د. عقل صلاح: قائد من أزقة المخيم
تاريخ النشر: 24th, July 2023 GMT
د. عقل صلاح لم نطلق صفة الملهم “لعش الدبابير” على الدكتور جمال حويل مجازًا فهو إنسانٌ يتحمل المسؤوليةَ بشكلٍ كبير بلا خوفٍ أو وجل، عميق التفكير، ذكيٌ حد الدهاء، ويعرف جيدًا السمات الشخصية للآخرين وكيفية التعامل معهم، ويعرف كيف يفكر الأعداء والأصدقاء؛ وهذا ما مكنه من تبوء العديد من المهمات الصعبة والمراكز الوطنية الشاقة؛ فهذا الشاب الشقي المفعم بالحيوية والنشاط الوطني ولد في الرابع من تشرين أول/أكتوبر 1970، من رحم المعاناة واللجوء والمخيم والتضحية والفداء والفقر والبساطة، درس في مدارس وكالة الغوث في مخيم جنين، وأنهى الثانوية عام 1991، ونال شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية من الجامعة الأردنية عام 1995، والماجستير في الدراسات العربية من جامعة بيرزيت عام 2011، والدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة القاهرة عام 2018.
لقد انخرط حويل بالنضال الوطني في فترة مبكرة من حياته، متأثرًا بممارسات الاحتلال الوحشية وبتاريخ عائلته النضالي، فانتمى لحركة فتح وشارك بفعالياتها الوطنية، تعرض للاعتقال لأول مرة سنة 1985 وكان عمره 15 عامًا مع شقيقه التوأم الشهيد القائد نجيب حويل مؤسس مجموعات الفهد الأسود، ثم توالت اعتقالاته وأمضى أكثر من عقد في السجون الإسرائيلية. ويذكر أن إسرائيل لاحقته وطاردته في الانتفاضة الأولى والثانية، وتم اعتقاله في الحادي عشر من نيسان/أبريل 2002 إثر معركة جنين الشهيرة، وحُكم عليه بالسجن سبع سنوات ونصف، وخلال اعتقاله توفي والده. وعلى الصعيد السياسي، له باع طويل في العمل السياسي ودائم الحضور في جميع المناسبات الوطنية والاجتماعية والأكاديمية والجماهيرية مما مكنه من الفوز بعضوية المجلس التشريعي في انتخابات عام 2006 عن محافظة جنين، وهو في داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي. ولنشاطه الحركي والسياسي المميز في الضفة الغربية وعلاقته الوحدوية استطاع في عام 2014 الفوز بعضوية المجلس الثوري لحركة فتح، كما تقلَّد عضوية مجلس أمناء الجامعة العربية الأمريكية في فلسطين. أما على صعيد السجون الإسرائيلية، فقد تعرض حويل للتحقيق الميداني ومن ثم للتحقيق السري حيث أمضى في الزنازين مدة طويلة، حيث وضعه الاحتلال منذ دخوله إلى مركز التحقيق في جو الموت المؤكد، من خلال تعرّضه للتحقيق الميداني القاسي، وإخباره بأن تلفزيون فلسطين وضع خبراً عاجلاً يفيد بأنه تم تصفيته بعد اعتقاله، وقد مكث حويل فترات طويلة في التحقيق في محاولة من المحققين الصهاينة انتزاع اعترافات تدين المقاومة والقيادة الفلسطينية، لكنه كان مؤمنًا بالقدرة على الانتصار، وبعدالة القضية. يعتبر حويل من كبار القادة الذين خلقوا في المخيم نواة صلبة من المقاتلين العقائديين الذين ينتمون إلى زقاق المخيم وجذور الأرض الفلسطينية، الذين حفروا بدمائهم ومعاناتهم وصمودهم قواعد متينة مسلحة بالحاضنة الشعبية القوية على الرغم من تواضع إمكانيات وعتاد ثوار المخيم وسلاحهم الخفيف، ولكن عوضهم الله في الدعم الشعبي المنقطع النظير من قبل أهالي المخيم وكل ذلك نتاج نقاء ونظافة أياديهم وسلوكهم الشريف وعدم تورطهم في قضايا خلافية، حيث شكلوا وحدة وطنية قتالية فريدة من نوعها، وشكّلت لهم جبهة يصعب اختراقها. فهذا المخيم يتمتع بإرث من التضحية والفداء يمتد لعقود، مما شكّل ثقافة في وعي الأجيال داخله وبين أهله، ولقد استطاع جمال التركيز على الوحدة الوطنية بين أبناء الفصائل المختلفة، فلا تخلوا له كلمة أو حديث أو مناسبة أو مؤتمر أو حلقة نقاش إلا شدد على نهج الوحدة الوطنية ووحدة المقاومة والجبهات. هذه الثقافة وهذا الوعي والتضحيات التي قدمها حويل وكل المقاتلين على مدار سنوات طويلة جعلت من المخيم نموذجًا في التضحية والفداء، وحاضنة للمقاومة في الضفة الغربية التي استطاعت مواجهة الاحتلال بكل بسالة. وهذا ما يعزز تفاؤل حويل وكل مقاتلي المخيم بالمستقبل القادم والانتصار الحتمي، فقد كان ومازال يركز على ضرورة الاستعداد للمواجهة والعمل على تحصين الجبهة الداخلية الفلسطينية من خلال إنهاء الانقسام الفلسطيني-الفلسطيني، وتعزيز الشراكة عبر المؤسسات الفلسطينية، وإخضاع المقاومة ضد الاحتلال للتوافق الفلسطيني. يعد حويل من مؤسسي كتائب شهداء الأقصى في الانتفاضة الثانية مع صديقه الأسير القائد مروان البرغوثي، وقد أصبح في الآونة الأخيرة العمود الفقري للبرغوثي. ولقد وقف جمال مع ثلة من قادة فتح بجانب البرغوثي عند الإعلان عن إجراء الانتخابات التشريعية الثالثة التي تم إلغاؤها، وشكلوا قائمة لخوض الانتخابات التشريعية وكان من أشد الداعمين لترشح البرغوثي للانتخابات الرئاسية الثالثة. ووقف موقفًا صلبًا على الرغم من حصاره وعدم دعوته لحضور اجتماعات المجلس الثوري مع بقية من حسب على البرغوثي، وكل ذلك لم يثني حويل عن الاستمرار في دعم البرغوثي في أحلك الظروف وهذا يدلل على صلابة وأصالة مواقفه التي لا تلين مقابل الدفاع عن قناعاته المكلفة على جميع المستويات. حويل لم ولن يقبل الامتيازات بل أخذ على عاتقه أن يقف موقف الحق ويحمل قضية الأسرى والمخيم والوطن مقابل ثباته على المبادئ الوطنية الفتحاوية الثورية التي آمن بها ومازال يدافع عنها من أجل حق العودة وحرية الأسرى. لقد خاض حويل مع القادة الكبار يوسف ريحان “أبو جندل”، وزياد العامر، ومحمود طوالبة، ومحمد الحلوة، والعديد من القادة والمقاتلين من جميع فصائل المقاومة -حركة حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية-،معركة المخيم سنة 2002، وشكلوا غرفة عمليات لقيادة المعركة الشهيرة التي عززت ثقافة الصمود والنصر وقدرة المخيم على الصمود والتلاحم وهذا ما ظهر في معركة هزيمة الاحتلال في بداية تموز/يوليو 2023، وقدرة المقاتلين على الصمود والتضحية وصد الاجتياح للمخيم مما رسمت لوحة جديدة من لوحات النصر المحتم للشعب الفلسطيني وأثبت المخيم أن كل من فيه يستطيع مقاتلة الاحتلال وهزيمته وهذا النصر والصمود الأسطوري للمقاتلين والأهالي أرعب الاحتلال وجيشه، وشكل عندهم حالة من الإحباط، أدت إلى إجراء الدراسات والتقييمات المركزة لمعرفة سبب صمود وصلابة مقاتلي المخيم وطريقة معالجة المخيم بطرق ووسائل شيطانية دون خسارة جنودهم من خلال زجهم في عش الدبابير على رأي الإرهابي أرئيل شارون. فكان حويل مع المقاتلين في الميدان، وكان كالمذياع المتنقل يرفع المعنويات ويدعو للصمود ويحث المقاتلين على التوحد ونصب الكمائن وحشد الهمم، بالإضافة إلى أنه كان ينقل للعالم معاناة الشعب الفلسطيني ويكشف حجم الحقد الصهيوني والدمار الذي ألحقه الاحتلال في البنية التحتية للمخيم، وكان حويل مرشدًا وداعمًا حتى الانسحاب الصهيوني من مداخل المخيم. ففي جولتين لي مع حويل في المخيم والمستشفيات ومع العديد من قادة المخيم، وجدت مدى القبول الشعبي لحويل ومدى الترحاب والاعتزاز في حويل من قبل أهالي وشخصيات وقادة العمل المقاوم من جميع التنظيمات المقاومة في المخيم والمحافظة. وحتى كبار قادة المقاومة في خارج الوطن يطلبون من قادة الداخل احترام مواقف حويل الوحدوية والالتفاف حوله، وهذه شهادة نادرًا ما يحصل عليها قائد من جميع فصائل العمل الوطني المقاوم؛ وما شاهدته وسمعته في جولتي برفقة حويل على مدار يومين حفزني أن أنصف هذا القائد الوطني. لم يجد الوزير الراحل وصفي قبها مكانًا يختبئ به بعد مطاردته من قبل جيش الاحتلال غير بيت حويل لعدة أشهر، وهذا يدلل على مدى العلاقة المتينة والثقة التي حظي بها حويل من قبل القائد الحمساوي قبها. وعلى نفس المنوال، ربطت حويل علاقة وطيدة مع قائد الجهاد الإسلامي الأسير بسام السعدي الذي دائمًا ما عبر عنها في الكثير من اللقاءات والمناسبات. وفي نفس الإطار، علاقته مع رمز الوطنية وركيزة الوحدة الوطنية قي المحافظة القائد التاريخي الجبهاوي جمال الزبيدي “أبو أنطون”، فتجده دائمًا في بيت الشهداء والقادة والأسرى “بيت آل الزبيدي” برفقة المناضل القائد إياد العزمي يتحدثون في شؤون الوطن والمخيم. فهذا الأكاديمي الثوري الذي قاتل على كل الجبهات ووضع بصماته المميزة في كل الجبهات، ففي المقاومة كان له الدور المميز في قيادة المعركة الأولى، وفي السجون كان دائما داعمًا لوحدة وتلاحم الحركة الأسيرة وحظي باحترام جميع فصائل الحركة الأسيرة، وعلى المستوى السياسي مواقفه ثابتة تجاه المقاومة والوحدة الوطنية الحقيقية. وعلى المستوى الأكاديمي في تدريسه لطلبة الدراسات العليا تجده يضع الخرائط أمامه ليربط الواقع السياسي بالبعد الجيو سياسي والبعد الجيو إستراتيجي للشرق الأوسط، وأهمية معرفة الطلبة بكل ما يحيط في الشرق الأوسط والعالم، وكيفية تفنيد وربط كل الجوانب مع بعضها البعض. أما على مستوى الثقافة الوطنية، فقد وثقها بالبندقية والقلم -من خلال قيادة المقاومة في المعركة ومن ثم توثيق كل مجريات معركة جنين- في كتابه بعنوان “معركة مخيم جنين الكبرى 2002: التاريخ الحي”، الصادر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية، عام 2022، الذي أصبح مرجعًا لكل الباحثين والطلبة الذين يريدون معرفة سر صمود هذا المخيم وسر النصر، وكيف استطاع المخيم هزيمة الاحتلال ليتبين في المعركة الأخيرة أن ما تحدث به حويل في الكتاب تم تحقيقه مرة ثانية من جدلية الهزيمة والنصر، وأجاب المخيم عن سبب الصمود وسبب النصر وترك السؤال مفتوحًا للاحتلال وقادة جيشه وكتابه لكي يفصحوا عن سبب هزيمتهم على أبواب المخيم. فهذا الجهد الثقافي المنصب في الكتاب عزز ثقافة المقاومة والقناعات بأن الاحتلال لا يمكن أن يقدم للفلسطينيين شيئًا غير بيع الأوهام، وهذا ما واصل حويل الحديث عنه حتى أثناء المعركة الأخيرة من وسط المقاتلين، حيث قال “أن الاحتلال لا يفهم غير لغة القوة وأن هزيمة المخيم تعني هزيمة كل الجبهات والسيطرة على القدس وقتل الحلم الفلسطيني”. كل هذه المواقف والصمود والتضحية والدعم اللامحدود للمقاتلين من قبل حويل شكل حالة نموذجية ملهمة للشباب المقاتل والثقافة الوطنية في المخيم، مكنته من التحدث باسم جل الفصائل المقاتلة: في المقابل، لم يرق هذا الرجل الأكاديمي المحبوب والملهم للعديد من الذين لا يروق لهم الانتصار والصمود والتضحية، “ففاقد الشيء لا يعطيه”. ففلسطين لا تقبل أن تبقى تحت نير الاحتلال وقطعان مستوطنيه، فالكل الفلسطيني وقف ويقف وقفة عز وجلال أمام صمود وتضحية المخيم الذي استطاع الصمود والنصر أمام أقوى الجيوش في الشرق الأوسط، وحقق حالة ثقافية وطنية منقطة النظير، ولم يسبق أن وقف الشعب الفلسطيني مثل هذه الوقفات من دعم وتأييد للمقاومة في الضفة الغربية، فكانت معركة جنين الأولى والثانية تصب في ثقافة النصر المحتم والأمل في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس. فهذا النصر للمخيم ومقاتلي المخيم والشعب الفلسطيني جاء نتاج شلال الدم الطاهر للقيادات والمقاتلين الشهداء من جميع التشكيلات العسكرية في المخيم بشكل خاص ومحافظة جنين بشكل عام، فكانت هذه الدماء ومازالت منارة لطريق المقاتلين والثائرين وأهالي المخيم والشعب الفلسطيني الذين يعتزون بكل القادة والمجاهدين الشهداء والمقاتلين في سبيل الوطن. *كاتب وباحث فلسطيني مختص بالحركات الأيديولوجية.
المصدر: رأي اليوم
إقرأ أيضاً:
رئيس"الوطني الفلسطيني": مجزرة الاحتلال بحق عائلة في جباليا جريمة وحشية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قال رئيس المجلس الوطني الفلسطيني روحي فتوح، إن قتل الاحتلال الإسرائيلي 12 فلسطينيا من عائلة واحدة بينهم سبعة أطفال مع أمهم في جباليا شمال قطاع غزة، يمثل جريمة بشعة ووحشية تفوق كل تصور.
وأكد فتوح - في بيان نقلته وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) - أن هذه المجزرة هي وصمة عار على جبين المجتمع الدولي الذي يحتفي باليوم العالمي للتضامن الإنساني، مشيرا إلى أن استمرار هذا الرعب اليومي الذي يحصد أرواح الأبرياء يكشف عن الإصرار على التطهير العرقي في ظل صمت دولي مخيب للآمال.
ودعا كل أحرار العالم إلى الوقوف بحزم أمام هذه الإبادة الجماعية، والعمل فورا على وقف هذه المجازر البشعة التي تقتل الإنسان والقيم الإنسانية، ورفع الحصار والتجويع والقتل المتواصل منذ أكثر من 14 شهرا.