أحمد عيسى يختلف اللقاء المرتقب للأمناء العامون لفصائل العمل الوطني والإسلامي الفلسطيني المتوقع أن ينعقد في القاهرة في نهاية الشهر الجاري عما سبقه من لقاءات ومحاولات لإنهاء الإنقسام وتحقيق الوحدة الوطنية والتوافق على استراتيجية وطنية فلسطينية شاملة، وذلك لإختلاف السياق الإستراتيجي الذي يجري فيه هذا اللقاء عن السياقات التي أحاطت باللقاءات والمحاولات السابقة، إذ يكشف الفحص المعمق لهذا السياق أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي برمته في مواجهة لحظة حاسمة تفرض على الفلسطينيين الإستعداد للإستثمار ما فيها من فرص بتوحدهم وحسن تموضعهم الإستراتيجي ووزن مواقفهم وسياساتهم بميزان من الذهب.

الأمر الذي يجعل من سوء قراءة هذا السياق وعدم التوافق في هذا اللقاء على استراتيجية وطنية فلسطينية شاملة، وعدم تحقيق الوحدة الفلسطينية التي يعتبر تحققها بحدها الأعلى شرط من شروط تحقيق الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، حجة على المجتمعين وقرينة على عدم تقديرهم لأهمية اللحظة التي تشهد فيها البيئة الإستراتيجية الفلسطينية محليا وإقليميا ودوليا تحولات جذرية تنطوي على قدر من الفرص للفلسطينيين، ربما تساوي في حجمها ما تنطوي عليه من تهديدات. وحيث لم يكن النجاح من نصيب المقاربات التي وظفت في المحاولات واللقاءات السابقة، حيث جرى توظيف مقاربتين إثنتين في هذه المحاولات: الأولى سعت الى الإتفاق على كل التفاصيل قبل التوجه لإنتخابات عامة، والثانية قامت على البدء بالإنتخابات الفلسطينية العامة أولا، ثم الاتفاق على التفاصيل تحت قبة البرلمان المنتخب. وعلى الرغم من وجاهة هذه المقاربات، إلا أن أي منها لم يحقق الغاية المنشودة، وظل التيه على حاله، وعليه تقترح هذه المقالة مقاربة مختلفة تبدأ بما هو غير مختلف عليه فلسطينياً، وهو هنا الأمن القومي الفلسطيني، مفهوماً وغايات ومقاصد، وهنا قد يجادل البعض أن الإختلاف على وسائل وأساليب تحقيق الأمن القومي، ربما يأتي بنتائج عكسية ويعمق من مأزق الفلسطينيين ويزيد من انقسامهم وتيههم الذي هم عليه. ولكي نجنب الشعب الفلسطيني البقاء رهينة للإختلاف والخلاف على الوسائل والأساليب وإبقائه ابد الدهر في المأزق والتيه الذي يعيشه الآن، ولكي نقطع الطريق على من يحاولون سرقة حلمه تزداد الحاجة لتطوير إطار عام للأمن القومي الفلسطيني، ينبثق عنه ما ستطلق عليه هذه المقالة (معادلة الأمن القومي الفلسطيني)، حيث تتولى هذه المعادلة تحديد الوسائل والأساليب، الأمر الذي يجعل من الإختلاف وكأنه تعدي على الأمن القومي للشعب ومحاولة لسرقة حلمه وهدر لجهده في غير المكان الذي يجب أن يصرف فيه. وفي هذا الشأن كان قد جادل حسين آغا وأحمد سامح الخالدي في مقدمة كتابهم (إطار عام لعقيدة أمن قومي فلسطيني) الذي نشرته المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية (مواطن) العام 2006، بالقول “أن وضع الفلسطينيين لا زال حرجاً، فمن جهة لم يتمكنوا من تأسيس دولة مستقلة خاصة بهم، ومن جانب آخر لا يمكن أن يعتبروا حركة تحرر وطني بالمعنى الحقيقي للكلمة، فالفلسطينيون لا يزالون يرزحون تحت الإحتلال ومشتتين في المنافي، علاوة على انخراطهم في مواجهات دامية مع إسرائيل تارة، والتزامهم بقواعد التفاوض معها تارة أخرى، إن أفقهم الإستراتيجي غير واضح، فهو يتراوح بين تسوية نهائية شاملة تتضمن تأسيس دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وقابلة للإستمرار، وبين صراع مكلف ومطوَل لا يحمل بشائر التقدم نحو هدفي الإستقلال والتحرر، وبين هذين النقيضين هناك العديد من النهايات المحتملة التي يحمل كل منها نتائجه وعواقبه الخاصة”. وفي مثل هذا الأفق الغامض يضيف آغا والخالدي “تبرز أهمية بلورة هيكل عام للأمن القومي الفلسطيني كأداة مهمة لتأطير الأولويات الإستراتيجية والسياسية الفلسطينية وترتيبها، ومن شأن إطار كهذا سواء أعتمد بشكل علني أو أتفق عليه ضمنياً، أن يكون وسيلة للتعبير عن حاجات الفلسطينيين الأمنية وسبيلاً لدرء مخاوفهم ، وآلية لمساعدتهم على بلوغ أهدافهم”. في الواقع كانت هناك دعوات عدة من قبل فلسطينيين آخرين لتطوير إطار كالذي دعى اليه الباحثان حسين وأحمد، كما كانت هناك محاولات متواضعة في هذا الشأن من قبل من جرى تعينهم مستشارين للأمن القومي الفلسطيني، وكذلك من قبل بعض المؤسسات غير الحكومية (NGO)، ومن قبل متخصصين في القانون، لا سيما في المحاولة الأخيرة تطوير مسودة غير رسمية لدستور دولة فلسطين والتي أعتقد أنها الأفضل من بين كل المحاولات رغم أهميتها، إلا أن أي من هذه المحاولات لم تسفر عن تطوير معادلة للأمن القومي الفلسطيني لا علناً ولا ضمنياً، الأمر الذي يستحق البحث في الأسباب ومعالجتها. وإذا ما جرى مقارنة وضع الفلسطيين اليوم بما كان عليه العام 2006، فيمكن بسهولة الجزم انه أكثر حرجاً سياسيا وإقتصاديا وأمنياً وإجتماعياً، الأمر الذي يجعل من تطوير “معادلة أمن قومي فلسطيني” أولوية وطنية عليا، لا سيما وأنه أصبح واضحاً لأصغر الفلسطينيين سناً أن التسوية والمفاوضات لم تفضي الى دولة مستقلة كما يريدها الفلسطينيون، وذلك على الرغم من تحقيقهم إنجازات ذات وزن إستراتيجي في هذا المجال كتحول مكانة المنظمة الى دولة غير كاملة العضوية في الأمم المتحدة وفقا للقرار رقم (67/19) الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة العام 2012، الأمر الذي سمح لإنضمام فلسطين للمؤسسات التابعة للأمم المتحدة خاصة محكمة الجنايات الدولية، وعلى الرغم من إعتراف المنظمة الدولية بنكبة الفلسطينيين وإحيائها للذكرى السنوية للنكبة وفقاً للقرار الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم  (A/RES/77/23) العام 2022, كما أصبح واضحاً لهم أن المقاومة المسلحة لم تحرر شبراً من الأرض ولم ترفع الحصار عن غزة، وفقاً لقول الشيخ صالح العاروري في تسجيل صوتي نادر له العام 2020، حيث اضاف العاروري في هذا التسجيل أن مشروع التسوية لم يتقدم كما أن مشروع المقاومة لم يتقدم أيضا ، والمشروع الوحيد الذي يتقدم هو مشروع الإحتلال!!! صحيح أن وضع الفلسطينيين لا زال حرجاً، إذ أنهم لا زالوا تحت الإحتلال والحصار والبطش والقتل والتشريد كما حدث مؤخراً في مخيم ومحافظة جنين وقبلها نابلس وطولكرم وأريحا وبيت لحم وعزة، ولا زالوا في المنافي والشتات، ولا زالت دولتهم المستقلة ليست خلف الأبواب، ولكنهم بالمقابل بصمودهم وثباتهم على أرضهم وإصرارهم على تحقيق أهدافهم وتطلعاتهم الوطنية قد أوصلوا المشروع الإستعماري الصهيوني الغربي إلى حافة الفشل والنهاية، حيث أن فاقد البصيرة فقط من لا يرى هذه الحقيقة، ولكي يتمكن الفلسطينيون، لا سيما أجيال المستقبل من إعلان الإنتصار البات على هذا المشروع، عليهم ضبط أساليبهم ووسائلهم بميزان من الذهب، الأمر الذي توفره فقط معادلة الأمن القومي الفلسطيني التي يقف على أحد أطرافها قدرات الشعب القومية، ويقف في الطرف الآخر الغايات والمقاصد والأهداف القومية، وتتوسطهما الوسائل والأساليب، فهل أنتم قادرون على ذلك أيها الأمناء على مستقبلنا ومستقبل أبنائنا وأحفادنا؟؟؟ لواء متقاعد والمدير العام السابق لمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي أخبار ذات صلة أحمد عيسى: معركة بأس جنين إجتثت فكرة نتنياهو الداعية لإعادة إنتاج فتح خانعة مستسلمة لكنها بالمقابل رفعت من إحتمالات إقدام إسرائيل على تنفيذ نكبة جديدة اللواء المتقاعد أحمد عيسى: جرائم المستوطنين المستمرة في الضفة الغربية تكشف زيف قيم الغرب وتظهر عيوب البنود الأمنية في اتفاق أوسلو وملاحقه

المصدر: رأي اليوم

إقرأ أيضاً:

ما قصة نسيم خليبات الفلسطيني الحامل للجنسية الإسرائيلية الذي سلمه المغرب لإسرائيل؟

ما قصة المواطن الفلسطيني نسيم خليبات الذي قالت الشرطة الإسرائيلية إنها تسلمته من المغرب؟، فقد أفادت الشرطة الإسرائيلية أنها تسلمت من المغرب، نسيم خليبات المطلوب لديها، بتهم القيام بعملية تفجير في مدينة الناصرة.

قضية هذا الشاب، أثارت جدلا بعد مناشدة العديد من المنظمات الحقوقية المغربية للسلطات المغربية بعدم تسليمه.

اعتقل خليبات بمطار مراكش الدولي في يناير 2023 قادما من تركيا، بناء على نشرة حمراء من الانتربول، ومذكرة بحث دولية صدرت عن السلطات الإسرائيلية. وقد كان يحمل جوازا إسرائيليا وتبين أنه من عرب 1948.

وفي 23 يناير 2023 تم إيداعه في سجن سلا، وأخبرت السلطات المغربية نظيرتها الإسرائيلية باعتقاله، حسب تصريح محاميه نيك كوفمان، الذي نقلته عنه مجلة »جون أفريك  » الفرنسية.

وفي 19 فبراير وجهت وزارة العدل الإسرائيلية طلبا إلى نظيرتها المغربية قصد مباشرة إجراءات ترحيل خليبات.

وتشير معطيات حصلت عليها « اليوم 24″، إلى أن وفدا قضائيا مغربيا زار السلطة الفلسطينية في رام الله قبل أشهر، للتحقق من وضعية الشاب نسيم.

وقد تبين أن السلطات الإسرائيلية ، أصدرت في دجنبر  2022 مذكرة اعتقال ضد الفلسطيني  خليبات، بتهمة حمل السلاح بطريقة غير قانونية ومحاولة تفجير ممتلكات عمومية، وهي تهم  تصل عقوبتها  إلى ما لا يقل عن 15سنة سجنا.

خليبات شاب أعزب من مواليد 2002،  يحمل الجنسية الإسرائيلية،  ويعتبر من عرب 1948 المقيمين داخل ما يسمى الخط الأخضر.

تعود وقائع قضيته إلى أواخر سنة 2021،  حين اتهمته إسرائيل بالتخطيط لتفجير مبنى لمكتب صحي في مدينة الناصرة  رفقة شخصين أحدهما من أقاربه:  علي وجعفر.

وحسب الرواية الإسرائيلية، فإنه وضع قنبلة تم تفجيرها  عن بعد  ما تسبب في تدمير واجهة المبنى. وتمكن منفذو العملية من الفرار، لكن التحقيقات قادت حسب صحيفة « جون أفريك » الفرنسية،  إلى اعتقال علي وجعفر، في 8 مارس 2022 فيما  فر نسيم خليبات  في 9 مارس 2022، أي في اليوم الموالي  إلى  دبي ومنها إلى تركيا ثم إلى المغرب، حيث اعتقل بمطار مراكش.

وكان وزير العدل عبد اللطيف وهبي، وقع مع وزير العدل الإسرائيلي جدعون ساعر، اتفاقية في يوليوز 2022، تخص التعاون لتحديث منظومة العدالة ورقمنة الخدمات القضائية، ومكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب، لكن لم يتم توقيع « اتفاقية لتسليم المجرمين »، ما يعني أنه لا يوجد إطار قانوني لتبادل تسليم المجرمين، إلا إذا تم الاعتماد على التعاون المتبادل في مجال الترحيل، في سياق التفاهمات  والاتفاقيات التي تم إبرامها.

وكان الائتلاف المغربي لهيآت حقوق الإنسان وجه رسالة إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش  لطلب  التدخل العاجل للحيلولة  دون تسليم المواطن الفلسطيني إلى سلطات الاحتلال الإسرائيلية.

كما راسلت الكتابة التنفيذية للائتلاف المغربي لهيآت حقوق الإنسان رئيس لجنة مناهضة التعذيب، بجنيف قصد  التدخل العاجل لدى الدولة المغربية لحثها على عدم  تسليمها لسلطات  الاحتلال الإسرائيلي المواطن نسيم خليبات وانه عكس ذلك سيشكل انتهاكا منها للحق في الحياة والحق في السلامة البدنية والأمان الشخصي  لهذا المواطن الفلسطيني الحامل للجنسية الإسرائيلية، وتنكرا من المغرب لالتزاماته الدولية.

كلمات دلالية إسرائيل المغرب نسيم خليبات

مقالات مشابهة

  • 2024.. العام الذي أعاد تشكيل خريطة الشرق الأوسط
  • وائل جسار يعلن عن حفله المرتقب في رأس السنة بالقاهرة
  • وزير خارجية تركيا يكشف الملفات التي ناقشها مع الشرع في سوريا
  • الشرع: سنبني علاقات استراتيجية مع تركيا تليق بمستقبل المنطقة
  • المصريين الأحرار يُشيد بزيارة الرئيس السيسي لأكاديمية الشرطة: استراتيجية بناء وطنية
  • دولة الاحتلال تطلب تدخل مصر لمواجهة تهديدات محتملة ضد رعاياها
  • اليوم.. قمة سلوية تجمع قطبي العاصمة الأهلي والوحدة
  • عضو «العمل الوطني الفلسطيني»: الاحتلال استخدم سلاح التجويع لقهر وقتل الفلسطينيين
  • «نصب واحتيال».. 5 شركات سياحة في قبضة «شرطة الآثار»
  • ما قصة نسيم خليبات الفلسطيني الحامل للجنسية الإسرائيلية الذي سلمه المغرب لإسرائيل؟