كيف جعل بوتين الشرق الأوسط ساحة لمدّ نفوذ روسيا العسكري بوجه أمريكا؟
تاريخ النشر: 14th, March 2024 GMT
كتبت آنا بورشفسكايا في تقرير على موقع معهد واشنطن، عن دور روسيا في المنطقة، وتحديدا كيفية استخدامها للعلاقات الدفاعية لتعزيز المنافسة الطويلة الأمد مع الغرب في هذه المنطقة.
وأشارت إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعتبر المنافسة معركة وجودية مع الولايات المتحدة، ويعتبر الشرق الأوسط الساحة التي يمكن لروسيا أن تشكل فيها هذه المنافسة.
وقبل الغزو الشامل لأوكرانيا في فبراير 2022، كانت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ثاني أهم سوق للأسلحة الروسية، وفق التقرير.
وأصبحت روسيا مرة أخرى أحد أكبر موردي الأسلحة في العالم، في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة.
وتابع التقرير: "مع التركيز المستمر من جانب موسكو على الشؤون الأوكرانية، فإنه يجب على صانعي السياسات الخارجية مراقبة تأثير تجارة الأسلحة الروسية وكيفية استخدام روسيا علاقاتها الدفاعية في المنطقة لتعزيز نفوذها ومصالحها الاستراتيجية".
ولفتت الكاتبة إلى أن الوجود الدفاعي الروسي في الشرق الأوسط يعتمد على ثلاثة أركان رئيسية: المبيعات العسكرية، والوصول إلى القواعد العسكرية، واستخدام القوات شبه العسكرية، بما في ذلك "مجموعة فاغنر"، التي أُعيدت تسميتها مؤخرا بـ"أفريكا كوربس".
مصدّر أسلحة مهم للشرق الأوسط
وفقا للبيانات التي نُشرت من "معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام" ("سيبري")، فإن حصة روسيا من صادرات الأسلحة العالمية شهدت انخفاضًا قبل غزو أوكرانيا، ويعزى هذا الاتجاه بشكل رئيسي إلى تقليل الهند لوارداتها من الأسلحة الروسية، على الرغم من زيادة وارداتها من النفط الروسي، كما قال التقرير.
وعلى الرغم من ذلك، فإن روسيا استمرت في التركيز على مبيعات الأسلحة في منطقة الشرق الأوسط، والتي تتنافس مع المبيعات التقليدية للغرب.
وأظهرت البيانات أن الصادرات العسكرية الروسية إلى الشرق الأوسط بلغت حوالي 6 مليارات دولار سنويا على مدى السنوات الخمس الماضية، وتمثل ما بين 40 و50 في المائة من إجمالي الصادرات العسكرية.
ونوه التقرير إلى أن روسيا برزت كأكبر مورد للأسلحة إلى الجزائر بحلول عام 2021، حيث قدمت لها أنظمتها المتقدمة مثل الطائرات المقاتلة من طراز "سوخوي 57".
وبعد الحرب في أوكرانيا، ذكر التقرير أنه "قد تم ربط الإمدادات الروسية من الأسلحة بالعقوبات وضوابط التصدير، وتم حظر روسيا من استخدام نظام الدفع "سويفت"، ما دفع روسيا إلى التحول نحو دعم قواتها في أوكرانيا".
وقالت الكاتبة: "على الرغم من هذه التطورات، فإن الاهتمام بالأسلحة الروسية في المنطقة لم ينخفض بشكل كبير، ورغم الأداء العسكري الضعيف لروسيا في أوكرانيا، فإن الاهتمام بها لا يزال موجودا".
ورأت أن "من المحتمل أن يستمر هذا الاهتمام بسبب نوعية الأسلحة التي تصدرها روسيا، والتي تتمحور بشكل رئيسي حول الطائرات والصواريخ ومنظومات الدفاع الجوي، والتي أثبتت جدواها في المنطقة".
وفي الشهور الأخيرة، أشار بعض المسؤولين الإقليميين إلى أن العقوبات الغربية لم تمنع الدول من شراء المزيد من الأسلحة الروسية، وتشير التقارير إلى توقيع صفقات جديدة مع روسيا، ما يعكس استمرار الاهتمام بالأسلحة الروسية في المنطقة.
وزار الرئيس الروسي بوتين عدة دول في المنطقة وأبرم عدة اتفاقات تجارية، ما يؤكد استمرار الاهتمام بالعلاقات التجارية والعسكرية مع روسيا.
وبيّن التقرير أن الاهتمام بالأسلحة الروسية يظل جزءا مهما من السياسة الخارجية لروسيا في المنطقة. وعلى الرغم من بعض العقبات التي واجهتها روسيا، فإنها تظل مصدرا هاما للأسلحة والتكنولوجيا المتقدمة.
حلف استراتيجي مع إيران
أدى غزو أوكرانيا إلى تعزيز التعاون الاستراتيجي بين روسيا وإيران، خاصة في المجال العسكري، ويُعتقد أن هذا التوجه سيستمر في المستقبل، وفق "معهد واشنطن".
وأشارت تقارير متعددة إلى وجود شراكة أوسع نطاقا بين البلدين في مجالات التكنولوجيا الفائقة والدفاع، ما دفع المسؤولين الأمريكيين إلى التعبير عن قلقهم بشكل علني.
وفي نهاية عام 2022، أشار جون كيربي، المسؤول في "مجلس الأمن القومي الأمريكي"، إلى أن "روسيا تقدم لإيران مستوى غير مسبوق من الدعم العسكري والفني الذي يغيّر علاقتهما".
من بين الجوانب الملفتة للنظر كان تقديم إيران طائرات "شاهد" الهجومية بدون طيار لاستخدامها في أوكرانيا، وهو ما لفت انتباه العديد من الدول، حيث لم تكن هناك دول أخرى تقدم مثل هذا الدعم لروسيا في النزاع.
ولفت التقرير إلى أن ما تقدمه روسيا لإيران يجب أن يثير الاهتمام أيضا، ففي نهاية عام 2023، أعلن نائب وزير الدفاع الإيراني لوكالة "تسنيم" للأنباء أن إيران وضعت اللمسات الأخيرة على الترتيبات لتسلم طائرات مقاتلة وطائرات هليكوبتر روسية الصنع من طراز "سوخوي سو-35".
ولو لم يؤكد الروس الصفقة بعد، فإن تصدير طائرات التدريب إلى إيران يمكن أن يمكّن الطيارين الإيرانيين من التحول إلى الطائرة الأكثر تقدما "سو-35"، ما يعزز قدراتها العسكرية بشكل كبير.
وترى الكاتبة أنه "إذا تم تنفيذ هذه الصفقة، فإنها ستزيد من قدرة إيران على تنفيذ عمليات جوية هجومية، ما يغير التوازن العسكري في المنطقة لصالحها ويضطر دول الخليج إلى إعادة النظر في تخطيطها الأمني".
ومن المتوقع، وفق التقرير، أن يكون لهذا التعاون الأثر على التوازن الإقليمي والعالمي، خاصة مع انضمام إيران إلى "البريكس"، ومع اتساع رقعة التعاون الروسي الإيراني في مجالات الأمن والدفاع والسياسة.
امتداد النفوذ العسكري
وورد في التقرير أنه "ينطوي هدف استراتيجي غربي رئيسي على إبقاء روسيا خارج البحر الأبيض المتوسط. ويسمح هذا الموقف لروسيا بممارسة ضغوط دبلوماسية واقتصادية على الاتحاد الأوروبي وإبراز قوتها العسكرية في الشرق الأوسط وأفريقيا بينما تتواجد على الجانب الجنوبي لحلف شمال الأطلسي".
وأشار إلى أنه رغم تعرض الأسطول الروسي في البحر الأسود لخسائر فادحة، فلا تزال البحرية الروسية سليمة إلى حد كبير، ويمكنها ضرب أهداف "الناتو" بصواريخ "كاليبر" للهجوم البري عبر البحر الأبيض المتوسط.
ورأى التقرير أنه إذا عززت روسيا مكانتها في البحر الأبيض المتوسط بشكل أكبر، فسيؤثر ذلك على قدرتها على شن حربها على أوكرانيا، ولكن بينما يتردد الغرب في مساعدة أوكرانيا، فقد يرى الروس فرصة أكبر في شمال أفريقيا والشرق الأوسط. وهكذا، تدرك موسكو الأهمية الاستراتيجية لهذه المنطقة، وتستمر في التنافس على النفوذ فيها.
ولا تحتفظ روسيا بقواعدها الدائمة في سوريا فحسب، وخاصة في طرطوس وحميميم، ولكنها تواصل أيضا البحث عن الوصول إلى قاعدة بحرية في ليبيا، والتي كانت نقطة محورية أخرى لأنشطة روسيا في الشرق الأوسط على مدى السنوات الخمس الماضية تقريبا.
وفي أواخر عام 2023، أشارت التقارير إلى أن روسيا تمضي قدما في خططها للحصول على حقوق الرسو في قاعدة بحرية في شرق ليبيا، على الأرجح في طبرق، بعد اجتماع بوتين في 28 تشرين الأول/سبتمبر مع القائد العسكري في شرق البلاد خليفة حفتر.
ولا يبدو أنه قد تم الانتهاء من هذه الخطط، لكن من الواضح أن موسكو تعمل على توسيع نفوذها العسكري في ليبيا، وفق التقرير.
وطبرق هو ميناء على المياه العميقة من شأنه أن يضيف إلى القدرات اللوجستية لروسيا، خاصة أن ميناء طرطوس هو على مياه ضحلة.
وتواصل روسيا أيضا سعيها للوصول إلى قاعدة بحرية في السودان على البحر الأحمر، بهدف الوصول الدائم إلى قناة السويس والمحيط الهندي وشبه الجزيرة العربية.
ونبه التقرير إلى أن "الكثير من الجهود التي بذلتها روسيا لتوسيع نفوذها العسكري قد تمت إما بقيادة الشركات العسكرية الخاصة، مثل مجموعة فاغنر، أو من خلال المحافظة عليها بمساعدة هذه الشركات. فقد كانت هذه المجموعة أداة مفيدة للكرملين".
وتم تغيير اسمها رسميا في أعقاب قيادة حليف بوتين، يفغيني بريغوجين، تمردا فاشلا ومقتله بعد ذلك في حادث تحطم طائرة في آب/ أغسطس.
وفي وقت لاحق، استولت وزارة الدفاع الروسية على الكثير من عقود الأمن والنفط وتعدين الذهب الخاصة بـ"مجموعة فاغنر" فضلاً عن علاقات المجموعة مع القادة الأفارقة.
وفي أفريقيا، أعيدت مؤخرا تسمية "مجموعة فاغنر" لتصبح "أفريكا كوربس".
وخلصت الكاتبة إلى أن الكرملين يحتاج إلى قوة شبه عسكرية لمواصلة تنفيذ أهداف السياسة الخارجية التي رسمها، سواء كـ"مجموعة فاغنر" أو أي اسم آخر.
الحذر واجب
قد ينظر البعض إلى تراجع تجارة الأسلحة الروسية والعقوبات المفروضة على المجمع الصناعي العسكري الروسي، والتي، إذا ظلت قائمة، فإنها تنذر بتراجع القدرات العسكرية الروسية وبخسائرها في أوكرانيا، ويستنتجون أنه لا داعي للقلق بشأن نفوذ روسيا في الشرق الأوسط، لكن هذا الرأي مضلل ولا ينم عن بعد نظر، بحسب التقرير.
وأكد أن روسيا تواصل التنافس على النفوذ في المنطقة من خلال تعزيز وصولها إلى الموانئ الاستراتيجية واستخدام الجماعات شبه العسكرية والوكلاء، وبإمكان روسيا تحمّل كل ذلك في غياب الضغوط الغربية لوقف هذه الأنشطة.
ففي داخل روسيا، لا تمثل الحرب في أوكرانيا أولوية رئيسية على الصعيد العسكري والسياسة الخارجية فحسب، بل تشكل أيضاً المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي، بحسب التقرير.
فقد أظهرت ميزانية روسيا لعام 2024 أنه للمرة الأولى منذ عقود، أن الإنفاق العسكري والدفاعي تخطى الإنفاق الاجتماعي.
وأدت الحرب إلى عسكرة المجتمع الروسي، وفق التقرير الذي أشارت إلى أنه في أعقاب النزاع مع أوكرانيا، إذا كانت روسيا بحاجة إلى تخفيف الضغوط الناجمة عن فائض في عدد المحاربين القدامى، فقد توظفهم في الخارج، لا سيما من خلال استخدام الجماعات شبه العسكرية مثل "مجموعة فاغنر".
ورأت الكاتبة أن تحقيق ذلك "سيكون أسهل بكثير الآن بعد أن سيطرت وزارة الدفاع بشكل كامل على المجموعة".
وعليه، فإنها وجدت أنه ينبغي على واضعي السياسات الغربيين التحلي ببعد نظر مع مراعاة كل من أهداف بوتين الاستراتيجية والتداعيات المترتبة على حرب أوكرانيا، بغض النظر عن نتائجها.
وخلصت إلى أن الأمر الأكثر أهمية هو أنه إذا استمر الكونغرس الأمريكي في التردد وتأخير المساعدات لأوكرانيا، فقد تقلب روسيا الموازين لصالحها قريباً. وإذا حدث ذلك فسوف تتضاءل مكانة الولايات المتحدة في العالم، وستزداد جرأة خصومها.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية سياسة دولية روسيا بوتين الشرق الأوسط الشرق الأوسط امريكا روسيا بوتين المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الأسلحة الروسیة فی الشرق الأوسط مجموعة فاغنر على الرغم من وفق التقریر فی أوکرانیا التقریر أن فی المنطقة روسیا فی إلى أن
إقرأ أيضاً:
أشلاء الأطفال تكشف وحشية أمريكا وعجزها العسكري
يمانيون ـ تقرير
تتزايد بشاعة العدوان الأمريكي في اليمن بشكل متزايد، إذ أقدم العدو على استهداف الموانئ والأسواق والتجمعات السكنية والصالات والمستشفيات وحتى مركز علاج السرطان والمقابر ومكبات القمامة. كل هذه الأهداف يسميها المجرم ترامب منصات إطلاق الصواريخ ومخازن أسلحة.
فجر الـ15 من مارس الماضي، أعلن المجرم ترامب تنفيذ عملية عسكرية مباشرة ضد الشعب اليمني، معلنا استخدام “القوة المميتة” وتوسيع العمليات العسكرية في المنطقة، وذلك من أجل حماية الكيان الإسرائيلي ليواصل إبادته الجماعية لسكان غزة. وفي اليوم الأول من العدوان قام الأمريكي بقصف المدنيين والأعيان المدنية في عدد من المدن يمنية (صنعاء – صعدة – البيضاء) بأكثر من 47 غارة جوية، ما أدى إلى ارتفاع عدد الشهداء إلى 53 شهيدا بينهم 5 أطفال و امرأتان، وجرح 98 شخصا بينهم 18 طفلاً وامرأة، أغلبهم في محافظة صعدة حيث استشهد تسعة أشخاص وأصيب تسعة آخرون معظمهم إصابتهم خطيرة. كما استشهد وأُصيب 17 مواطنًا في مجزرتين ارتكبهما طيران العدو الأمريكي بشن غارات على محافظة صعدة. واستهدف العدو منزلًا سكنيا في منطقة قحزة شمال مدينة صعدة، ما أدى إلى استشهاد أربعة أطفال وامرأة وإصابة أكثر من 10 بينهم نساء وأطفال، كما ارتكب العدو مجزرة أخرى بحق مواطنين في مديرية ساقين راح ضحيتها شهيد وجريح.
أبرز جرائم العدو الأمريكي وقعت يوم الخميس ١٧ أبريل ٢٠٢٥م، والتي استهدفت بشكل مباشر ومتعمد ميناء رأس عيسى النفطي في مديرية الصليف بمحافظة الحديدة بسلسلة من الغارات العدوانية أسفرت عن استشهاد 74 مواطنا وجرح 171 آخرين، جميعهم من الموظفين والعمال المدنيين الأبرياء الذين كانوا يؤدون عملهم اليومي في هذا المرفق الحيوي، كما ألحق أضرارًا جسيمة بالميناء، في تصعيد خطير يُضاف إلى سجل طويل من الانتهاكات الممنهجة التي تهدف إلى خنق هذا الشعب، وزيادة معاناته، في محاولة يائسة للنيل من صموده ودفاعه المشروع عن أرضه وحقوقه.
وفي 20 أبريل 2025م، شنّ العدو الأمريكي سلسلة من الغارات الجوية استهدفت بشكل متعمد أحياء سكنية ومناطق متفرقة من العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات، ومن ضمن الأحياء المستهدفة “حي وسوق فروة الشعبي” المعروف باكتضاضه بالسكان والواقع في مديرية شعوب بالعاصمة صنعاء. وقد أسفر هذا الهجوم الوحشي عن استشهاد 12 مدنيًا وجرح 34 آخرين.
وفي تفاصيل مروعة تضاف إلى سجل جرائم الحرب الأمريكية، شهد يوم السبت الموافق 19 أبريل 2025م تصعيداً خطيراً في وتيرة الغارات على اليمن، علاوة على استهداف حرمة الأموات في مقبرة ماجل الدمة بمديرية الصافية، وفي مشهد يندى له الجبين، طالت الغارات مقبرة النجيمات بمديرية السبعين. كما استهدفت المقاتلات الأمريكية حي النهضة السكني بمديرية الثورة، لتسيل دماء الأبرياء وتزهق أرواح شهيدين وتترك جريحين مدنيين من أبناء الحي.
وامتدت آلة الحرب الأمريكية لتطال مديريات بني حشيش وبني مطر والحيمة وهمدان التابعة لمحافظة صنعاء، حيث سقط شهيد وجريح آخر في الاستهداف الغادر لمديرية بني مطر. وبذلك، ارتفع الحصاد المر لهذه الهجمة الوحشية إلى ثلاثة شهداء وأربعة جرحى، في انتهاك صارخ لكل الأعراف والقوانين الدولية، وعلى رأسها القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف.
وفي مساء اليوم نفسه، صعّدت الطائرات الأمريكية من غاراتها على محافظة الحديدة، حيث نفذت ثلاث عشرة غارة جوية استهدفت ميناء ومطار المحافظة. ويُعد هذا الاستهداف الممنهج للبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك ميناء الحديدة – المنفذ الرئيسي لوصول المساعدات الإنسانية – والمطار المدني، خرقاً جسيماً وصريحاً للقواعد والأعراف الدولية، وعلى رأسها اتفاقيات جنيف، التي تحظر استهداف المرافق المدنية ذات الطابع الإنساني والاقتصادي.
إجرام متواصل
وتستمر الذاكرة اليمنية في تسجيل فصول أخرى من العدوان الأمريكي، ففي الخامس عشر من مارس، استهدفت الغارات العاصمة صنعاء، مخلفة تسعة شهداء وتسعة جرحى. وفي السابع عشر من مارس، طال القصف حي الجراف الشرقي ومصنع الحبشي للحديد ومصنعاً للقطن، ليتبع ذلك استهداف وحشي للمدنيين في منازلهم بمحافظتي صنعاء وصعدة، مخلفاً ثلاثة وخمسين شهيداً وتسعة وتسعين جريحاً.
وفي الـ20 من مارس الماضي ارتفع عدد الضحايا جراء استهداف طيران العدوان الأمريكي لصالة مناسبات قيد الإنشاء في حي سكني بمديرية الثورة بالعاصمة صنعاء، ما أدى إلى اندلاع حرائق واسعة، وأسفر القصف عن إصابة سبع نساء وطفلين، إضافة إلى تضرر عدد من المنازل المجاورة، وسط حالة من الذعر بين السكان المدنيين.
كما شنت الطائرات الأمريكية غارات على محيط مدينة صعدة، إلى جانب استهداف مزرعة أغنام في الحزم عاصمة محافظة الجوف، ما تسبب في خسائر مادية كبيرة. وفي محافظة البيضاء، تعرضت مديرية السوادية لقصف جوي أمريكي في تصعيد عسكري يزيد من معاناة المدنيين ويهدد بمزيد من الدمار في البنية التحتية اليمنية.
وفي الرابع والعشرين من مارس استهدف مبنى سكنياً في منطقة عصر.
ويوم الخميس الـ27 من مارس الماضي شنت طائرة حربية أمريكية، غارة استهدفت كسارة أحجار في منطقة العرقوب بمديرية خولان الطيال، شرق العاصمة صنعاء، ما أدى إلى استشهاد شخصين وإصابة ثلاثة آخرين، جميعهم من أبناء المنطقة، أثناء عملهم في الكسارة، كما تسببت الغارة في أضرار مادية بالغة في موقع الاستهداف. وفي اليوم التالي شنت الطائرات الأمريكية، غارات مكثفة على مناطق سكنية وحيوية في محافظات يمنية مختلفة، ما أسفر عن دمار كبير في البنى التحتية والممتلكات المدنية، وسط موجة غضب محلية إزاء تصاعد البلطجة العسكرية الأمريكية التي تتجاهل أبسط قواعد القانون الدولي. ففي صنعاء، استهدفت الغارات مطار صنعاء الدولي بضربتين ، تبعتهما غارات متفرقة على منطقة التحرير وسط العاصمة وشارع الستين غرب العاصمة ومنطقة حزيز جنوبها، ما أسفر عن إصابة عدد من المواطنين بشظايا الصواريخ وتعرض منازل المواطنين وممتلكاتهم لأضرار جسيمة. أما في صعدة فقد شن العدوان الأمريكي 5 غارات على منطقة العصايد بمديرية كتاف، وغارتين على مديرية آل سالم بمحافظة صعدة، ما أدى إلى تدمير مساحات زراعية وتهديد سبل عيش المزارعين. إلى ذلك استهدف الطيران الحربي الأمريكي بثلاث غارات مديرية الحميدات في الجوف. وفي الحديدة شنت الطائرات الأمريكية الحربية ثلاث غارات على مديرية اللحية.
وفي الأول من أبريل، سقط شهداء وجرحى جراء استهداف مشروع ومبنى مؤسسة المياه في الحديدة، وغارات أخرى طالت صعدة وحجة. وفي الثاني من أبريل، استهدف العدوان منطقة رأس عيسى مجدداً، مخلفاً شهيداً وجريحاً. وفي مشهد مروع، استهدف الطيران الأمريكي تجمعاً للمدنيين في فعالية زيارة عيدية في الحديدة، مخلفاً عشرات الشهداء والجرحى، في جريمة حاول المجرم “ترامب” تبريرها بتضليل الرأي العام.
وفي الرابع من أبريل، استهدف العدو الأمريكي شبكة الاتصالات في عمران.
وفي الـ7 من أبريل قام العدو الأمريكي بقصف المدنيين و الأحياء السكنية في منطقة شعب الحافة بمديرية شعوب بأمانة العاصمة صنعاء مما أدي إلى استشهاد أربعة مواطنين بينهم امرأتان و جرح 25 منهم 11 امرأة و طفل.
كما قام العدو باستهداف منطقة حفصين بمحافظة صعدة بالعديد من الغارات ما أدى إلى استشهاد شهيدين و أربعة جرحى.
وفي الثامن من أبريل، ارتكبت جريمة بشعة باستهداف مدينة “أمين مقبل السكنية” في الحديدة، مخلفة أربعة شهداء وأكثر من خمسة عشر جريحاً.
العاشر من أبريل أعلنت وزارة الصحة والبيئة عن استشهاد ثلاثة مواطنين نتيجة العدوان الأمريكي الذي استهدف منطقة النهدين بمديرية السبعين بالعاصمة صنعاء.
في الـ14 من أبريل قام العدو الأمريكي بقصف مصنع السواري للسيراميك في مديرية بني مطر في محافظة صنعاء وراح ضحيتها 6 شهداء و 20 جريحا.
إعلان إفلاس أخلاقي وتقني واستخباراتي
لقد تجلى الإفلاس الأخلاقي والتقني والاستخباراتي للولايات المتحدة الأمريكية بوضوح، بينما برز اليمنيون بتفوقهم الواضح في نبل مواقفهم وجودة أهدافهم. ففي حين تستهدف الولايات المتحدة المدنيين، والأعيان المدنية، والمرافق الخدمية، وحتى مقابر الموتى، تتعالى عظمة الأهداف اليمنية التي تتجه نحو حاملات الطائرات الأمريكية، مثل “ترومان” و”فينسون”، وتدك أهدافاً عسكرية في العمق الإسرائيلي.
هذا التباين يكشف عن مفارقة تاريخية، حيث تتجلى قوة الحق في مواجهة الغطرسة والعدوان. إن استهداف المدنيين والأعيان المدنية يمثل قمة الانحدار الأخلاقي، بينما يجسد استهداف القوة العسكرية المحضة والدفاع عن الحقوق المشروعة قمة النبل والشجاعة.
إن دقة الأهداف اليمنية -التي تميز بين المدني والعسكري- تفضح التخبط والعشوائية في جرائم الحرب التي ترتكبها الولايات المتحدة وحلفاؤها. كما أن القدرة على الوصول إلى أهداف عسكرية بعيدة، مثل حاملات الطائرات والعمق الإسرائيلي، تشير إلى تطور تقني واستخباراتي لافت للقوات اليمنية، يقابله فشل استخباري واضح للطرف الآخر.
المصدر: موقع أنصار الله