الجزيرة:
2025-03-15@13:10:31 GMT

تأشيرات في ذكرى الثورة السورية

تاريخ النشر: 14th, March 2024 GMT

تأشيرات في ذكرى الثورة السورية

تدخل الثورةُ السورية المباركة، هذه الأيام، عامها الثالث عشر، في وقت يروّج العدو لسردية أن النظام قد انتصر، وكل شيء قد انتهى، يريدون بذلك هزيمة الناس من باب الحرب النفسية، حتى يقبلوا بأي حل وعلى أي صورة يكون، وهي سردية باطلة شكلًا ومضمونًا، ويردها الواقع، وترفضها حقائق الأشياء بكل أجزائها، ويجب علينا أن نصمد ونرد هذه السردية ونثبت على طريق الثورة حتى تحقق أهدافها.

والحق أن هذه الذكرى تأتي لتذكرنا بصبر هذا الشعب الأبي، وصموده الاستثنائي، وقوته في مواجهة طغيان نظام الجريمة في سوريا، ومن يسانده من قوى الشر والظلام.

وتتزامن هذه الذكرى العزيزة على قلوب السوريين الأحرار، مع شهر رمضان المبارك، شهر الصبر والتضحية والطاعات، شهر القرآن الكريم والصيام والقيام، وصلة الأرحام، شهر الجهاد والبطولات والغزوات الفارقة بين الحق والباطل، كغزوة بدر، وفتح مكة، وحطين، وعين جالوت، وغيرها من المعارك المصيرية في التاريخ الإسلامي.

ولعل هذا التزامن اللطيف، يبعث بمعاني الطمأنينة والبشرى بموعود الله – عز وجل-، لهذا الشعب الصابر المصابر، بأن بعد كل ضيق فرجًا، ومع كل عسر يسرًا.

هذه الثورة المباركة، التي خلّدت اسمها في صحائف التاريخ المجيدة، بوصفها من أعظم ثورات العصر الحديث صمودًا وثباتًا، وأرسخها مشروعية وأحقية، وأغلاها كلفة وتضحيات بشرية ومادية، لا بد لها من وقفة مراجعة جادة، لتصويب مسارها، وإعادة توجيه بوصلتها، وترشيد فعلها.

فلا بد أن نشخّص ما آلت إليه الثورة حاليًا من أوضاع، تشخيصًا دقيقًا حقيقيًا، دون مجاملة أو تزيين أو تزييف، لنحسن بعد ذلك وضع الحلول المناسبة لإعادة النهوض والانطلاق، انطلاقة جديدة راشدة، متجاوزين أخطاء الماضي وعثراته.

انطلاقة الثورة.. أمل وألم

لا يجادل إنسان عاقل أو منصف بأنّ هذه الثورة قامت سلمية بجدارة، مطالبة بالحرية والعدل والكرامة، إلا أن نظام البطش والإرهاب والإجرام في سوريا تعامل معها بلغة القمع والقتل وإرهاب السلطة التي لا يجيد غيرها، فسلط على الشعب الثائر شبّيحته وجلاوزته وأجهزته الباطشة، مرتكبًا بحقهم مجازر وحشية، يندى لها جبين الإنسانية، وتشمئز منها ضمائر العالم الحي، وما القصف بالسلاح الكيميائي إلا مفردة من مفردات تلك الفظائع، التي ارتكبها هؤلاء المجرمون.

لكن الشعب السوري واجه ذلك القتل والإجرام بصبر وتحدٍّ، وصمد أمام آلة إرهاب النظام صمودًا عجبًا، رغم جسامة الخطْب، وفاتورة الموقف الباهظة.

لقد قاومت هذه الثورة الفريدة جبهة واسعة من الأعداء المجرمين من الداخل والخارج، فصمدت.. كما قوبلت بخذلان واضح، ومؤامرة كبيرة فلم يزدها ذلك إلا صمودًا وإيمانًا وتسليمًا.

عدوان طائفي

ثم جاء دور نظام الحقد الطائفي صاحب المشروع الخطر، والمخطط الهدام، حليف نظام الأسد الإستراتيجي، فما إن رأى نظام الأسد بدأ يتهاوى أمام صلابة ثورة الشعب، حتى تدخل لينقذه من السقوط، وخشية انكسار العمود الفقري لمشروعه الطائفي الخبيث، الذي عمل لعقود طويلة على زجّ سوريا في أتون محرقته.

وما لبث نظام إيران أن دخل المعركة بكل لوازمها، وزج بإمكاناته كافة، وحرك أذرعه الطائفية السيئة في كل مكان، مرتكبًا أبشع الجرائم بحق أبناء الشعب السوري في المدن والبلدات والقرى السورية.

لكن رغم كل هذا البطش والإجرام، لم يكن الطريق أمام نظام إيران وأذرعه الإجرامية سهلًا، فكانت المفاجأة لهم أن وجدوا ثوارًا صابرين صامدين.

احتلال روسي

ولما أن عجز النظام وحلفاؤه الطائفيون عن القضاء على الثورة واستئصالها، لم يجدوا بدًّا من عقد معاهدة ماكرة مع نظام روسيا؛ من أجل إنقاذ الموقف؛ فلجأ رأس النظام إلى الخيانة العظمى، وطريقة الغدر الأكبر، باستقدام الروس، حتى يحققوا لهم ما يصبون إليه، راهنًا لهم مقدرات البلاد وخيراتها، وحاضرها ومستقبلها.

وبالفعل، جاء الدب الروسي بهمجيته المعهودة، وقسوته المعروفة، ونفسيته السادية، وأدواته الفتاكة، ووسائله الإجرامية الحديثة، وصاروا يصبون جام غضبهم على أبناء الشعب السوري الذين خرجوا يبحثون عن الحرية والعدل والكرامة.

لقد ارتكب المحتلون الروس جرائم كثيرة، قتلوا خلالها خلقًا كثيرًا، خصوصًا من الأطفال والنساء والشيوخ، فذهب ضحية قصفهم الظالم أسرٌ بكامل أفرادها، كما قاموا بتدمير الكثير من منازل المواطنين، وتخريب البنى التحتية.. ونتيجة قصفهم الهمجي رحل مئات الألوف عن مدنهم وقراهم وبلداتهم، وصاروا إما نازحين على الحدود، أو لاجئين في الدول المحيطة وغيرها من الدول.

عوامل النصر والنجاح

لا بد، كما أسلفنا، من وقفة..

من هنا كان علينا أن نعرف جميع جوانب النقص، لأن معرفة المرض وتشخيصه، هو المقدمة الصحيحة الناجعة للعلاج.

وعلينا أن ندرك تمام الإدراك، أن من أهم عوامل النصر والنجاح، وحدة الصف، واتحاد الكلمة، واجتماع العاملين، وأن الفرقة شر، وهي من أكبر المصائب، التي تواجه المجتمعات والتجمعات، فضلًا عن الثورات، والمشاريع التغييرية الكبيرة.

والمطلب العملي، هو أولًا وحدة التنسيق والتعاون، وهناك جهود ناشئة في هذا الشأن، نشد على أيدي أصحابها للوصول إلى نقطة الالتقاء في عالم المرجو من هكذا عمل مهم ولازم، وبهذا نضع أقدامنا على طريق الوصول بسلام وأمان.

قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ) (الصف:4). وقال نبيه الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم -: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم، كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).

وكلمة لأبناء الشعب السوري: اصبروا وصابروا ورابطوا، واتقوا الله، لعلكم ترحمون.. وحدوا صفوفكم، واجمعوا كلمتكم، وتسامحوا فيما بينكم، وكونوا عباد الله إخوانًا.. تعاونوا على عمل الخير، وكونوا يدًا واحدة، في الداخل والخارج، سياسيين وإغاثيين، مدنيين وعسكريين، علماء وقادة.

ثم ننطلق يدًا واحدة نعمل على إحياء قضيتنا وثورة شعبنا حتى نحقق أهدافها.

ولا بد أيضًا من التركيز على الداخل السوري، وتحقيق اللحمة الوطنية، والنظر في الثغرات، لسد الخلل، وتصحيح الأوضاع، ولم الشمل، وتنظيم الأمور بصورة فعالة، والتواصل مع الناس، لحل مشكلاتهم.

أما أبناء الشعب السوري في الخارج، فعليهم أن يكونوا سفراء خير أينما كانوا وحيث حلّوا لهذا الشعب المنكوب وهذه الثورة المباركة، يذبّون عنه كيد الكائدين، وشائعات المغرضين، وتشويه المشوهين، وطعن الطاعنين، وتلفيق الملفقين، فالأعداء كثر، وغفلة الصالحين مشكلة كبيرة، فالتحديات لا يستهان بها، والعقبات تحتاج إلى تعاون كي نتجاوزها.

وبالمقابل، يلزمنا أن نقف على حقيقة هذا التخاذل الرهيب، الذي يتعلق بقضية ثورة سوريا، ندرس أسباب ذلك ودوافعه، ونقف على حقيقة الأمر بعمق ودراية، من غير عواطف ولا انفعالات، ثم نحاول وضع النقاط على الحروف، في إيجاد الحلول المناسبة لهذه المعضلة.

ومن ثم لا بد من وضع خطة عمل شاملة، لتحريك الحدث السوري عالميًا، دون إهمال لأحد، عربيًا وإسلاميًا ودوليًا، ويكون ذلك عن طريق لجان متخصصة، كل في مجاله، حتى نعيد للقضية السورية ألقها، وما تستحق من عناية على مستوى العالم.

ومعلوم أن القضية السورية، خفت الحماسة لها، بصورة نسبية.. وإن وضعها من جديد على رأس القضايا الساخنة، ضروري ومطلوب.

نتذكر أيضًا أهمية دور العلماء، وأنهم ملح البلد، وما يجب أن يقوموا به، من واجب المناصرة لشعب سوريا، وحث الناس، ليقفوا معهم، وجمع التبرعات لهم، فالعلماء لهم منزلتهم ومكانتهم في نفوس أبناء الأمة، وصوتهم مسموع، وكلمتهم مؤثرة، من هنا كان على عاتقهم، حمل الأمانة إذ هم "ورثة الأنبياء".

الدور العربي والإسلامي المنتظر

إن مشروع الشعب السوري في إسقاط النظام، مشروع عظيم، حق له أن يساند، ويقف كل الناس معه، فزوال هذا النظام خير لسوريا، كما هو أمان لدول الجوار من أمة العرب، وتسلم من شره أمة الإسلام، فزوال النظام المجرم الخائن، فريضة شرعية، وضرورة سياسية، وحالة إنسانية.

إن المعركة في سوريا، معركة أمة، فالشعب السوري، يواجه مشروعًا خبيثًا وخطيرًا، مشروعًا طائفيًا اجتثاثيًا، يريد الهيمنة على الأمة وسحقها وابتلاعها، والمعوّل على شعب سوريا، أن يكون أداة تحطيم هذا المشروع، والقضاء عليه.. وهذا يحتاج إلى مساندين وداعمين ومناصرين، ومن يقدم ما يلزم لمثل هذا العمل العظيم المبارك، فهل من قائل: لبيك يا شعب سوريا.

إن الشعب السوري ينتظر من العرب والمسلمين وأحرار العالم أن يقفوا إلى جانبه، في مشروعه الحضاري، الذي يطالبون به، وينادون بمبادئه، ومما يريدونه أيضًا:

فلا ينسَ كل مسلم على وجه الأرض الدعاء لأبناء الشعب السوري وثورته المباركة، خاصة في هذا الشهر الفضيل؛ حتى يتحقق النصر على المعتدين، ويقيموا دولتهم المنشودة، التي عنوانها العدل، الذي هو جماع الحسنات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات هذه الثورة مشروع ا

إقرأ أيضاً:

«الفقه الإسلامي» هو المصدر الأساسي للتشريع.. الرئيس السوري يوقّع على مسودة «الإعلان الدستوري»

تسلم الرئيس السوري أحمد الشرع، اليوم الخميس، “مسودة الإعلان الدستوري من اللجنة المكلفة بصياغته”.

وبحسب وكالة سانا، “وفقا لمسودة الإعلان الدستوري السوري، تم تحديد المدة الانتقالية بـ5 سنوات”، مشيرا إلى أن “الفقه الإسلامي هو المصدر الأساسي للتشريع”.

وأكدت المسودة، “الحفاظ على اسم الدولة (الجمهورية العربية السورية) ودين رئيسها (الإسلام) دون تغيير، وأن يستمد الإعلان مشروعيته من الرغبة في بناء سوريا”.

وأضافت مسودة الإعلان الدستوري السوري “منح الرئيس سلطة استثنائية واحدة هي إعلان حالة الطوارئ، وحصر السلطة التنفيذية بيد الرئيس خلال الفترة الانتقالية”.

وحسب مسودة الإعلان، فإن “الدولة ملتزمة بالحفاظ على وحدة الأرض والشعب من خلال إدارة التنوع وحفظ حقوق المواطنين، مع وجود باب خاص بالحقوق والحريات”.

وقال عضو لجنة صياغة مسودة الإعلان الدستوري “عبد الحميد العواك”:

– عملنا على إعادة النظام السياسي إلى سكة دستورية حقيقية وأوصينا بتقديم دستور دائم.

– اخترنا نظاماً سياسياً يعتمد الفصل التام بين السلطات وهذا النظام السياسي المقترح في مسودة الإعلان الدستوري يساعد على إدارة المرحلة الانتقالية.

– لن يكون هناك أي سلطة لمجلس الشعب على رئاسة الجمهورية في المرحلة الانتقالية.

– سيتم تشكيل هيئات عدة من بينها الهيئة العليا للانتخابات وهيئة دستورية عليا ستكون معنية بدستورية القوانين.

– في الدساتير السابقة كان النص يخدم “النظام البائد”، واليوم عمل السلطات جميعاً مراقب من قبل الشعب.

فيما قالت عضو لجنة صياغة مسودة الإعلان الدستوري الدكتورة “ريعان كحيلان”: الحريات في الإعلان الدستوري وضعت لكافة مكونات الشعب في سوريا.

وكان كلف الرئيس “الشرع”، أخيرا، لجنة مكونة من 7 أعضاء، بينهم سيدتان، بمهمة صياغة مسودة الإعلان الدستوري”، وتتكون اللجنة من كل من “عبد الحميد العواك، وياسر الحويش، وإسماعيل الخلفان، وريعان كحيلان، ومحمد رضى جلكي، وأحمد قربي، وبهية ماركني”.

آخر تحديث: 13 مارس 2025 - 15:37

مقالات مشابهة

  • فيديو.. سلاح الجو السوري يلقي الورود في احتفالات ذكرى الثورة
  • العلم السوري يرفرف عالياً في سماء ساحة السبع بحرات بإدلب إحياء لذكرى الثورة السورية
  • سلاح الجو في الجيش العربي السوري يشارك باحتفالات الذكرى الـ 14 لانطلاق الثورة السورية
  • إجراءات أمنية مشددة في سوريا تزامنا مع إحياء ذكرى الثورة
  • ريمة.. وقفات حاشدة تأييداً لقرارات قائد الثورة وتنديداً بالجرائم البشعة بحق الشعب السوري
  • ما هو الإعلان الدستوري الذي جرى إقراره في سوريا وماذا منح للشرع؟
  • ما الإعلان الدستوري الذي جرى إقراره في سوريا وماذا منح للشرع؟
  • «الفقه الإسلامي» هو المصدر الأساسي للتشريع.. الرئيس السوري يوقّع على مسودة «الإعلان الدستوري»
  • المنظمة السورية للطوارئ قلقة من التضليل المتعلق بأحداث الساحل
  • أوقاف حماة تنظم ندوة بعنوان “الثورة السورية.. من الألم إلى النصر”