تشهد المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة تحولات اقتصادية ملحوظة، تتجاوز حدود النمو والتنمية المادية لتلامس جوهر الإنسانية وتسعى نحو أنسنة الاقتصاد. تلك التحولات ليست مجرد أرقام تضاف إلى تقارير النمو الاقتصادي، بل هي خطوات واثقة نحو تحقيق رفاهية شاملة تمس حياة الإنسان السعودي بكل أبعادها.
أنسنة الاقتصاد السعودي في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، تتجلى في محاور عدة، أبرزها تمكين الشباب والمرأة، الاهتمام بالبعد الاجتماعي للتنمية، والاستثمار في الرأسمال البشري، إلى جانب تعزيز البُعد الثقافي والترفيهي في الحياة اليومية للمواطنين.
في البداية، يبرز تمكين الشباب والمرأة كأحد أهم ملامح أنسنة الاقتصاد، فقد تمكنت المرأة السعودية خلال هذا العهد من تحقيق إنجازات غير مسبوقة في مختلف المجالات، بدءًا من قيادة السيارة إلى تولي مناصب قيادية في الدولة، وصولًا إلى المشاركة الفعالة في القطاع الاقتصادي. هذه التغييرات لا تمثل فقط تحريرًا للطاقات الكامنة في نصف المجتمع، بل تعكس إيمانًا راسخًا بأن النمو الحقيقي يستلزم استثمارًا في جميع أفراد المجتمع.
الاهتمام بالبعد الاجتماعي للتنمية يأتي كمحور ثانٍ يعكس أنسنة الاقتصاد السعودي، فمن خلال برامج ومبادرات عديدة، تسعى الحكومة السعودية إلى توفير دعم للأسر ذات الدخل المحدود، في محاولة لتخفيف الأعباء الاقتصادية وتحقيق توزيع عادل لثمار التنمية. كما تعكس المبادرات الهادفة إلى تحسين البنية التحتية والخدمات العامة في المدن والقرى على حد سواء، التزامًا بتحسين جودة حياة جميع المواطنين.
فيما يعد الاستثمار في الرأس المال البشري ركيزة أساسية في استراتيجية الأنسنة، حيث يجري التركيز على تعليم وتدريب الشباب السعودي ليكون قادرًا على المنافسة في سوق العمل العالمي، ولفتح آفاق جديدة للشباب لاكتساب المعرفة والخبرات العالمية، مما يسهم في بناء جيل جديد قادر على دفع عجلة التنمية والابتكار في المملكة.
أخيرًا، تعزيز البُعد الثقافي والترفيهي في الحياة اليومية يمثل أحد أبرز مظاهر أنسنة الاقتصاد. فإطلاق مشروعات ضخمة مثل “مشروع القدية” و”موسم الرياض”، يعكس حرص المملكة على توفير فضاءات للثقافة والترفيه تسهم في تحسين نوعية حياة المواطنين وتعزيز السعادة والانتماء الوطني.
في الختام، يتضح عبر ملامح أنسنة الاقتصاد في عهد الملك سلمان وولي عهده، أن المملكة تتبنى رؤية شاملة تضع الإنسان في قلب التنمية. هذا التوجه لا يُعد فقط ثورة في النمو الاقتصادي، بل هو تجسيد لنموذج تنموي يرتقي بالإنسان ويسعى لتحقيق تطلعاته وآماله في حياة كريمة ومستقبل واعد.
محمد العتيبي – صحيفة الرياض
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
عمار: الحديث عن المساس بالدعم نوعاً من «الغباء الاقتصادي»
قال فوزي عمار خبير اقتصادي:” لا يُنكر عاقل أن للدعم وجهاً آخر قد يتحول من أداة حماية اجتماعية إلى عبء اقتصادي إذا أُسيء تطبيقه،لكن الفرق بين “الغباء الاقتصادي” و”الحكمة الاجتماعية” يكمن في كيفية إدارة هذا الدعم”.
وأضاف عمار، عبر حسابه على “فيسبوك” :” يعتقد البعض أن الدعم على بعض السلع هو خسارة اقتصادية، متناسيا أن كبار الدول مثل بريطانيا تدعم الصحة مثلا 188.5 مليار باوند سنويا”.
ولفت إلى أن بعض الدول تخسر لشراء السلم المجتمعي، فليس كل خسارة هي خسارة بل أن الاقتصاد ليس أرقام فقط، بل أحيانا تخسر الدولة من أجل كرامة المواطن صاحب المال، فالاقتصاد الجزيء الذي يٌنبى على الربح يختلف عن الاقتصاد الكلي للدولة”.
ونوه بأن الفلسفة التي تدعوا لخلق طبقتين هما عمال ورأس مال لخلق دولة صراع ديمقراطي مازلنا بعيدين عنها”.
وأكد ان الدعم متواجد في مختلف الهويات الاقتصادية، وهذه نماذج لبعض الدول التي لديها دعم: فبريطانيا ليس وحدها من الدول الكبرى التي تلجأ للدعم بل فنلندا والسويد والنرويج تدعم التعليم والصحة فهي مجانية، وكندا تدعم التعليم العالي بمنح كبيرة، وفرنسا تدعم التأمين الصحي الإلزامي، والإمارات تدعم المشروعات الصغرى والمتوسطة والبرازيل تدعم الفقراء للارتقاء بحياة كريمة.
وأفاد بأن الجدل حول الدعم هو في الحقيقة جدل حول أولويات الحكومات ورؤيتها للمواطن، فالدولة التي ترى شعبها مجرد أرقام في جداول الميزانيات ستسارع إلى قطع الدعم باسم “الترشيد المالي”، أما الدولة التي تعتبر الإنسان ركيزة التنفس فستسعى إلى
عدم المساس بالدعم”.
وتابع عمار:” القضية ليست “دعم أم لا دعم”، بل “كيف نُحسن الدعم” لنصنع اقتصاداً يُحقق التوازن بين العقل والقلب، والأهم من ذلك، أن الدعم يجب أن يكون جسراً للإصلاح، لا بديلاً عنه، وقبل كل هذا يبقى السؤال الأهم هو كيف نوزع الثروة على الناس حتى لا يضطرون للدعم”.
وتابع:” لم يعد السؤال “هل نلغي الدعم؟”، بل “كيف نعيد اختراعه؟”، فالدعم في القرن الحادي والعشرين يجب أن يكون نظاماً ذكياً مرتبطا بالتنمية”.
واستطرد عمار قائلا:” في خضم الجدل حول الدعم الحكومي للسلع الأساسية، يغفل الكثيرون عن الحكمة العميقة الكامنة وراء هذه السياسات، فالدعم ليس مجرد إنفاق عشوائي يُثقل كاهل الموازنة العامة، بل هو استثمار حقيقي في الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي”
وقال عمار:” عندما تتدخل الدولة لضمان أسعار معقولة للخبز أو الوقود أو الكهرباء، فإنها لا تحمي فقط الفئات الهشة من الغلاء، بل تحافظ أيضًا على تماسك المجتمع وتجنبه موجات الغضب والاضطرابات التي قد تكبد الاقتصاد خسائر أكبر بكثير من تكلفة الدعم نفسه.
وأشار إلى أن الحديث عن المساس بالدعم في ظل غياب الدولة مثل ليبيا يعتبر نوعا من “الغباء الاقتصادي” أو ما يمكن أن نطلق عليه (الغباء المدعوم).
ولفت إلى أن رفع الدعم أو استبداله في هذه الظروف تبسيط يفتقر إلى الرؤية الشمولية في ظل دولة لا تملك مواصلات عامة ولا طيران اقتصادي ولا سكك حديد.
وشدد على أن أن تحويل الدعم إلى نقدا سيزيد من حجم التضخم فكل شيء مرتبط بالوقود من الخبز إلى نقل الدواء إلى تذاكر السفر، كما أن الحكومة غير قادرة على توفير المرتبات في موعدها فلا بالك باظافة الدعم النقدي.
وأضاف أن المواطن لم يعد يثق في الحكومة التي وعدته بدفع نقدا للدعم على المواد الغذائية ولم يرَ ذلك نهائيا.
وأوضح أن الحل في جودة العملية الظبطية لأن مهما رفعنا السعر سيظل يهرب الوقود، فمثلا في السودان سعر اللتر يصل إلى 6 دينانير ليبية مهما رفعت الدعم ستظل هنالك فرصة للتهريب”.
واختتم عمار قائلا:” إن الاقتصاد الناجح ليس ذلك الذي يحقق فائضاً مالياً على الورق فقط، بل الذي يضمن حياة كريمة لمواطنيه ويبني مجتمعاً متوازناً قادراً على النمو المستدام، لذلك، قبل إطلاق الأحكام، علينا أن نسأل: هل نريد اقتصاداً يخدم البشر، أم بشراً يُضحَّى بهم في سبيل اقتصاد وهمي؟”.