نص المحاضرة الرمضانية الثالثة للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي
تاريخ النشر: 14th, March 2024 GMT
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
تحدثنا بالأمس عن المرحلة الأولى من يوم القيامة، في النفخة الأولى والصيحة الأولى، التي يتم بها تدمير هذا العالم، وإعادة صياغة السماوات وتشكيل السماوات والأرض، وهلاك جميع الكائنات على وجه الأرض، {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ}[الرحمن: من الآية26].
واستكمالاً للحديث عن القيامة، وعن المرحلة الثانية: مرحلة البعث والنشور في يوم القيامة، نتحدث على ضوء بعض الآيات المباركة، ويتضح لنا عندما تأتي القيامة، تأتي الساعة، تأتي الحاقة، القارعة، الواقعة، الطامة الكبرى عندما تأتي يكون البشر بكلهم، وبكل ما يمتلكون من إمكانات وقدرات في حالة عجزٍ تامٍ عن ردها، وعن حماية الأرض منها، فهم في تلك الحال في حالة استسلامٍ تام وذهول وفزع، وحالة خوفٍ شديد، واندهاش أمام تلك المتغيرات الكبرى والأهوال العظيمة، ومهما امتلك البشر حتى في هذا العصر وهم يدرسون خيارات للتصدي لأي شيءٍ يأتي إلى الأرض، من خلال إمكانات معينة، أو صواريخ نووية، أو غير ذلك؛ لأن هناك بعض الأجرام السماوية التي يتوقعون أن تصدم بالأرض، فيكون لها تأثير مدمر على كوكب الأرض، ولكن أمر الساعة، أمر القيامة كبيرٌ جداً وهائلٌ جداً، ويشمل السماوات والأرض، ويشمل الشمس والقمر؛ ولذلك لا يستطيع البشر أن يعملوا أي شيءٍ لدفع القيامة، أو منع قيام القيامة ووقوع القيامة بأهوالها الكبيرة والهائلة.
يقول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى": {بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ}[الأنبياء: الآية40]، (تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً): في وقتٍ غير متوقعٍ أبداً، وتأتيهم بهولها الكبير والعظيم، والمفجع، والمدمر جداً؛ ولذلك لا يستطيعون ردها، حالتهم حينها هي حالة الفزع، الخوف، {يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ}[القيامة: الآية10]، فلا يتمكنون من فعل أي شيء، ويكون مصيرهم الحتمي في النفخة الأولى هو الهلاك.
تلك الأهوال رهيبة جداً، فوق مستوى تخيل أي إنسان، لا يستطيع الإنسان أن يتخيل أهوالها، الإنسان عادةً ما يكون في حالة ضعف، وعجز، وذهول، وخوف، عند أحداث جزئية، إمَّا زلازل على مدينة معينة، أو بلد معين، عندما يحصل زلزال قوي جداً، أو أعاصير شديدة، أو رياح شديدة، أو أي شيء من الكوارث الجزئية، المحدودة، التي لا تساوي شيئاً أمام أهوال القيامة، التي هي أهوال تشمل كل الأرض، دمارٌ كليٌ للأرض بكلها، ويأتي في مرحلة واحدة، يشمل الأرض في مرحلة واحدة، وليس من منطقة إلى أخرى، أو من بلد إلى آخر، أو من جبل إلى جبل، بل في لحظة واحدة، دكة واحدة، ونفخة واحدة.
يقول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" يُبيِّن لنا في القرآن الكريم حالة الهول لدى الإنسان، حالة الخوف والرعب: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}[الحج: الآية1]، وفعلاً شيءٌ عظيم، شيءٌ هائل، زلزلة لمدينة أو بلد واحد تجعل الناس في منتهى الخوف، والعجز، والقلق، والاضطراب، لكن ما بالك عندما يكون زلزالاً يدمر الأرض، يدمر الجبال وليس فقط المدن والقرى والمساكن، {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}[الحج: الآية2]، هول رهيب جداً، إلى هذه الدرجة من الذهول والخوف: (تَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا)؛ من شدة الخوف، ولكن لا يلبث كل الخلائق أن يموتوا.
ثم ما بعد النفحة الأولى، ودمار هذا العالم، ودمار السماوات والأرض، وإعادة تشكيل وصياغة السماوات والأرض من جديد، كما قال الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى": {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ}[إبراهيم: من الآية48]، تتبدل الأرض؛ لأنها تتغير كل معالمها. الآن الذي نراه عندما نراه في الصور الفضائية كوكب أزرق جميل، تغطي نسبةً شاسعةً منه المياه (مياه المحيطات والبحار)، ونسبة أيضاً من بره تغطيه الغابات، ثم هناك في القطبين الثلوج، كل هذه المعالم تختفي وتنتهي، لا بحار، ولا جبال، ولا مدن، ولا قرى، ولا منخفضات، ولا مرتفعات، ولا أي شيء، ساحة (صَعِيدًا جُرُزًا)، تتحول الأرض بكلها إلى ساحة واحدة، ليس فيها أي مكان منخفض، أو مكان مرتفع، ولا عليها أي نبات، ولا عليها أي مياه، ولا بحار، ولا شيء، فتتغير لمهمة جديدة، السماوات كذلك. {وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}[إبراهيم: من الآية48]، بعد أن تحولت مهمة الأرض ودورها لتكون ساحةً للحساب.
Play Video
يقول الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ}[الزمر: من الآية68]، هذه هي النفحة الأولى، {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}[الزمر: من الآية68]، في يوم البعث، النفخة الثانية هي نفخة البعث، وصيحة البعث، التي يبعث الله فيها الخلائق من جديد في الأرض للحساب والجزاء.
يوم البعث، وفي حالة البعث تلك- التي تحدث عنها في هذه الآية المباركة- بهذه السرعة: في لحظة واحدة، في صيحة واحدة، في نفخة واحدة، يقوم كل الخلائق أجمعين، منذ آدم إلى آخر إنسانٍ ولد من بني آدم، كل البشر يقومون في وقتٍ واحد {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ}[الزمر: من الآية68]، يخرجون من الأرض، تشقق الأرض عنهم كما في الآية المباركة: {يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ}[ق: الآية44]، سبحان الله المقتدر، القاهر، على كل شيءٍ قدير! في لحظة واحدة يبعث كل البشر، ويخرجهم من تراب الأرض، فيقومون مرةً واحدة، دفعةً واحدة، بكلهم يحشرون.
في ذلك اليوم، الذي هو اليوم الأول للحياة الثانية الأبدية، الإنسان بُعث من جديد، وسيبدأ حياته الأخرى؛ لأنه أمضى حياته الأولى في الدنيا، ثم كان الموت فاصلاً يراه قصيراً جداً، {كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ}[يونس: من الآية45]، كأنها كانت مدة ساعة، أو بعض يوم، أو عشية أو ضحاها، مدة بقائهم في الدنيا تتحول كأنها ساعة، مدة ما لبثوا في الأرض منذ أن ماتوا إلى يوم البعث كذلك كأنها مدة ساعة، {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ}[الروم: من الآية55]، يتصور البعض أنها بمقدار عشية أو ضحاها، يتصور البعض أنها يوم أو بعض يوم، أكثر التقديرات يقولون: {إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا}[طه: من الآية103]، يتخيلون أنها قد تصل إلى عشرة أيام، أو عشر ليالٍ.
في ذلك اليوم (يوم البعث)- الذي هو اليوم الأول من الحياة الثانية الأبدية- يبعث الإنسان وقد صمم الله خلقه وأعاد تكوينه للحياة الأبدية، الله يخلقنا في الحياة الأولى والمرحلة الأولى للوجود البشري في هذه الدنيا لحياةٍ مؤقتة، إلى أجلٍ مسمى؛ ولذلك يكبر الإنسان إذا استمر في مسيرة حياته، ينتقل من مرحلة الطفولة، إلى مرحلة الشباب، إلى مرحلة الكهولة، إلى مرحلة الشيخوخة؛ يهرم، يبلى، تضعف حواسه، يضعف جسمه، ينتقل من ضعف إلى قوة إلى ضعف، ثم يأتيه الموت؛ أمَّا في تكوين الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وخلقه من جديد للبشر في يوم القيامة، فهو يخلقهم ويكوِّنهم حتى في بنية أجسامهم، للحياة الأبدية التي لا نهاية لها، ولا هرم فيها، فيكون حتى إعادة خلق الإنسان مبنياً على هذا الأساس.
في يوم البعث، وتلك الأهوال التي أتت ابتداءً في النفخة الأولى، ثم ما يواجه الإنسان في يوم القيامة، كل هذا يبيِّن أهمية ذلك اليوم، الذي سبقته إعادة ترتيبات لوضع السماوات والأرض بكلها، إعادة تشكيل لهذا العالم، أحداث رهيبة جداً، كل تلك الأحداث، والمتغيرات الكونية الكبرى، هي تدل بشكلٍ واضح على أن هناك مشروع جديد، وهام، وكبير، وخطير جداً، ليست المسألة مسألة لعبة، ذلك اليوم {يَوْمُ الْفَصْلِ}، كما كرر تسميته بهذا في القرآن الكريم بـ(يوم الفصل)، يومٌ لا هزل فيه، ولا مجاملة فيه، ولا رشوة فيه، ولا يمكن للإنسان أن يُقدِّم عن نفسه الفدية؛ ليتخلص بفديةٍ معينة يقدمها، أو بيع، أو مال، ولو كانت الأرض بكلها وبملئها ذهباً، ما أمكن للإنسان أن يفتدي نفسه في ذلك اليوم (يوم الفصل).
والاجتماع في يوم البعث اجتماعٌ للحساب والجزاء، في ذلك اليوم الذي يجتمع فيه كل البشر، كل الخلائق، المليارات من البشر، منذ بداية الوجود البشري على الأرض إلى نهايته، يجتمعون في تلك الساحة، في ساحة الحساب، ليس لاجتماع حفلات، أو مهرجان، بل للحساب، لأمرٍ فصل، لا يمكن للإنسان أن يتخلص في ذلك اليوم بالتوبة، انتهى وقت التوبة، ولا بالاعتذار، ولا يمكنه أن يستفيد، أو أن يكسب التعاطف من أحد لينفعه بشيء، ولا ينفعه البكاء، ولا التحسر، ولا الندم، ولا أي شيء، يوم الفصل، كل إنسان مشغولٌ بنفسه، {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}[عبس: الآية37].
يحشر الجميع بلا استثناء، في نفخةٍ واحدة، وصيحةٍ واحدة، لا يمكن لأحد أن يغيب، أو أن يمتنع من الحضور، والله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" لا ينسى أحداً أبداً، {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ}[يس: 51-52]، يخرجون ويحشرون بأعدادهم الهائلة جداً، مليارات البشر في لحظةٍ واحدة، {يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ}[القمر: من الآية7]، ولا يغيب أي شخص عن ذلك المشهد، كل إنسان سيحضر، {وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ}[يس: الآية32]، {فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ}، {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا}[الكهف: من الآية47]، فالله لن ينسى أحداً، وليس هناك من أحد يستطيع أن يمتنع عن الحضور، الحضور إجباري.
والكل مع كثرتهم وأعدادهم الهائلة يأتون ويحشرون في ساحة المحشر، منذ اللحظة التي يبعثهم الله فيها، فيقومون فيها، {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}[الزمر: من الآية68]، الكل في حالة خضوعٍ تامٍ لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وانقيادٍ تام لكل الترتيبات والإجراءات التي تأتي في يوم القيامة، لمرحلة الحساب، ثم ما بعد ذلك الانتقال لمرحلة الجزاء؛ ولهذا يقول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى": {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا}[مريم: الآية93]، الكل يأتي بصفة العبودية، باعتباره عبد لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، لم يعد هناك صاحب سلطة، ولا صاحب أمر أو نهي، الكل عبيد خاضعون لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، مستسلمون بشكلٍ تام لله "جلَّ شأنه".
{لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا}[مريم : 94-95]، كل إنسان يأتي ويرى نفسه لوحده، ليس له أنصار، ليس له من يقف إلى جانبه، ليس له من يمكن أن يُقدِّم له شيئاً من الناس، أو أن يقدم له الحماية، أو أن يسانده في ساحة المحشر، الكل يرى نفسه وكأن القيامة بكل أهوالها، بكل ما فيها تدور على رأسه، كأنها متجهةٌ إليه، ليس هناك شتات وتضييع لملفات الحساب، أو انشغال مع كثرة الناس إلى درجة يُنسى هذا، أو يُنسى ذاك، الكل يشعر وكأن كل إجراءات القيامة تدور على رأسه، وكأنه هو المستهدف الأول من عملية البعث والحساب والجزاء، والمعني بشكلٍ أساسي، ويرى نفسه مجرَّداً من كل حمايةٍ من أي جهة أو أشخاص.
تبدأ عملية الحشر، بعد البعث يحشرون ويقومون، ثم تبدأ عملية الحشر، ويتحركون وفق الترتيبات والإجراءات في ساحة الحساب. الهول في تلك اللحظات عندما يرى الإنسان نفسه في ساحة القيامة، وهي حالة يتصور الإنسان فيها أنه لم يكن الفاصل عنها إلَّا وقتا يسيراً، كما لو نام الإنسان واستيقظ في الصباح فإذا هو في ذلك العالم، فهي قريبة، قريبة، ليست بعيدة بالقدر الذي يتصوره الإنسان، ويستبعده الإنسان.
الأهوال بكلها، التي سبقت مسألة الحشر للحساب، تهون أمام الحالة التي يعيشها الإنسان، وبالذات الإنسان الخاسر، الخائب، الذي لم يستعد لذلك اليوم، لم يستعد بالعمل الصالح لعالم الآخرة، فالحساب بالنسبة له، والحشر للحساب هوله، وضغطه النفسي عليه، وفزعه، وقلقه، وحسرته، وندامته، أكبر عليه حتى من النفخة الأولى التي دُمِّرت بها السماوات والأرض، هول رهيب جداً، وحالة رهيبة جداً من الحسرة والندامة، والقلق والضيق الذي يعيشه الإنسان في نفسه.
مع ذلك الكل ينقادون للترتيبات (ترتيبات الحساب) دون أي فوضى، مع كثرتهم، وهم بالمليارات، كل البشر بأجمعهم قد حشروا، ليس هناك فوضى، وليس هناك تَعَنُّت، الكل في حالة انقياد تام، وخضوع تام؛ ولذلك يقول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى": {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ}[طه: من الآية108]، يأتي الداعي لهم لترتيبهم، لتنظيمهم، للاتجاه بهم في الاتجاهات التي ينظمون فيها على ساحة الأرض، فينقادون دون تردد، ودون تَعَنُّت.
{يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا}[طه: الآية108]؛ لأن مهابة ذلك اليوم بشكلٍ رهيب جداً، فوق ما يمكن أن نتصوره؛ ولذلك مع كثرتهم الهائلة جداً يتحركون وينقادون وبدون ضجيج، ليس هناك ضجيج، ولا إزعاج، ولا كلام مرتفع، بل عندما يتحدث أحدٌ مع غيره، إنما يهمس له بصوتٍ منخفض جداً، {وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا}.
{مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ}[القمر: من الآية8]، منقادين، وخاشعين، وخاضعين، ومتجهين وفق التوجهات التي يتلقونها ويسمعونها، {يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ}[القمر: من الآية8]، يتهامسون فيما بينهم، كل الخاسرين، كل الذين رفضوا هدى الله، وتنكروا لتعاليمه، يدركون فداحت الخسارة التي هم فيها آنذاك.
مع كثرتهم الهائلة جداً، وبالذات أن الأغلبية من البشر ستكون وجهتهم باتجاه جهنم والعياذ بالله، لكنهم لا يتمكنون من القيام بأي تمرد، أو إجراءات متعنتة، للامتناع والحماية من الحساب، يخاطبهم الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى": {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (38) فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ}[المرسلات: 38-39]، لا يستطيعون فعل شيء أبداً، الملائكة تحضر بأعداد هائلة جداً، لا يساوي عدد البشر شيئاً مقارنة بعدد الملائكة، العجز التام، والانقياد التام هو الذي يسيطر على واقع البشر، على نفوسهم وعلى حالهم، وتبدأ الترتيبات للحساب، الحساب على المستوى الفردي، وعلى المستوى الجماعي.
في الحساب تتجلى للناس عدالة الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"؛ لأن الله كان من الممكن، بعد عملية البعث والنشور في يوم القيامة، أن يتَّجه بالناس، من هم إلى الجنة إلى الجنة، ومن هم إلى النار إلى النار بشكلٍ مباشر، وبدون حساب، فلماذا الحساب؟
- في الحساب تتجلى للناس عدالة الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".
- ويتجلَّى لهم أيضاً- بالنسبة للهالكين والخاسرين- سوء أعمالهم، والآثار الفظيعة لأعمالهم السيئة، ويصل الإنسان إلى قناعةٍ تامة بأنه الذي يتحمل مسؤولية هلاكه، وأنه السبب في هلاك نفسه، وأنه لا حجة له على الله، وأنه لا تقصير من جانب الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وأنَّ الإنسان هو الذي أوصل نفسه بنفسه، وتسبب لنفسه في ذلك الخسران الأبدي، والهلاك الدائم والعياذ بالله، والشقاء الرهيب، فالإنسان يصل في عملية الحساب إلى قناعة تامة، تعرض له أعماله، ومواقفه، وآثارها، ونتائجها، وما ترتب عليها؛ فيصل إلى اعتراف تام، وقناعة تامة بأنه السبب في هلاك نفسه، وخسارة نفسه.
- أيضاً يتجلَّى فوز المتقين، ويتجلَّى لهم عظيم أعمالهم، أهمية الأعمال التي عملوها في نجاتهم، حُسن أعمالهم، وإيجابيتها، ونتائجها العظيمة والطيبة، والآثار الإيجابية لها، والنتائج العظيمة لها؛ فيشعرون بالرضى، والاطمئنان، والفوز، ويحسون أيضاً بأنهم فازوا، وفي نفس الوقت تتجلَّى عدالة الله معهم، أنه لم يُضع شيئاً من جهودهم ومن أعمالهم، ولا حتى مثقال ذرة.
- في عملية الحشر والحساب يتجلَّى للإنسان أنه لا ينفعه إلَّا ما عمل، إذا كان قد قدَّم الأعمال الصالحة، وأنَّ مصيره مرتبطٌ بأعماله، التي سوف يراها في الحساب، وفي عملية الحساب، كما قال الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى": {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى}[النجم: 39-41]، وكما قال: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}[الزلزلة: 7-8]، يرى الإنسان أعماله، {وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى}، يشاهد بالطريقة التي وثِّقت بها كل أعماله، وكذلك نتائج أعماله، وآثار أعماله، كل ذلك يتجلَّى للإنسان.
في العرض للحساب، وبعد أن يتم تنظيم البشر لعملية الحساب، لا يستطيع أحد أن يَخْفِي نفسه، ولا أن يُخْفِي شيئاً من أعماله، وليس هناك أيضاً خفاء في شيءٍ من أعمال الإنسان، {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ}[الحاقة: الآية18]، ملفات الإنسان جاهزة، لا حاجة للتحقيق من أجل الاطِّلاع أو التحقق مما عمله الإنسان، {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ}[الرحمن: الآية39]، الملفات جاهزة تماماً، والمسألة محسومة ومعروفة وواضحة، تقدَّم للناس صحف أعمالهم، {وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ}[الكهف: من الآية 48].
عندما يؤتى بالصحف (صحف الأعمال)، تسمى: بالصحف، وتسمى: بالكتب، يقول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى": {وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ}[التكوير: الآية10]، تكون لحظة رهيبة جداً في واقع البشر، {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا}[الكهف: من الآية49]، كل الأعمال موجودة، كثيرٌ من الأعمال التي يكون الإنسان قد نسيها، أو لم تكن بالنسبة له ذات أهمية؛ لأن تقديرات الإنسان عادةً ما تكون خاطئة في كثيرٍ من الأمور، يتصوَّر أنَّ هذا العمل بسيط، وأنَّ تأثيراته عادية، ثم يتجلى له في يوم القيامة أنَّه كان عملاً خطيراً، وكانت له آثار خطيرة، وكانت له نتائج خطيرة، وتداعيات خطيرة حُسِبت عليه، بعض الأعمال تبقى آثارها وتداعياتها ونتائجها مستمرة حتى بعد وفاة الإنسان، بل البعض من البشر تمتد آثار أعمالهم لأجيال، وهي محسوبة تضاف إلى سجل أعمالهم، {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى}- يقول الله "جلَّ شأنه"- {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ}[يس: من الآية12]، آثار الأعمال وما ترتب على تلك الأعمال، مسألة خطيرة جداً.
تقوم ملائكة الله في ساحة الحساب بتوزيع الكتب، عملية التوزيع نفسها، وعملية الاستلام، فيها بنفسها كذلك علامات، علامات الشقاء، وعلامات الفوز، الإنسان الذي هو مؤمن، وفائز، ومتقي لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وتحرَّك في هذه الحياة على أساس الاستجابة لله، والعمل الصالح، يؤتى كتابه بيمينه، ويستلم كتابه بيمينه، هذا بنفسه من علامات الفوز، من المبشِّرات التي يتلقاها الإنسان المؤمن، المتقي لله، وهو يلقى البشارات منذ لحظة بعثه، {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}[فصلت: من الآية30]، فاستلامه للكتاب بيمينه، من علامات فوزه؛ ولهذا يقول الله: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا}[الانشقاق: 7-8]، يتلقى التسهيلات حتى في عملية الحساب، بل عملية الحساب نفسها ستكون بالنسبة له سارة، يطَّلع على أعماله، يدرك أنَّه لم يضيع شيءٌ مما عمله من الأعمال الصالحة، يتجلَّى له إيجابياتها الكبيرة، نتائجها العظيمة، والإنسان حتى على مستوى العمل الصالح، أحياناً لا يستوعب الإنسان- مثلاً- أهمية أعمال معينة، مستوى تأثيرها، ما يترتب عليها من النتائج، ما يكتب الله له عليها من الأجر العظيم، ولكن لأنه وطَّن نفسه على الاستجابة العملية لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ولم يربط المسألة بتقديراته الشخصية، التي يدرك أنها قد لا تكون بالمستوى الذي يعوِّل عليه، بل لو عوَّل عليها؛ لحُرم من الكثير من الأعمال المهمة، فيتجلَّى له أيضاً أهمية الأعمال تلك، ونتائجها العظيمة، وما حظي عليها من الأجر العظيم، يشعر بالرضا والاطمئنان وهو يرى تلك الأعمال من الأعمال الصالحة، يستعرضها، ولربما أيضاً يكون الإنسان قد نسي حتى بعض الأعمال، فيراها وهي أعمال صالحة عظيمة، لها أجرها العظيم، يشعر بالرضا، وفي عملية الحساب، وبعد عملية الحساب، كما يقول في الآية المباركة: {وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا}[الانشقاق: الآية9].
فرحة الإنسان المتقي لله، المستجيب لله، المتمسك بهدى الله، الذي اتَّجه في مسيرة حياته على أساس الاتِّباع لهدى الله، والاستجابة لله، فرحة عظيمة جداً في تلك اللحظة، عندما يرى صحيفة أعماله، يرى أعماله، فيطمئن ويرتاح؛ ولهذا يقول الله "جلَّ شأنه": {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ}[الحاقة: الآية19]، حالة فوق ما نتخيل، وفوق ما نتصور من الفرح، من الاطمئنان، من السرور العظيم، وهو يرى أنَّ ما اطَّلع عليه من أعماله هي بشارات عظيمة جداً، {فَيَقُولُ هَاؤُمُ}، اقرأوا كتابيه، يقول للآخرين؛ لأنه في حالة اطمئنان، أعمال تبيِّض وجهه، أعمال يسر بها سروراً عظيماً، أعمال بها نجاته، بها فلاحه، بها فوزه، يعرف ما الذي وعد الله عليها من الجزاء العظيم.
{إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ}[الحاقة: الآية20]، يعني: كنت أستشعر في الدنيا مسألة الحساب، أحسب للحساب حسابه، أدرك أني سأحاسب؛ فأحرص على تجنب الأعمال السيئة، أبادر إلى التوبة النصوح من الزلات، أهتم بالأعمال الصالحات، أتوجه إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" على أساس تعليماته وتوجيهاته، أسارع في الأعمال التي ترضي الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، مسألة الاستشعار للحساب، مسألة التذكر للحساب، ترسيخ اليقين بالحساب، مسألة مهمة جداً، تساعد الإنسان على أن يحاسب نفسه في هذه الدنيا، يحاسب نفسه قبل حساب يوم القيامة، كما في الحديث النبوي: ((حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا))، فيتَّجه إلى محاسبة نفسه في هذه الدنيا، {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ}[الحاقة: الآية21].
أمَّا الحالة الأخرى، الحالة الخطيرة، والتي هي من علامات الشقاء: عندما يؤتى الإنسان بكتابه، يؤتى كتابه من وراء ظهره، ويستلمه بشماله، هذا من علامات الشقاء، وهي حالة رهيبة جداً، ولهذا يقول الله: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا}[الانشقاق: 10-12]، {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ}[الحاقة: 25-26]، حسرات رهيبة جداً، يرى أعماله، وكثير من الأعمال التي استهان بها، واستهتر بها، يرى آثارها ونتائجها الخطيرة جداً، كلما شاهد عملاً سيئاً من أعماله السيئة: إمَّا تجاوزاً لشيءٍ من نواهي الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، أو تفريطاً في أوامر الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وتوجيهاته، وتعليماته؛ يتحسر، يزداد خوفاً، يدرك فداحة خسارته، يدرك أنه في ورطة رهيبة جداً، وليس له من خلاص، حالة رهيبة جداً؛ فلذلك يقلق، يرى أنَّ أعماله أحصيت، ليس هناك نسيانٌ لشيءٍ منها، {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا}[الكهف: من الآية49]؛ ولذلك حالة حسرة شديدة، وندم شديد جداً، إلى هذه الدرجة: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ}، يكره نفسه، يمقت نفسه، يدرك فظاعة ما عمل، سوء ما عمل، يتجلَّى له سوء ما عمل؛ لأن الإنسان في هذه الدنيا قد يستهتر بكثير من الأعمال، لا يستوعب خطورتها، نتائجها، سوئها، ما يترتب عليها، لا يعطي لنفسه التفكير أحياناً بالقدر الكافي حول مسائل مهمة، قضايا مهمة، أحداث مهمة، فيتعامل معها بتهاون، {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ}[الحاقة: الآية27]، فحسرته حسرة شديدة جداً، حسرة رهيبة، وليس له من مناص أبداً، لا يمكن أن يقول: [هناك اشتباه، أخطأتم في اسمي، هذا ليس كتابي، ليست هذه المشاهد مشاهد لأعمالي]... ولا أي شيء؛ لأنه ليس هناك أي خطأ أبداً، المسألة مضبوطة تماماً.
والإنسان في تلك الحالة الرهيبة جداً، مهما كانت تحسره لا يفيده شيئاً، {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}[الفجر: من الآية24]، يقولها بحسرة شديدة، بألم شديد، بحزن شديد، لكن دون أن تنفعه بشيء.
{يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ}[الزمر: من الآية56]، تحسر، وندم، وعذاب نفسي شديد، لكن تلك الحسرات والندم، وذلك العذاب الشديد، لن ينفعه بشيء؛ إنما يتحسر ويتألم باستمرار، هو مقدِّمة لعذاب نفسي أشد، مع العذاب الشامل في نار جهنم والعياذ بالله.
ليس هناك فرصة للإنسان، لا أحد يمكن أن يقدِّم له شيئاً، وينقذه، فلا أحد يملك شيئاً لنجاته وإنقاذه، ولا بيده أي شيء، وليس له من مجال ليقدم أي شيء، ولهذا يقول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى": {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا}[البقرة: من الآية48]، {لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا}، لا أحد يمكن أن يقدِّم لك هناك أي مساعدة، ولا أن ينفعك بشيء أبداً، {وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ}[البقرة: من الآية48]، فالفدية لا يمكن أن تفتدي نفسك بشيء، {وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ}[البقرة: من الآية48]، لا يمكنهم أن يمتنعوا آنذاك، وتتكتل مجاميعهم في ساحة المحشر، لتتجه في موقف موحد، وتدفع عن نفسها، الكل في حالة استسلام وعجز تام.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ}[البقرة: من الآية254]، لا يمكن أن تبيع فيه، في الدنيا قد تلجأ إذا نابتك نائبة، أو شدة، لبيع شيءٍ من أموالك، وتستفيد من تلك الأموال؛ فتدفع عن نفسك، أو تواجه تلك النائبة، هناك لا شيء، {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[البقرة: من الآية254]، لا أحد يحمل عنك شيئاً من وزرك، أو يخفف عنك شيئاً من ذنوبك، {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى}[فاطر: من الآية18]، حتى القريب، حتى الأم مع ولدها، أو الولد مع والده، أو أي قريبٍ لك، مهما كان إحسانك إليه في الدنيا، إذا كانت أعمالك حابطة، وكنت في يوم القيامة من الخاسرين، فلا أحد يمكن أن يعمل لك شيئاً، أو أن يخفف من وزرك.
من اتجه في طريق الغي، والهلاك، والخسران؛ إمَّا اتِّباعاً لمضلين، أو لهالكين وخاسرين، أو لقرين سوء، أيضاً لا يمكن أن ينفعه بشيء في ذلك اليوم، {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى}[فاطر: من الآية18].
{يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا}[الانفطار: من الآية19]، لا أحد يتعاطف معك، لا أحد يتعاطف معك آنذاك، {وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ}[الانفطار: من الآية19]، كل إنسان مشغول بنفسه أصلاً، {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}[عبس: 33-37]، هذا على مستوى الحساب الفردي، الشخصي، كل إنسان ملفه جاهز، وأعماله مثبَّتة؛ لأن الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" وهو الرقيب على عباده، ومع ذلك جعل في هذه الدنيا من ملائكته من يتولى عملية الرقابة الدائمة، والتوثيق المستمر لكل أعمال الإنسان، {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}[الانفطار: 10-12]، {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق: 17-18]، جُهِّزت كل تلك الملفات، وقُدِّمت في ساحة الحساب.
الحساب أيضاً على المستوى الجماعي للأمم والجماعات، التي كان يجمعها موقفٌ واحد، أو توجهٌ واحد، أو قضيةٌ واحدة، هناك حساب أيضاً في كل القضايا، في كل ما كانوا فيه يختلفون، {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ}[الإسراء: من الآية71]، كل أناس ممن جمعتهم قضية واحدة، أو اتجاه واحد، أو موقف واحد، يأتون بقائدهم، {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[الجاثية: الآية28]، في الحساب الجماعي أيضاً يتجلى أهمية التوجه الحق، الموقف الحق، الموقف الصحيح، إيجابية الاتجاه الصحيح في هذه الدنيا، الذي هو وفق تعليمات الله، وهدى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".
في الحساب الجماعي يُفصل بين العباد أيضاً في القضايا الجماعية، هناك قضايا على المستوى الشخصي، وهناك على المستوى الجماعي أيضاً، القضايا الكبرى تأتي حاضرة بثقلها، بأهميتها في ساحة الحساب، في ساحة الجزاء، الإنسان يأتي آنذاك ضمن أولئك الذين كان معهم في هذه الدنيا في تلك القضايا.
هناك يتجلَّى الانتصار الكبير أيضاً لرسل الله وأنبيائه، والمؤمنين الذين ساروا على نهجهم، وتمسَّكوا بهديهم، واتجهوا الاتجاه الصحيح على أساسٍ من هدى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وللمظلومين، تتجلَّى أيضاً الانتصاف للمظلومين من الظالمين، يقول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى": {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}[غافر: 51-52]، تتجلى حينها في الحساب، تتجلَّى أيضاً في نتائج الحساب: الأعمال، المواقف، والعواقب لها، والآثار للأعمال بشكلٍ رهيبٍ جداً.
نستكمل الحديث- إن شاء الله- في بقية مرحلة الحساب، والانتقال إلى دار الجزاء، أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار، في المحاضرة القادمة.
نَسْألُ اللَّهَ "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّج عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
كلمات دلالية: السماوات والأرض فی یوم القیامة فی هذه الدنیا الأعمال التی فی ذلک الیوم على المستوى من الأعمال الإنسان فی للإنسان أن لا یمکن أن من علامات من أعماله ى الإنسان لا یستطیع فی الحساب الإنسان ف فی الدنیا ت ع ال ى س ب ح ان ه لیس له من یمکن أن ی علیها من من الآیة على أساس لیس هناک من أعمال کل البشر کل إنسان فی حالة الذی هو فی لحظة ک ت اب ه من جدید نفسه فی ال أ ر ض لا أحد ن نفسه ما عمل ة الله فی تلک أی شیء
إقرأ أيضاً:
مرايا الوحي.. حكايات المحاضرات الرمضانية للسيد القائد “المحاضرة الأولى”
يمانيون/ مراد شلي
مرايا الوحي: حكايات المحاضرات الرمضانية للسيد القائد . ( تجسيد المحاضرات الرمضانية كـ”مرايا” تعكس أنوار المعرفة الإلهية بطريقة السرد الروائي )
( قراءة مختلفة للمحاضرة الرمضانية الأولى )
يجلس نظام مستمعاً لزميله ريّان وهو يحدثه عن محاضرات السيد القائد التي يتابعها منذ ثلاثة أعوام والطريقة المتفردة التي يقدم فيها الحياة الإنسانية بطريقة روحانية ايمانية ويشد القارئ القرآن الكريم لتدبره وفهم معانيه وتقديمه للقصص القرآنية بطريقة مختلفة أي نظام طالب عراقي سنة ثانية بمعهد التكنولوجيا بالجامعة التقنية الوسطى يبلغ من العمر 33 عاماً وقد تأخر في دراسته بسبب قضاءه عشر سنوات في تيه وطيش أودت به ليكون مدمناً للمخدرات ومن ثم انضمامه لداعش المتطرفة .
لكنه عاد لحياته الطبيعية بعد ان وقفت معه اسرته وتعالج من ادمان المخدرات وتطرف داعش .
يعود ” نظام ” مسرعاً من جامع الحارة المجاور لمنزله ليجلس امام الشاشة متسمراً على قناة المسيرة حيث ستنطلق للتو محاضرة السيد القائد الرمضانية الأولى لهذا العام :-
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ جَمِيعِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُه
في هذا الشهر المبارك، عادةً ما نبدأ حديثنا بالتركيز على أهمية التقوى؛ باعتبار ذلك من الأهداف الأساسية لفريضة الصيام في شهر رمضان المبارك، وباعتبار هذا العنوان من أهم العناوين، التي أخذت مساحةً كبيرةً في القرآن الكريم، باعتبار أهميتها للإنسان نفسه، لنا نحن، نحن بحاجةٍ كبيرةٍ إلى أن نستوعب هذا المفهوم، وأن نسعى للعناية به في واقع حياتنا.
لأهمية التقوى، احتل هذا العنوان، كصفة أساسية بارزة لعباد الله المؤمنين، المرتبة الثانية بعد الإيمان، ولذلك يصف الله عبادَهُ الَّذين استجابُوا لرسالته ودعوته واتبعوا هديهُ بالمؤمنين، ثم تأتي في سياق المواصفات البارزة للمؤمنين صفة المتقين، وأتى الوعد الإلهي بالجنة، والمغفرة، والرضوان، والتوفيق، والهداية.
– ما اطيب هذا الحضور الايماني لهذه الشخصية لقد بدأ بخير بداية ليجعلنا شغوفين لمتابعة المحاضرة
كثير من الوعود الإلهية أتت في القرآن الكريم مبنيةً على أساس التقوى، ففي الوعد بالجنة، النعيم العظيم، والسعادة الأبدية، والفوز العظيم، أتى التركيز على عنوان التقوى، يقول الله “جَلَّ شَأنُهُ”: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}[آل عمران:133]، {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا}[مريم:63]، كذلك الكثير من الوعود الإلهية، سواءً ما يتعلق منها بعاجل الدنيا: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا}[الطلاق:2]، أو ما يتعلق أيضاً بالآخرة، في الحساب وتيسيره، في الجنة، في الفوز العظيم… إلى غير ذلك، فيما يتعلق أيضاً بالارتقاء الإيماني والهداية الإلهية: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}[الأنفال:29]، وهكذا الكثير من الآيات تركز على عنوان التقوى، فعنوان التقوى هو عنوانٌ مهمٌ جداً، فعندما قال الله “جَلَّ شَأنُهُ” عن فريضة الصيام في شهر رمضان: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة:183]، ندرك أهمية التقوى في ما تعنيه لنا، مما يترتب عليها من نتائج لنا نحن، نحن في أمسِّ الحاجة إلى تلك النتائج والآثار المترتبة على التقوى.
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هدانا في كتابه الكريم، وعلى لسان رسوله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم”، إلى ما تتحقق لنا به التقوى، ما يقينا، ما يقينا من المخاطر، من الشرور؛ ولـذلك فأوامر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” ونواهيه، ومن خلال الالتزام بها، تحقق لنا كل هذه النتائج؛ لأن التقوى هي تتمحور حول الالتزام بأوامر الله ونواهيه، هي- في واقع الحال- حالة نفسية تدفع الإنسان إلى الالتزام؛ لأنه يعي المسؤولية تجاه ما يعمل، يدرك أهمية الأعمال، وما يترتب عليها من نتائج
فالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وهو الذي خلقنا وأنعم علينا، ويريد لنا الخير، ويريد لنا الفوز العظيم والسعادة الأبدية، لذلك نجد أنه لم يتركنا لنكون في حالة تخبط في هذه الحياة، فنتَّجه على أساس ونحن نبني نحن بأنفسنا في رؤانا، في تصوراتنا، في أفكارنا، ونرسم لأنفسنا الأعمال التي نتصور أنها تحقق لنا الخير، لم يتركنا الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في حالة فراغٍ من هدايته، بل هو ربنا المالك لنا، المنعم علينا، ولي نعمتنا، ونحن عبيده، في مقام المسؤولية أمامه؛ ولـذلك فهو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” ابتدأنا هو بالهداية إلى ما فيه الخير لنا، وما فيه الوقاية لنا، ليس فقط على مستوى ما يقينا من العواقب السيئة للأعمال السيئة، والتفريط في المسؤوليات الكبيرة، بما ينتج عن ذلك من عواقب خطيرة على الإنسان في الدنيا، والعواقب الخطيرة الكبرى في الآخرة، بل أيضاً يدلنا على الأعمال العظيمة التي تتحقق بها النتائج الكبيرة لنا نحن، من حياةٍ طيبة في هذه الدنيا، كما وعد الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ومن سعادةٍ أبديةٍ (للأبد) في النعيم العظيم، فيما وعد الله به في الآخرة.
– ما اعظم نعمة الهداية من الله عز وجل لما فيه الخير لنا وما فيه الوقاية لنا … هكذا حدث نفسه نظام
لذلك فمن أهم ما يساعد الإنسان على الاهتمام بالتقوى، والالتزام بالتقوى، هو: وعيه بأهمية الأعمال، وما يترتب عليها من نتائج، وإيمانه بوعد الله ووعده، هذه مسألة مهمة جداً، عندما نلتفت إلى واقع حياتنا، فنرى من الظواهر المنتشرة في أوساط الكثير من الناس هي: عدم تفاعلهم مع أعمال ذات أهمية كبيرة جداً، أعمال عظيمة، أعمال كبيرة يسمِّي الله، بعضها بالتجارة، مثل: الجهاد في سبيل الله، أعمال يتحقق من خلالها الخير الكبير للإنسان، وكذلك التهاون عند الكثير من الناس تجاه أعمال سيئة، أعمال خطيرة، أعمال يترتب عليها نتائج وخيمة للإنسان في الدنيا وفي الآخرة بشكلٍ رهيبٍ جداً، هذا كله من نقص التقوى،
– صدقت يا سيد عبدالملك فالجهاد بنظرنا كان ليس في اجندات حياتنا ومغيب عنا هكذا عقب نظام
ونحن قلنا: الذي ينقصنا كأمةٍ مسلمةٍ وعالمٍ إسلامي، ومنتمين لهذا الإسلام، تنقصنا التقوى، النقص هنا في موضوع التقوى، نعمة الإسلام والانتماء للإسلام هي نعمةٌ عظيمة، تهيئ لنا الفرصة لأن نتَّجه في مسيرة حياتنا على أساس هدى الله، على أساس تعليماته، على أساس توجيهاته، وهنا كل الخير؛ لأن انتماءنا للإسلام أننا نؤمن بالله، نؤمن باليوم الآخر، نؤمن بكتب الله ورسله، وهذا يهيئ لنا أن تكون انطلاقتنا في مسيرة حياتنا وفي أعمالنا مبنيةً على أساس هذا الإيمان، وهذا الانتماء، لكن يحصل الخلل مع غفلة الناس، مع اتِّباع الكثير لأهواء أنفسهم، عندما يتَّجه الإنسان في أعماله وتصرفاته اتِّجاهاً غريزياً بناءً على الغريزة، على هوا النفس، على رغبات النفس، على شهوات النفس، سواءً فيما يعود إلى رغبة لشهوة، أو فيما يعود إلى حالة انفعال وغضب، ينتج عنها رغبة لتصرف معين، أو فعل معين، أو ردة فعل معينة، أو فيما يترتب على حالة المخاوف أحياناً لدى الكثير من الناس، التي تؤثر عليهم في مسألة التقوية نفسها، فوعينا من خلال القرآن الكريم، من خلال هدى الله وتعليماته، وما ارشدنا اليه رسوله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، وعينا بأهمية الاعمال، وعدم التهاون تجاه ما نعمل، ما نقولهم، ما نتصرف فيه من تصرفات، ما هي مسؤولياتنا في هذه الحياة،
– يجب ان ننطلق في حياتنا كما قلت يا سيد عبدالملك على أساس هُدى الله عز وجل متمثلة كنعمة انتماءنا للاسلام
هذا الوعي مهم لنا في تحقيق التقوى، إيماننا بوعد الله ووعيده، والوعد والوعيد أخذ مساحةً كبيرةً جداً في القرآن الكريم؛ لأن من المهام الأساسية لكتب الله ورسل الله هو الإنذار والتبشير:
الإنذار بالتنبيه والتحذير من العواقب السيئة للأعمال السيئة، وما يترتب عليها من العقوبات في الدنيا والآخرة.
الإنذار أيضاً بالآخرة وما فيها من الجزاء.
وكذلك التبشير على الأعمال الصالحة.
– كان جسد نظام يرتعد تارة من تعرفه على معنى التقوى وماهيتها وتجسيدها في واقع الانسان ومن عظيم الحديث عن التقوى واثار التفريط في المسؤوليات
ولذلك خلال شهر رمضان، والإنسان يتلو كتاب الله، عليه أن يتدبر، أن يتأمل، أن يركز على الوعد والوعيد في القرآن الكريم، وعلى ما في القرآن من هدايةٍ مهمةٍ وعظيمة.
من المبادئ الأساسية في الوعد والوعيد هو: مبدأ الجزاء: ما نعمله نجازى عليه، هذا مبدأٌ مهمٌ، الله يقول عن كل نفسٍ بشرية في مقام المسؤولية والتكليف، {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}[البقرة:286]، هذا المبدأ المهم يجب أن يُرَسِّخه الإنسان في نفسه، وأن يستحضره في ذهنه، في كل مواقع الحياة، في كل مقامات الحياة، في كل ظروف الحياة؛ لأن غفلة الإنسان عن ذلك تجعله يستهتر تجاه ما يعمل، وكأنه لا يجازى عليه، ولا يعاقب عليه، أو لا يتفاعل مع أعمال ذات أهمية كبيرة، جزاؤها عظيم، من ورائها خيرٌ كبيرٌ لهُ.
ولأهمية هذا المبدأ، أتى الحديث عنه كثيراً في القرآن الكريم؛ باعتباره من المبادئ الأساسية التي ترتبط بعدل الله وبحكمته أيضاً؛ لأن هذا من عدل الله ومن حكمته، وأيضاً ترتبط بملكه؛ لأنه هو الملك، ملك السماوات والأرض، وملك الناس، لم يخلقنا عبثاً في هذه الحياة لنتصرف كيفما نشاء ونريد، ونعمل كما تهواه أنفسنا، وبما تهواه أنفسنا، ومن دون أن نجازى على ذلك.
– اللهم اني نويت ان اركز على الوعد والوعيد في القرآن الكريم وان استحضره في حياتي العملية وفي جميع رسائل القرآن الكريم …. هكذا حدث نفسه نظام
الإنسان كلما استحضر هذا المبدأ، ورسَّخه في نفسه، كلما التزم بالتقوى، لأنه يدرك أنه يجاز على كل ما يعمل، إن خيراً فخيراً، وإن شراً فشر، ليست المسألة عبث، ليست عبثاً، ليس الوضع بالنسبة للإنسان مهدوراً، ولهذا يقول الله في القرن الكريم: {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}[الجاثية:22]، فمسألة الخلق بنفسها مبنيةٌ على هذا المبدأ العظيم، خلق السماوات والأرض، وخلق الإنسان، خلق الكائنات التي هي في مقام المسؤولية، مبنيٌ كله على هذا المبدأ المهم، لابدَّ من الجزاء، الإنسان سيجازى.
كذلك الآخرة اليوم الآخر، يقول الله: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ}[طه:15]، هي آتية الساعة، ونحن آخر الأمم، ومسيرة الحياة البشرية قريبة من النهاية، والقيامة قريبة، اقتربت الساعة، {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى}[طه:15].
– لقد قدم السيد عبدالملك قراءة متفردة لمسألة خلق الانسان ووجوده المبنية على مبدأ الجزاء الذي لا بد منه
ولذلك خلال شهر رمضان، والإنسان يتلو كتاب الله، عليه أن يتدبر، أن يتأمل، أن يركز على الوعد والوعيد في القرآن الكريم، وعلى ما في القرآن من هدايةٍ مهمةٍ وعظيمة.
من المبادئ الأساسية في الوعد والوعيد هو: مبدأ الجزاء: ما نعمله نجازى عليه، هذا مبدأٌ مهمٌ، الله يقول عن كل نفسٍ بشرية في مقام المسؤولية والتكليف، {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}[البقرة:286]، هذا المبدأ المهم يجب أن يُرَسِّخه الإنسان في نفسه، وأن يستحضره في ذهنه، في كل مواقع الحياة، في كل مقامات الحياة، في كل ظروف الحياة؛ لأن غفلة الإنسان عن ذلك تجعله يستهتر تجاه ما يعمل، وكأنه لا يجازى عليه، ولا يعاقب عليه، أو لا يتفاعل مع أعمال ذات أهمية كبيرة، جزاؤها عظيم، من ورائها خيرٌ كبيرٌ لهُ.
ولأهمية هذا المبدأ، أتى الحديث عنه كثيراً في القرآن الكريم؛ باعتباره من المبادئ الأساسية التي ترتبط بعدل الله وبحكمته أيضاً؛ لأن هذا من عدل الله ومن حكمته، وأيضاً ترتبط بملكه؛ لأنه هو الملك، ملك السماوات والأرض، وملك الناس، لم يخلقنا عبثاً في هذه الحياة لنتصرف كيفما نشاء ونريد، ونعمل كما تهواه أنفسنا، وبما تهواه أنفسنا، ومن دون أن نجازى على ذلك.
– اللهم اني نويت ان اركز على الوعد والوعيد في القرآن الكريم وان استحضره في حياتي العملية وفي جميع رسائل القرآن الكريم …. هكذا حدث نفسه نظام
الإنسان كلما استحضر هذا المبدأ، ورسَّخه في نفسه، كلما التزم بالتقوى، لأنه يدرك أنه يجاز على كل ما يعمل، إن خيراً فخيراً، وإن شراً فشر، ليست المسألة عبث، ليست عبثاً، ليس الوضع بالنسبة للإنسان مهدوراً، ولهذا يقول الله في القرن الكريم: {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}[الجاثية:22]، فمسألة الخلق بنفسها مبنيةٌ على هذا المبدأ العظيم، خلق السماوات والأرض، وخلق الإنسان، خلق الكائنات التي هي في مقام المسؤولية، مبنيٌ كله على هذا المبدأ المهم، لابدَّ من الجزاء، الإنسان سيجازى.
كذلك الآخرة اليوم الآخر، يقول الله: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ}[طه:15]، هي آتية الساعة، ونحن آخر الأمم، ومسيرة الحياة البشرية قريبة من النهاية، والقيامة قريبة، اقتربت الساعة، {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى}[طه:15].
– لقد قدم السيد عبدالملك قراءة متفردة لمسألة خلق الانسان ووجوده المبنية على مبدأ الجزاء الذي لا بد منه
يقول الله أيضاً: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}[النجم: 39]، فمصيرك أنت هو مرتبطٌ بسعيك، بعملك، مسألة مصير، العمل ليست مسألة عادية، مصيرك الأبدي متوقفٌ على أعمالك، مرتبطٌ بها، {وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى}[النجم:40-41]، فنتائج الأعمال وتبعاتها بحسبها،
يعني: إن كان اتِّجاه الإنسان قائماً على الإيمان، والعمل الصالح، والاستجابة لله تعالى، والاستقامة، والتقوى، كان هذا المسار مساراً عظيماً، وفق وعد الله “جَلَّ شَأنُهُ”، أنت تحصل على الجزاء من الله، لن تُظْلَم، لن يضيع عليك من عملك الصالح ولا مثقال ذرة، ولا اي شيء أبداً.
يقول الله: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا}؛ ولذلك عندما يُدعى الإنسان إلى ما هو عملٌ صالح، فيتصور المسألة وكأنها عبئاً إضافياً، كأنه شيءٌ لا يعنيه، وحملٌ وعبءٌ عليه، هذا نقص في استيعاب هذا المفهوم، أنه لنفسك أنت، أنت المستفيد من ذلك، لهذا نتائج لك أنت، منها ما يأتيك في هذه الدنيا، ومنها ما يأتيك في الآخرة، في مستقبلك الأبدي والدائم، وعلى مستوى عظيم جداً، على مستوىً عظيم من النعيم، من التكريم، من الجزاء العظيم.
لو استوعب الإنسان ورسَّخ في نفسه هذا المبدأ المهم، لما كانت نظرته أبداً إلى الأعمال الصالحة، إلى الأعمال العظيمة، إلى ما يدعونا الله إليه، وكأنه عبء، وكأنه حِمْل، وكأنه مشكلة يسعى للخلاص منها، أو كأنه شيءٌ ثانوي لا يعنيه وليس له صلةٌ به.
– لو ارتبط الانسان بهذه الحياة من واقع ان مصيره مرتبط بالسعي
{وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا}، كذلك جرأة الإنسان في الأعمال السيئة، والتصرفات السيئة، والأفعال والأقوال السيئة، هذه الجرأة هي ناتجةٌ عن غفلة، أو عدم إيمان؛ إمَّا أن الإنسان يتناسى ويتغافل أنه يسيء على نفسه، يُحَمِّل نفسه الأوزار على مستوى ما يقوله من الأقوال السيئة، كل كلمة سيئة يترتب عليها نتائج تعود عليك أنت، وكذلك الأفعال والتصرفات، التي قد ينطلق الإنسان فيها كما قلنا:
إما بشهوة، اتِّباعاً للشهوات والأهواء.
وإمَّا في إطار الغضب والانفعال، وهي كذلك رغبة مبنية على حالة غضب. أو في إطار المخاوف.
أي حالة من الدوافع التي تؤثِّر على الكثير من الناس، لكن عندما يدرك الإنسان أنه يسيء على نفسه، يتحمل هو التبعات والعواقب لتلك الإساءة، سواءً كانت بشكل عمل، أو موقف، أو كلام… أو غير ذلك، {وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا}.
عِظم الجزاء يدل على عظيم المسؤولية بالنسبة للإنسان، يعني: ليست المسألة حتى في مسألة الجزاء أنه جزاء عادي، هناك جزاء يحصل في الدنيا، جزءٌ منه فيما وعد الله به في الدنيا، وهو شيءٌ له أهميته بالنسبة للإنسان، وعد الله المؤمنين المتقين بالحياة الطيِّبة، بالعزَّة، بالنصر، بأشياء كثيرة وعدهم بها في الدنيا، بالخير، بالبركات… كلها ذات أهمية وتمثل حاجةً كبيرةً للإنسان، على المستوى الشخصي، وعلى المستوى الاجتماعي كمجتمع.
ولكن ليس هذا فحسب، هناك أيضاً الآخرة، ما يأتي في الدنيا هو شيءٌ من الجزاء، نسبة محدودة من الجزاء، لكن يوفَّى الإنسان جزاءه في الآخرة، الآخرة التي هي مصيرٌ أبديٌ خيرها خالصٌ عظيمٌ جداً جداً على أرقى مستوى، فيما يتعلق بالتكريم المعنوي، فيما يتعلق بالنعيم المادي، والإمكانات المادية، والحياة المادية، والتكريم في ما هو في مرحلة الحساب، في ساحة القيامة، وفي ما هو في الجنة، الجنة التي قال الله عنها: {عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}[آل عمران:133]، الجنة التي فيها كل أنواع النعيم المادي الذي يشتهيه الإنسان، وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، ولكن على أرقى مستوى، بما عَبَّر عنه رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم”: ((فِيْهَا مَا لَا عَينٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَت، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلبِ بَشْر))، أرقى نعيم، يعني: جزاء عظيم جداً، وللأبد {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}، {لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا}[الكهف:108]، يستقرون للأبد، بسعادة دائمة، بنعيمٍ عظيمٍ مستمرٍ، ليس فيه هرم، ولا مرض، ولا هم، ولا غم، ولا أي منغصات أبداً.
والشر في الآخرة كذلك شرٌ خالص، ليس معه أي لحظة من الراحة، أو لحظة يُفْرَج عن الإنسان ما هو فيه من الشدة والعذاب، على المستوى النفسي وعلى المستوى الجسدي، بدءاً من ساحة القيامة، في هول الحساب، في تشديد الحساب، في الخزي يوم الحساب، في الحسرات والندم الشديد جداً، ثم في الذهاب إلى جهنم، في الحشر إلى جهنم، في العذاب في النار والعياذ بالله، الاحتراق الدائم في نار جهنم، العذاب بكل ما فيها: بشرابها الحميم والصديد، بطعامها الزقوم، الذي يغلي في البطون كغلي الحميم، بكل ما فيها من العذاب الشديد جداً، الذي لا ينفك عن الإنسان ولا لحظةً واحدة، ليس فيها ولا بمستوى ثانية واحدة، ما يعادل ثانية واحدة يمكن للإنسان أن يرتاح فيها، يطلبون يوماً واحداً يخفف عنهم فيه العذاب على مستوى التخفيف، ولا يستجاب لهم، يعني: شرٌ رهيب، في مقابل الخير .
– ظل جسد نظام يرتعد والسيد القائد يقدم مآلات عمل الخير والشر المسنودة بوعيد الله في القرآن الكريم .
فالجزاء الكبير في الآخرة، الذي هو مصيرٌ أبدي، يدل على ماذا؟ على أهمية مسؤوليتنا في هذه الحياة، على الأهمية الكبيرة لأعمالنا، التي نعملها بدون مبالاة، أو اكتراث، أو لا ندرك أهميتها، فالإنسان بحاجة إلى أن يصحح نظرته تجاه الأعمال، في مجال الخير، وأهميتها الكبيرة، وما يترتب عليها، وفي مجال الشر كذلك، وما يترتب عليها، ولهـذا يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ}[لقمان:8]، في مقابل الإيمان والعمل الصالح هناك هذا الفوز العظيم: {لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ}، فهي أعمال ذات قيمة كبيرة، لها أهميتها بالنسبة لمستقبلك الأبدي والدائم، لأن يكون في جنات النعيم، {خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[لقمان:9]، فكيف لا ترغب؟ كيف لا تتوفر لديك الدوافع للعمل الصالح، للأعمال التي دعاك الله إليها، وهي أعمال عظيمة، أعمال هي شرفٌ لك في هذه الحياة، أعمال هي مُيَسَّرة في هذه الحياة، الله يسَّر للإنسان أعمال الخير، ليست في أصلها شاقّة، بالقدر الذي هناك في مقابلها من الأعمال السيئة مشاق أكبر، مشقتها قد تكون في المستوى المعتاد لظروف الحياة، ومع ذلك يأتي التيسير حتى في هذه النسبة من المشقة، التي هي في المستوى المعتاد في ظروف حياة الناس في سائر أعمالهم، حتى الأعمال العادية جداً، التي هي أعمال في معيشتهم وكسب حياتهم، وما يترتب على ذلك.
– يجب ان تكون نصحح نظرتنا ونوايانا لاعمال الخير صدقت يا سيد عبدالملك ومنها ياتي التيسير من الله اذا ما كانت النية صادقة والعزيمة حقيقية لعمل الخير
فهذه الأعمال التي لها أهمية كبيرة، كُلّ عمل تنجزه له مقابل عند الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في إطار هذا الوعد العظيم: الجنة وما فيها من النعيم، كل عمل من الأعمال الصالحة هو رصيدٌ لك، {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا}[المزمل:20]، يعني: شيءٌ لك أنت، أنت المستفيد منه، لا تتصور وكأنك أسديت جميلاً لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، هو غنيٌ عنك، غنيٌ عن أعمالك، أنت أنت المستفيد
يقول الله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26]؛ لأن الله يزيدهم من فضله، هناك ما هو يقابل عملك من الجزاء العظيم والكبير والمهم في مقابل الأعمال الحسنة، أنت كنت محسناً في هذه الدنيا، تعمل الأعمال الحسنة، وتحسن إلى عباد الله؛ لأن عنوان الإحسان هو يشمل أن تكون أعمالنا أعمالاً حسنة، في مقابل الأعمال السيئة، ألَّا نسيء في تصرفاتنا، في أقوالنا، في أعمالنا، هذا يتحقق للإنسان بالتزامه بتوجيهات الله وتعليماته وأوامره، وانتهائه عن نواهيه، هذا يحقق لك أن تكون أعمالك أعمالاً حسنة، وأن تكون محسناً في أعمالك وتصرفاتك، وليس مسيئاً، وكذلك في قيمة الإحسان إلى عباد الله، في فعل الخير لهم، في فعل البر إليهم، في العطاء لهم… في كل أشكال الإحسان التي إليهم.
(وَزِيَادَةٌ) من الله، زيادة واسعة وكبــــيرة من فضله العظيم، زيادة على ما يقابل جهدك وعملك، يكافئك الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، مع أن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بكرمه العظيم، في ما قرره للإنسان في مقابل الأعمال، من البداية بنى المسألة على الزيادة: الحسنة بعشرة أمثالها، ثم هناك أبواب من الأعمال عليها مضاعفات كبيرة للثواب والأجر، في الإنفاق في سبيل الله الحد الأدنى هو سبع مائة ضعف، مواسم كما في شهر رمضان، الحد الأدنى من المضاعفة في شهر رمضان إلى سبعين ضعفاً، يعني: من البداية هناك زيادات، ثم فوق هذه الزيادات في الأجر، في الثواب، في الفضل، في مقابل الإحسان، هناك أيضاً ما هو زيادة على كل ذلك من فضل الله في الآخرة.
{وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ}[يونس:26]، في ساحة الحساب، في ساحة القيامة، والمسيؤون في وضعٍ رهيب جداً، لشدة ما هم فيه من الحزن، والندم، والأسف، والحسرات، والخوف، تظهر على وجوههم تلك الحالة، تلك الكآبة الشديدة في وجوههم، في ألوان وجوههم، سواداً وقتراً؛ لكن في واقع الآخرين المحسنين، الذين استجابوا لله، في ما هم فيه من الفرح، من السرور، وأدركوا قيمة أعمالهم، نتيجة جهودهم، النتيجة العظيمة وفق وعد الله لهم، الطمأنة من ملائكة الله، البشارات تلو البشارات، فهم في حالة فرح وسرور، يتجلى ذلك السرور على وجوههم، وعلى ألوانهم، فيما هم فيه من حالة الفرح.
{أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[يونس:26] مصيرهم الجنة، في عالم الجنة، للخلود الأبدي والدائم، فكانت النتيجة هي هذه النتيجة: السعادة للأبد، والهناء بالحياة الأبدية.
– اللهم اجعلنا من أصحاب الجنة ولا تسيئ وجوهنا يوم العرض عليك يا رب العالمين … هكذا دعى نظام وهو يستمع لهذه الجزئية
{وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[يونس:27]، هذا هو المصير، مصيرك عندما تكسب في هذه الحياة السيئات، الأعمال السيئة، بتصرفاتك، بمخالفتك لأوامر الله ونواهيه؛ لأنك خضعت لأهواء النفس، لأماني النفس، .تأثرت بوساوس الشيطان، اتَّجهت الاتِّجاه السيئ، فأنت كسبت على نفسك من الأعمال السيئة ما كان به مصيرك إلى جهنم والعياذ بالله، حسراتك يوم القيامة، أسفك وندمك، خوفك الشديد يتجلى على وجهك إلى هذه الدرجة: {كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا}، قطعة من السواد، من سواد الليل على وجهك، تعبِّر عن حجم ما في نفسك من الهم، والغم، والحسرة، والندم، والخوف الشديد، ومع ذلك لا ترى لنفسك أي فرصة على الإطلاق لتلافي وضعك آنذاك؛ لأنك فوَّت الفرصة الوحيدة، وهي: حياتك في هذه الدنيا، ليس وراءها أي فرصة أبداً.
– ظل جسد نظام يرتعد بشدة وهو يستمع لمصير من كسب في هذه الحياة السيئات بأعماله ومخالفته لأوامر الله عز وجل
والإنسان يدرك قيمة العمل وأهمية العمل حتى في لحظة الموت، {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ}[المؤمنون:99-100]، لكن لا يفيد الإنسان هذا أبداً، في الآخرة، في مواقف الحساب والقيامة كذلك.
لـذلك من خلال تأملاتنا في القرآن الكريم، تلاوتنا لكتاب الله في هذا الشهر الكريم، علينا أن نعي جيداً أهمية الأعمال، أهمية التقوى فيما تعنيه لنا، فيما يترتب على أعمالنا من نتائج في الآخرة، أن نُرسِّخ إيماننا بوعد الله ووعيده، أن نتأمل ما ورد في القرآن الكريم من الوعد الإلهي والوعيد الإلهي، هذا شيءٌ مهمٌ جداً بالنسبة لنا؛ لكي ندرك أهمية التقوى، ونركز عليها في هذا الشهر، كحصيلة ومكتسب مهم وعظيم لنا، نستفيده من صيام شهر رمضان.
نكتفي بهذا المقدار، وإن شاء الله نبدأ من محاضرتنا القادمة، من بعد هذه المحاضرة، لنستأنف ما كنا بدأناه في شهر رمضان من العام الماضي في القصص القرآني.
نَسْألُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنَّا وَمِنْكُمُ الصِّيَامَ وَالقِيامَ وَصَالِحَ الأَعْمَال، وَأَنْ يُوَفِّقَنَا لِنَكُونَ فِي عِدَادِ عِبَادِهِ المُتَّقِين.
وَنَسْألُهُ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّج عَنْ أَسرَانَا، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
– انتهت المحاضرة ومعها اطلق نظام نيته الخالصة بالبدء بإصلاح نفسه واخذ على الفور هاتفه ليتصل بزميله ريان والذي اجابه فوراً
: نعم يا نظام هل استمعت للمحاضرة ؟
اجابه نظام ودموعه تنزل من عينيه وبصوت متهدج
: جزاك الله خير الجزاء اخي ريان استمعت لها وغيرت مفهومي في مفاهيم عدة وقد نويت ان أكون متابعاً مخلصاً لمحاضرات السيد وان اعمل صالحاً في حياتي واغتنم هذا الشهر العظيم .
انتهى . .