كتب الان سركيس في"نداء الوطن": لا يمكن فصل موقف رئيس «التيار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل من ملف الجنوب عن ملف رئاسة الجمهورية، لكن في العمق هناك تبدّل كبير في النظرة الاستراتيجية لـ»التيار» تجاه ما يحصل. «الشيك على بياض» الذي كان يمنحه لـ»حزب الله» انتهى مفعوله، وصار الموقف العام «على القطعة».
يقف «التيار الوطني الحرّ» في الوسط اليوم، ويحاول لعب دور «بيضة القبّان» أو مرجِّح الكفّة وقائد الدفّة في آن معاً. وهو يعرف عدم قدرة «الممانعة» على إيصال فرنجية إذا لم يوافق باسيل ويمنحه أصوات كتلته والغطاء المسيحي، كما يعلم عدم قدرة المعارضة على الاتفاق لافتقادها إلى «المايسترو» الواحد وتشرذمها ومحاولة كل جهة إبراز نفسها. يتصرّف باسيل على قاعدة أن لا شيء يخسره، بعدما بلغ أسوأ أيامه السياسية بعد الثورة وفرض العقوبات الأميركية عليه، والآن بدأت رحلة الخروج من القعر عبر محاولة شدّ العصب المسيحي والظهور بمظهر مانع مرشّح الممانعة من الوصول إلى بعبدا، والحريص على موقع رئاسة الجمهورية عبر إيصال مرشّح يتمتع بحيثية أو أقله مُغطى من القوى المسيحية الأساسية. يحافظ باسيل على علاقة مع الرئيس بري رغم الصدامات السابقة، ويبارك مبادرة كتلة «الاعتدال الوطني» ويدعمها، ويسعى إلى إبقاء علاقته جيّدة بالبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي والتنسيق معه، خصوصاً في رفض تصرّفات رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وتخطّيه الدستور والتّصرف وكأنّ البلاد قادرة على الاستمرار بلا رئيس جمهورية. ويتلاقى الراعي وباسيل وبقية الأفرقاء المسيحيين على موقف موحّد في رفض تجاوزات حكومة ميقاتي. ومثلما يتعامل باسيل مع «حزب الله» على «القُطعة» من دون قطعه «شعرة معاوية»، تتعامل «القوات اللبنانية» مع باسيل وفق منطقه. وحتى الساعة لم يُحدّد الدكتور سمير جعجع موعداً للقاء باسيل وتكتفي «القوات» بقنوات التواصل في مجلس النواب وبين نائبَي الكورة فادي كرم وجورج عطالله. وإذا لم يحصل اللقاء بين باسيل والسفيرة الأميركية ليزا جونسون حتى الساعة بفعل موانع العقوبات، إلّا أنّ المعلومات تؤكد وجود تواصل بين «التيار» والأميركيين، وهذا التواصل يحصل بواسطة نواب التيار القريبين من باسيل أو بواسطة رجال أعمال لبنانيين يدورون في فلك باسيل، ويهدف هذا التواصل إلى ترطيب الأجواء والتأكيد أمام واشنطن أنّ باسيل صار في مكان آخر وظهر هذا التموضع الجديد في الاستحقاق الرئاسي وعدم سيره بمرشح «حزب الله».
ويردّد عدد من نواب المعارضة كلاماً مفاده أنّ اللائحة القطرية للأسماء المرشحة ضمن الخيار الثالث أتت بعد موافقة باسيل عليها، وقد أدخل باسيل سابقاً اسم المدير العام للأمن العام بالإنابة العميد الياس البيسري في اللائحة لضرب ترشيح قائد الجيش العماد جوزاف عون، وها هو يحاول الترويج لاسم السفير جورج خوري، في حين يُنقل عن القطريين تأكيدهم عدم وجود عقدة رئاسية عند باسيل، وهي في مكان آخر.
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
نص كلمة رئيس مجلس النواب بمناسبة التصويت النهائي على مشروع قانون الإجراءات الجنائية
ألقى المستشار الدكتور حنفي جبالي، رئيس مجلس النواب كلمة بمناسبة التصويت النهائي على مشروع قانون الإجراءات الجنائية.
وتنشر «الأسبوع» نصر كلمة رئيس مجلس النواب: جاء في نصها
السيدات والسادة النواب المحترمون، بعون الله وتوفيقه، وصلنا اليوم إلى لحظةٍ فارقةٍ، من عمر مجلسكم الموقر، تتشابك فيها أيدينا، لنسطر سويًا، بكل فخرٍ واعتزازٍ، صفحةً جديدةً من صفحات سجل التشريع المصري العريق. وتعلمون جميعاً، أنه لعقودٍ ممتدةٍ، قد طال الجمود التشريعي مجال الإجراءات الجنائية، حاولت خلال تلك العقود جهودٌ عدةٌ أن تصوغ لمصر قانونًا حديثًا يليق بمكانتها وطموحات شعبها، لكنها تعثرت مرارًا.
واليوم، يحسب لمجلس النواب الحالي أنه قد اقتحم، بعزيمةٍ صادقةٍ، قلاع هذا الجمود، وحطم بكل جرأةٍ، قيود التعطيل والانغلاق، ونفخ روح التغيير، بكل إيمانٍ، في نصوصٍ هرمت، فأحياها فتيةً، تواكب نبض العصر وتستجيب لحاجات المجتمع. واليوم، بحمد الله، قد بلغنا موعد ميلاد قانونٍ جديدٍ للإجراءات الجنائية.
الزملاء الأعزاء، لقد جاء تعامل مجلسكم الموقر مع هذا المشروع استثنائيًا، ولعل من أبرز مظاهره تشكيل لجنةٍ فرعيةٍ، في سابقةٍ برلمانيةٍ فريدةٍ، ضمت في عضويتها خبراء قانونيين بارزين، فتحولت اجتماعاتها إلى ورش عملٍ نابضةٍ بالحيوية، وانفتحت أبواب النقاش الصادق، فعالجت أدق الإشكاليات وأعقد القضايا.
ومما لفت النظر وأثلج الصدر، أن اللجنة قد تميزت بانخفاض أعمار أغلب أعضائها، بما يؤكد أن مصر كانت وستظل بلدًا لا ينضب معينه من الكفاءات، ولا تخلو أرضه الطيبة من العقول المبدعة والطاقات الواعدة.
نواب شعب مصر، انطلاقا من الوفاء لأهل العطاء، لا يفوتني في هذا المقام أن أبدأ بما هو أوجب، فأتوجه بأسمى آيات الشكر والعرفان
إلى قائد مسيرة الوطن، فخامة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، فقد كانت إرادته السياسية الصلبة، ورؤيته الثاقبة، من بين الدوافع الحقيقية لفتح هذا الملف، الذي طال انتظاره، إيمانًا من فخامته بأن دولة القانون هي الركيزة الأساسية لبناء الأوطان ونهضتها، وأن العدالة هي السياج الحامي لمقدرات الشعوب وطموحاتها.
كما أتوجه بعظيم الامتنان لدولة رئيس مجلس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولي، الذي كان ــ وما زال ــ داعمًا مخلصًا لمواقف مجلس النواب سيما التشريعية منها، ومؤمنا بأن الصالح العام فوق كل اعتبارٍ، فلم يدخر جهدًا في دعم كل مبادرةٍ برلمانيةٍ ترسي قواعد الدولة الحديثة.
كما أشيد بالسيد المستشار عدنان فنجري، وزير العدل، والذي أضفي حضور سيادته شخصيًا لكل جلسات مناقشة مشروع القانون طابعا من الالتزام والإخلاص، وهو ليس بغريبٍ على سيادته، فقد أثرى المناقشات من خلال تعقيباته حول فلسفة النصوص وبيان مقاصدها، مما عزز الفهم المشترك وقرب وجهات النظر، مستندًا في ذلك إلى خبرةٍ قانونيةٍ رفيعةٍ المستوى.
والشكر أيضا، للسيد المستشار محمود فوزي، وزير الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، لما بذله من جهودٍ حثيثةٍ في رحاب المناقشات، فكان صوت الحكمة، ولسان العقل، وبنى جسرًا متينا تتلاقى عليه الإرادة الشعبية مع السلطة التنفيذية، فعمل بصبرٍ وحسن تدبيرٍ، على تقريب المسافات بين الرؤى المتباينة، بغية الوصول بالنص التشريعي إلى ما نصبو إليه من دقةٍ وتوازن.
ولا يسعني في هذا المقام، إلا أن أخص بالعرفان والتقدير السيد المستشار محمد عبد العليم، المستشار القانوني لرئيس المجلس، هذا الرجل النبيل، الذي جمع بين غزارة العلم ورفعة الخلق، فأثبت أن القيمة لا تقاس بالعمر، بل بالهمة، والإخلاص، والقدرة على الإنجاز. لقد كان أحد الأعمدة الراسخة التي شيد عليها بنيان مشروع قانون الإجراءات الجنائية، جنباً إلى جنبٍ مع زملائه المستشارين بالأمانة العامة. وكان مثالًا نادراً للجدية والتجرد، يعمل في صمتٍ، لا يبتغي مجدًا شخصيا، ولا ينشد شهرةً أو أضواءً، بل كان شغله الشاغل أن تخرج تشريعات المجلس على أكمل وجه، منسجمةً مع الدستور، معبرةً عن نبض الواقع وتحدياته. ولقد أضفى على منصبه وقارًا وهيبةً صنعهما بكده ومثابرته، فأكسب المنصب بريقاً خاصاً، سيظل علامةً مشرقةً في سجل العمل البرلماني، وسيظل أثره شاهدًا مضيئًا لكل من يخلفه.
السيدات والسادة أعضاء المجلس الموقر، أما وإنني قد أوشكت على ختام كلمتي، فاسمحوا لي أن أتلو على مسامعكم كلماتٍ تنبع من مشاعر، يعلم الله، أنها صادقةٌ، مشاعر كانت تجول في نفسي طوال هذه المسيرة الشاقة، كلماتٌ تخالجها أحاسيس مفعمةً بالمسؤولية، تثقل قلبي قبل لساني:
"إننا نعي تماماً أن هذا القانون، كغيره من صنائع البشر، يظل قابلاً للتطوير والتقويم مع تطور حاجات المجتمع ومسيرة الزمن، وندرك - تمام الإدراك- أن ما بين أيادينا اليوم ليس نهاية الطريق، بل محطةٌ في دربٍ طويلٍ لا ينقطع فيه السعي نحو الكمال. ولكننا، والله شهيدٌ علينا، قد راعينا ربنا في كل خطوة خطوناها، وأخلصنا النية وبذلنا وسع جهدنا، وأدينا الأمانة، لا نبتغي إلا وجه ربنا الكريم، ولا نطلب إلا مرضاته، ولم نكتب حرفاً إلا ابتغاء إصلاحٍ، ولم نتخذ موقفاً إلا رغبة في إنصافٍ، ولم نعقد عزماً إلا نصرةً للحق وعدلاً بين الناس. وإن كان في عملنا صواب، فبتوفيقٍ من الله وفضله، وإن كان فيه نقصٌ، فحسبنا أننا اجتهدنا، مخلصين غير مفرطين ولا مضيعين، ونسأل الله جل وعلا أن يتقبل عملنا، وأن يجعله لبنةً في صرح العدل، وشاهداً لنا لا علينا يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون، يوم توزن الأعمال بميزان الحق الذي لا يميل ولا يحيف. وقد كرم الله إتقان العمل، بقوله تعالى "إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا، وأختم كلامي بآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أشكر حضراتكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.