المحاضرة الرمضانية الثالثة للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي 1445هـ -2024م

الأربعاء 3 رمضان 1445هـ 13 مارس 2024م

https://www.saba.ye/storage/post_galleries/wylco5Tt3QIJCOG1HE-nxp/59d8e5e7239768cfcdd8d3d16649934d.mp4

أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ

بِـسْـــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.

أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:

السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

تحدثنا بالأمس عن المرحلة الأولى من يوم القيامة، في النفخة الأولى والصيحة الأولى، التي يتم بها تدمير هذا العالم، وإعادة صياغة السماوات وتشكيل السماوات والأرض، وهلاك جميع الكائنات على وجه الأرض، {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ}[الرحمن: من الآية26].

واستكمالاً للحديث عن القيامة، وعن المرحلة الثانية: مرحلة البعث والنشور في يوم القيامة، نتحدث على ضوء بعض الآيات المباركة، ويتضح لنا عندما تأتي القيامة، تأتي الساعة، تأتي الحاقة، القارعة، الواقعة، الطامة الكبرى عندما تأتي يكون البشر بكلهم، وبكل ما يمتلكون من إمكانات وقدرات في حالة عجزٍ تامٍ عن ردها، وعن حماية الأرض منها، فهم في تلك الحال في حالة استسلامٍ تام وذهول وفزع، وحالة خوفٍ شديد، واندهاش أمام تلك المتغيرات الكبرى والأهوال العظيمة، ومهما امتلك البشر حتى في هذا العصر وهم يدرسون خيارات للتصدي لأي شيءٍ يأتي إلى الأرض، من خلال إمكانات معينة، أو صواريخ نووية، أو غير ذلك؛ لأن هناك بعض الأجرام السماوية التي يتوقعون أن تصدم بالأرض، فيكون لها تأثير مدمر على كوكب الأرض، ولكن أمر الساعة، أمر القيامة كبيرٌ جداً وهائلٌ جداً، ويشمل السماوات والأرض، ويشمل الشمس والقمر؛ ولذلك لا يستطيع البشر أن يعملوا أي شيءٍ لدفع القيامة، أو منع قيام القيامة ووقوع القيامة بأهوالها الكبيرة والهائلة.

يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ}[الأنبياء: الآية40]، (تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً): في وقتٍ غير متوقعٍ أبداً، وتأتيهم بهولها الكبير والعظيم، والمفجع، والمدمر جداً؛ ولذلك لا يستطيعون ردها، حالتهم حينها هي حالة الفزع، الخوف، {يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ}[القيامة: الآية10]، فلا يتمكنون من فعل أي شيء، ويكون مصيرهم الحتمي في النفخة الأولى هو الهلاك.

تلك الأهوال رهيبة جداً، فوق مستوى تخيل أي إنسان، لا يستطيع الإنسان أن يتخيل أهوالها، الإنسان عادةً ما يكون في حالة ضعف، وعجز، وذهول، وخوف، عند أحداث جزئية، إمَّا زلازل على مدينة معينة، أو بلد معين، عندما يحصل زلزال قوي جداً، أو أعاصير شديدة، أو رياح شديدة، أو أي شيء من الكوارث الجزئية، المحدودة، التي لا تساوي شيئاً أمام أهوال القيامة، التي هي أهوال تشمل كل الأرض، دمارٌ كليٌ للأرض بكلها، ويأتي في مرحلة واحدة، يشمل الأرض في مرحلة واحدة، وليس من منطقة إلى أخرى، أو من بلد إلى آخر، أو من جبل إلى جبل، بل في لحظة واحدة، دكة واحدة، ونفخة واحدة.

يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” يُبيِّن لنا في القرآن الكريم حالة الهول لدى الإنسان، حالة الخوف والرعب: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}[الحج: الآية1]، وفعلاً شيءٌ عظيم، شيءٌ هائل، زلزلة لمدينة أو بلد واحد تجعل الناس في منتهى الخوف، والعجز، والقلق، والاضطراب، لكن ما بالك عندما يكون زلزالاً يدمر الأرض، يدمر الجبال وليس فقط المدن والقرى والمساكن، {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}[الحج: الآية2]، هول رهيب جداً، إلى هذه الدرجة من الذهول والخوف: (تَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا)؛ من شدة الخوف، ولكن لا يلبث كل الخلائق أن يموتوا.

ثم ما بعد النفحة الأولى، ودمار هذا العالم، ودمار السماوات والأرض، وإعادة تشكيل وصياغة السماوات والأرض من جديد، كما قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ}[إبراهيم: من الآية48]، تتبدل الأرض؛ لأنها تتغير كل معالمها. الآن الذي نراه عندما نراه في الصور الفضائية كوكب أزرق جميل، تغطي نسبةً شاسعةً منه المياه (مياه المحيطات والبحار)، ونسبة أيضاً من بره تغطيه الغابات، ثم هناك في القطبين الثلوج، كل هذه المعالم تختفي وتنتهي، لا بحار، ولا جبال، ولا مدن، ولا قرى، ولا منخفضات، ولا مرتفعات، ولا أي شيء، ساحة (صَعِيدًا جُرُزًا)، تتحول الأرض بكلها إلى ساحة واحدة، ليس فيها أي مكان منخفض، أو مكان مرتفع، ولا عليها أي نبات، ولا عليها أي مياه، ولا بحار، ولا شيء، فتتغير لمهمة جديدة، السماوات كذلك. {وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}[إبراهيم: من الآية48]، بعد أن تحولت مهمة الأرض ودورها لتكون ساحةً للحساب.

يقول الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ}[الزمر: من الآية68]، هذه هي النفحة الأولى، {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}[الزمر: من الآية68]، في يوم البعث، النفخة الثانية هي نفخة البعث، وصيحة البعث، التي يبعث الله فيها الخلائق من جديد في الأرض للحساب والجزاء.

يوم البعث، وفي حالة البعث تلك- التي تحدث عنها في هذه الآية المباركة- بهذه السرعة: في لحظة واحدة، في صيحة واحدة، في نفخة واحدة، يقوم كل الخلائق أجمعين، منذ آدم إلى آخر إنسانٍ ولد من بني آدم، كل البشر يقومون في وقتٍ واحد {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ}[الزمر: من الآية68]، يخرجون من الأرض، تشقق الأرض عنهم كما في الآية المباركة: {يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ}[ق: الآية44]، سبحان الله المقتدر، القاهر، على كل شيءٍ قدير! في لحظة واحدة يبعث كل البشر، ويخرجهم من تراب الأرض، فيقومون مرةً واحدة، دفعةً واحدة، بكلهم يحشرون.

في ذلك اليوم، الذي هو اليوم الأول للحياة الثانية الأبدية، الإنسان بُعث من جديد، وسيبدأ حياته الأخرى؛ لأنه أمضى حياته الأولى في الدنيا، ثم كان الموت فاصلاً يراه قصيراً جداً، {كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ}[يونس: من الآية45]، كأنها كانت مدة ساعة، أو بعض يوم، أو عشية أو ضحاها، مدة بقائهم في الدنيا تتحول كأنها ساعة، مدة ما لبثوا في الأرض منذ أن ماتوا إلى يوم البعث كذلك كأنها مدة ساعة، {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ}[الروم: من الآية55]، يتصور البعض أنها بمقدار عشية أو ضحاها، يتصور البعض أنها يوم أو بعض يوم، أكثر التقديرات يقولون: {إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا}[طه: من الآية103]، يتخيلون أنها قد تصل إلى عشرة أيام، أو عشر ليالٍ.

في ذلك اليوم (يوم البعث)- الذي هو اليوم الأول من الحياة الثانية الأبدية- يبعث الإنسان وقد صمم الله خلقه وأعاد تكوينه للحياة الأبدية، الله يخلقنا في الحياة الأولى والمرحلة الأولى للوجود البشري في هذه الدنيا لحياةٍ مؤقتة، إلى أجلٍ مسمى؛ ولذلك يكبر الإنسان إذا استمر في مسيرة حياته، ينتقل من مرحلة الطفولة، إلى مرحلة الشباب، إلى مرحلة الكهولة، إلى مرحلة الشيخوخة؛ يهرم، يبلى، تضعف حواسه، يضعف جسمه، ينتقل من ضعف إلى قوة إلى ضعف، ثم يأتيه الموت؛ أمَّا في تكوين الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وخلقه من جديد للبشر في يوم القيامة، فهو يخلقهم ويكوِّنهم حتى في بنية أجسامهم، للحياة الأبدية التي لا نهاية لها، ولا هرم فيها، فيكون حتى إعادة خلق الإنسان مبنياً على هذا الأساس.

في يوم البعث، وتلك الأهوال التي أتت ابتداءً في النفخة الأولى، ثم ما يواجه الإنسان في يوم القيامة، كل هذا يبيِّن أهمية ذلك اليوم، الذي سبقته إعادة ترتيبات لوضع السماوات والأرض بكلها، إعادة تشكيل لهذا العالم، أحداث رهيبة جداً، كل تلك الأحداث، والمتغيرات الكونية الكبرى، هي تدل بشكلٍ واضح على أن هناك مشروع جديد، وهام، وكبير، وخطير جداً، ليست المسألة مسألة لعبة، ذلك اليوم {يَوْمُ الْفَصْلِ}، كما كرر تسميته بهذا في القرآن الكريم بـ(يوم الفصل)، يومٌ لا هزل فيه، ولا مجاملة فيه، ولا رشوة فيه، ولا يمكن للإنسان أن يُقدِّم عن نفسه الفدية؛ ليتخلص بفديةٍ معينة يقدمها، أو بيع، أو مال، ولو كانت الأرض بكلها وبملئها ذهباً، ما أمكن للإنسان أن يفتدي نفسه في ذلك اليوم (يوم الفصل).

والاجتماع في يوم البعث اجتماعٌ للحساب والجزاء، في ذلك اليوم الذي يجتمع فيه كل البشر، كل الخلائق، المليارات من البشر، منذ بداية الوجود البشري على الأرض إلى نهايته، يجتمعون في تلك الساحة، في ساحة الحساب، ليس لاجتماع حفلات، أو مهرجان، بل للحساب، لأمرٍ فصل، لا يمكن للإنسان أن يتخلص في ذلك اليوم بالتوبة، انتهى وقت التوبة، ولا بالاعتذار، ولا يمكنه أن يستفيد، أو أن يكسب التعاطف من أحد لينفعه بشيء، ولا ينفعه البكاء، ولا التحسر، ولا الندم، ولا أي شيء، يوم الفصل، كل إنسان مشغولٌ بنفسه، {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}[عبس: الآية37].

يحشر الجميع بلا استثناء، في نفخةٍ واحدة، وصيحةٍ واحدة، لا يمكن لأحد أن يغيب، أو أن يمتنع من الحضور، والله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” لا ينسى أحداً أبداً، {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ}[يس: 51-52]، يخرجون ويحشرون بأعدادهم الهائلة جداً، مليارات البشر في لحظةٍ واحدة، {يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ}[القمر: من الآية7]، ولا يغيب أي شخص عن ذلك المشهد، كل إنسان سيحضر، {وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ}[يس: الآية32]، {فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ}، {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا}[الكهف: من الآية47]، فالله لن ينسى أحداً، وليس هناك من أحد يستطيع أن يمتنع عن الحضور، الحضور إجباري.

والكل مع كثرتهم وأعدادهم الهائلة يأتون ويحشرون في ساحة المحشر، منذ اللحظة التي يبعثهم الله فيها، فيقومون فيها، {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}[الزمر: من الآية68]، الكل في حالة خضوعٍ تامٍ لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وانقيادٍ تام لكل الترتيبات والإجراءات التي تأتي في يوم القيامة، لمرحلة الحساب، ثم ما بعد ذلك الانتقال لمرحلة الجزاء؛ ولهذا يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا}[مريم: الآية93]، الكل يأتي بصفة العبودية، باعتباره عبد لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، لم يعد هناك صاحب سلطة، ولا صاحب أمر أو نهي، الكل عبيد خاضعون لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، مستسلمون بشكلٍ تام لله “جلَّ شأنه”.

{لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا}[مريم : 94-95]، كل إنسان يأتي ويرى نفسه لوحده، ليس له أنصار، ليس له من يقف إلى جانبه، ليس له من يمكن أن يُقدِّم له شيئاً من الناس، أو أن يقدم له الحماية، أو أن يسانده في ساحة المحشر، الكل يرى نفسه وكأن القيامة بكل أهوالها، بكل ما فيها تدور على رأسه، كأنها متجهةٌ إليه، ليس هناك شتات وتضييع لملفات الحساب، أو انشغال مع كثرة الناس إلى درجة يُنسى هذا، أو يُنسى ذاك، الكل يشعر وكأن كل إجراءات القيامة تدور على رأسه، وكأنه هو المستهدف الأول من عملية البعث والحساب والجزاء، والمعني بشكلٍ أساسي، ويرى نفسه مجرَّداً من كل حمايةٍ من أي جهة أو أشخاص.

تبدأ عملية الحشر، بعد البعث يحشرون ويقومون، ثم تبدأ عملية الحشر، ويتحركون وفق الترتيبات والإجراءات في ساحة الحساب. الهول في تلك اللحظات عندما يرى الإنسان نفسه في ساحة القيامة، وهي حالة يتصور الإنسان فيها أنه لم يكن الفاصل عنها إلَّا وقتا يسيراً، كما لو نام الإنسان واستيقظ في الصباح فإذا هو في ذلك العالم، فهي قريبة، قريبة، ليست بعيدة بالقدر الذي يتصوره الإنسان، ويستبعده الإنسان.

الأهوال بكلها، التي سبقت مسألة الحشر للحساب، تهون أمام الحالة التي يعيشها الإنسان، وبالذات الإنسان الخاسر، الخائب، الذي لم يستعد لذلك اليوم، لم يستعد بالعمل الصالح لعالم الآخرة، فالحساب بالنسبة له، والحشر للحساب هوله، وضغطه النفسي عليه، وفزعه، وقلقه، وحسرته، وندامته، أكبر عليه حتى من النفخة الأولى التي دُمِّرت بها السماوات والأرض، هول رهيب جداً، وحالة رهيبة جداً من الحسرة والندامة، والقلق والضيق الذي يعيشه الإنسان في نفسه.

مع ذلك الكل ينقادون للترتيبات (ترتيبات الحساب) دون أي فوضى، مع كثرتهم، وهم بالمليارات، كل البشر بأجمعهم قد حشروا، ليس هناك فوضى، وليس هناك تَعَنُّت، الكل في حالة انقياد تام، وخضوع تام؛ ولذلك يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ}[طه: من الآية108]، يأتي الداعي لهم لترتيبهم، لتنظيمهم، للاتجاه بهم في الاتجاهات التي ينظمون فيها على ساحة الأرض، فينقادون دون تردد، ودون تَعَنُّت.

{يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا}[طه: الآية108]؛ لأن مهابة ذلك اليوم بشكلٍ رهيب جداً، فوق ما يمكن أن نتصوره؛ ولذلك مع كثرتهم الهائلة جداً يتحركون وينقادون وبدون ضجيج، ليس هناك ضجيج، ولا إزعاج، ولا كلام مرتفع، بل عندما يتحدث أحدٌ مع غيره، إنما يهمس له بصوتٍ منخفض جداً، {وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا}.

{مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ}[القمر: من الآية8]، منقادين، وخاشعين، وخاضعين، ومتجهين وفق التوجهات التي يتلقونها ويسمعونها، {يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ}[القمر: من الآية8]، يتهامسون فيما بينهم، كل الخاسرين، كل الذين رفضوا هدى الله، وتنكروا لتعاليمه، يدركون فداحت الخسارة التي هم فيها آنذاك.

مع كثرتهم الهائلة جداً، وبالذات أن الأغلبية من البشر ستكون وجهتهم باتجاه جهنم والعياذ بالله، لكنهم لا يتمكنون من القيام بأي تمرد، أو إجراءات متعنتة، للامتناع والحماية من الحساب، يخاطبهم الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (38) فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ}[المرسلات: 38-39]، لا يستطيعون فعل شيء أبداً، الملائكة تحضر بأعداد هائلة جداً، لا يساوي عدد البشر شيئاً مقارنة بعدد الملائكة، العجز التام، والانقياد التام هو الذي يسيطر على واقع البشر، على نفوسهم وعلى حالهم، وتبدأ الترتيبات للحساب، الحساب على المستوى الفردي، وعلى المستوى الجماعي.

في الحساب تتجلى للناس عدالة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ لأن الله كان من الممكن، بعد عملية البعث والنشور في يوم القيامة، أن يتَّجه بالناس، من هم إلى الجنة إلى الجنة، ومن هم إلى النار إلى النار بشكلٍ مباشر، وبدون حساب، فلماذا الحساب؟

في الحساب تتجلى للناس عدالة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
ويتجلَّى لهم أيضاً- بالنسبة للهالكين والخاسرين- سوء أعمالهم، والآثار الفظيعة لأعمالهم السيئة، ويصل الإنسان إلى قناعةٍ تامة بأنه الذي يتحمل مسؤولية هلاكه، وأنه السبب في هلاك نفسه، وأنه لا حجة له على الله، وأنه لا تقصير من جانب الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأنَّ الإنسان هو الذي أوصل نفسه بنفسه، وتسبب لنفسه في ذلك الخسران الأبدي، والهلاك الدائم والعياذ بالله، والشقاء الرهيب، فالإنسان يصل في عملية الحساب إلى قناعة تامة، تعرض له أعماله، ومواقفه، وآثارها، ونتائجها، وما ترتب عليها؛ فيصل إلى اعتراف تام، وقناعة تامة بأنه السبب في هلاك نفسه، وخسارة نفسه.
أيضاً يتجلَّى فوز المتقين، ويتجلَّى لهم عظيم أعمالهم، أهمية الأعمال التي عملوها في نجاتهم، حُسن أعمالهم، وإيجابيتها، ونتائجها العظيمة والطيبة، والآثار الإيجابية لها، والنتائج العظيمة لها؛ فيشعرون بالرضى، والاطمئنان، والفوز، ويحسون أيضاً بأنهم فازوا، وفي نفس الوقت تتجلَّى عدالة الله معهم، أنه لم يُضع شيئاً من جهودهم ومن أعمالهم، ولا حتى مثقال ذرة.
في عملية الحشر والحساب يتجلَّى للإنسان أنه لا ينفعه إلَّا ما عمل، إذا كان قد قدَّم الأعمال الصالحة، وأنَّ مصيره مرتبطٌ بأعماله، التي سوف يراها في الحساب، وفي عملية الحساب، كما قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى}[النجم: 39-41]، وكما قال: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}[الزلزلة: 7-8]، يرى الإنسان أعماله، {وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى}، يشاهد بالطريقة التي وثِّقت بها كل أعماله، وكذلك نتائج أعماله، وآثار أعماله، كل ذلك يتجلَّى للإنسان.
في العرض للحساب، وبعد أن يتم تنظيم البشر لعملية الحساب، لا يستطيع أحد أن يَخْفِي نفسه، ولا أن يُخْفِي شيئاً من أعماله، وليس هناك أيضاً خفاء في شيءٍ من أعمال الإنسان، {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ}[الحاقة: الآية18]، ملفات الإنسان جاهزة، لا حاجة للتحقيق من أجل الاطِّلاع أو التحقق مما عمله الإنسان، {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ}[الرحمن: الآية39]، الملفات جاهزة تماماً، والمسألة محسومة ومعروفة وواضحة، تقدَّم للناس صحف أعمالهم، {وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ}[الكهف: من الآية 48].

عندما يؤتى بالصحف (صحف الأعمال)، تسمى: بالصحف، وتسمى: بالكتب، يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ}[التكوير: الآية10]، تكون لحظة رهيبة جداً في واقع البشر، {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا}[الكهف: من الآية49]، كل الأعمال موجودة، كثيرٌ من الأعمال التي يكون الإنسان قد نسيها، أو لم تكن بالنسبة له ذات أهمية؛ لأن تقديرات الإنسان عادةً ما تكون خاطئة في كثيرٍ من الأمور، يتصوَّر أنَّ هذا العمل بسيط، وأنَّ تأثيراته عادية، ثم يتجلى له في يوم القيامة أنَّه كان عملاً خطيراً، وكانت له آثار خطيرة، وكانت له نتائج خطيرة، وتداعيات خطيرة حُسِبت عليه، بعض الأعمال تبقى آثارها وتداعياتها ونتائجها مستمرة حتى بعد وفاة الإنسان، بل البعض من البشر تمتد آثار أعمالهم لأجيال، وهي محسوبة تضاف إلى سجل أعمالهم، {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى}- يقول الله “جلَّ شأنه”- {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ}[يس: من الآية12]، آثار الأعمال وما ترتب على تلك الأعمال، مسألة خطيرة جداً.

تقوم ملائكة الله في ساحة الحساب بتوزيع الكتب، عملية التوزيع نفسها، وعملية الاستلام، فيها بنفسها كذلك علامات، علامات الشقاء، وعلامات الفوز، الإنسان الذي هو مؤمن، وفائز، ومتقي لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وتحرَّك في هذه الحياة على أساس الاستجابة لله، والعمل الصالح، يؤتى كتابه بيمينه، ويستلم كتابه بيمينه، هذا بنفسه من علامات الفوز، من المبشِّرات التي يتلقاها الإنسان المؤمن، المتقي لله، وهو يلقى البشارات منذ لحظة بعثه، {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}[فصلت: من الآية30]، فاستلامه للكتاب بيمينه، من علامات فوزه؛ ولهذا يقول الله: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا}[الانشقاق: 7-8]، يتلقى التسهيلات حتى في عملية الحساب، بل عملية الحساب نفسها ستكون بالنسبة له سارة، يطَّلع على أعماله، يدرك أنَّه لم يضيع شيءٌ مما عمله من الأعمال الصالحة، يتجلَّى له إيجابياتها الكبيرة، نتائجها العظيمة، والإنسان حتى على مستوى العمل الصالح، أحياناً لا يستوعب الإنسان- مثلاً- أهمية أعمال معينة، مستوى تأثيرها، ما يترتب عليها من النتائج، ما يكتب الله له عليها من الأجر العظيم، ولكن لأنه وطَّن نفسه على الاستجابة العملية لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ولم يربط المسألة بتقديراته الشخصية، التي يدرك أنها قد لا تكون بالمستوى الذي يعوِّل عليه، بل لو عوَّل عليها؛ لحُرم من الكثير من الأعمال المهمة، فيتجلَّى له أيضاً أهمية الأعمال تلك، ونتائجها العظيمة، وما حظي عليها من الأجر العظيم، يشعر بالرضا والاطمئنان وهو يرى تلك الأعمال من الأعمال الصالحة، يستعرضها، ولربما أيضاً يكون الإنسان قد نسي حتى بعض الأعمال، فيراها وهي أعمال صالحة عظيمة، لها أجرها العظيم، يشعر بالرضا، وفي عملية الحساب، وبعد عملية الحساب، كما يقول في الآية المباركة: {وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا}[الانشقاق: الآية9].

فرحة الإنسان المتقي لله، المستجيب لله، المتمسك بهدى الله، الذي اتَّجه في مسيرة حياته على أساس الاتِّباع لهدى الله، والاستجابة لله، فرحة عظيمة جداً في تلك اللحظة، عندما يرى صحيفة أعماله، يرى أعماله، فيطمئن ويرتاح؛ ولهذا يقول الله “جلَّ شأنه”: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ}[الحاقة: الآية19]، حالة فوق ما نتخيل، وفوق ما نتصور من الفرح، من الاطمئنان، من السرور العظيم، وهو يرى أنَّ ما اطَّلع عليه من أعماله هي بشارات عظيمة جداً، {فَيَقُولُ هَاؤُمُ}، اقرأوا كتابيه، يقول للآخرين؛ لأنه في حالة اطمئنان، أعمال تبيِّض وجهه، أعمال يسر بها سروراً عظيماً، أعمال بها نجاته، بها فلاحه، بها فوزه، يعرف ما الذي وعد الله عليها من الجزاء العظيم.

{إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ}[الحاقة: الآية20]، يعني: كنت أستشعر في الدنيا مسألة الحساب، أحسب للحساب حسابه، أدرك أني سأحاسب؛ فأحرص على تجنب الأعمال السيئة، أبادر إلى التوبة النصوح من الزلات، أهتم بالأعمال الصالحات، أتوجه إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” على أساس تعليماته وتوجيهاته، أسارع في الأعمال التي ترضي الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، مسألة الاستشعار للحساب، مسألة التذكر للحساب، ترسيخ اليقين بالحساب، مسألة مهمة جداً، تساعد الإنسان على أن يحاسب نفسه في هذه الدنيا، يحاسب نفسه قبل حساب يوم القيامة، كما في الحديث النبوي: ((حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا))، فيتَّجه إلى محاسبة نفسه في هذه الدنيا، {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ}[الحاقة: الآية21].

أمَّا الحالة الأخرى، الحالة الخطيرة، والتي هي من علامات الشقاء: عندما يؤتى الإنسان بكتابه، يؤتى كتابه من وراء ظهره، ويستلمه بشماله، هذا من علامات الشقاء، وهي حالة رهيبة جداً، ولهذا يقول الله: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا}[الانشقاق: 10-12]، {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ}[الحاقة: 25-26]، حسرات رهيبة جداً، يرى أعماله، وكثير من الأعمال التي استهان بها، واستهتر بها، يرى آثارها ونتائجها الخطيرة جداً، كلما شاهد عملاً سيئاً من أعماله السيئة: إمَّا تجاوزاً لشيءٍ من نواهي الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، أو تفريطاً في أوامر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وتوجيهاته، وتعليماته؛ يتحسر، يزداد خوفاً، يدرك فداحة خسارته، يدرك أنه في ورطة رهيبة جداً، وليس له من خلاص، حالة رهيبة جداً؛ فلذلك يقلق، يرى أنَّ أعماله أحصيت، ليس هناك نسيانٌ لشيءٍ منها، {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا}[الكهف: من الآية49]؛ ولذلك حالة حسرة شديدة، وندم شديد جداً، إلى هذه الدرجة: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ}، يكره نفسه، يمقت نفسه، يدرك فظاعة ما عمل، سوء ما عمل، يتجلَّى له سوء ما عمل؛ لأن الإنسان في هذه الدنيا قد يستهتر بكثير من الأعمال، لا يستوعب خطورتها، نتائجها، سوئها، ما يترتب عليها، لا يعطي لنفسه التفكير أحياناً بالقدر الكافي حول مسائل مهمة، قضايا مهمة، أحداث مهمة، فيتعامل معها بتهاون، {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ}[الحاقة: الآية27]، فحسرته حسرة شديدة جداً، حسرة رهيبة، وليس له من مناص أبداً، لا يمكن أن يقول: [هناك اشتباه، أخطأتم في اسمي، هذا ليس كتابي، ليست هذه المشاهد مشاهد لأعمالي]… ولا أي شيء؛ لأنه ليس هناك أي خطأ أبداً، المسألة مضبوطة تماماً.

والإنسان في تلك الحالة الرهيبة جداً، مهما كانت تحسره لا يفيده شيئاً، {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}[الفجر: من الآية24]، يقولها بحسرة شديدة، بألم شديد، بحزن شديد، لكن دون أن تنفعه بشيء.

{يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ}[الزمر: من الآية56]، تحسر، وندم، وعذاب نفسي شديد، لكن تلك الحسرات والندم، وذلك العذاب الشديد، لن ينفعه بشيء؛ إنما يتحسر ويتألم باستمرار، هو مقدِّمة لعذاب نفسي أشد، مع العذاب الشامل في نار جهنم والعياذ بالله.

ليس هناك فرصة للإنسان، لا أحد يمكن أن يقدِّم له شيئاً، وينقذه، فلا أحد يملك شيئاً لنجاته وإنقاذه، ولا بيده أي شيء، وليس له من مجال ليقدم أي شيء، ولهذا يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا}[البقرة: من الآية48]، {لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا}، لا أحد يمكن أن يقدِّم لك هناك أي مساعدة، ولا أن ينفعك بشيء أبداً، {وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ}[البقرة: من الآية48]، فالفدية لا يمكن أن تفتدي نفسك بشيء، {وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ}[البقرة: من الآية48]، لا يمكنهم أن يمتنعوا آنذاك، وتتكتل مجاميعهم في ساحة المحشر، لتتجه في موقف موحد، وتدفع عن نفسها، الكل في حالة استسلام وعجز تام.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ}[البقرة: من الآية254]، لا يمكن أن تبيع فيه، في الدنيا قد تلجأ إذا نابتك نائبة، أو شدة، لبيع شيءٍ من أموالك، وتستفيد من تلك الأموال؛ فتدفع عن نفسك، أو تواجه تلك النائبة، هناك لا شيء، {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[البقرة: من الآية254]، لا أحد يحمل عنك شيئاً من وزرك، أو يخفف عنك شيئاً من ذنوبك، {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى}[فاطر: من الآية18]، حتى القريب، حتى الأم مع ولدها، أو الولد مع والده، أو أي قريبٍ لك، مهما كان إحسانك إليه في الدنيا، إذا كانت أعمالك حابطة، وكنت في يوم القيامة من الخاسرين، فلا أحد يمكن أن يعمل لك شيئاً، أو أن يخفف من وزرك.

من اتجه في طريق الغي، والهلاك، والخسران؛ إمَّا اتِّباعاً لمضلين، أو لهالكين وخاسرين، أو لقرين سوء، أيضاً لا يمكن أن ينفعه بشيء في ذلك اليوم، {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى}[فاطر: من الآية18].

{يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا}[الانفطار: من الآية19]، لا أحد يتعاطف معك، لا أحد يتعاطف معك آنذاك، {وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ}[الانفطار: من الآية19]، كل إنسان مشغول بنفسه أصلاً، {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}[عبس: 33-37]، هذا على مستوى الحساب الفردي، الشخصي، كل إنسان ملفه جاهز، وأعماله مثبَّتة؛ لأن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وهو الرقيب على عباده، ومع ذلك جعل في هذه الدنيا من ملائكته من يتولى عملية الرقابة الدائمة، والتوثيق المستمر لكل أعمال الإنسان، {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}[الانفطار: 10-12]، {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق: 17-18]، جُهِّزت كل تلك الملفات، وقُدِّمت في ساحة الحساب.

الحساب أيضاً على المستوى الجماعي للأمم والجماعات، التي كان يجمعها موقفٌ واحد، أو توجهٌ واحد، أو قضيةٌ واحدة، هناك حساب أيضاً في كل القضايا، في كل ما كانوا فيه يختلفون، {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ}[الإسراء: من الآية71]، كل أناس ممن جمعتهم قضية واحدة، أو اتجاه واحد، أو موقف واحد، يأتون بقائدهم، {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[الجاثية: الآية28]، في الحساب الجماعي أيضاً يتجلى أهمية التوجه الحق، الموقف الحق، الموقف الصحيح، إيجابية الاتجاه الصحيح في هذه الدنيا، الذي هو وفق تعليمات الله، وهدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

في الحساب الجماعي يُفصل بين العباد أيضاً في القضايا الجماعية، هناك قضايا على المستوى الشخصي، وهناك على المستوى الجماعي أيضاً، القضايا الكبرى تأتي حاضرة بثقلها، بأهميتها في ساحة الحساب، في ساحة الجزاء، الإنسان يأتي آنذاك ضمن أولئك الذين كان معهم في هذه الدنيا في تلك القضايا.

هناك يتجلَّى الانتصار الكبير أيضاً لرسل الله وأنبيائه، والمؤمنين الذين ساروا على نهجهم، وتمسَّكوا بهديهم، واتجهوا الاتجاه الصحيح على أساسٍ من هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وللمظلومين، تتجلَّى أيضاً الانتصاف للمظلومين من الظالمين، يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}[غافر: 51-52]، تتجلى حينها في الحساب، تتجلَّى أيضاً في نتائج الحساب: الأعمال، المواقف، والعواقب لها، والآثار للأعمال بشكلٍ رهيبٍ جداً.

نستكمل الحديث- إن شاء الله- في بقية مرحلة الحساب، والانتقال إلى دار الجزاء، أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار، في المحاضرة القادمة.

نَسْألُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّج عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.

وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: السماوات والأرض فی یوم القیامة فی هذه الدنیا الأعمال التی فی ذلک الیوم على المستوى من الأعمال الإنسان فی للإنسان أن لا یمکن أن من علامات من أعماله ى الإنسان لا یستطیع فی الحساب الإنسان ف فی الدنیا ت ع ال ى س ب ح ان ه لیس له من یمکن أن ی علیها من من الآیة على أساس لیس هناک من أعمال کل البشر کل إنسان فی حالة الذی هو فی لحظة ک ت اب ه من جدید نفسه فی ال أ ر ض لا أحد ن نفسه ما عمل ة الله فی تلک أی شیء

إقرأ أيضاً:

مرايا الوحي: المحاضرة الرمضانية (8) للسيد القائد 1446

 

(المحاضرة الرمضانية الثامنة)

استدراك :
ستظل شخصيات الدكتور أحمد ونجليه صلاح ومُنير تتواجد في جزئية محاضرات القصص القرآنية؛ لاتساقها مع موضوع المحاضرة وعدم تشتيت انتباه القارئ.

"الدكتور أحمد أستاذ الفقه المقارن في كلية العلوم الإسلامية بجامعة الجزائر.
أما نَجَلاه صلاح ومُنير، فيدرسان في كلية الطب بالجامعة ذاتها."

كان ثلاثتهم ينتظران محاضرة الليلة يتلقى منير اتصال من حازم ابن عمه يخبره انه قادم لمشاهدة المحاضرة.
انضم حازم اليهم مع بدء محاضرة الليلة :-
وصلنا بالأمس إلى قوله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" في قصة نبي الله إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَام"، في الآيات المباركة من (سورة الأنعام): {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[الأنعام:79].

كُنَّا بدأنا بالحديث عن هذه المفردة المهمة (حَنِيفاً)، وكيف أنها تكررت في الحديث عن نبي الله إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَام" في مقامات متعددة، وفي الحديث عن مقامات مشابهة،

{حَنيفًا} : اتِّجاهٍ للعبادة إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وانطلاقةٍ إيمانيةٍ باستمرار، وثبات، وإخلاص، ومحبة، وخضوع وخشوع لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، هذا هو روح الانطلاقة الإيمانية، المعبِّر عن حالة التسليم لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، والاستجابة لأمره برغبة، والالتزام بتعليماته وتوجيهاته بانطلاقة جادّة وصادقة.

يحمل الحرص في نفسه على الاستجابة لله، على الطاعة، على الانقياد التام.

{قَانتًا لِلَّهِ}: هذا يلفت نظرنا إلى واقعنا نحن في انطلاقتنا الإيمانية، كيف نحرص، وكيف نسعى إلى أن تكون انطلاقتنا الإيمانية مبنية على الاستجابة لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، والطاعة بخضوع وخشوع، بمحبة لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وأن نتخلص من العوائق في النفوس، التي تجعل الإنسان ينطلق انطلاقة متعثرة وهو مُكَبَّلٌ، ويخضع للتأثيرات السلبية التي تعيقه عن المبادرة، عن الاستجابة.

- لقد بدأ السيد عبدالملك محاضرة الليلة بشرح صفات" قانتاً "و" حنيفاً "

الإنسان إذا انطلق انطلاقةً صحيحة، يكفيه في ما ينطلق فيه من الأعمال، أن يكون فيه مرضات الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"؛ لأنه يحمل الحرص في نفسه على الاستجابة لله، على الطاعة، على الانقياد التام،

ولـذلك الحالة الأخرى المختلفة عن ذلك لدى البعض من الناس، قد ينطلق، حتى بعض انطلاقتهم إيمانية، لكنه ليس سريع الاستجابة، وليس متجهاً بدون عناء،

هذه الحالة حالة سلبية لدى الإنسان، حالة سلبية بكل ما تعنيه الكلمة، والحالة بالنسبة للعناد لدى الإنسان هي حالة ليست ايجابية أبداً؛ ولـذلك يصف الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" الجبابرة بالعناد في القرآن الكريم: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ}[إبراهيم:15]، (عَنِيدٍ): لا يتقبل الحق، فالبعض من الناس- فعلاً- لديه هذه الحالة النفسية، أنه في انطلاقته الإيمانية، ومتعب جداً، لا يتحرك إلا بعناء، لا يتفهم إلا بعناء، لا يستجيب إلا بعناء

- تلاحظ يا ابنائي كيف وضح السيد عبدالملك هذه الحالتين .

{وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[الأنعام:79]، وهذه براءةٌ أيضاً، هو تبرأ من الشرك، وتبرأ أيضاً من المشركين، وتحدثنا بالأمس عن أهمية البراءة، وفي طريق الإيمان، الإنسان مع إيمانه له موقف، موقفٌ من الباطل، من الضلال، من الكفر من الشرك

ثم ينظر الإنسان إلى الأمور في الحياة مثل نظرة البعض، وكأن المسألة وجهات نظر هنا وهنا وهنا، وجهة نظر عن الإيمان بالله، ثم وجهة نظر عن الكفر، والشرك، والفساد، والطغيان، والإجرام، والكفر، وسابر كله سابر، لا، ليست المسألة كذلك، لابدَّ أن يكون الإنسان موقفٌ.

- فعلاً كما قال السيد عبدالملك ان هذا درسٌ مهمٌ جداً؛ لأنه يمثل الروح للانطلاقة الإيمانية، كيف تكون بهذا المستوى: انطلاقة سليمة من العوائق السلبية.

هذه البراءة من الشرك، من المشركين، عبَّر عنها القرآن الكريم في مقامات أخرى، فنبي الله إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَام" هو أيضاً رمزٌ وقدوةٌ في البراءة، في البراءة من أعداء الله، {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}[الممتحنة:4]، فالله قدَّم لنا نبيه إبراهيم في القرآن الكريم على أنه رمزٌ للبراءة من أعداء الله،
فعندما يحاول الأمريكي والإسرائيلي، ومن يدور في فلكهم من عملائهم الموالين لهم من العرب، أن يقدِّموه رمزاً للتطبيع والولاء لأعداء الله، فهذا إساءةٌ كبيرةٌ إليه، وتناقضٌ تامٌ مع الحقيقة التي أكَّد الله عليها في القرآن الكريم،

بعد هذا العرض، وبعد هذا الإعلان للموقف، الذي هو يوجِّه أيضاً دعوة ضمنية لهم، يعني: هو يعبِّر عن موقفه هو، عن ايمانه، عن توحيده لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ويتضمن في معناه وفي فحواه الدعوة الصريحة لهم: إلى ترك ما هم عليه من الشرك، وإلى التوحيد لله والإيمان به "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"

- نلاحظ كيف قدم السيد عبدالملك هذه الجزئية المتدرجة لموقف نبي الله ابراهيم عليه السلام ضمن تدرج هدايته لقومه .

كيف كانت ردة فعل قومه بعد هذا؟
ردة فعلهم تدل على أنه نجح- فعلاً- في لفت نظرهم إلى الحقيقة المهمة، في أن الكمال لله وحده، وفي نقص معبوداتهم المزيفة التي يسمونها بالآلهة عن مقام الألوهية، ونجح بأسلوبٍ مناسب،

ردة فعلهم لم تكن بمستوى سخط كبير جداً، أو عقدة شديدة؛ لأن الأسلوب بنفسه، والبداية كانت بداية موفَّقة، بداية قدَّم نفسه فيها في صورة الباحث عن الحقيقة، كانت الدعوة فيها لهم دعوة ضمنية، بلفت أنظارهم إلى الموضوع، كان التصور بالنسبة لهم أنه يُعبِّر عن موقفه الشخصي، وتوجهه الشخصي .

عموماً، عبَّر القرآن الكريم عن ردة فعلهم بقول الله تعالى: {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ}[الأنعام:80]، يعني: اتَّجهوا إلى أن يجادلوه في موضوع التوحيد، وموقفه من الشرك، وبالتأكيد أنهم لا يمتلكون الحجج، لا يمتلكون الحجج، ليس لديهم الأدلة التي يمكن أن تصمد في مقابل ما قدَّمه هو من الحجة والبرهان.
{قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ}[الأنعام:80]، هو هنا يلفت نظرهم إلى خطئهم الكبير في الجدال في الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"؛ لأن مسألة ادِّعاء الربوبية لغير الله تعالى والألوهية، فيه إساءةٌ إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"؛ لأن الله ليس له ندٌ ولا كفؤٌ، وهو "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" مُقَدَّس، مُعَظَّم، مُنَزَّه عن الند والشريك، لا يحتاج إلى معاون؛

- يواصل السيد عبدالملك شرح هذه الايات الكريمة بطريقة متفردة .. هكذا تحدث الدكتور احمد .

هنا كما لفتنا النظر سابقا: أن الإنسان في معتقداته الدينية، في توجهه الديني، يجب أن يكون معتمداً على هدى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"

فالعبارة نستفيد منها أيضاً في قوله: {وَقَدْ هَدَانِ}[الأنعام:80]، الاعتزاز بالهدى، وإدراك قيمة الهدى، وعظمة أن تكون في طريق الهدى، وهذه مسألة مهمة جداً للإنسان، حينما يوفِّقك الله سبحانه و تعالى أن تكون في طريق الهدى، فاعرف قيمة، وعظمة، وأهمية ما أنت فيه، ونعمة الله عليك،

- ما اعظم هذه الجزئية كما اخبرنا السيد عبدالملك ان الانسان عندما يكون في طريق الهدية فعليه ان يعرف قيمة وعظمة هذه النعمة .

هم فشلوا في مسألة الاحتياج؛ لأنهم لا يمتلكون حجةً من الأساس، يعني: المسألة بالنسبة لهم استناد إلى عاداتهم، إلى تقاليدهم، إلى أشياء لا تمثل- بنفسها- حجةً لهم فيما هم عليه من الباطل، فانتقلوا من مسألة الاحتجاج إلى العامل النفسي؛ بهدف التأثير بالتخويف من الأصنام؛ لأنهم لا يمتلكون حجةً مقنعة، حجةً من الأساس يعني، اتَّجهوا إلى العامل النفسي؛ بهدف التأثير بالتخويف من الأصنام

فهو رد عليهم بطريقة حاسمة وحكيمة، ومهتدية في نفس الوقت: {وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ}[الأنعام:80]، ولا أخاف ما تشركون به، لا أخاف في مقابل حملة التخويف التي استخدموها معه، وأسلوب التخويف هو أسلوب يعتمده أهل الباطل حتى لو قد اتضح باطلهم

- عندما فشلوا في محاججته اتجهوا لترهيبه نفسياً فكان هذا موقفه كما اوضحه السيد عبدالملك .. هكذا تحدث منير

هو في البداية يقول لهم: {وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا}[الأنعام:80]، هذا الاستثناء يأتي في حديث الأنبياء، ومع أكثر من نبيٍ في القرآن الكريم، وهو استثناء مهم جداً، يعني: هم لا ينطلقون من منطلقات شخصية في مواقفهم، وحتى المقام هنا ليس في مقام الاعتماد على النفس، يعني: بالاعتماد على نفسي، لا أخاف ما تشركون به، معتمداً على نفسي، على قوتي، على قدرتي، ليس كذلك، الأنبياء يحرصون على أن يربطوا موقفهم بالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وأن يشدَّوا الناس إلى الله "جَلَّ شَأنُهُ"، وأن يترفعوا عن الاعتبارات الشخصية، والمواقف الشخصية، وهذه مسألة مهمة جداً.
هو هنا يُعبِّر عن أنه ينطلق عبداً لله، مسلماً نفسه لله، وأن الأمر كله لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ويعبِّر عن توكله على الله، وتسليمه لأمر الله، فيشبه ما ذكره الله في تعليماته لنا في القرآن الكريم لنبيه وللمؤمنين: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا}[التوبة:51]؛ لـذلك هذا المنطق مهم جداً: {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا}[الأنعام:80]: يعني: لن يأتي شيءٌ من جهة الأعداء لا يعلمه الله، هو الواسع علماً، المحيط علماً بكل شيء، فأنا مخلصٌ له، ومهتدٍ بهدية، ومؤمن به وحده، وأعلم أنه بكل شيء عليم، فلن يحصل شيءٌ يضرني في وقتٍ يكون الله غير عالمٍ به، فهو الذي لا يخفى عليه شيءٌ، وأنا أستند إلى رعايته تعالى، وأُسلِّم أمري له "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، فإذا اتى شيءٌ بعلم الله، فليكن ما كان، يُعبِّر عن ثقته بالله، عن التجائه إلى الله، عن اعتماده على الله، عن توكله على الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".

- الله ما اعظم طرح السيد اليمني لهذه النقطة المهمة ... هكذا تحدث حازم

{أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ}[الأنعام:80]، وهو هنا بعد أن ذكَّرهم بالحق، لفت نظرهم إلى الحقيقة، إلى ما كانوا غافلين عنه، جاهلين به، والمفترض بالإنسان في مثل هذه الحالة أن يتفاعل، بالتقبُّل، بالاستجابة، عندما يكون الإنسان في الاتِّجاه الخطأ، وأتى من يُذكِّره، ومن يلفت نظره، ومن ينبهه، فالاتِّجاه الصحيح للإنسان الذي يدل على الرشد، يدل على الإنصاف، هو: أن يتفاعل إيجاباً، أن يتقبَّل؛ بينما إذا كان الإنسان مُتبلِّد الذهن، ومعقَّد النفس، لا ينفع فيه أن يُذَكَّر، تُعرَض له الحقائق، تُعرَض له البراهين، تُقدَّم له الحجج، لا ينفع معه شيء، مهما كانت الحجة، مهما كان وضوح الحق، مهما كان وضوح الحقيقة، يبقى معانداً لا يتفاعل؛ لأنه مقفل الذهن، متبلد الذهن،

{وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ}[الأنعام:81]، يستمر في مخاطبتهم تجاه مسألة التخويف، التي حاولوا أن يؤثِّروا عليه بها، {وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[الأنعام:81]، هنا قدَّم مقارنة مهمة جداً: (كَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ): الأصنام التي تنحتونها أنتم، لا تملك شيئاً، لا حياةً، ولا نفعاً، ولا ضراً، ولا أي شيء، وليس لها أي قدرة، هل أخاف منها؛ لأنكم منحتموها أنتم وسام الألوهية كصفة زائفة، ليس لها أي حقيقة في الواقع، اسم فقط، اسم ليس له حقيقة ولا واقع.
{وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا}[الأنعام:81]، يعني: أنتم المذنبون، أنتم الذين يجب أن تخافوا من ذنب شرككم بالله تعالى، فأنتم تُقِرُّون بالله، وَتُقِرُّون بقدرته على كل شيء، وأنه الذي فطر السماوات والأرض، وعلى كل شيءٍ قدير، ونؤمن جميعاً نحن وأنتم به؛ إذاً يجب أن تخافوا أنتم؛ لأنكم أنتم المذنبون ذنبًا خطيرًا جداً، وأنتم في مقام المؤاخذة الإلهية، في مقام العقوبة الإلهية، أنتم في الموقف الخطر جداً، يعني: في الذنب، الذي هو ذنب خطير على الإنسان، من حيث المؤاخذة من الله، من حيث العقوبة من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، من حيث أنه يصبح في مشكلة مع الله "جَلَّ شَأنُهُ"، فأنتم الذين يجب أن تخافوا أنكم أشركتم بالله.
{مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا}[الأنعام:81]، وهذا كما نَبَّهْنا في كل المواطن الماضية: أن المستند والأساس في المعتقدات الدينية هو ما ثبت أنه من الله، بالحجة، وبالبرهان، وليس بالشبه وبالادِّعاءات الفارغة، بالحجة وبالبرهان؛ ولـذلك يجب أن يكون الإنسان متنبهاً لهذه المسألة، إيمانك يكون مبنياً في مبادئه، في أسسه، في عقائدك الدينية، على أساس ما هو من الله، من هدى الله، ببرهانٍ واضح، بدليلٍ واضح من هدى الله "جَلَّ شَأنُهُ"

وأن يكون الإنسان حذراً من الآراء الباطلة، والزخارف الزائفة، والخرافات التي باسم أنها من دين الله وليست من دين الله؛ لأن هناك من يفترون على الله الكذب، هناك من يزخرفون زخارف القول؛ للإقناع بالباطل، فئات ضالَّة، أهل الضلال، ينشطون في التضليل للناس، اليهود في هذا العصر لهم نشاط هائل، ويركِّزون على الاختراق الفكري، والثقافي، والعقائدي، ولهم ناشطون، كُتَّاب يكتبون في مواقع التواصل وغيرها، في شبكة الإنترنت، في القنوات الفضائية التي هي منابر للضلال، وتستخدم للضلال من قِبَلِهِم، القنوات التابعة للمضلين.

- هل استمعهم كيف قدم السيد عبدالملك هذه المقارنة الابراهيمية مع قومه كما وردت بالقرآن الكريم وشرحها السيد عبدالملك محذرا من اهل الضلال .
فهو هنا يُنَبِّه على هذه الحقيقة: {أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا}[الأنعام:81]، يعني: ليس لكم مستندٌ في باطلكم من الله، ليس هناك حجة، ليس هناك برهان، لا هدى من الله، ولا كتاب من كتب الله، تستندون إليه فيما قمتم به، فيما وصلتم إليه من الانحراف بالشرك بالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".
{فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[الأنعام:81]، من الذي هو آمن، ويستحق أن يقال له: هو آمن، {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}؟ والفريقان في الآية، حين قال: {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ}: فريق من آمن بالله، وأخلص له، إيماناً سليماً من الشوائب، والفريق الآخر: الفريق الذي أشرك بالله لم يُنزِّل به سلطاناً، {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[الأنعام:81]، يعني: تفهمون الأشياء برؤية واضحة من خلال المقارنة.
المقارنة في موضوع التخويف درسٌ مهمٌ جداً، من أحوج ما نحتاج إليه في هذا الزمن؛ لأن من أكثر ما يركِّز عليه الطغاة والمجرمون، والضالون، والمضلون، والمنافقون، كل فئات أولياء الشيطان، هو: التخويف، وكل القائمة التي يخوفون منها هي في قائمة: {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ}[الزمر:36]، يخوفونك بأمريكا، بما تمتلكه أمريكا من قوات عسكرية، وقدرات عسكرية، بما تقوم به من ضغوط اقتصادية... وغير ذلك، ويؤثِّر التخويف على الكثير من الناس، يعتبر التخويف من أكثر العوامل المؤثِّرة على الكثير من الناس.
يعني: ربما لو نتأمل في واقع أمتنا الإسلامية، كيف تتعامل مع قضايا واضحة، الحق فيها واضحٌ تماماً، ليس هناك التباس لدى الناس فيها، مثل: القضية الفلسطينية، والمظلومية الفلسطينية، مظلومية الشعب الفلسطيني، وهذا التخاذل في واقع الأمة، أكبر سببٍ فيه لدى الكثير، لدى الكثير، هو الخوف، لم يتحركوا، لم يجرؤوا أن يكون لهم موقف؛ خوفاً من أمريكا، على مستوى الحكومات والأنظمة، وكذلك خوفاً من الحكومات والأنظمة على مستوى الكثير من الشعوب، وهذه إشكالية خطيرة على الناس؛ لأنها ليست منجية، يعني: ما يخاف منه الناس، وبالتالي يتنصلون عن مسؤولياتهم الإيمانية والدينية، هم يسببون لأنفسهم من سخط الله، وغضب الله، وعذاب الله، ما هو الشيء الذي يجب أن يخافوا منه فعلاً، وما لا يُقارن، ما يخافون منه، وقد تخلُّوا عن ذلك بسببه، يعني: عندما يخافون من أمريكا- مثلاً- من قدراتها العسكرية، ما هي قدرات أمريكا العسكرية في مقابل عذاب بالله وسخط بالله، في مقابل لحظة واحدة من جهنم، عذاب بالله في الدنيا والآخرة؟ لا شيء، أو في مقابل ما بحوزة إسرائيل من قدرات للقتل والبطش والجبروت؟ كذلك لا يساوي ساعة واحدة في نار جهنم، ولا لحظة واحدة في نار جهنم.
ولـذلك يجب أن يكون الإنسان واعياً، يعني: حتى بحساب الخوف، بحساب الخوف، ما هو الذي يجب أن أخاف منه؟ أين هو الخطر الأكبر؟ أين هو الضرر الأشد، الذي يجب أن أحسب حسابه: ما يأتيني من جانب الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، إن عصيته، إن فرَّطت في مسؤولياتي، إن تنصلت عن واجباتي، إن خالفت هدى الله وتعليماته؛ أو ما يأتيني من جهة الناس؟ ما يأتي من جهة الناس هو لا شيء في مقابل عذاب الله وسخط الله.
ولـذلك يجب أن يكون المعيار في مسألة ما يجب أن نخاف منه، يجب أن يكون المعيار معيار القرآن الكريم، فأولئك الذين اتَّجهوا من أبناء هذه الأمة للخضوع لأمريكا، وطاعتها، والولاء لها، وتقديم الدعم لها (المال)، والطاعة لها؛ هُمْ ابتعدوا عن الله، أصبحوا في واقعهم يعتبرون أمريكا وكأنها أكبر من الله "
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وكأنها نِدٌ لله "جَلَّ شَأنُهُ"، هُمْ في الموقف الخطير على أنفسهم من عذاب الله، ومن سخط الله "جَلَّ شَأنُهُ"؛ لأنهم بخضوعهم لأمريكا يدعمون الباطل، يقفون مع الباطل، يخدمون الباطل، يُتيحون المجال للظلم، للإجرام.
أكبر عامل استفادت منه إسرائيل، في عدوانها على الشعب الفلسطيني، هو: تخاذل الأمة، أمكن لها أن تفعل ما تفعل، بذلك المستوى من الوحشية والإجرام والطغيان.
الآن، على مستوى أكبر، ومستوى يُعبِّر عن المبادئ والدين، ما الذي يعيق أكثر الأمة عن الاتِّجاه وفق هدى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، أن يكون لهم الموقف القرآني، أن يتحركوا وفق توجيهات الله "جَلَّ شَأنُهُ"؟ هو الخوف، مؤثرٌ عليهم إلى درجة كبيرة جداً؛ ولـذلك يجب أن يكون هناك تذكير بهذه المقارنة، وترسيخ لها؛ لأنها سَتُمثِّل علاجاً وحلاً لهذه العقدة، لمن يتذكر، لمن يتفهم: من هو في الموقف الأقوى: من يعتمد على الله، ويتوكل عليه، ويعتمد على نصره وتأييده، أو من باءوا بغضبٍ من الله، وسخطٍ من الله، ولهم الوعيد الشديد في القرآن الكريم توعدهم الله به، ومن يواليهم؟
{إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[الأنعام:81]، أنت عندما تخاف من عذاب الله، وتتَّجه لما يقيك من عذابه؛ فأنت أولاً ستأمن من عذابه، والله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" هو قادرٌ أيضاً على أن يُؤمِّنك من ضُرِّ الآخرين، ونجد الدرس العظيم في قصة نبي الله إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَام"، كما سيأتي في مقامات أخرى، حاولوا حتى أن يحرقوه بالنار، لكنهم فشلوا في ذلك؛ ولـذلك هذه المقارنة مهمة جداً.
نكتفي بهذا المقدار.
- انتهت المحاضرة ولان الجزئية الاخيرة كانت مرتبطة ببعضها البعض فلم يعقب اربعتهم عليها ونشرناها كاملة لاهميتها وعدم اجتزاءها لكي لا تضيع فكرة هذه الجزئية .

مقالات مشابهة

  • المحاضرة الرمضانية التاسعة للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي (نص + فيديو)
  • (نص + فيديو) المحاضرة الرمضانية التاسعة للسيد القائد 1446هـ
  • نص المحاضرة الرمضانية التاسعة للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 1446هـ
  • (نص) المحاضرة الرمضانية الـ8 للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي
  • (نص + فيديو) المحاضرة الرمضانية الثامنة للسيد القائد 1446هـ
  • نص المحاضرة الرمضانية الثامنة للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 1446هـ
  • مرايا الوحي: المحاضرة الرمضانية (8) للسيد القائد 1446
  • شاهد| المحاضرة الرمضانية الثامنة للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي (فيديو)
  • نص المحاضرة الرمضانية السابعة للسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي 1446هـ
  • شاهد| المحاضرة الرمضانية السابعة للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي (فيديو)