع السوي في كيفية التعامل مع إرث نظام آل الأسد القمعي الاستبدادي، فطبقا للكاتب دعدوش "يمكن أن يكون خليطا من عدة تجارب سابقة لدول أخرى، فيشمل جانبا من (المصالحة) خلال مرحلة العدالة الانتقالية على غرار تجربة جنوب أفريقيا، والتي اقتبستها المملكة المغربية جزئيا لتجاوز انتهاكات مرحلة (سنوات الرصاص)".

وتابع "هذا بالتوازي مع استمرار الحملة الأمنية الحالية التي يُعتقل فيها عناصر الشبيحة، بشرط أن تلتزم بضوابط قانونية وشرعية تخلو من الانتقام، وإلى جانب مشروع طويل الأمد لتطهير ثقافة المجتمع السوري من مخلفات النظام البائد وما سبقه من أنظمة انقلابية فاشلة منذ جلاء الاستعمار".

وأوضح أنه يقصد بذلك "مشاريع تربوية وتثقيفية تعالج مشاكل الطائفية، وإرث الاستبداد والاستعباد، وتحكّم العسكر بكل مفاصل الحياة" لافتا إلى أنه "يصعب في هذا الوقت المبكر تقييم أداء الإدارة الحالية، فإذا كانت الأخطاء واردة لدى الإدارات السياسية العريقة فمن الإنصاف التساهل مع قدر معقول من أخطاء القادة الجدد، وأعتقد أن إنجازاتهم الحالية تسبق هفواتهم وتقصيرهم، وأتفاءل بقدرتهم على التعلم من أخطائهم لتجاوز هذه المرحلة الصعبة".

من جانبه رأى الكاتب والباحث المغربي، نور الدين لشهب أن "ما حدث عام 2011 فيما سُمي بالربيع العربي لا يتعلق بثورة حقيقية كما نطالع في تاريخ الثورات، بل يتعلق برجات سياسية متحكم فيها ضمن ترتيبات دولية، وهذا ما ظهر بشكل واضح في تقارير استخباراتية، وفي مذكرات الساسة في أمريكا وحتى في العالم العربي".

وأضاف "فما وقع في تونس ـ على سبيل المثال ـ فيما سمي بثورة الياسمين حصل وفق ترتيبات محددة بين مجموعة من الدول كما تحدثت عدة تقارير إعلامية واستخباراتية، كما أن الفشل الذي حاق بالتجربة كان منتظرا لأن الثورة هي عدوى تنتقل في محيطها كما حصل في أوروبا مثلا، ولا يمكن للثورة في تونس أن تنجح وهي محاطة بدولة ذات نظام سياسي عسكرتاري هو الجزائر، ودولة فاشلة هي ليبيا، هذا بالإضافة إلى التدخل الأجنبي من قبيل إسرائيل وفرنسا وإيران".

وتابع لشهب في حواره مع "عربي21": "أما ما وقع في سوريا مؤخرا فيختلف عما وقع في تونس ومصر، وإن كان الحدث مرتبطا بأحداث ما سمي بالربيع العربي، لأن عمليات ردع العدوان هي امتداد لأحداث ما سمي بالربيع العربي، غير أن هذا الامتداد عرف بانعراجات تتعلق بالعمق الاستراتيجي الذي يتجاوز بعض الترتيبات التي يراد لها أن تتحقق على واقع الأرض بالمنطقة".


                                                نور الدين لشهب كاتب وباحث مغربي

وأردف "وإذا ما اعتمدنا على نظرية مكر الله الخير كما تحدث عنها المفكر التونسي أبو يعرب المرزوقي يمكن أن نذهب إلى القول أن ما وقع في سوريا هو امتداد طبيعي للحدث المفصلي الذي وقع في فلسطين بتاريخ 7 أكتوبر 2023، وهو ما سمي بـ “طوفان الأقصى"، وهو حدث مفصلي بالفعل كما تحدثت عن ذلك الكثير من المقالات التي صدرت في مجلات تحظى بمتابعة النخبة في العالم".

وردا على سؤال "عربي21" بشأن اختيار الطريق الأكثر نجاعة في التعامل مع إرث أنظمة الاستبداد، وبقايا الديكتاتوريات، قال لشهب "ما أراه في معالجة هذه القضية ضرورة التفريق بين رجالات النظام السابق، إذ ليس كل من اشتغل مع النظام يمكن اعتباره مجرما يجب إقصاؤه وتهميشه، بل منهم طاقات وكفاءات هي ملكية للدولة، يجب احتواؤها والاستفادة منها".

وأكمل فكرته بالقول "أما من ثبت إجرامه، وشارك في تعذيب المواطنين وقتلهم، وكان له دور في تشريد الملايين من السوريين وملاحقتهم في محاكم تفتقر إلى أبسط شروط المحاكمات العادلة، فهؤلاء ينبغي محاكمتهم في محاكم جنائية، لينالوا جزاءهم العادل جراء ما اقترفوه من جرائم بحق أبناء الشعب السوري".

وفي ذات الإطار رأى الكاتب والإعلامي المصري، أحمد عبد العزيز أن "الثورة لا يمكن أن تهادن النظام القائم المستبد، ولا تصالحه ولا تتفاوض معه على حل وسط، لأنها إن فعلت ذلك تكون أقرت بشرعية الفساد والاستبداد، وباتت جزءا منه، ومن ثم تكون هي والنظام المستبد في الخيانة للوطن والمواطنين سواء".


                                            أحمد عبد العزيز كاتب وإعلامي مصري

وواصل عبد العزيز، الذي شغل منصب المستشار الإعلامي للرئيس المصري الراحل محمد مرسي حديثه لـ"عربي21" بالقول "الحالة السورية تختلف جذريا عن الحالتين التونسية والمصرية، من حيث أن النظام المنهار فقد ذراعه الأمني والعسكري، وهو أهم أذرعه على الإطلاق، وحل محله قوات الثورة السورية التي تمرست على القتال لأكثر من عشر سنوات في بيئة مدنية، وتقوم حاليا بمطاردة فلول النظام البائد أينما ظهرت".

وختم كلامه بالإشارة إلى أن "ما يحدث من تفاهمات بين قيادة الثورة السورية وبعض أركان النظام الساقط (في إطار تسوية الأوضاع) هي تفاهمات تتم بصورة فردية، وليس باعتبارهم ووصفهم ممثلين لنظام الأسد الذي لم يعد له وجود".

مقالات مشابهة

  • وزير الدفاع السوري: لا يستقيم بناء القوات المسلحة بعقلية الثورة والفصائل وهدفنا الدفاع عن الوطن وتأمين الحدود
  • وزير الدفاع السوري: لا يستقيم بناء القوات المسلحة بعقلية الثورة والفصائل
  • الأدب السوري مترجمًا.. كيف شوّهت سياسات الهوية السردية السورية
  • العلاقة الإشكالية بين نظام الأسد في سوريا والمحور الشيعي
  • الشيباني: الأكراد في سوريا يضيفون جمالاً وتألقاً لتنوع الشعب السوري
  • السلطات السورية تبدأ حملة تمشيط جديدة ضد فلول النظام في ريف حمص
  • وزير الاتصالات السوري: منع إعادة تشكيل شركات نظام الأسد
  • الحكومة السورية تعلن إصدار مناقصات علنية لاستجرار النفط ومشتقاته
  • الثورات في مواجهة إرث الديكتاتوريات.. إدماج ومصالحة أم إقصاء ومحاكمات عادلة؟
  • فنانون يتطلعون للنهوض بالدراما السورية بعد سقوط الأسد