تدخل الثورةُ السورية المباركة، هذه الأيام، عامها الثالث عشر، في وقت يروّج العدو لسردية أن النظام قد انتصر، وكل شيء قد انتهى، يريدون بذلك هزيمة الناس من باب الحرب النفسية، حتى يقبلوا بأي حل وعلى أي صورة يكون، وهي سردية باطلة شكلًا ومضمونًا، ويردها الواقع، وترفضها حقائق الأشياء بكل أجزائها، ويجب علينا أن نصمد ونرد هذه السردية ونثبت على طريق الثورة حتى تحقق أهدافها.
والحق أن هذه الذكرى تأتي لتذكرنا بصبر هذا الشعب الأبي، وصموده الاستثنائي، وقوته في مواجهة طغيان نظام الجريمة في سوريا، ومن يسانده من قوى الشر والظلام.
وتتزامن هذه الذكرى العزيزة على قلوب السوريين الأحرار، مع شهر رمضان المبارك، شهر الصبر والتضحية والطاعات، شهر القرآن الكريم والصيام والقيام، وصلة الأرحام، شهر الجهاد والبطولات والغزوات الفارقة بين الحق والباطل، كغزوة بدر، وفتح مكة، وحطين، وعين جالوت، وغيرها من المعارك المصيرية في التاريخ الإسلامي.
ولعل هذا التزامن اللطيف، يبعث بمعاني الطمأنينة والبشرى بموعود الله – عز وجل-، لهذا الشعب الصابر المصابر، بأن بعد كل ضيق فرجًا، ومع كل عسر يسرًا.
هذه الثورة المباركة، التي خلّدت اسمها في صحائف التاريخ المجيدة، بوصفها من أعظم ثورات العصر الحديث صمودًا وثباتًا، وأرسخها مشروعية وأحقية، وأغلاها كلفة وتضحيات بشرية ومادية، لا بد لها من وقفة مراجعة جادة، لتصويب مسارها، وإعادة توجيه بوصلتها، وترشيد فعلها.
فلا بد أن نشخّص ما آلت إليه الثورة حاليًا من أوضاع، تشخيصًا دقيقًا حقيقيًا، دون مجاملة أو تزيين أو تزييف، لنحسن بعد ذلك وضع الحلول المناسبة لإعادة النهوض والانطلاق، انطلاقة جديدة راشدة، متجاوزين أخطاء الماضي وعثراته.
انطلاقة الثورة.. أمل وألملا يجادل إنسان عاقل أو منصف بأنّ هذه الثورة قامت سلمية بجدارة، مطالبة بالحرية والعدل والكرامة، إلا أن نظام البطش والإرهاب والإجرام في سوريا تعامل معها بلغة القمع والقتل وإرهاب السلطة التي لا يجيد غيرها، فسلط على الشعب الثائر شبّيحته وجلاوزته وأجهزته الباطشة، مرتكبًا بحقهم مجازر وحشية، يندى لها جبين الإنسانية، وتشمئز منها ضمائر العالم الحي، وما القصف بالسلاح الكيميائي إلا مفردة من مفردات تلك الفظائع، التي ارتكبها هؤلاء المجرمون.
لكن الشعب السوري واجه ذلك القتل والإجرام بصبر وتحدٍّ، وصمد أمام آلة إرهاب النظام صمودًا عجبًا، رغم جسامة الخطْب، وفاتورة الموقف الباهظة.
لقد قاومت هذه الثورة الفريدة جبهة واسعة من الأعداء المجرمين من الداخل والخارج، فصمدت.. كما قوبلت بخذلان واضح، ومؤامرة كبيرة فلم يزدها ذلك إلا صمودًا وإيمانًا وتسليمًا.
عدوان طائفيثم جاء دور نظام الحقد الطائفي صاحب المشروع الخطر، والمخطط الهدام، حليف نظام الأسد الإستراتيجي، فما إن رأى نظام الأسد بدأ يتهاوى أمام صلابة ثورة الشعب، حتى تدخل لينقذه من السقوط، وخشية انكسار العمود الفقري لمشروعه الطائفي الخبيث، الذي عمل لعقود طويلة على زجّ سوريا في أتون محرقته.
وما لبث نظام إيران أن دخل المعركة بكل لوازمها، وزج بإمكاناته كافة، وحرك أذرعه الطائفية السيئة في كل مكان، مرتكبًا أبشع الجرائم بحق أبناء الشعب السوري في المدن والبلدات والقرى السورية.
لكن رغم كل هذا البطش والإجرام، لم يكن الطريق أمام نظام إيران وأذرعه الإجرامية سهلًا، فكانت المفاجأة لهم أن وجدوا ثوارًا صابرين صامدين.
احتلال روسيولما أن عجز النظام وحلفاؤه الطائفيون عن القضاء على الثورة واستئصالها، لم يجدوا بدًّا من عقد معاهدة ماكرة مع نظام روسيا؛ من أجل إنقاذ الموقف؛ فلجأ رأس النظام إلى الخيانة العظمى، وطريقة الغدر الأكبر، باستقدام الروس، حتى يحققوا لهم ما يصبون إليه، راهنًا لهم مقدرات البلاد وخيراتها، وحاضرها ومستقبلها.
وبالفعل، جاء الدب الروسي بهمجيته المعهودة، وقسوته المعروفة، ونفسيته السادية، وأدواته الفتاكة، ووسائله الإجرامية الحديثة، وصاروا يصبون جام غضبهم على أبناء الشعب السوري الذين خرجوا يبحثون عن الحرية والعدل والكرامة.
لقد ارتكب المحتلون الروس جرائم كثيرة، قتلوا خلالها خلقًا كثيرًا، خصوصًا من الأطفال والنساء والشيوخ، فذهب ضحية قصفهم الظالم أسرٌ بكامل أفرادها، كما قاموا بتدمير الكثير من منازل المواطنين، وتخريب البنى التحتية.. ونتيجة قصفهم الهمجي رحل مئات الألوف عن مدنهم وقراهم وبلداتهم، وصاروا إما نازحين على الحدود، أو لاجئين في الدول المحيطة وغيرها من الدول.
عوامل النصر والنجاحلا بد، كما أسلفنا، من وقفة..
من هنا كان علينا أن نعرف جميع جوانب النقص، لأن معرفة المرض وتشخيصه، هو المقدمة الصحيحة الناجعة للعلاج.
وعلينا أن ندرك تمام الإدراك، أن من أهم عوامل النصر والنجاح، وحدة الصف، واتحاد الكلمة، واجتماع العاملين، وأن الفرقة شر، وهي من أكبر المصائب، التي تواجه المجتمعات والتجمعات، فضلًا عن الثورات، والمشاريع التغييرية الكبيرة.
والمطلب العملي، هو أولًا وحدة التنسيق والتعاون، وهناك جهود ناشئة في هذا الشأن، نشد على أيدي أصحابها للوصول إلى نقطة الالتقاء في عالم المرجو من هكذا عمل مهم ولازم، وبهذا نضع أقدامنا على طريق الوصول بسلام وأمان.
قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ) (الصف:4). وقال نبيه الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم -: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم، كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
وكلمة لأبناء الشعب السوري: اصبروا وصابروا ورابطوا، واتقوا الله، لعلكم ترحمون.. وحدوا صفوفكم، واجمعوا كلمتكم، وتسامحوا فيما بينكم، وكونوا عباد الله إخوانًا.. تعاونوا على عمل الخير، وكونوا يدًا واحدة، في الداخل والخارج، سياسيين وإغاثيين، مدنيين وعسكريين، علماء وقادة.
ثم ننطلق يدًا واحدة نعمل على إحياء قضيتنا وثورة شعبنا حتى نحقق أهدافها.
ولا بد أيضًا من التركيز على الداخل السوري، وتحقيق اللحمة الوطنية، والنظر في الثغرات، لسد الخلل، وتصحيح الأوضاع، ولم الشمل، وتنظيم الأمور بصورة فعالة، والتواصل مع الناس، لحل مشكلاتهم.
أما أبناء الشعب السوري في الخارج، فعليهم أن يكونوا سفراء خير أينما كانوا وحيث حلّوا لهذا الشعب المنكوب وهذه الثورة المباركة، يذبّون عنه كيد الكائدين، وشائعات المغرضين، وتشويه المشوهين، وطعن الطاعنين، وتلفيق الملفقين، فالأعداء كثر، وغفلة الصالحين مشكلة كبيرة، فالتحديات لا يستهان بها، والعقبات تحتاج إلى تعاون كي نتجاوزها.
وبالمقابل، يلزمنا أن نقف على حقيقة هذا التخاذل الرهيب، الذي يتعلق بقضية ثورة سوريا، ندرس أسباب ذلك ودوافعه، ونقف على حقيقة الأمر بعمق ودراية، من غير عواطف ولا انفعالات، ثم نحاول وضع النقاط على الحروف، في إيجاد الحلول المناسبة لهذه المعضلة.
ومن ثم لا بد من وضع خطة عمل شاملة، لتحريك الحدث السوري عالميًا، دون إهمال لأحد، عربيًا وإسلاميًا ودوليًا، ويكون ذلك عن طريق لجان متخصصة، كل في مجاله، حتى نعيد للقضية السورية ألقها، وما تستحق من عناية على مستوى العالم.
ومعلوم أن القضية السورية، خفت الحماسة لها، بصورة نسبية.. وإن وضعها من جديد على رأس القضايا الساخنة، ضروري ومطلوب.
نتذكر أيضًا أهمية دور العلماء، وأنهم ملح البلد، وما يجب أن يقوموا به، من واجب المناصرة لشعب سوريا، وحث الناس، ليقفوا معهم، وجمع التبرعات لهم، فالعلماء لهم منزلتهم ومكانتهم في نفوس أبناء الأمة، وصوتهم مسموع، وكلمتهم مؤثرة، من هنا كان على عاتقهم، حمل الأمانة إذ هم "ورثة الأنبياء".
الدور العربي والإسلامي المنتظرإن مشروع الشعب السوري في إسقاط النظام، مشروع عظيم، حق له أن يساند، ويقف كل الناس معه، فزوال هذا النظام خير لسوريا، كما هو أمان لدول الجوار من أمة العرب، وتسلم من شره أمة الإسلام، فزوال النظام المجرم الخائن، فريضة شرعية، وضرورة سياسية، وحالة إنسانية.
إن المعركة في سوريا، معركة أمة، فالشعب السوري، يواجه مشروعًا خبيثًا وخطيرًا، مشروعًا طائفيًا اجتثاثيًا، يريد الهيمنة على الأمة وسحقها وابتلاعها، والمعوّل على شعب سوريا، أن يكون أداة تحطيم هذا المشروع، والقضاء عليه.. وهذا يحتاج إلى مساندين وداعمين ومناصرين، ومن يقدم ما يلزم لمثل هذا العمل العظيم المبارك، فهل من قائل: لبيك يا شعب سوريا.
إن الشعب السوري ينتظر من العرب والمسلمين وأحرار العالم أن يقفوا إلى جانبه، في مشروعه الحضاري، الذي يطالبون به، وينادون بمبادئه، ومما يريدونه أيضًا:
فلا ينسَ كل مسلم على وجه الأرض الدعاء لأبناء الشعب السوري وثورته المباركة، خاصة في هذا الشهر الفضيل؛ حتى يتحقق النصر على المعتدين، ويقيموا دولتهم المنشودة، التي عنوانها العدل، الذي هو جماع الحسنات.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات هذه الثورة مشروع ا
إقرأ أيضاً:
مجزرة التضامن يوم قتل نظام الأسد فلسطينيين وسوريين بدمشق وردمهم في حفرة
مجزرة وقعت في شارع نسرين بحي التضامن في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين بالعاصمة السورية دمشق في الأول من أبريل/نيسان 2013، ولم يتم اكتشافها إلا بعد نحو 9 سنوات من وقوعها حينما نشرت صحيفة "غارديان" البريطانية في 27 أبريل/نيسان 2022 مقطعا مصورا قالت إن مجندا في مليشيا موالية للنظام سرّبه، ويظهر إعدام مسلحين من النظام السوري 41 مدنيا، بينهم 7 نساء وعدد من الأطفال.
المجزرةأظهر مقطع الفيديو عناصر جيش النظام السوري وهم يطلبون من مدنيين الركض موهمين إياهم بوجود قناص يرصد الشارع، وأن عليهم الركض هربا منه، وكانت أيديهم مكبلة خلف ظهورهم وعيونهم معصوبة، فأطلق عليهم العناصر النار بسلاح من طراز "إيه كيه 47″، باستثناء رجل كبير في السن فقد ذبحوه.
كما أظهرت الصور اقتياد عناصر النظام مدنيين اُعتقلوا على الحواجز الأمنية بالمنطقة وإلقاءهم في حفرة أعدت مسبقا لذلك الغرض، ويبلغ عمقها نحو 10 أقدام، ثم أطلقوا عليهم النار وبعدها كدسوا جثثهم فوق بعضها وألقوا فوقها إطارات سيارات وأخشابا وسكبوا عليها البنزين ثم أحرقوها في نحو 25 دقيقة.
ووفقا لتحقيق الصحيفة، فإن معظم الضحايا شباب أو في منتصف العمر ونساء وأطفال وكبار في السن، وقد وقع الفيديو بيد عنصر في قوات النظام السوري بعد إعطائه جهاز حاسوب محمول لإصلاحه، وعثر على مقطع الفيديو في مجلد على الجهاز.
ووفقا للتحقيق الصحفي، فقد سرّب العنصر (المصدر) الفيديو إلى الناشطة السورية أنصار شحّود والبروفيسور أوغور أوميت أنغور العاملين في "مركز الهولوكوست والإبادة الجماعية" بجامعة أمستردام، وتابعا تلك القضية 3 سنوات حتى عثرا على الشخص الظاهر في الفيديو.
إعلانوأوضح تحقيق "الغارديان" هوية مرتكب المجزرة، وقالت إن اسمه أمجد يوسف، وإن أنصار شحّود عثرت عليه عبر البحث في موقع فيسبوك، وبعد حوارات عدة انتحلت فيها شخصية امرأة مؤيدة لنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد اعترف الضابط بارتكابه عمليات قتل عدة بحجة الانتقام لمقتل شقيقه الأصغر الذي قتل عام 2013.
والتسجيل الذي نشرته "الغارديان" ليس إلا واحدا من بين 27 تسجيلا مصورا لمجازر مماثلة في هذا المكان قتل فيها أكثر من 280 سوريا على يد عناصر من مخابرات النظام السوري، وفق التحقيق الذي أعده الباحثان أونغور وشحّود.
وقد حصل الأكاديميان على مقاطع الفيديو المسربة من جهاز حاسوب محمول تابع للفرع 227 في المخابرات السورية، والذي كان أمجد يوسف يشغل منصب نائب رئيسه.
ويقول مطر إسماعيل الصحفي السوري المساهم في إعداد التحقيق إن الباحثة السورية أنشأت حسابا وهميا على فيسبوك، وبدأت التواصل مع موالي النظام السوري من ضباط ومدنيين مقدمة نفسها على أنها باحثة موالية للنظام وتعمل على تقرير عن الحرب في سوريا.
وأضاف إسماعيل في حديث للجزيرة نت أن الباحثة شحود نجحت في تكوين شبكة واسعة من العلاقات مع موالي النظام، وتمكنت بعد بحث مطول من الوصول إلى الحساب الشخصي الخاص بمنفذَيْ مجزرة التضامن اللذين ظهرا في تسجيل الغارديان، وهما الضابط أمجد يوسف وزميله نجيب الحلبي.
سياق المجزرةووفقا لتاريخ الفيديو، فقد وقعت المجزرة في الفترة التي سادت فيها أجواء استعدادات الثوار للدخول إلى العاصمة دمشق وبدء معركة إسقاط النظام، إذ كانت قوات النظام تسيطر على ثلثي حي التضامن وتسيطر المعارضة على الثلث الباقي.
ووقعت المجزرة في الجزء الجنوبي الشرقي من الحي، في منطقة كانت قريبة من خط التماس مع المعارضة في شارع دعبول مقابل مسجد عثمان خلف صالة الحسناء.
وكانت أحياء عدة تخضع لحصار حواجز النظام السوري، من أبرزها القدم والتضامن والحجر الأسود ومخيم اليرموك، وكان المدنيون أمام خيارين: إما الموت جوعا أو الاعتقال والقتل على أيدي عناصر الجيش في الحواجز العسكرية.
إعلانويقول الناشط الإعلامي من جنوب دمشق والمعتقل السابق رامي السيد إن ما شاهده في تسجيل الغارديان كان يحدث بشكل دائم على يد عناصر النظام الذين عُرفوا من الأهالي باسم "شبيحة شارع نسرين".
ويصف السيد في حديث للجزيرة نت حواجز "شبيحة شارع نسرين" في حي التضامن بالثقب الأسود الذي كان يبتلع أبناء أحياء جنوب دمشق، مشيرا إلى أن من يعتقل لديهم كان يعد في عداد الأموات ويتعرض للتعذيب والتنكيل.
ويروي السيد -الذي اعتقل في تلك المنطقة- كيف كان عناصر النظام ينهالون بالضرب والسب والشتم على المدنيين، مؤكدا أن أغلبية من ظهروا في التسجيل تم اعتقالهم قبل ساعات من عمليات الإعدام الجماعية والإلقاء في الحفرة.
الضحاياوحسب مجلة "نيو لاين" وتحليلها فيديو المجزرة، فإن الأغلبية العظمى من الضحايا كانوا سنّة من العرقية التركمانية، كما توقعت أن يكون فيهم إسماعيليون، إضافة إلى أطفال رضع ظهروا في نهاية الفيديو وقد تعرضوا إما للطعن أو إطلاق النار.
وبعد أيام من تسريب التسجيل تعرّف عدد من ذوي الضحايا على أبنائهم، من بينهم والد الشاب الفلسطيني وسيم الصيام الذي عرف ابنه عبر طريقة مشيه بعد أن شاهد التسجيل المصور للمجزرة لأكثر من مرة، ولاحظ أن هناك شخصا يجري بطريقة مألوفة بالنسبة إليه.
عمر صيام (والد وسيم) فلسطيني من مواليد 1954، من مخيم اليرموك، وهو خريج جامعة دمشق في تخصص اللغة العربية، وقال للجزيرة نت "شاهدت والدته الفيديو المسرب كما شاهده الملايين، فعرفت وسيم، كانت صدمة كبيرة لا شك في ذلك، كان هناك يقين لدي أن ابني قد تمت تصفيته على يد النظام، ولكن لم يخطر ببالي قط أن تكون بتلك الطريقة".
وأضاف "وسيم خرج للعمل ودخل منطقة التضامن في 14 أبريل/نيسان 2013 لإيصال الطحين ولم يعد، وهو كما يعرفه الجميع خلوق ومهذب وليس له أعداء، وقته مكرس للعمل وأسرته، فهو خريج معهد متوسط فندقي وعمل بفنادق عالمية، متزوج وعنده طفلتان سيدرة ورونق، كانتا تبلغان من العمر وقت اختفائه 6 و4 سنوات".
إعلانويتابع "بحثنا عنه ولم نتوصل إلى نتيجة، وابتزنا بعض ضباط النظام، ودفعنا وقتها لأحد السماسرة ما يعادل 6 آلاف دولار أخذها من والدي -رحمه الله- الذي توفي 5 سبتمبر/أيلول 2013 مقابل الكشف عن مصير وسيم، وبعد سنة من اختفائه سافرت لجبلة إلى أحد أقارب الضابط في الجيش السوري سهيل الحسن، وكان الاتفاق أن أعطيه نحو 10 آلاف دولار مقابل الإفراج عن ابني -حيث كنا نظن أنه معتقل- فأخبرني ألا أبحث عنه لأنه لم يكن مسجلا في سجلات الاعتقال، ورجّح تصفيته على أحد حواجز اللجان الشعبية".
مرتكبو المجزرةفي أكتوبر/تشرين الأول 2022 نشرت صحيفة "الغارديان" تفاصيل أخرى عن مجزرة التضامن، وقالت إن ضابط المخابرات السورية المسؤول عنها هو أمجد يوسف، وهو ضابط في فرع المنطقة بالمخابرات العسكرية السورية، وكان لا يزال يعمل في قاعدة كفر سوسة بدمشق.
كما نقلت "الغارديان" عن زميل سابق لأمجد يوسف أنه اعترف في مكالمة هاتفية بارتكابه المجزرة، وأكد أن أمجد كان يخطف النساء من شوارع حي التضامن، وكثير منهن اختفين، وأوضح أنه شاهده وهو يخطف نساء وهن في طوابير الانتظار لشراء الخبز صباحا، مضيفا "كن نساء بريئات، لم يفعلن شيئا، لقد تعرضن إما للاغتصاب أو القتل".
وأكدت "الغارديان" أنها اطلعت على مقطع فيديو غير منشور يظهر فيه أمجد يوسف وهو يطلق النار على 6 نساء داخل حفرة "أمام مرأى فرق الموت" التي تعمل تحت إمرته، وبعد انتهاء عملية القتل أشعل النيران في جثث القتيلات داخل الحفرة التي تم ردمها بجرافة، في محاولة لمحو أي أدلة على جريمة الحرب تلك.
وأضاف الزميل السابق لأمجد يوسف أن ما يزيد على 12 مجزرة جماعية نفذت في حي التضامن، وأن السكان المحليين على دراية بمواقع ارتكاب تلك الجرائم.
وأكد أن كل الضحايا كانوا من السنّة، وعلق على ذلك قائلا "كان ذلك تطهيرا طائفيا"، في حين أشار رفاق آخرون لأمجد إلى أن الهدف من المجازر كان أيضا بث الرعب في نفوس المواطنين وتحذيرهم من الاقتراب من المعارضة.
إعلانوأمجد يوسف هو ضابط استخبارات سوري شغل منصب نائب رئيس الفرع 227 في المخابرات السورية، وكان مسؤولا عن عمليات أمنية في جنوب دمشق أثناء الثورة السورية.
ولد أمجد يوسف عام 1986 في قرية نباع الطيب بمنطقة الغاب شمال غرب حماة، ونشأ في أسرة كبيرة تضم 10 أشقاء، تنتمي إلى عائلة علوية، التحق بأكاديمية الاستخبارات العسكرية في ميسلون عام 2004 وخضع لتدريب مكثف لمدة 9 أشهر.
تدرج في الرتب العسكرية في العقد الأول من القرن الـ21، وأصبح محققا في الفرع 227 بحلول عام 2011.
كان مسؤولا عن اعتقال وتعذيب وقتل المعارضين السياسيين، ثم أرسل إلى قسم العمليات لقيادة المعارك في جنوب دمشق، خاصة في منطقتي التضامن واليرموك، حيث قاد العمليات العسكرية حتى عام 2021.
وتم التعرف أيضا على بلال يوسف عبر البحث الذي أجراه الأكاديميان أونغور وشحّود، ويظهر في الفيديو أيضا نجيب الحلبي (صديق أمجد)، وهو من مواليد عام 1984، ولم يكن يحمل أي رتبة رسمية لأنه كان يخدم في المليشيا المسلحة المعروفة باسم قوات الدفاع الوطني، وقتل فيما بعد.
تحقيقاتوفي الأول من مايو/أيار 2022 حصلت شبكة الجزيرة الإعلامية على صور تظهر طمس قوات النظام السوري معالم مكان مجزرة حي التضامن بدمشق.
وفي أغسطس/آب 2022 قالت متحدثة فرنسية إن وزارة أوروبا والشؤون الخارجية (وزارة الخارجية الفرنسية) تلقت وثائق مهمة تتعلق بجرائم محتملة لقوات النظام السوري في حي التضامن بدمشق عام 2013، وأحالتها إلى مكتب المدعي العام الوطني لمكافحة الإرهاب.
وردا على تصريح الحكومة الفرنسية صرح النظام السوري على لسان "مصدر رسمي مسؤول في وزارة الخارجية والمغتربين السورية" بأن التسجيل المسرب للمجزرة "مفبرك ومجهول المصدر ويفتقر إلى أدنى درجات الصدقية".
إعلانووفق "المصدر السوري المسؤول"، فإن "الحكومة الفرنسية تتحمل مسؤولية أساسية في سفك الدم السوري والجرائم التي ارتكبت بحق السوريين، والتي تصل إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وتستوجب المساءلة السياسية والقانونية".
القبض على مرتكبي المجزرةوفي أغسطس/آب 2023 قبضت الشرطة الألمانية على المدعو أحمد الحمروني بعد 3 أعوام من البحث والتدقيق شارك فيه المركز السوري للعدالة والمساءلة عبر تقديم معلومات مهمة ووثائق مختلفة.
ووفق ما أفاد به المدير التنفيذي للمركز السوري محمد العبد الله، فإن الشرطة الجنائية في ألمانيا لديها فيديوهات تظهر هذا الشخص مع عناصر الفرع 227 التي ارتكبت انتهاكات بحق السوريين.
وحسب وسائل إعلام سورية، فإن المدعو أحمد الحمروني شارك في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية عندما عمل قياديا لدى النظام السوري في حي التضامن جنوبي دمشق في الفترة ما بين عامي 2012 و2015، وهو صديق مقرب لضابط المخابرات أمجد يوسف.
وعقب إسقاط نظام الأسد يوم 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 وسيطرة فصائل المعارضة على مقاليد الحكم وتشكيل حكومة انتقالية بدأت الحكومة الجديدة بحملة أمنية لملاحقة عناصر النظام السابق، كما أطلق مواطنون تبرعات شعبية ضمن جائزة مالية خصصت لمن يتمكن من الوصول إلى مرتكبي مجزرة التضامن، وعلى رأسهم أمجد يوسف.
وفي 17 ديسمبر/كانون الأول تداول السوريون صورا للعثور على عظام بشرية قرب الحفرة التي شهدت المجزرة، وكانت تتوسط شارعا ضيقا بين مبنيين سكنيين، وذلك أثناء نبش الأطفال ركام المنازل بحثا عن بقايا حديد المباني المدمرة كي يبيعوه.
وفي أوائل فبراير/شباط 2025 ظهر فادي صقر -وهو أحد مرتكبي المجزرة- يتجول في حي التضامن، مما دفع أهالي الحي إلى الخروج في مظاهرات غاضبة احتجاجا على عودته من دون محاسبة، وضجت وسائل التواصل الاجتماعي مطالبة بالقبض عليه.
إعلانوأعلنت وزارة الداخلية السورية بعدها بأيام القبض على 3 متورطين في مجزرة حي التضامن، وكانت قوات الأمن السورية قد نفذت عملية اعتقال في العاصمة دمشق شملت منذر الجزائري الذي يعد أحد المسؤولين عن المجزرة.
وبعد التحقيق اعترف الجزائري بمشاركة شقيقين آخرين هما سومر وعماد محمد المحمود في تنفيذ المجازر التي راح ضحيتها المئات من المدنيين.