في الوقت الذي تكافح فيه هايتي مع تصاعد العنف والاضطرابات السياسية، قوبل اقتراح تشكيل مجلس انتقالي لحكم البلاد بعد استقالة رئيس الوزراء أرييل هنري بالتشكيك. ووفقا لتحليل  بيتر بومونت، في الجارديان البريطانية،  فإن الوجوه المألوفة التي تتنافس على السلطة في دولة تعاني من تاريخ من عدم الاستقرار السياسي تنذر بمستقبل مضطرب.

بعد استقالة هنري وسط انتفاضة العصابات العنيفة، أثارت مشاهد الاضطرابات المخاوف بشأن مستقبل هايتي. ويواجه المجلس الانتقالي المقترح، الذي كان يُنظر إليه في السابق على أنه حل محتمل، تحديات حيث تتنافس الشخصيات الرئيسية على النفوذ. وتمثل هذه الشخصيات الأحزاب السياسية والائتلافات والنخبة الأوليغارشية، مما يسلط الضوء على ديناميكيات السلطة الراسخة داخل البلاد.

شهد تاريخ هايتي الحافل بالاضطرابات السياسية، والذي يعود تاريخه إلى سقوط دكتاتورية فرانسوا دوفالييه في عام 1986، سلسلة متتالية من الانقلابات، والحكومات الانتقالية، والقيادة غير الفعّالة. ويزيد تورط العصابات المسلحة في المناورات السياسية من تعقيد الوضع. وحتى في الوقت الذي تسعى فيه الجهود الدولية إلى تحقيق الاستقرار، فإن التهديد بالعنف لا يزال يلوح في الأفق.

يتمتع اللاعبون الرئيسيون في المشهد السياسي في هايتي، مثل مويس جان تشارلز وغي فيليب، بعلاقات تاريخية مع الانقلابات والتحالفات والمصالح التجارية. ويسلط رفض فيليب الأخير للمجلس الانتقالي المقترح الضوء على التحدي المتمثل في توحيد الفصائل المتباينة في إطار حكم واحد.

وكان الدور الذي لعبه التدخل الأجنبي، وخاصة من جانب الولايات المتحدة، كبيراً في تشكيل المسار السياسي في هايتي. ومع ذلك، ظهرت انتقادات بشأن الافتقار إلى الشفافية في المفاوضات الأخيرة والمخاوف من أن الدعم الأجنبي قد يؤدي إلى إدامة هياكل السلطة القائمة بدلاً من تعزيز التغيير الحقيقي.

وبينما يتركز الاهتمام الدولي على تحقيق الاستقرار في هايتي من خلال التدخلات والترتيبات الانتقالية، فإن القضايا الأساسية المتعلقة بالتمثيل السياسي والمساءلة لا تزال قائمة. وقد سمح غياب مؤسسات الدولة الفعالة للعصابات بملء الفراغ، الأمر الذي أدى إلى المزيد من تهميش مواطني هايتي العاديين عن العملية السياسية.

وبينما تقف هايتي عند منعطف حرج، فإن الطريق إلى الأمام يظل غير مؤكد. وبينما تُبذل الجهود للتغلب على الأزمة المباشرة، فإن معالجة القضايا النظامية المتعلقة بالحكم والشمولية ستكون ضرورية لبناء مستقبل أكثر استقرارا وإنصافا لشعب هايتي.

المصدر: صدى البلد

إقرأ أيضاً:

تحليل.. ذوبان القطب الشمالي يعيد رسم العلاقات الدولية

أكد الباحث المستقل أحمد إبراهيم أن القطب الشمالي لم يعد تلك المنطقة المتجمدة النائية كما كان في السابق. فمع ذوبان الجليد، تتصاعد المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية والاستراتيجية. أصبحت المنطقة الغنية بالموارد الطبيعية المحيطية مثل النفط والغاز والأسماك والمعادن الأرضية النادرة نقطة محورية لاهتمام القوى العالمية. وتستعد البلدان لمنافسة مكثفة على مواردها وطرق الشحن.

بإمكان طريق الحرير القطبي، إذا تم تشغيله، أن يقلل بشكل كبير من مسافات الشحن بين الصين وأوروبا

من شنغهاي إلى روتردام

كتب إبراهيم في منصة "مودرن دبلوماسي" أن القطب الشمالي يحتوي على احتياطات هائلة غير مستغلة من الموارد الطبيعية. أصبحت غرينلاند مشهورة بمعادنها الأرضية النادرة، في حين تعد سيبيريا كنزاً كبيراً من إمدادات الطاقة. تجذب هذه الأصول الانتباه بشكل متزايد، وبخاصة من الدول ذات المصالح الخاصة بتأمين الموارد غير المستغلة وتنويع طرق التجارة.

‘The land is tearing itself apart’: life on a collapsing Arctic isle. On #Qikiqtaruk, off #Canada, researchers at the frontier of #climatechange are seeing its rich ecology slide into the sea as the melting permafrost leaves little behind https://t.co/uyDQa5MiCP pic.twitter.com/KqcoRkh6L6

— MIX (@mixdevil66) November 21, 2024

بالنسبة إلى الصين، إن إمكانات طريق الحرير القطبية، كجزء من مبادرة الحزام والطريق، تحمل جاذبية اقتصادية واستراتيجية. بإمكان طريق الحرير القطبي، إذا تم تشغيله، أن يقلل بشكل كبير من مسافات الشحن بين الصين وأوروبا. إن الرحلة من شنغهاي إلى روتردام عبر طريق القطب الشمالي أقصر بنحو 6400 كيلومتر من الطرق التقليدية عبر مضيق ملقا وقناة السويس، وهذا يعني توفيراً كبيراً في الوقت والتكلفة، مما يقلل من رحلة تستغرق 48 يوماً إلى نحو 35 يوماً.


التحديات

إن الاضطرابات الأخيرة في طرق التجارة التقليدية – مثل تلك الناجمة عن هجمات المتمردين الحوثيين على السفن البحرية التجارية في البحر الأحمر – تسلط الضوء على القيمة المحتملة للشحن في القطب الشمالي. بالرغم من هذه الحوافز، لا تزال حركة المرور على طول طريق البحر الشمالي ضئيلة. في 2023، تمكن طريق البحر الشمالي الروسي من نقل 34 مليون طن من البضائع، وهو جزء ضئيل مما يزيد على مليار طن مرت عبر مضيق ملقا في السنة نفسها. لم تجرؤ سوى حفنة من السفن غير الروسية على عبور مياه القطب الشمالي، مما يسلط الضوء على التحديات اللوجستية والبيئية والسياسية في المنطقة.

Thanks to @NATO_CCASCOE for hosting us this afternoon to explore why climate change is such a critical security issue both setting our geopolitical context and our operational effectiveness - nowhere more so than in Canada’s Arctic which is warming 4x faster than average. pic.twitter.com/ZkCVWF9fer

— David Prodger (@DaveProdgerFCO) November 23, 2024

لا تزال الملاحة في القطب الشمالي محفوفة بالمخاطر. بالرغم من ذوبان الجليد، تصبح ظروف الإبحار أقل قابلية للتنبؤ بسبب كتل الجليد العائمة والطقس المتطرف والظلام المطول خلال أشهر الشتاء. وتتطلب السفن هياكل معززة لتحمل الاصطدامات الجليدية، وتفتقر المنطقة إلى البنية الأساسية القوية اللازمة للشحن التجاري.

يؤكد الخبراء أن المخاطر تفوق الفوائد. قد يثبت وقوع حادث مشابه لقناة السويس في القطب الشمالي، مثل جنوح سفينة كبيرة، أنه كارثي، الأمر الذي يترك الطواقم عالقة في عزلة جليدية. بالإضافة إلى ذلك، تعمل قدرات الدوريات والإنقاذ المحدودة لروسيا على تكثيف هذه المخاطر.


تأثير حرب أوكرانيا

ليس القطب الشمالي مجرد ساحة معركة اقتصادية بل هو مسرح لمنافسة استراتيجية متنامية. في أعقاب غزو روسيا لأوكرانيا، قام مجلس القطب الشمالي – وهو هيئة تنسق التعاون الإقليمي بين ثماني دول في القطب الشمالي – بتهميش موسكو إلى حد كبير. وقد أدى هذا إلى إضعاف مكانة روسيا الدبلوماسية، بخاصة أن جميع أعضاء مجلس القطب الشمالي الآخرين هم دول في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
إن انضمام السويد وفنلندا الأخير إلى حلف الناتو يزيد من تغيير التوازن ضد روسيا، مما يعزز الوجود العسكري للحلف في المنطقة. لقد أظهر الناتو استعداده للقطب الشمالي من خلال تدريبات مثل "الاستجابة الشمالية" التي شارك فيها آلاف الجنود من النرويج والسويد وفنلندا. في الوقت نفسه، كان الوجود العسكري الروسي في القطب الشمالي، بالرغم من أهميته، مجهداً بسبب حربها في أوكرانيا، مع إعادة توجيه الموارد الحيوية إلى الخطوط الأمامية.


حذر روسي 

حتى الصين، وهي دولة خارج القطب الشمالي من حيث الجغرافيا، أعلنت نفسها "دولة قريبة من القطب الشمالي". إن طموحات بكين، كما هو موضح في ورقتها البيضاء حول القطب الشمالي، تتلخص في شقين: تأمين الوصول إلى موارد القطب الشمالي واستغلال ممرات الشحن الناشئة. مع ذلك، تظل روسيا حذرة بشأن تجاوز الصين لهيمنتها في القطب الشمالي. وفي حين تسمح موسكو بمشاركة صينية محدودة في مشاريع الطاقة، هي تفرض ضوابط صارمة، بما في ذلك رسوم العبور ومتطلبات الإرشاد للسفن الصينية. 
بالرغم من شراكتهما ضد الهيمنة الغربية، تحتضن روسيا والصين طموحات متضاربة في القطب الشمالي. يمثل القطب الشمالي جزءاً كبيراً من الناتج المحلي الإجمالي والصادرات الروسية، مما يجعله أولوية قصوى لموسكو. تمتلك روسيا حالياً أكبر أسطول من كاسحات الجليد. وبجانب كاسحات الجليد التقليدية التي تعمل بالطاقة التقليدية، تعد روسيا الدولة الوحيدة التي تشغل كاسحات جليد تعمل بالطاقة النووية.
وتعتبر كاسحات الجليد مهمة لشق الطريق، وبخاصة في فصول الشتاء عندما يمكن للجليد المتجمد أن يعيق عبور السفن التجارية. وتنظر روسيا إلى التطلعات الصينية في القطب الشمالي بعين الريبة، يتضح هذا من ترددها في منح الصين حق الوصول التفضيلي إلى موانئ القطب الشمالي أو السماح للصين بامتلاك حصص أغلبية في مشاريع الطاقة الاستراتيجية.
ومن ناحية أخرى، تتبنى الصين نهجاً طويل الأجل. فهي تستثمر بكثافة في أبحاث القطب الشمالي وتطوير تقنيات الشحن القطبي وكسر الجليد واستخراج الموارد. ومن خلال توسيع قدراتها التكنولوجية، تعمل الصين على وضع نفسها للاستفادة من إمكانات القطب الشمالي في العقود المقبلة. مع ذلك، إن خطاب بكين حول طريق الحرير القطبي هدأ خلال السنوات الأخيرة، مما يعكس التحديات اللوجستية والجيوسياسية التي يفرضها هذا الطريق.


أمريكا تحاول اللحاق

يظل القطب الشمالي أحد المناطق البحرية القليلة التي لا تهيمن عليها البحرية الأمريكية. وقد أثار هذا مخاوف بين خبراء الاستراتيجية الدفاعية الأمريكيين بشأن النفوذ المتزايد لروسيا والصين.
وتدرك الولايات المتحدة تدريجياً الأهمية الاستراتيجية للقطب الشمالي. وفي حين تتخلف قدرات كاسحات الجليد الأمريكية عن قدرات روسيا، تبقى الجهود جارية لتعزيز الجاهزية العسكرية للقطب الشمالي. كما أن نتيجة حرب أوكرانيا سوف تخلف آثاراً كبيرة على الجغرافيا السياسية للقطب الشمالي. فقد تكافح روسيا ضعيفة للحفاظ على هيمنتها في المنطقة، مما يفتح الباب أمام زيادة المنافسة بين القوى العالمية.
يظل مستقبل القطب الشمالي طريقاً غير مؤكدة للتجارة. في حين يفتح الجليد الذائب نظرياً إمكانات جديدة، إن التحديات العملية التي تتراوح بين الظروف القاسية والتوترات الجيوسياسية تحد من حيويته. ويرجح الكاتب أن تتوقف تنمية المنطقة على الاختراقات في التكنولوجيا والتحولات في توازن القوى العالمي والأطر التعاونية لاستخراج الموارد المستدامة.


المخاطر مرتفعة

بالرغم من العقبات الحالية، تظل منطقة القطب الشمالي منطقة ذات إمكانات هائلة. فبالنسبة إلى روسيا، تشكل المنطقة شريان حياة للحفاظ على الأهمية الجيوسياسية. وبالنسبة إلى الصين، تشكل المنطقة حدوداً استراتيجية لتأمين الموارد وتنويع طرق التجارة. وبالنسبة إلى الولايات المتحدة والناتو، تشكل المنطقة مسرحاً لمواجهة النفوذ الاستبدادي المتزايد. وربما لا تضاهي منطقة القطب الشمالي قناة السويس أو مضيق ملقا كشريان للتجارة العالمية، ولكن المنافسة البطيئة الصامتة تحت جليدها الذائب تعيد تشكيل ملامح العلاقات الدولية. وفي هذا المسرح من الأحلام المجمدة والطموحات المحمومة، تكون المخاطر عالية بمقدار انخفاض القمم الجليدية القطبية.
 

مقالات مشابهة

  • اليونيسف: ارتفاع عدد الأطفال المجندين لدى العصابات في هايتي
  • مهرجان الجمال في إزمير يعيد إحياء التراث التقليدي
  • حزب الله يعيد تفعيل معادلة بيروت مقابل تل أبيب
  • عضو السياسي الأعلى السامعي يطلع على سير العمل في إدارة شرطة مرور تعز
  • مستقبل وطن: رفع 716 اسما من قوائم الإرهاب يعزز الاستقرار السياسي والاجتماعي
  • تحليل.. ذوبان القطب الشمالي يعيد رسم العلاقات الدولية
  • الحل الطبيعي لتساقط الشعر.. حل يعيد لشعرك قوته ولمعانه
  • تصريحات ماكرون تشعل الغضب في هايتي وتضع باريس في موقف محرج
  • أسعار النفط تسجل مكاسب أسبوعية وسط تصاعد الاضطرابات السياسية
  • انتخابات البلديات في ليبيا: إحراج للنخب السياسية وإثبات للقدرة على النجاح