عربي21:
2024-06-29@23:20:48 GMT

على دقات طبول الحرب في غزة تُسرق مصر

تاريخ النشر: 14th, March 2024 GMT

ما أقبح أن يتحول الطعام الذي هو بمثابة الحد الأدنى من ضرورات الحياة للبشر إلى سلاح يُشهر في وجوههم، ليُخضعهم تحت سلطة الابتزاز، ويقيدهم بسلاسل الخنوع والخضوع لخدمة أغراض وأجندات سياسية لأنظمة وحكومات مستبدة.

‏فبعيدا عن مصطلحات الإنسانية وحقوق الإنسان والقانون الدولي، تلك المصطلحات التي كشفت حرب غزة سوأتها وأسقطت عنها ورقة التوت الأخيرة، تتكشف حقيقة قوى الظلام الاستبدادية العالمية التي تهيمن وتحكم العالم بأخس الأسلحة وهو الجوع لتحقق به ما لم تحققه بجبروتها وسلاحها وعتادها.



فغزة هي المنطقة الوحيدة داخل ما يسمى بالوطن العربي التي ما زالت ترفع راية المقاومة وتحارب من أجل استقلالها الحقيقي، لذا ما زالوا يحاربونها بكل الوسائل؛ بداية من استخدام الأسلحة المُحرّمة دوليا ووصولا إلى التجويع حد الموت، وهو ما يحدث بالفعل بعد أن فشلت أمريكا وإسرائيل ومعهما أوروبا والعرب في إخضاع أهل غزة بالسلاح والحصار والدمار؛ فاستبدلوا هذا كله بكسرة الخبز.

‏لكن حرب التجويع لم تمارس على غزة وحدها.. نعم غزة تموت جوعا بالمعنى الحرفي للكلمة، ولكن لو اقتربنا أكثر من الصورة لوجدنا على حدود غزة شعب أقدم دولة عرفها التاريخ، الدولة التي أطعمت العالم وقت المجاعات، شعبها يموت جوعا لكن بصورة أبطأ من غزة.

مَن يُجّوع غزة استغل حربها ليغير ديموجرافيا وجغرافيا المنطقة خاصة مصر، وبخبث الشيطان دبّر الكيان الصهيوني ومعه النظام المصري كيف يلهون الناس ويفرغون هذا الغضب الهائل من النفوس الناتج عن تلك المشاهد المروعة للقتل والقصف والتنكيل بإخوة الدم والدين والعروبة، بل إنهم استغلوا تلك الحرب ليضربوا عدة عصافير بحجر واحد؛ فيمررون من خلال جريمة الإبادة تلك التي تتم في غزة عده كوارث تتم في مصر
‏مَن يُجّوع غزة استغل حربها ليغير ديموجرافيا وجغرافيا المنطقة خاصة مصر، وبخبث الشيطان دبّر الكيان الصهيوني ومعه النظام المصري كيف يلهون الناس ويفرغون هذا الغضب الهائل من النفوس الناتج عن تلك المشاهد المروعة للقتل والقصف والتنكيل بإخوة الدم والدين والعروبة، بل إنهم استغلوا تلك الحرب ليضربوا عدة عصافير بحجر واحد؛ فيمررون من خلال جريمة الإبادة تلك التي تتم في غزة عده كوارث تتم في مصر، ما كانوا يستطيعون أن يمرروها، وتكفي واحدة منها لقيام ثورة عارمة لا تبقي ولا تذر، بل واستغلوا الحرب لإخراج النظام من الزاوية التي كادت أن تطبق عليه.

ولكن كيف حدث ذلك؟! هذا ما سنحاول إلقاء الضوء عليه..

‏بدايةً، عذرا غزة سأتحدث عما يحدث في مصر، ولأن الكل موصول فإن تحرر أحدنا تحرر الآخر بل تحرر العرب جميعا.

‏لقد شهدت مصر خلال 5 أشهر هي عمر الحرب في غزة حتى هذه اللحظة؛ أحداثا وتطورات لا يمكن أن توضع في خانة المنطق أو الطبيعي أو حتى الصدفة، فتقريبا ما يحدث هناك في غزة يحدث هنا في مصر خطوة بخطوة مع اختلاف ردات فعل المواطنين..

‏- التجويع

‏التجويع في غزة واضح للعيان لا يحتاج لشرح، أما في مصر ‏بدأ الأمر بارتفاع غامض ومجنون لسعر الدولار في السوق الموازية في الفترة الفائتة إلى أن وصل إلى 72 جنيها مصريا؛ ففي خلال أسبوعين فقد أكثر من ثلث قوته، في هذه المدة الصغيرة جدا بل والمتناهية الصغر وللمرة الأولى في التاريخ، مما ترتب عليه ارتفاع أسعار كافة السلع في الأسواق حتى تلك التي لا ترتبط بالدولار ولا الاستيراد، فارتفعت أسعار كافة السلع الاستراتيجية مثل الأرز والفول والزيوت والسكر والبصل والدجاج واللحوم ومنتجات الألبان والأدوية والذهب والحديد.

‏كل شيء في مصر أصابه الجنون ووقف الناس عاجزين أمام كل تلك الضربات المهولة التي لا يمكن تحملها.. الفقر يحوم حول الأسر المتوسط والمستورة والأسعار في سعار وتجرى بسرعة، بل من يوم إلى آخر ومن ساعة إلى أخرى..

‏ليس هذا فحسب بل بدأت بعض السلع تختفي من السوق المصري بالإضافة إلى شلل جزئي في حركة البيع والشراء قبيل رمضان بسبب الأسعار التي لا يستطيع المواطن المصري إليها سبيلا، وبدا أن الأزمة آخذة في التنامي، وأخذ الناس يصرخون في الشوارع والبيوت والفيديوهات غير آبهين بظهور وجوههم أمام النظام القمعي المجرم الذي لا يرحم؛ فمع أقل اعتراض حتى على الجوع يكون الثمن الاعتقال والسجن، وقد يكون أيضا مصادره ما تبقى من الأموال، وربما القتل بالتعذيب داخل أقسام الشرطة والمعتقلات، ولكن امام جوع الأطفال خرج الأهل يصرخون ويئنون ويطالبون إما بتوفير ضروريات الحياة من كسرات الخبز لسد جوع أولادهم أو اعتقالهم، فلم يعد الآباء يستطيعون مواجهة أطفالهم الجائعين.

‏وضع النظام المجرم الشعب تحت ضغط الفقر والجوع والعوز بلا بارقة أمل، وهذا ما نفذه بحذافيره في غزه التي حاصرها بالجوع، وقرر يطبق نفس السيناريو على الشعب وهذا لعده أسباب..

‏أولها ألا يفكر الشعب فيما يحدث في غزة فلا يثور من أجلها ومن تلك المشاهد والاستغاثات التي تحرك الحجر من خلف تلك الأسوار الحاجزة بين الشعبين الشقيقين؛ فيحن عليها فيضغط على النظام الذي يضيّق طوق الحصار ويقتل المرابطين على حدود وطنهم هناك جوعا، بحجة أن إسرائيل تمنع مصر من سيادتها على معبر رفح وستقصف الشاحنات فلا تمكننا من إدخال المساعدات، ولكنه يدخلها بالطائرات التي من الأسهل استهدافها، بل قرر العسكر استخدام سلاح الجوع مع الشعبين في نفس الوقت.

أما السبب الثاني فهو تأهيل الشعب وهو تحت خط النار لتعويم الجديد الذي أفقد الجنيه 65 في المئة من قيمته (من ثلاثين جنيها إلى خمسين جنيها)؛ فقد استطاع النظام بعبقرتيه كبح جماح الدولار فجأة فبدلا من سبعين جنيها للدولار أصبح خمسين.. وهكذا مر أكبر تعويم حدث في تاريخ مصر بل وجعل الشعب فرحين ومهللين به.

وهكذا لعب العسكر على قوت الشعب المسكين، وخفضوا قيمة الأصول والشركات التي سيبيعونها بحفنه قليلة من الدولارات تستطيع أن تشتري عدة شركات؛ التي من كد الشعب وعرقة وماله ومستقبلة.. حكم عسكري أكل الأخضر واليابس، وما سيتبع هذا التعويم أشد ألما من السابق، حيث سوف ترتفع الأسعار مره أخرى لأن الاستيراد سوف يكون على خمسين جنيها للدولار وليس ثلاثين جنيها، إلى جانب أنه لم يُعد الثقة التي فقدها الجنيه وسيفقدها.

أما السبب الثالث والأخطر فهو القبول الشعب بأي حل يظهره السيسي ونظامه لمشكلة الجوع التي ضربت ربوع مصر.. بيع رأس الحكمة؛ حل الحكومة العبقري الذي أطل علينا من العدم "صفعة" أو كما يسميها النظام صفقة رأس الحكمة، الصفقة التي ظهرت وتمت ومُضي عقودها في أقل من أسبوع ليخرج الإعلام الحكومي ورئيس الوزراء يهللان ويتمايلان ومعهما كل ضعاف النفوس الذين وافقوا على البيع تحت مسمى الاستثمار من أجل المن والعسل الذي وُعدوا به وقت التوقيع، وبعده بأيام تحول المن والعسل لمجرد كسرات خبز، فأموال الصفقة التي روجوا لها بأنها الحل الأمثل عادوا ليخبروا الشعب أنها لن تكفي لتحقيق أحلامه، ولكن لا تقلقوا هناك بيع ثان وثالث آتٍ في الطريق ربما.. ربما يطعمكم.

"رأس الحكمة" ليست جريمة بيع لأرض الوطن فقط، بل أيضا جريمة تهجير قسري لأهلها.. وهذا هو التشابه الثاني لمجريات الأحداث مع غزة.

- التهجير

فتهجير أهل "رأس الحكمة" لم يكن التهجير القسري الأول في مصر، فقد سبقه تهجير أهل سيناء والوراق وضاحية الجميل و7 قرى في مرسى مطروح، والكثير الكثير من مناطق مصر حيث صار هذا دأب النظام العسكري، فأي مكان يريده المستثمر الاستراتيجي (الامارات) يتم إخلاؤه قسرا وتسليمه للوسيط الأجنبي.

ما يحدث في مصر هو ما يحدث في غزة بالضبط مع اختلاف شكل المنفذ، ففي غزة المنفذ احتلال صهيوني، وفي مصر احتلال عسكري مصري خاضع للصهيونية
ما يحدث في مصر هو ما يحدث في غزة بالضبط مع اختلاف شكل المنفذ، ففي غزة المنفذ احتلال صهيوني، وفي مصر احتلال عسكري مصري خاضع للصهيونية.

لكن الغريب هو ردة الفعل المختلفة للشعبين؛ ففي مصر تعرض الناس للجوع والتهجير ولكن قبلوا بيع الأرض بل ورحبوا بذلك هربا من شبح الجوع، أما في غزة، تحت القصف الهمجي والجوع حد الموت، ما زال الشعب هناك صامدا يأبى الرحيل عن أرضه وتركها نازحا لسيناء كما يريد الصهاينة ويؤيدهم العالم.

كشفت "رأس الحكمة" الفساد الفج الذي تغرق فيه مصر، فبعد ساعات من إمضاء عقد البيع ينخفض سعر الدولار وتبقى الأسعار على حالها!! ينخفض سعر الذهب رغم زيادة سعره عالميا!!

من رأس الحكمة وصولا لرأس جميلة بالإضافة للمطارات والموانئ والمصانع والشركات التي أصبحت الإمارات المالك الأكبر لها في مصر، تليها السعودية وقطر، فليخبرنا السيسي وحكومته أين الأمن القومي المصري بل أين هي مصر؟ هل ستصبح مصر اسم على خريطة لا يملك المصريين منها شيئا؟

ولا يحدثنا أفّاق عن أن هذه الدول لن تأخذ تلك الأرض وتسير بها مبتعدة، فها هي أرض شنقول التي بُني عليها سد النهضة الذي منع عنا الماء ولا نملك سبيلا لحل أزمته التي تسبب بها أيضا السيسي ونظامه؛ هي أرض سودانية كانت تحت التاج المصري وأعطتها بريطانيا كحق انتفاع لإثيوبيا لـ99 سنه فاحتلت بوضع اليد بل واستخدمتها إثيوبيا ضد مصر والسودان، وأصبحت أرضا إثيوبية قانونا، ويبدو أن هذا ما ينتظر أرض مصر التي فرّط فيها السيسي وجنوده.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة التجويع مصر مصر غزة صفقات تجويع مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة رأس الحکمة ما یحدث فی تتم فی فی غزة فی مصر

إقرأ أيضاً:

أبو مرزوق : هناك 3 عوامل ستجبر نتنياهو على وقف حرب غزة

قال عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق ، اليوم الجمعة 28 يونيو 2024 ، إن هناك 3 عوامل ستجبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على وقف حرب غزة والخروج من الحلبة السياسية.

وبحسب أبو مرزوق الذي تحدث لموقع الجزيرة نت ، فإن العامل الأول هو هو صمود الشعب الفلسطيني وصمود المقاومة وفعاليتها في مواجهة الجيش الاسرائيلي وقدرتها على إفشال كل مخططات الاحتلال وأهدافه.

العامل الثاني: يتمثل في أن الولايات المتحدة الآن في أضعف حالاتها بوقت الانتخابات، ولذلك قد تكون مترددة في إجبار نتنياهو على وقف العدوان.

العامل الثالث: يرتبط بالوضع الداخلي والانقسام السياسي الحاد داخل إسرائيل سواء بين الجمهور ونتنياهو، وبين الجيش ونتنياهو، مما دفعه إلى إلغاء مجلس الحرب، فضلا عن عدم استقرار الأوضاع في تل أبيب في نواح كثيرة، وهو ما سيجبره في نهاية المطاف على وقف العدوان.

يجب أن نضيف أيضا العامل المتعلق بتحول إسرائيل إلى دولة منبوذة ومكروهة لا يحترمها أحد، تنتهك القوانين الدولية والإنسانية، صدر بحق قاداتها مذكرات اعتقال وملاحقة من محكمتي الجنايات الدولية والعدل الدولية، فضلا عن أن محاكم محلية كثيرة ترفع قضايا ضد إسرائيل.يقول أبو مرزوق

نص حوار موسى أبو مرزوق

ما أسباب زيارتكم موسكو، وهي الرابعة منذ أحداث 7 أكتوبر، وما الملفات التي بحثتموها مع الجانب الروسي؟

الحراك السياسي والدبلوماسي مسألة لا تنقطع خصوصا مع دولة بوزن روسيا، عضو في مجلس الأمن الدولي وذات حضور قوي على المستوى العالمي.

وعلى سبيل المثال، فإن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لا يكاد يغيب عن المنطقة. هناك حرب دائرة ومتغيرات هائلة، ما يقتضي التشاور على كل المستويات، لا سيما أن حماس والمقاومة الفلسطينية هما طرف أساسي في الحرب. وفي المقابل، تُعد إسرائيل كواجهة وأداة.

لكن الصراع الحقيقي هو مع الولايات المتحدة التي تمد تل أبيب بالسلاح وتحميها في المحافل الدولية ومن العقوبات.

بالتالي، لا بد من وجود دولة بحجم روسيا، تقف إلى جوارك، كي لا تستفرد الولايات المتحدة، ليس فقط بمنطقة الشرق الأوسط بل وبالساحة الدولية.

إلى جانب ضرورة دوام المشاورات لتقييم الأوضاع. الدعوة وُجهت إلينا أيضا لسبب موضوعي يرتبط بحراك إسرائيل الدبلوماسي النشط في الآونة الأخيرة لصرف النظر عن مركزية التفاوض حول الورقة التي تم إقرارها في مجلس الأمن، وتحاول أن تشتت الانتباه وتفصل مسارات التفاوض.

وقد حضر وفد سياسي وعسكري إسرائيلي كبير إلى موسكو، وقدم عرضا بوقف إطلاق نار مؤقت وإطلاق سراح الأسرى الروس لدى حماس، والذين يحملون جنسية مزدوجة. بالتالي كان لا بد من سؤال الجانب الروسي حول هذا الموضوع، وهذا أحد الأسباب التي استدعت الحوار مع الأصدقاء الروس.

وقد أوضحنا لهم الموقف بجلاء، وهو أنه ليس هناك من مجال سوى تطبيق قرار مجلس الأمن الذي أُقر في المرحلة الأخيرة، ووقف إطلاق دائم للنار ووقف العدوان، وإغاثة الشعب الفلسطيني والبدء بإعاة الإعمار وكسر الحصار، وهو ما يمكن أن يفضي لصفقة تبادل للأسرى من كلا الجانبين.

ما طبيعة وحدود الدور الذي تأملون أن تلعبه روسيا في ملف حرب غزة وبالمنطقة والجبهات المفتوحة مع إسرائيل؟

الدور السياسي لروسيا محل تقدير عندنا، وموقفها تجاه الشعب الفلسطيني واضح وجلي منذ سنوات طويلة وهم يؤيدون حقه في إقامة دولته وتقرير مصيره، والآن يقدمون مساعدات مدنية.

أما على المستوى العسكري، فالمقاومة تصنّع سلاحها وتقاوم العدو بنفسها. أما إذا توسعت المعركة، ستكون روسيا حاضرة بقوة لأنه سيكون لها حلفاء في المنطقة. فلموسكو وجود في سوريا وتربطها علاقات متميزة مع إيران، وبالتالي ستكون لروسيا أدوار أخرى غير التي تقوم بها في الوقت الحاضر، وحينها سيكون لكل حادث حديث.

أين وصل ملف المفاوضات بخصوص التهدئة أو الوقف النهائي لإطلاق النار؟ وما الذي يجبر نتنياهو على قبول شروط المقاومة الفلسطينية؟

هناك 3 عوامل ستجبر نتنياهو على وقف عدوانه وخروجه من الحلبة السياسية:

العامل الأول: هو صمود الشعب الفلسطيني وصمود المقاومة وفعاليتها في مواجهة الجيش الاسرائيلي وقدرتها على إفشال كل مخططات الاحتلال وأهدافه.

العامل الثاني: يتمثل في أن الولايات المتحدة الآن في أضعف حالاتها بوقت الانتخابات، ولذلك قد تكون مترددة في إجبار نتنياهو على وقف العدوان.

العامل الثالث: يرتبط بالوضع الداخلي والانقسام السياسي الحاد داخل إسرائيل سواء بين الجمهور ونتنياهو، وبين الجيش ونتنياهو، مما دفعه إلى إلغاء مجلس الحرب، فضلا عن عدم استقرار الأوضاع في تل أبيب في نواح كثيرة، وهو ما سيجبره في نهاية المطاف على وقف العدوان.

يجب أن نضيف أيضا العامل المتعلق بتحول إسرائيل إلى دولة منبوذة ومكروهة لا يحترمها أحد، تنتهك القوانين الدولية والإنسانية، صدر بحق قاداتها مذكرات اعتقال وملاحقة من محكمتي الجنايات الدولية والعدل الدولية، فضلا عن أن محاكم محلية كثيرة ترفع قضايا ضد إسرائيل.

ما تقييمكم لحقيقة الخلاف بين إدارة الرئيس الأميركي بايدن ونتنياهو، وهل من الوارد أن تعمل واشنطن على إسقاط حكومته أو تملك الأدوات اللازمة لفعل ذلك في ظل تماسك تحالفه؟

سياسة واشنطن الآن تكمن في عزل أمن إسرائيل عن مستقبل نتنياهو، وهي تعتبر أنه لا يعمل لصالح تل أبيب بل لأهداف سياسية. لكنها ملتزمة بأمن إسرائيل.

نتنياهو يحاول مواجهة هذه الضغوط، خاصة في فترة الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، باللعب على حاجة الإدارة الأميركية إلى الأموال اليهودية، إضافة إلى أنه يملك أغلبية مريحة في  الكنيست  مممثلة بالتيار الصهيوني المتدين.

كما أن ما يضعف من تأثير الإدارة الأميركية على تل أبيب هو موقف الكونغرس المنحاز بشكل كبير جدا لإسرائيل.

ما المكاسب الحقيقية التي ستجنيها القضية الفلسطينية جراء "طوفان الأقصى"، بعيدا عن أهمية خسارة إسرائيل سياسيا وأخلاقيا على مستوى العالم؟

بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، كسبت القضية الفلسطينية تأييدا واسعا جدا، لا سيما فيما يخص حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وإنشاء دولتهم المستقلة.

إلى حد الآن، اعترفت 144 دولة تقريبا بهذا الحق، فضلا عن التأييد الشعبي الهائل في أوروبا، بما في ذلك اليهود غير الصهاينة، وكذلك انضمام دول جديدة إلى الدعوات ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية. هذا نتيجة صمود الشعب الفلسطيني الأسطوري في قطاع غزة الذي يُعبر عن صلابته وتمسكه بحقوقه ورفضه التهجير.

كما أن مكانة إسرائيل لم تعد كما كانت، إذ أصبحت غير قادرة على حماية أنظمة في المنطقة، بل لا تستطيع أن تدافع عن نفسها إلى جانب دول أخرى تقيم معها تحالفات عسكرية وأمنية.

لكن المشكلة الأساسية ليست في المقاومة ولا في الموقف العربي أو الدولي، بل في أنه لدينا سلطة فلسطينية عاجزة وفاسدة، وقد جاءت كل هذه المكتسبات وهي خامدة، لا تقوم بأي حراك سواء على مستوى وحدة الشعب الفلسطيني، أو جني المكاسب الهائلة للقضية الفلسطينية، ولا على مستوى الإنجاز الذي حققته المقاومة.

لن يكون من الممكن استثمار هذه المكاسب إلا بتغيير هذه السلطة وإزاحتها من طريق الشعب الفلسطيني، فهي لم تعد صالحة لتمثيل الشعب والتعبير عن آماله.

هل أدت ظروف المعارك الحالية بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل لتراجع الاهتمام بملف المصالحة الوطنية، لا سيما أن لروسيا دورا واضحا في الوساطة ورعاية حوار الفصائل؟

موقف رئيس السلطة الفلسطينية  محمود عباس  وموقف حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) لم يعد مقررا مستقبلهم الشخصي ولا مستقبل السلطة ولا مستقبل الوضع الفلسطيني. للأسف الشديد، موقفهم مرهون بدول في المنطقة وبالولايات المتحدة وإسرائيل، وبالتالي هو موقف غير مستقل ولا يخدم الشعب الفلسطيني.

لذلك، كل محاولات المصالحة أفشلها أبو مازن بطريقة أو بأخرى، عندما كنا في موسكو واجتمعنا 14 فصيلا فلسطينيا واتفقنا وأصدرنا بيانا، وذلك في أول اجتماع بعد اندلاع الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وكان من المفترض أن يكون الاجتماع التالي أيضا في موسكو بين حركتي فتح وحماس، لتحديد معالم المرحلة المقبلة حول الحكومة الفلسطينية ومنظمة التحرير والدولة الفلسطينية والمشروع الوطني الذي نسعى إليه، لنخرج إلى الفصائل باتفاق نجمع عليه.

وإذا بـ"أبو مازن"، وبعد يومين فقط، يصدر قرارا دون تشاور ودون مرجعية، سوى أنه استشار دولة في المنطقة إضافة إلى الولايات المتحدة، وعيّن محمد مصطفى رئيسا للوزراء، مفشلا بذلك جهود روسيا بهذا الصدد.

المجهود الآخر الذي بُذل كان من جانب الصين، التي دعت حماس وفتح إلى بكين في أبريل/نيسان الماضي، وكان اللقاء ناجحا. واتفقنا خلاله على جدول أعمال لقاء موسع للفصائل الفلسطينية تضمن 8 نقاط إيجابية تحظى بإجماع فلسطيني، كالبند المتعلق بأن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ودخول كل الفصائل الفلسطينية إليها، وكذلك حكومة بتوافق وطني جامع.

إضافة إلى موضوع دولة فلسطينية مستقلة ذات السيادة على حدود الرابع من يونيو/حزيران، والحفاظ على الضفة الغربية ومقاومة الاستيطان ومنع محاولات تهويد  القدس  وملف الأسرى. واتفقنا على مواصلة بحث تفصيلات هذه النقاط في اللقاء المقبل والذي حُدد يوم 23 يونيو/حزيران الجاري.

وإذا بالرئيس عباس، وقبل الاجتماع بيوم واحد، يقوم باستدعاء السفير الصيني ويبلغه بتأجيل اللقاء إلى أجل غير مسمى، ومن السفير الصيني، علمنا بالقرار، وهو ما كان محل استغرابنا. إنهم لا يريدون أن تكون الوحدة الفلسطينية جماعية ولا للفصائل أن تجتمع، وبالتالي أرادوا إفشال الصين في مسعاها.

هنا رفضت حماس مقترح فتح بعقد اجتماع جديد وأصرت على مخرجات اجتماع أبريل/نيسان بمشاركة كامل الفصائل في بكين، وعلى جدول الأعمال الذي تم الاتفاق عليه.

فتح أنكرت وجود اجتماع واتفاق، وهذا كان كذبا صريحا، لأن الصينيين شاهدون على هذا الأمر، وسلمت الورقة إلى نائب وزير الخارجية الصيني الذي امتدح اللقاء، قبل أن تخرج الخارجية الصينية ببيان يتكلم عن نجاح المفاوضات واستمرار مساعيها على هذا الخط.

بالتالي حركة فتح أفشلت الاتفاق، وذلك لسببين:

الأول: هو رفض إسرائيل والولايات المتحدة أن تكون حماس موجودة في المشهد الفلسطيني في اليوم التالي للحرب، من خلال حكومة كفاءات فلسطينية ووحدة في إطار منظمة التحرير.

الثاني: واشنطن لا تريد للصين أن تلعب أي دور في المنطقة ولا في الملف الفلسطيني.

والسلطة لا تستطيع مواجهة الحقائق كما هي، لذلك يكذبون ويزيفون ويتهمون ويعتقلون وينسقون. وكل ذلك لن يجدي نفعا. وبدلا من أن تتصدى السلطة لهجمات إسرائيل عليها ولتقويض صلاحياتها والانتقاص من مسؤولياتها، تهاجم حماس والمقاومة الفلسطينية وترفض الوحدة الفلسطينية.

لا يتوقف الجيش الإسرائيلي عن اقتحام مناطق عدة في الضفة، في تقديركم ما الذي يحول دون انفجار الوضع فيها وحدوث مواجهة شعبية واسعة أو انتفاضة ثالثة؟

السبب الأول هو السلطة والثاني إسرائيل، فالسلطة عطّلت الجامعات ومدارس كثيرة حتى لا تكون منطلقا لأي حراك أو لانتفاضة جديدة في الضفة الغربية. كما تلاحق السلطة المقاومين، وكل من يدعو إلى أي انتفاضة أو تجمع أو إضراب وتحاسب حتى على منشور أو تغريدة على مواقع التواصل.

الأجهزة الأمنية التابعة لها تعمل ليلا نهارا لخدمة العدو الصهيوني تحت باب التصدي للفوضى والتهدئة والحل التفاوضي. هذه هي الأسباب الأساسية لعدم وجود انتفاضة أو مقاومة بحجم أكبر رغم ممارسات الاحتلال من مصادرة أراض الفلسطينيين وترحيلهم.

إضافة إلى ذلك، هناك الدور الذي تلعبه الاعتقالات الإسرائيلية؛ فكما هو معروف، هناك أكثر من 9 آلاف معتقل فلسطيني من أبناء الضفة في سجون الاحتلال، وهذا العدد الكبير يحول إلى حد ما من تفعيل هذا الجانب. ومع ذلك، أتوقع أن تشهد الضفة أحداثا في المستقبل القريب، تختلف عن تلك التي نشاهدها في الوقت الحاضر.

هل ترون أن حربا مفتوحة باتت وشيكة خاصة بعد ارتفاع وتيرة هجمات "جبهات الإسناد" المؤيدة للمقاومة، وكيف يمكن أن ينعكس ذلك على غزة والقضية الفلسطينية؟

توسيع إطار الحرب هو مصلحة لبنيامين نتنياهو، لأن ذلك يجلب الولايات المتحدة إلى المنطقة. كما أن له مصلحة في استمرار الحرب لأنه لا يريد أن يخرج من الحكومة أو أن تنتهي فترة حكمه بهزيمة.

بخصوص جبهات الإسناد، نحن والشعب الفلسطيني ممتنون جدا لهذه الجبهات التي ربطت مقاومتها وأفعالها بوقف العدوان على غزة.

في حال توسعت الحرب، فبالتأكيد لا تستطيع إسرائيل أن تحارب على جبهتين، وإذا تشتت جيشها على أي جبهة من الجبهات، سيكون لذلك أثر واضح على غزة.

يجب أن نتذكر أن إسرائيل شنت حربا على غزة بعد أسر حماس الجندي جلعاد شاليط، ولم تتوقف هذه الحرب إلا عندما قام حزب الله بخطف 3 جنود إسرائيليين في شمال فلسطين، وإذا بالحرب على غزة تتوقف وتتحول إلى لبنان. بالتالي إسرائيل لا تستطيع الدخول في حروب على جبهتين في الظروف الحالية.

المصدر : وكالة سوا

مقالات مشابهة

  • حروبُ القوى الاستعمارية ضد الشعوب
  • الرئاسة الفلسطينية: مخططات الاحتلال الاستيطانية ضمن الحرب الشاملة على الشعب الفلسطيني
  • طبول الحرب تدق بين الكابرانات وليبيا وحفتر يحشد قواته على الحدود الجزائرية
  • طوفان مصر.. دعوات مصرية غاضبة تدعو للثورة والإطاحة بالسيسي (شاهد)
  • طوفان مصر.. دعوات مصرية غاضبة تدعو للثورة والإطاحة بالسيسي
  • أبو مرزوق : هناك 3 عوامل ستجبر نتنياهو على وقف حرب غزة
  • أبو مرزوق للجزيرة نت: دور روسيا سيختلف إذا توسعت الحرب والسلطة تُفشل المصالحة
  • مواصلة مناقشة تحديات التحول الديمقراطي «3-4»
  • القنابل الإسرائيلية دمرت مساحات كبيرة من قرية لبنانية وسط مخاوف من اتساع الحرب
  • مواصلة مناقشة تحديات التحول الديمقراطي (3/4)