يعيش واحد من كل 10 أشخاص حول العالم على بعد 100 كيلومتر من بركان نشط، لذلك من المهم معرفة لماذا يثور البركان؟ وكيف يتطور ثورانه؟ ومتى سينتهي؟ وكيف يمكن التنبؤ بذلك؟

وقد توصلت دراسة حديثة للإجابة عن هذه الأسئلة، بفضل استخدام تقنية الليزر لقراءة التركيب الكيميائي للصهارة، وتأثير هذا الأخير على سيولتها وانفجارها ومستوى خطورتها أيضا.

وركزت الدراسة -التي نشرت في الخامس من يوليو/ تموز الجاري في دورية "ساينس أدفانسز" (Science Advances) على تحليل التركيب الكيميائي للصهارة، وهي عبارة عن مزيج من المواد المنصهرة الموجودة في أعماق سطح الأرض تمتاز بحرارتها المرتفعة، تخرج عبر ثقوب أو تشققات القشرة، محدثة ثورات بركانية فتتدفق إلى سطح الأرض في شكل حمم بركانية.

قام الفريق بتحليل الجسيمات المولدة بالليزر لتحديد التركيب الكيميائي للمصفوفة البركانية (تيريزا أوبايد-جامعة كونزلاند) الصهارة "شفرة البراكين"

تتكون الصهارة من سائل يُعرف باسم "الذوبان" وغاز وبلورات تكبر مع انخفاض درجة حرارة الصهارة أثناء انتقالها إلى سطح الأرض. فعند انفجار الصهارة لتتحول إلى حمم بركانية، تطلق غازا يحتوي على بخار الماء وثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت ومركبات أخرى، ويبرد في شكل صخرة بركانية.

انطلق فريق البحث في دراسته من صخور بركانية، ووجد أنها تحتوي على بلورات مبردة ببطء داخل البركان، مدمجة في مصفوفة صخرية يتم تبريدها بسرعة على السطح. واستخدم الباحثون أشعة الليزر فوق البنفسجية، مشابهة لتلك المستخدمة في جراحة العيون، لتفجير المصفوفة الصخرية وعزل البلورات المتكونة داخل البركان وسائل الذوبان الذي يحمل إلى السطح.

وحسب فريق الباحثين من جامعة كوينزلاند (University of Queensland) الأسترالية فإنه رغم اعتبار هذه البلورات بمثابة أرشيف ممتاز يسمح بفهم ما حصل خلال الفترة التي سبقت ثوران البركان، فإنهم قرروا التركيز على عامل أهم وهو "الذوبان"، والبحث في مدى اختلاف خصائصه خلال عملية ثوران البركان. وذلك حسب تقرير لموقع ذا كونفرسيشن The Conversation.

وكان أول تحد يواجه الباحثين، طريقة عزل سائل الذوبان عن البلورات، التي وقفت في طريقهم وجعلت العملية معقدة. وهذا لكون البلورات التي توصف بأنها "كبيرة"، غالبا ما تكون بحجم حبة الملح، أو يصل حجمها إلى حبة الحمص في أحسن الأحوال، ومن ثم صعوبة إزالتها وتحقيق العزل.

نجح الفريق، رغم ذلك، في هذه الخطوة بفضل استخدام الليزر، وحلل الجسيمات المولدة بالليزر لتحديد التركيب الكيميائي للمصفوفة البركانية. وقد سمحت هذه التقنية بإجراء تحليل كيميائي أسرع وأكثر تفصيلا للصهارة وكيفية تطورها بمرور الوقت، مقارنة بالطريقة التقليدية التي تقوم على تحليل الصخور بأكملها، أو بالفصل الشاق للمصفوفة وشظايا الكريستال من عينات الصخور المكسورة.

تقول الدكتورة تيريزا أوبايد، عضو فريق البحث في بيان صحفي صادر عن الجامعة إن "الصهارة تعتبر بمثابة شيفرة البراكين، حيث توفر معلومات عن نمط الثوران وتدفق الحمم البركانية. ولاحظنا أن التغيرات الكيميائية التي تحدث داخل الجزء السائل من الصهارة أثناء ثوران بركاني لا تُصدق إطلاقا".

وتضيف الباحثة في البيان ذاته "غالبا، توجد الكثير من البلورات المتداخلة لدرجة أن الصهارة تبدو وكأنها طريق صخري، ومن الصعب مراقبة تركيبها الكيميائي لإخراج هذه البلورات، لذا نقوم بتفجير المادة المنصهرة المبردة التي تُعرف باسم مصفوفة الصخور بالليزر، ثم نحلل المادة لقياس تركيبتها الكيميائية".

تعد بيانات المراقبة الحية بالغة الأهمية من أجل فهم كيفية تطور الانفجارات البركانية (شترستوك) تحليل عينة من أضخم انفجار بركاني

اختار الباحثون الانفجار البركاني الأكثر تدميرا في السجل التاريخي في جزر الكناري، عينة لدراستهم. وحدث ذلك الانفجار سنة 2021 واستمر 85 يوما، بإجمالي 159 مليون متر مكعب من الحمم البركانية، على امتداد أكثر من 12 كيلومترا مربعا من الأرض. ودمر أكثر من 1600 منزل، وأدى إلى نزوح أكثر من 7 آلاف شخص، وتسبب في خسائر مادية قدرت بحوالي 1.4 مليار دولار.

حلل الفريق عينات الحمم البركانية التي تم جمعها بشكل منهجي من قبل متعاونين من معهد الجيولوجيا والتعدين الإسباني على مدار 3 أشهر من ثوران البركان. وأكد الفريق أن "هذه عينات ثمينة لأننا نعرف تاريخ ثورانها بالضبط، والعديد من المواقع التي أخذت منها العينات ما زالت مغطاة بحمم لاحقة من الثوران إلى غاية الآن"، وفقا لما نقله موقع ذا كونفرسيشن.

من جهتها، تقول الدكتورة تيريزا أوبايد، في بيان الجامعة، إن بيانات المراقبة الحية بالغة الأهمية من أجل فهم كيفية تطور الانفجارات البركانية وتقديم التحذيرات والتوجيهات للناس.

وتضيف "في الحقيقة توفر الزلازل والتغيرات الأرضية وبيانات الغاز معلومات غير مباشرة حول ما يحدث داخل بركان نشط، ولكن كيمياء "الذوبان" هي المقياس المباشر لما نسميه "شخصية الصهارة" وسلوكها عند الانفجار وتأثيرها المحتمل على السكان والبنية التحتية.

باستخدام تقنية أشعة الليزر، لاحظ الباحثون اختلافا في كيمياء الحمم البركانية المرتبطة بالتغيرات في الزلازل وانبعاث ثاني أكسيد الكبريت، بالإضافة إلى نمط ثوران البركان والمخاطر الناتجة عنه، وكيف تحولت الحمم السميكة في بداية الثوران إلى أنهار من الحمم البركانية السائلة السريعة الانتشار.

وقد رصد الفريق كذلك تغيرات بارزة في كيمياء الحمم البركانية قبل حوالي أسبوعين من نهاية الثوران، وهو ما يفسرونه بانخفاض إمدادات الصهارة وتبريدها.

وفي السياق نفسه، توضح تيريزا أوبايد في بيان الجامعة أن المعلومات التي جمعها الباحثون خلال هذا الثوران يمكن أن تساعد في مراقبة البراكين وإدارة المخاطر في المستقبل.

ويقوم فريق البحث حاليا بتجربة تقنية مماثلة على الرماد البركاني، التي يمكن أخذ عينات منها بسهولة أكبر خلال حدث بركاني مقارنة بالدراسة الحالية. وعن هذا الأمر تضيف الباحثة "نحن متحمسون جدا للتعاون مع مراصد البراكين لتنفيذ هذه الطريقة كأداة مراقبة".

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

عن الابادات الجماعية التي عايشناها .. لكم أحكيها

قصة قصيرة [ لم أعد حياً .. لكني أتنفس ]

بقلم / عمر الحويج

باغتنا الإنفجار ، جاءنا.. مدوياً ، من فوقنا . جاءنا .. عابراً سماءنا ، تلك التي ظلت .. تظلل صفاءنا ، جاءنا مخترقاً جبالنا ، تلك التي أبداً ، كانت .. أماننا و حِمانا.
حينها .. تحولت قريتنا ، الوادعة ، إلي كتل من اللهب ، والنيران ، والدخان .. تلتها ، لا بل رافقتها ، زخات من المطر الرصاص ، المنهمر علينا ، من كل أنواع الأسلحة ، الخفيف منها ، و الثقيل .. أحاطنا من جميع أركاننا ، من أمامنا ، من خلفنا .. من يميننا ، من يسارنا ، أما من تحتنا ، فقد اهتزت ، بنا الأرض ومادت ، وكأنها زلزلت زلزالا ، رجّتها أصوات الدبابات وحركتها الضاجة ، حين أخذت ، تخبط خبط عشواء ، في أرضنا.. في مساكننا.. في البشر والناس .. و حتى قطعاننا وطيرنا وأنعامنا .

إلا ، أنا .. وجدتني ، مازلت حياً .. أتنفس .. !!

بدأت أتحسس ما حولي ، ببصري .. لا أري ، غير الدخان ، وألسنة النيران واللهب ، كما لا أسمع ، غير ضجيج الدبابات وهديرها ، وهي تجوب المكان هنا وهناك .. مسرعة .

لا أدري ، ما هو فاصل الزمن ، بين بداية الانفجار الأول .. وما تلاه . ولكني وجدت نفسي ، في الحالة الأخيرة ، التي كنت عليها ، حين حملني ، أحفادي الأربعة ، على ظهر ، نقّالتي الخشبية . المتآكلة بفعل الزمن ، وثِقل الجسد ، والتي صنعوها، خصيصاً لحركتي اليومية ، خاصة من قُطّيتي .. سكني إلي حيث شجرتي الظليلة ، و التي تحتويني ، تحت ظلالها ، طيلة نهاري ، وبعض ليلي .
وحتماً .. أن شجرتي الظليلة ، هي التي حمتني .. أو ربما هي بالتأكيد التي أبقتني حياً ، بعد كل ما حدث .. وما يزال . وأنا الحي كميت منذ زمان مضى .. بعيد ، حين أصابني ذلك البلاء ، الذي شل كامل جسدي ، عن الحركة ، وترك لي فقط ، بعض من حواسي : عيناي .. اللتان ظلتا ، تخترقان بعض الضوء .. إلا قليلاً. وسمعي .. دون لساني .. وقلبي الذي يخفق .

وهكذا ، أنا .. وجدتني .. ما زلت حياً .. أتنفس ..!!

إلا أن شجرتي الظليلة ، والتي حمتني .. أو ربما هي بالتأكيد التي أبقتني حياً . لم تستطع أن تحمي الآخرين . فها أنذا ، قد طال انتظاري ، ولم يأتيني أحد ، من أهلي ، حتى الآن ، ليتفقدني .. كما عودوني .
وأنا .. لا زلت ، لا أرى أمامي ، سوى الدخان .. والفضاء ، حالك السواد ، بعيني الغائمتين . فقط يخترق أذني ، ذلك الهدير الآتي ، من هياج الدبابات وما يلحق بها ، من الآليات العسكرية ، التي أعرفها جيداً ، وأكاد أحدد ، أنواعها .. فقط ، من صوت ، تحرك عجلاتها . ففي زمان مضى .. بعيد ، عملت جندياً ، بعد تجوالي ، في العديد من المهن ، السفلى منها والأسفل.. !!. أذكر في ذلك العهد .. البعيد ، كانوا أيضاً يدفعون بنا دفعاً ، لاقتحام القرى والمدن . لنقتل ونحرق ، في تلك الأنحاء البعيدة .. كبعدنا الآن ، عن هؤلاء الذين جاءوا ، لحرقنا وقتلنا .. لماذا ؟؟ ، لست أدري . ما أدريه الآن فقط ، أن كل ما حولي ، أضحى هامداً خامداً .. ومتلاشياً . أين يا ترى ، إختفى نبض قريتي ، الذي كان يحتويني ، رغم عجزي وقلة حيلتي ، بدفئه وحنيته وحنينه ، أين أهلي؟.. أين ناسي؟ أين حتى ، قطعاننا وطيورنا وأنعامنا ؟. فانا لا أسمع لها : خواراً أو صهيلاً ، نهيقاً أو نقيقاً . ولكني الآن أسمع : قد أتتني ، أصوات أقدام ، تتقدم نحوي ، بخطوات منتظمة، وأخرى مهرولة .. بل بدأت ، أسمع أصوات أصحابها ، يتصايحون .. يتجادلون .. يأمر بعضهم ، ويأتمر البعض الآخر .. عرفتهم ، من أصواتهم .. عرفتهم ، من لسانهم .. الذي به ينطقون ، نعم عرفتهم . لقد عذبني ، هذا اللسان كثيراً : أبني الصغير ، أصغر أبنائي .. في ذلك الزمن .. البعيد . يوم عمّت الفوضى ، تلك المدينة الكبيرة .. وحين استعادوها "من المتمردين" يقولون . أخذوا .. يبحثون ، يفتشون ، ينقبون : في الشوارع ، في البيوت ، في الدّواخل وفي النفوس ، في سحنات الناس ، وفي ألوانهم . وفي الطريق العام ، كان إبني يسير .. حين أوقفوه ، عن اسمه .. سألوه . حين سمعوه أخذوه .. ثم قتلوه . في ذات الطريق العام .. قتلوه . أنا عرفت.. فيما بعد .. أنا عرفت . إبني قتله لسانه.. ولم يقتله سلاحه . والآن .. لا أنا ، ولا أهلي وناسي ، نملك سلاحنا ، وإن كنا نملك لساننا ، وهذا ربما مورد هلاكنا ، وكذلك أحفادي . ولكن أين هم الآن . لماذا لم يأتوا ، ليتفقدوني كعادتهم .. أثار تعجبي منهم . وأندهاشي . أنهم في الأيام الأخيرة ، وبغير عادتهم وجدتهم ، يتحلَّقون حولي ، تحت ظل ، شجرتي الظليلة . أسعدوني بوجودهم قربي ، ولكنهم أحزنوني بحواراتهم ، فعن طريقهم ، عرفت الحرب ، التي تدور حولنا ، عرفت بعنفها .. أغلقت مدارسهم "وعرفت حينها سبب تحلقهم حولي" عرفت منهم ، أن الناس هناك ، يهربون من قراهم ، إلى الكهوف ، في جبالهم.
ما أدمى قلبى ، أن إثنان من أكبر أبنائي ، قد التحقا بها "تلك الحرب اللعينة" ما أدمى قلبى أكثر ، أن أحدهم ، يحارب في جانب ، والآخر في الجانب المقابل . وما أدمى قلبى ، أكثر وأكثر ، أن اثنان من أحفادي ، تعاركا أمامي ، كُل منهم .. دفاعاً عن والده . وأنا العاجز أصلاً ، وجدتني عاجزٌ عن الفهم ، وعاجزٌ أكثر ، عن وقف عِراكهما أمامي ، فقط .. ما قدرني عجزي عليه ، أن دمعت عيناي ، كما الآن .. فقد دمعت عيناي ، لهذا الذي مر بخاطري ، حتى غامتا ، ولم تريا ، أصحاب تلك الأقدام ، التي أخذت تحوم حولي ، بل تتقدم نحوي ، أراهم الآن .. ينحني أربعة منهم ، تقبض أياديهم على أركان ، نقالتي الخشبية .. المتآكلة بفعل الزمن ، وثِقل الجسد ، أحسست بعدها ، بارتفاعي المفاجئ عن الأرض ، بعنف لم أعهده في أحفادي ، حين يحملونني برفق ، ليتحركوا بي ، من موقع لآخر . وبعنف أقوى .. مشوا بي ، إلي أين؟.. لست أدري ، فقط مشوا بي ، ثم مشوا . ثم فجأة توقفوا ، ودون انتظار ، دون إنذار ، أطلق أربَعتَّهم ، سراح أيديهم ، من أركان ، نقّالتي الخشبية .. المتآكلة بفعل الزمن ، وثِقَّل الجسد ، وبعنفٍ .. تركوني إرتطم بالأرض ، وقبل أن أفيق قليلاً ، انحنى اثنان منهم ، ومن جانب واحد ، من نقّالتي الخشبية ، دفعا بي إلى أسفل .. ولكن دون نقالتي الخشبية !! . ووجدتني داخل حفرة ، وإن لم تكن عميقة ، لسرعة وصولي .. قاعها ، وحين أفقت .

وجدتني ، لا زلت حياً .. أتنفس..!!

وبدأت أتبين ما حولي . أجساد محترقة ، إنهم أهلي .. ناسي . هؤلاء الأربعة .. إنهم أحفادي ، عرفتهم .. بإحساسي عرفتهم ببصيرتي . إثنان منهما ، متلاصقان .. متماسكان ، يحضنان بعضهما ، هل يا ترى كانا يتصافحان ، أم كانا يواصلان عِراكهما .. لست أدري !! . ما أدريه فقط الآن ، أن نظري المتلاشي قد وقع ، على جسد آخر . إنها زوجة حفيدي : صغير السن هو .. صغيرة السن هي ، والآن بكامل زينتها . تزوجها حفيدي ، قبل عام مضى ، أقام لهما والده حفل زواج ، ظل حديث قريتنا زماناً طويلاً ، رقص فيه الشباب .. فتياناً وفتيات ، كما لم يرقصوا من قبل ، إستدعوا فيه ، كل موروثاتهم القديمة والمتنوعة .. رقصاً وغناءً . فقد كانت زوجته من قبيلة مجاورة ، وليسوا من قبيلتنا .. !! .
ولكن .. ما أرى؟؟ .. إنها دماء ، دماء على ساقيها ، دماء على فخذيها .. يا الهي .. لقد أتوها ، حتماً أتوها ،ثم اغتصبوها .. ولكني لا أدري .. إن كان أتوها .. ثم اغتصبوها ، قبل موتها .. أم بعد موتها أتوها .. ثم اغتصبوها . ظللت طيلة سنوات عجزي ، بالنية داخلي .. أصلّي . الآن .. على ضياع صباها أصلّي . وأنا أصلّي .. أتاني من خلفي أنين ، إنه أنين طفلة ، تيقنت منه ، إنه منبعث ، من إبنة حفيدتي .. آخر عهدي بها ، ذاك النهار ، جاءتني .. وتحت ظل شجرتي الظليلة ، علي الأرض ، جلست تحفر ، بأظافرها الرقيقة .. اذكرها ، حين التفتت نحوي ، نادتني : جدي.. جدي.. " أنا جعانة ".. أخذني منها ، صوت آخر ، إنه هدير جرّافة ، أعرفها هذه الجرّافة ، عملت عليها أيام الجندية ، دائماً جاهزة ، هذه الجرّافة.. للحفر والردم .
مالهم هؤلاء الناس !!.. هل سيدفنوننا ، بهكذا عجلة أحياء .. !! .
تذكرت أجدادي .. في ذلك الزمن البعيد ، يحكون لنا .. أن مواراة الميت الثرى عندهم ، تستغرق أياماً بلياليها ، يعدون حفرة الدفن ، بمرقدها .. يتوسدها الميت ، يحيطونه ببعض ، مقتنياته الثمينة . أما هؤلاء .. فما اعجلهم !! .
أسمعها .. الجرّافة ، تتحرك .. تملأ جوفها ، بالرمل والحصى والتراب .. تتقدم نحونا ،
ولا يزال أنين حفيدتي يأتيني من خلفي ، والجرّافة تُفرِغ ما بجوفها ، في حفرتنا .. فيسكت الأنين . أصرخ أنا من داخلي.. يا هؤلاء : هل جئتم تسكتون جوع حفيدتي ، أم جئتم تسكتون أنينها ..؟؟
وعادت الجرّافة مرة اخرى ، بعد أن ملأت جوفها .. بالرمل والحصى والتراب .. وأفرغت حمولتها في حفرتنا ، وبعدها .. لم أعد أرى !!.

ولكني .. وجدتني ، لا زلت حياً.. أتنفس ..!!

وعادت الجرّافة ، وملأت جوفها .. بالرمل والحصى والتراب .. وقبل أن تُفرِغ حمولتها ، صحت بكل قوتي ، ومن داخلي مرة اخرى .. أمهلني يا هذا حتى .. أتشهد !!. ولكنه .. لن يسمعني .. ولا يريد أن يسمعني . بل سمعته أنا .. يردد : " ... وقتلاهم في النار " .
ثم أفرغ حمولته ، في حفرتنا .
وبعدها .. لم أعد أسمع !!.

ولكني .. وجدتني ، لا زلت حياً .. أتنفس ..!!

وعادت الجرّافة ، وملأت جوفها .. بالرمل والحصى والتراب .. وأفرغت ما في جوفها ، في حفرتنا .

وبعدها.. لم أعد حياً !! .
ولكني .. وجدتني ، ما زلت .. أتنفس !! .

***

omeralhiwaig441@gmail.com

   

مقالات مشابهة

  • أمراض القلب والتسمم.. مخاطر المواد الكيميائية على الصحة وكيفية تجنب آثارها السلبية؟
  • “هالة الشمس” تزين قبة شماء جنوب السعودية
  • الاحتلال الإسرائيلي يستهدف مدرسة يافا التي تؤوي نازحين بحي التفاح
  • من هي أبرز الشخصيات التي ستشارك في وداع البابا؟
  • الصين تتوعد الدول التي تسير على خطى أمريكا لعزل بكين
  • ما التحديّات التي تنتظر البابا الجديد؟
  • عن الابادات الجماعية التي عايشناها .. لكم أحكيها
  • ما أبرز الرسوم الجمركية التي فرضتها أميركا عبر التاريخ؟‎
  • أسعار البيض تحلّق في أوروبا... من هي الدولة التي تدفع أكثر من غيرها؟
  • علماء صينيون يطورون نظاما للتنبؤ بالعواصف الترابية