الجزائر/ عباس ميموني/الأناضول رسمت زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى الصين، الأسبوع الماضي، تفاصيل أدق عن مستقبل العلاقات بين البلدين، بعدما اتفقا على تعميق التفاهمات السياسية والأمنية والارتقاء بالعلاقة الاقتصادية، مع تمهيد طريق الجزائر نحو عضوية مجموعة “بريكس”. وخلال زيارته، وقَّع تبون 19 اتفاقية ومذكرة تفاهم مع نظيره الصيني تشي جين بينغ، كما تم إبرام 12 اتفاقية بين رجال الأعمال من البلدين خلال ملتقى خاص بهم.
وتوجت الزيارة بإعلان مشترك بين البلدين، استعرض مضمون المحادثات ومواقفهما تجاه القضايا الثنائية ذات الاهتمام المشترك، ومنها تايوان و”بريكس”. و”بريكس” من أهم التجمعات الاقتصادية على مستوى العالم، وتضم في عضويتها كلا من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا. تعميق الشراكة كان واضحا أن تبون منح لزيارة الصين أهمية خاصة، إذ استمرت 5 أيام، وهذه المدة هي الأطول بين جميع زيارته إلى الخارج منذ انتخابه رئيسا في 2019. ومن نشاطه في العاصمة ومدينة شنجن للتكنولوجيا الحديثة، أظهر تبون رغبة بلاده في الانتقال بعلاقاتها مع الصين إلى نموذج جديد، يتماشى مع ما أطلق عليه في البيان المشترك “رؤية الجزائر الجديدة”. وتقوم هذه الرؤية على بناء اقتصاد متنوع يتحرر من التبعية المطلقة للنفط، وبدأت برفع قيمة الصادرات غير النفطية من 3 بالمائة إلى 11 بالمائة هذه السنة، بحسب تأكيد تبون في حفل تكريم لأفضل المصدرين قبل أيام. ومتحدثا عن “معجزة تحققت”، قال تبون: “إلى غاية 2019 ومنذ الاستقلال (عن فرنسا عام 1962) لم تتجاوز صادراتنا خارج المحروقات 1.9 مليار دولار، حققنا 5 مليارات
دولار سنة 2021 ووصلنا إلى 7 مليارات دولار في 2022، ونطمح إلى 12 أو 13 مليار دولار نهاية العام الجاري”. وشملت الاتفاقات ومذكرة التفاهم الموقعة مع الصين كافة المجالات الحيوية بالنسبة للجزائر، خاصة نقل التكنولوجيا الصينية، والزراعة التي تسعى الجزائر من ورائها إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في الزراعات الاستراتيجية (الحبوب)، والطاقات المتجددة والهيدروجين، إلى جانب التعاون العلمي وفي مجال الفضاء. وأبدى تبون رغبته في إنشاء شركة جزائرية صينية تختص بعلم الفضاء وتسمح للجزائريين بالتحكم أكبر في هذه المجال، مثلما قال في مقابلة مع قناة “سي سي تي في نيوز” الإخبارية الصينية. وعلى هامش منتدى الأعمال، كشف وزير التجارة الجزائري الطيب زيتوني عن رغبة الصينيين في بناء مصنع لليثيوم في الجزائر، إلى جانب توسيع ميناء محافظة عنابة (شرق)، وإنشاء مصنع خاص بالسيارات. وقال زيتوني إن الاتفاقات الموقعة بين الشركات الجزائرية ونظيراتها الصينية تُخرج العلاقات بين البلدين من مستوى السوق (الواردات والصادرات) إلى الاستثمار. والصين هي أكبر مورد للسوق الجزائرية، إذ تقدر صادراتها نحو الجزائر بحوالي 8 مليارات دولار سنويا مقابل واردات من الجزائر بـ1 مليار دولار. كما حصل تبون على دعم بكين لطلب بلاده الانضمام إلى مجموعة “بريكس”، وكشف عن استعداده لإيداع مساهمة بـ1.5 مليار في بنك المجموعة، فور المواقفة على طلب الانضمام إلى البنك. ووصف تبون، في لقاء جمعه بالجالية الجزائرية في بكين، نتائج زيارته بأنها “إيجابية جدا”، وأعلن عن استثمارات صينية وشيكة في الجزائر بقيمة 36 مليار دولار. مشاريع استراتيجية الخبير في الاقتصاد الصيني محمد سعيود قال للأناضول إن “الشق الاقتصادي لزيارة الرئيس تبون إلى الصين حمل مؤشرات واعدة جدا بالنسبة للاقتصاد الجزائري”. وأوضح: “لقد تفاهم الطرفان على مشاريع كبرى تتراوح قيمتها بين 1 و10 مليارات دولار، على مصنع السيارات الكهربائية ومنصع الليثيوم للبطاريات وتوسيع المنشآت القاعدية كالموانئ”. وفي المقابل “الاقتصاد الجزائري بحاجة إلى مشاريع صغيرة تحقق نتائج على المدى المتوسط”، بحسب سعيود مرجحا أن “المشاريع الكبرى المتفق عليها ستغير اقتصاد الجزائر فعلا، ولكن على المدى البعيد”. واستطرد: توجد 300 شركة صينية تعمل في مجال الإنتاج بالجزائر حاليا، ولا بد من استقطاب شركات أخرى في الصناعات الخفيفة حتى نحقق التحول الاقتصادي بأسرع طريقة ممكنة. وبشأن دعم الصين لطلب الجزائر الانضمام إلى “بريكس”، شدد سعيود على أن الجزائر حتى وإن كانت بناتج إجمالي أقل مقارنة بالدول الأعضاء المؤسسة للمجموعة “إلا أنها تملك خصائص لا يملكونها، وهي الموقع الجغرافي”. وأردف: “موقع الجزائر يجعلها بمثابة نقطة توسع لبريكس، ومن خلالها يمكن الوصول إلى سوق بمليار ونصف مليار نسمة في إفريقيا وأوروبا، لأنها قريبة من أوروبا وبوابة إفريقيا في نفس الوقت”. سعويد توقع أن مساهمة الجزائر في بنك “بريكس” بـ 1.5 مليار دولار، ستدر عليها في غضون 5 أو 6 سنوات أرباحا تصل حتى 50 مليار دولار، معتبرا قرار تبون “صائبا جدا”. أكثر من الاقتصاد في مقابل الاقتصاد، تناول البلدان بكثير من الوضوح مسائل سياسية، فقد اتفقا على مساندة متبادلة في “حماية سيادة الوحدة الترابية”، وأكدت الجزائر معارضتها لمسألة استقلال تايوان واعتبرتها “جزءا لا يتجزأ من الصين”، كما اتفق البلدان على “رفض تسييس الملفات المرتبطة بحقوق الإنسان واستخدمها كوسيلة ضغط في العلاقات الدولية”. وجدد البلدان تمسكهما برفض الهيمنة المطلقة، ودعم “ديمقراطية العلاقات الدولية وتعددية الأطراف والحفاظ على مصالح الدول النامية والدفاع عن حقوقها ورفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول”. وقال الخبير في الأزمات الدولية حسان قاسيمي للأناضول إن “الرئيس تبون يسافر إلى الخارج للدفاع عن المصالح السياسية والاقتصادية للبلاد، ويعمل على تعزيز التقارب مع الدول التي تشاطر الجزائر نفس الرؤية في العلاقات الدولية وعلى رأسها الصين”. وأضاف أن تبون “كان واضحا عندما قال إنه يرغب مع الصين في تكريس نظام عالمي جديد أكثر عدلا، يبدأ بمراجعة بعض المؤسسات النافذة مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي”. قاسيمي تابع أن زيارة الصين أثبت رغبة ملحة لدى الجزائر في التقرب واللحاق بركب الدول الناشئة، معتبرا أن أهم ما ركز عليه تبون هو “تحويل (نقل) التكنولوجيا الحديثة، لأنه يعلم أن الدول الغربية لا تقوم بفعل ذلك لأنها تعتبرها أداة هيمنة”. وأوضح أن التكنولوجيا تعني الوسائل الحديثة، بما فيها الأسلحة، مفيدا بأن “الغرب أو الولايات المتحدة تحديدا لن تمنحك إلا المعدات الحربية القديمة، ولن تحصل منها على طائرات إف- 16 ولا إف- 35 مثلا، على عكس الصين”. ومقرا بأن الجزائر لا تملك حاليا اقتصاد دول “بريكس”، أضاف قاسيمي أنها تملك مقومات ضخمة خاصة في مجالي الغاز والمناجم، ولديها “20 بالمائة من الاحتياطي العالمي للأتربة النادرة، على غرار الليثيوم الذي يستخدم في صناعة البطاريات والرقائق الإلكترونية، وهذا ما يدركه الصينيون جيدا”.
المصدر: رأي اليوم
كلمات دلالية:
ملیارات دولار
ملیار دولار
إقرأ أيضاً:
كيف تعامل الرئيس الجزائري مع حملة مانيش راضي الغاضبة؟
أكد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أن الجزائر ليست عرضة للمساس بسيادتها عبر حملات على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل "الهاشتاغات".
وقال تبون خلال لقاء تلفزيوني، إن "من يظن أنه يستطيع أن يفترس الجزائر بهاشتاغ فهو مخطئ"، مشيرًا إلى أن الشعب الجزائري يتحلى بروح مقاومة لا يمكن لأي حملة عبر الإنترنت أن تهز عزيمتهم.
وتأتي هذه التصريحات في ظل تصاعد الحملة الشهيرة "مانيش راضي"، التي انتقدت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، متهمة الحكومة بالفشل في تلبية احتياجات الشباب وارتفاع معدلات الفساد وتدهور الظروف المعيشية. وقد نجحت الحملة في جذب اهتمام واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، ما دفع أنصار الحكومة إلى مهاجمتها بقوة، معتبرين أن هذه الحملة تهدف إلى زعزعة استقرار الجزائر.
اتهامات بالخارجية
وفي سياق الحملة، أشار تبون إلى أن هذه الحملة لا تمثل إلا جزءًا من حالة الاحتجاجات التي يعاني منها الشباب الجزائري، وتعد تعبيرًا عن حالة الغضب تجاه الأوضاع الراهنة. وأضاف أنه لا بد من تحصين الشباب من بعض الآفات الاجتماعية مثل المخدرات، مؤكدًا أن الحكومة ستقدم استراتيجية وطنية لمكافحة هذه الآفة بحلول بداية عام 2025، بالتعاون مع كافة الفاعلين الوطنيين.
حملة "مانيش راضي" مقابل "أنا مع بلادي"
في المقابل، واجهت حملة "مانيش راضي" حملة مضادة تحت اسم "أنا مع بلادي"، التي أطلقها العديد من الجزائريين المؤيدين للحكومة. ووسم "أنا مع بلادي" تعبير عن ولاء الحكومة، في وقت اعتبر فيه البعض أن هذه الحملة تهدف إلى زرع الفتنة والفوضى في البلاد.
لكن ما زاد الجدل حول الحملة هو تحول وسم "مانيش راضي" إلى "ترند" في المغرب، ما أثار شكوكًا لدى العديد من الجزائريين بأن الحملة قد تكون مدفوعة من جهات مغربية، في إطار الصراع القائم بين الجزائر والمغرب. وتبنت الصحف المغربية الحملة بشكل واسع، مما أدى إلى تصعيد التوترات الإعلامية بين البلدين.
التصعيد الإعلامي مع المغرب
وكانت الصحافة المغربية من أبرز الداعمين لحملة "مانيش راضي"، حيث قامت بنشر مقالات تناقش تأثير الحملة داخل الجزائر وتوقعات بتحركات شعبية ضد الحكومة. هذا التصعيد الإعلامي زاد من حدة التوترات بين الجزائر والمغرب، مما دفع الرئيس تبون إلى التأكيد على أن الجزائر لن تتأثر بهذه المحاولات، وأن وحدة البلاد لن تتفكك عبر حملات على وسائل التواصل الاجتماعي.