إسطنبول/ الأناضول مع موجة الحر الشديد التي تشهدها الدول العربية يوليو/تموز الجاري، وارتفاع درجات الحرارة حتى 50 درجة مئوية في بعض المناطق، يزداد الضغط على شبكات الكهرباء، مع اشتداد الطلب عليها، ما يؤدي إلى انقطاعات في التيار الكهربائي لساعات، ويضاعف ذلك من معاناة الناس. وبينما لم تأخذ دول عربية احتياطاتها مسبقا في هذا الصيف القائظ، نجحت دول أخرى في تفادي الأسوأ، بعدما عانت في أعوام سابقة من انقطاعات في التيار الكهربائي لساعات طويلة، بفضل استثمارات بمليارات الدولار رفعت من قدرات الإنتاج، واستطاعت مواجهة ذروة الطلب هذا العام.
ـ الأزمات تفاقم “عجز الكهرباء” يشهد سكان عدة دول عربية تعاني من نزاعات مسلحة أو أزمات سياسية انقطاعات لساعات يوميا في الكهرباء، على غرار السودان واليمن وفلسطين وسوريا. إذ تسبب القتال المندلع في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي، إلى انقطاع التيار الكهربائي في العاصمة الخرطوم، وعدة ولايات ومناطق على غرار إقليم دارفور (غرب). إذ تسبب انقطاع التيار الكهربائي في عدة مآسي بالسودان، على غرار وفاة 30 رضيعا حديث الولادة في ولاية شرق دارفور لوحدها، ما بين 15 أبريل و25 مايو/أيار الماضيين، وفق منظمة الصحة العالمية. والوضع في اليمن ليس أقل سوءا، إذ إن انقطاع الكهرباء لفترات طويلة تتجاوز أحيانا 18 ساعة يوميا، دفع الناس في محافظة لحج، للخروج في احتجاجات مع اشتداد حرارة الصيف وانتشار الأوبئة ومعاناة أصحاب الأمراض المزمنة وكبار السن. ويواجه اليمن أزمة كهرباء خانقة، بالنظر لاستنزاف وقود محطات الكهرباء حصة هامة من ميزانية الحكومة، التي تقلصت بعد توقّف صادرات البلاد النفطية بعد هجمات الحوثيين بالطائرات المسيرة على الموانئ النفطية المطلة على خليج عدن وبحر العرب جنوب البلاد. وتساهم منحة المشتقات النفطية السعودية في تخفيف أزمة الكهرباء في اليمن، لكن الوضع مازال صعبا، تجلى ذلك في تقديم لجنة مناقصات شراء الوقود استقالة جماعية للحكومة. في قطاع غزة المحاصر، لا يختلف الأمر كثيرا، فانقطاع الكهرباء في الأيام العادية مسألة شائعة، إذ تطبق شركة الكهرباء نظام 8 ساعات وصل و8 ساعات قطع، لكن الأمر يصبح أعقد في يوليو وأغسطس/ آب من كل عام، حيث ترتفع الحرارة لدرجات شديدة ما يزيد معها استهلاك الطاقة. حيث يرتفع الطلب إلى 550 ميغاواط من الكهرباء يوميا في الصيف، في الوقت الذي لا تنتج محطة توليد الكهرباء بالقطاع سوى 60 ميغاواط، ما يعني حدوث عجز لساعتين إضافيتين في ساعات وصل الكهرباء، بحسب شركة الكهرباء الفلسطينية. وفي سوريا لا يحتاج الأمر إلى ارتفاع درجات الحرارة لتنقطع الكهرباء، فأغلب محافظات البلاد تعاني من الأعطال التي أصابت شبكات الكهرباء بسبب تداعيات الوضع الأمني المتردي منذ 2011، أفقدتها نحو 6.5 آلاف ميغاواط من قدرات توليد الكهرباء. وخلال الأيام الماضية غرقت العاصمة السورية وكافة المحافظات في ظلام دامس، بسبب أعطال وحريق في محطة لتوليد الكهرباء بريف دمشق، بحسب ما تم الإعلان عنه. ورغم المساعدات الإيرانية، فإن نقص الوقود اللازم في تشغيل محطات توليد الكهرباء السورية، تسبب في ارتفاع ساعات القطع الكهربائي إلى 22 و23 ساعة يوميا، وفق موقع الجزيرة نت. وفي لبنان يلجأ كثير من المواطنين والشركات إلى المولدات الكهربائية الخاصة لتأمين ساعات إضافية بعد انقطاع الكهرباء والذي يتراوح ما بين 18 و20 ساعة، مع ارتفاع درجات الحرارة. أما بتونس، فطلب الرئيس قيس سعيد، من المسؤولين في قطاع الكهرباء العمل على وضع حدّ للانقطاع المتواصل الكهرباء في عدد من جهات البلاد في أسرع الأوقات. ـ مفارقات عربية والمفارقة العربية تتمثل في العراق، فرغم استقرار الوضع الأمني نسبيا وتوفر إنتاج ضخم من النفط واحتياطات لا بأس بها من الغاز الطبيعي، إلا أن انقطاعات الكهرباء مازالت متواصلة، بل تصل إلى مستويات مثيرة للغرابة. إذ تصل ساعات القطع الكهربائي إلى 16 ساعة يوميا، ما أثار غضب العراقيين خاصة بعد ارتفاع درجات الحرارة إلى 50 درجة مئوية في بعض محافظات الجنوب، دفعت الناس للخروج في مظاهرات حاشدة وقطع للطرقات، في مشهد ينذر بتكرار احتجاجات الصيف الماضي. وترجع وزارة الكهرباء العراقية سبب انقطاعات الكهرباء لساعات طويلة إلى وقف إيران إمدادات الغاز الذي يستخدم في توليد الطاقة الكهربائية، نظرا لعدم تسديد بغداد ديونها المستحقة بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران. حيث يصل العجز في إنتاج الكهرباء إلى نحو 13 ألف ميغاواط، وهو ما يمثل أكثر من 50 بالمئة من إنتاج محطات الكهرباء العراقية، وفق تصريحات رسمية. لكن المفارقة الأبرز، تتمثل في مصر، التي تمكنت خلال الأعوام الماضية من تجاوز العجز في توليد الطاقة الكهربائية، بفضل اكتشاف حقل الظهر للغاز الطبيعي شرق البحر المتوسط، وتحقيقها اكتفاء ذاتيا في الإنتاج، وتحولها سريعا إلى تصدير الغاز. ومع ارتفاع درجات الحرارة لما فوق 40 درجة مئوية واقترابها من 50 درجة في الجنوب، ووصول الطلب على الكهرباء إلى مستويات تاريخية بحسب الشركة القابضة لكهرباء مصر، شهدت عدة مناطق في البلاد على غرار القاهرة الكبرى وبور سعيد وسيناء وأسوان انقطاعا للتيار الكهربائي لنحو 6 ساعات. وهذا أمر لم تعهده البلاد خلال السنوات الأخيرة، على الرغم من فائض في الإنتاج الذي يصل إلى 10 آلاف ميغاواط مقابل استهلاك بلغ ذروته عند 34.6 ألف ميغاواط، وفق موقع الطاقة المتخصص. وأرجع موقع “القاهرة 24” انقطاع التيار الكهربائي، إلى “نقص إمدادات الغاز لمحولات الكهرباء، مما نتج عنه توقف المحولات وخروجها بشكل مؤقت عن العمل”. ولم تُصدّر مصر الغاز منذ يونيو/حزيران الماضي، مع دخول الصيف وازدياد الطلب، وتعتزم استئناف التصدير في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وفق ما أعلنه وزير البترول طارق الملا. ليبيا تمثل مفارقة عربية أخرى، إذ أنها من الدول المصدرة للغاز الطبيعي المستخدم بكثرة في توليد الكهرباء، ومع ذلك مازالت لم تتجاوز مشكل انقطاع التيار الكهربائي لساعات، رغم إشادات نشطاء إعلاميين بالنتائج التي حققتها الشركة العامة للكهرباء، خاصة في فترتي الشتاء والربيع. غير أن الامتحان الحقيقي يكمن في الصيف، خاصة مع وصول درجات الحرارة إلى ذروتها في يوليو وأغسطس، وتلويح أطراف سياسية وقبلية باستخدام أبار النفط والغاز كسلاح ضغط لتحقيق أهداف سياسية، ما سيُعقّد من مهمة القائمين على قطاع الكهرباء، وسيفاقم معاناة المواطنين. انقطاعات الكهرباء متفاوتة من منطقة إلى أخرى وتتراوح ما بين 5 إلى 12 ساعة يوميا، حيث شهدت بعض المناطق احتجاجات محدودة بسبب انقطاع الكهرباء لساعات أطول من مناطق أخرى. وتنتج ليبيا نحو 8.2 ألف ميغاواط من الكهرباء، غطت احتياجاتها في الربيع الفائت، إلا أن الطلب على الكهرباء في الصيف يصل ذروته إلى نحو 10 آلاف ميغاواط، ما يتسبب في عجز بنحو ألفي ميغاواط يوميا، يتم معالجته بقطع التيار الكهربائي لساعات عن المدن والقرى بشكل متفاوت، أو ما يسمى بطرح الأحمال. اجتهدت شركة الكهرباء الليبية في صيانة عدة محطات كهرباء وكابلات وخطوط نقل الكهرباء المتضررة بسبب القتال خلال السنوات الماضية، بالإضافة إلى مشاريع لإنشاء محطات جديدة، بهدف الوصول إلى 14 ألفا و834 ميغاواط بحلول عام 2025، و21 ألفا و669 ميغاواط بحلول عام 2030. المفارقات العربية لا تتوقف عند هذا الحد، ففي موريتانيا التي حققت في 2016 فائضا في الكهرباء بإنتاج بلغ 480 ميغاوات، في حين بلغ الطلب 100 ميغاوات، يعيش نحو نصف مواطنيها من دون كهرباء، وفق وزير البترول والمعادن والطاقة الموريتاني عبد السلام محمد صالح. ففي الوقت الذي تسعى نواكشوط لجمع تمويل بمليار دولار لربط شبكتها الكهربائية بشبكة مالي، لتصدير الكهرباء لها، يواجه سكانها صعوبات في الحصول على خدمات جيدة للكهرباء، في ظل ضعف الشبكة والحاجة إلى تجديدها وتوسيعها. إلا أنه من المتوقع أن تحقق موريتانيا طفرة في إنتاج الكهرباء بعد انتهاء أشغال تطوير حقل غاز السلحفاة/ أحميم نهاية العام الجاري أو مع بداية 2024، ناهيك عن الاستثمارات الأجنبية المتوقعة في قطاع الطاقات النظيفة، والتي من شأن تنفيذها جعل البلاد مركزا للطاقة في غرب إفريقيا. بينما يلجأ المغرب لتغطية العجز في إنتاج الكهرباء عبر استيرادها من إسبانيا، بعد وقف الجزائر تصدير الغاز إليه عبر أنبوب المغرب العربي في 2021، والذي كان يغذي حينها محطتين لإنتاج الغاز، وفق موقع الطاقة. ـ البحث عن أسواق للتصدير رغم تسجيل الجزائر ذروة تاريخية غير مسبوقة في استهلاك الكهرباء بلغت في 18 يوليو الجاري، 18 ألفا و476 ميغاوات، إلا أن إنتاجها الذي يبلغ 25 ألف ميغاواط مكنها من احتواء هذا الارتفاع القياسي في الاستهلاك. إذ تسعى الجزائر لتصدير الكهرباء لدول شمال إفريقيا وجنوب أوروبا خاصة ليبيا وإيطاليا، بعد استكمال عمليات الربط الكهربائي بين الشبكات. الأردن هو الآخر، يحقق فائضا في إنتاج الكهرباء، يصدر جزء منه إلى فلسطين والعراق ويسعى إلى التصدير إلى لبنان وحتى إلى مصر عند الضرورة. كما نجحت دول مجلس التعاون الخليجي (السعودية والإمارات وقطر والكويت وعمان والبحرين)، في تحقيق اكتفاء ذاتيا في إنتاج الكهرباء، بفضل هيئة الربط الكهربائي التي أنشئت في 2001، والتي تسعى لإتمام الربط الكهربائي مع العراق قريبا.
المصدر: رأي اليوم
كلمات دلالية:
انقطاع التیار الکهربائی
ارتفاع درجات الحرارة
انقطاع الکهرباء
تولید الکهرباء
قطاع الکهرباء
الکهرباء فی
على غرار
إلا أن
إقرأ أيضاً:
العرب أمام تحديات وجود!
لقد أشاع إعلامنا وساساتنا موجة هائلة من الترحيب والاحتفاء بمقدم الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، وقد راح الإعلام العربي يبشر بمقدم (السوبر مان) القادر على حل كل مشاكل العالم بما فيها القضية الفلسطينية، ولم نكلف أنفسنا إلى العودة لتجربة ترامب خلال الفترة التي حكم فيها الولايات المتحدة الأمريكية (٢٠١٦-٢٠٢٠) ، فهو الرئيس الأمريكي الذي قرر نقل سفارة بلاده إلى القدس العربية، وهو الرئيس الذي زار إسرائيل ووقف أمام ما أسماه الإسرائيليون بحائط المبكى، وقد راح يمارس الطقوس الدينية اليهودية، وهو الرئيس الذي أعلن بكل بجاحة أن جغرافية إسرائيل تستحق أن تتوسع، جميعها رسائل توشي بأن ترامب يضع في مقدمة اهتماماته خلال الفترة القادمة أمن إسرائيل ومستقبلها، وقد لاحظنا تلك الزيارات المكوكية للساسة الإسرائيليين إلى الولايات المتحدة الأمريكية خلال الأسبوعين الماضيين، وخصوصا وقد شاهدنا استقبال الرئيس الأمريكي بايدن لرئيس دولة إسرائيل (إسحاق هرتسوج)، والشعور بالامتنان للرئيس بايدن، وتصريحات الرئيس الإسرائيلي الذي أعلن صراحة بأن الولايات المتحدة الأمريكية في عهد بايدن قد وقفت في وجه المناهضين للسامية.
لقد دعمت أمريكا إسرائيل طوال عام كامل بأحدث الأسلحة الفتاكة التي أحالت غزة إلى كومة من الأنقاض، استشهد على أثرها مئات الآلاف من الفلسطينيين الأبرياء ولم يجد بايدن حرجا من التصريح بأنه لا ينبغي أن تكون يهويا لكي تكون صهيونيا! طوال عام كامل من الدعم الأمريكي عسكريا وسياسيا وماليا لدرجة أن أمريكا لم تقدم طوال تاريخها دعما لأية دولة بقدر ما قدمت لإسرائيل خلال العام الماضي، وأعتقد أن هذا الدعم سيستمر وربما يزداد في ظل حكم الرئيس ترامب، فالمستقبل القريب ينبئ بسياسات أمريكية جديدة لاستكمال مشروع ترامب في المنطقة (الشرق الأوسط الجديد)، الذي لا نعرف ملامحه وإن كنا نعتقد أنه مشروع قائم على فكرة تتجاوز الجغرافيا، باقتطاع أراض واختراق حدود لا مكان فيها للدولة الفلسطينية التي يطالب بها العرب، وهو ما يُنذر بأن مستقبل الفلسطينيين قد أصبح على حافة الهاوية، ليس هذا فقط بل قد تكون الدول العربية المجاورة لإسرائيل جزءا من مشروع ترامب.
رغم كل هذا الخطر الذي يُنذر بمستقبل بائس لأوطاننا إلا أن ساستنا وحكامنا قد راحوا يجتمعون ويصدرون البيانات. التصريحات الخالية من أي محتوى، مجرد تصريحات اعتدنا عليها واعتاد عليها الإسرائيليون، الجديد هذه المرة أن القضية المحورية التي اعتبرناها قضيتنا المركزية لم تعد في أولويات سياستنا، بل أصبحت عبئا ثقيلا يود الجميع لو تم التخلص منه بأي ثمن، حتى ولو كان الثمن هو حق الفلسطينيين في العودة إلى بيوتهم وإقامة دولتهم في ظل حياة كريمة وإقامة دولة فلسطينية مجاورة لإسرائيل، وهو حلم لا نعرف ملامحه ولا تركيبته السكانية ولا أي مظهر من مظاهر استقلال الدولة الجديدة، وهو الحلم الذي يراود الساسة العرب، رغم أن ساسة أمريكا وإسرائيل لم يصرحوا ولو لمرة واحدة بعزمهم على قيام هذه الدولة البائسة التي يحلم بها الفلسطينيون.
انتشرت في الفضاءات العربية الترويج لمشروع الدولة الفلسطينية على حدود الخامس من يونيو ١٩٦٧، لم يصاحب ذلك الحديث عن أية آلية لتنفيذ هذا الحلم، بما في ذلك المؤسسات العربية التي بشّرت بقيام هذه الدولة الوليدة، لكن السؤال: ماذا فعلنا من الدبلوماسية والضغط الاقتصادي والسياسي لكي تكون القضية حاضرة في أي مفاوضات أمريكية أو إسرائيلية؟ هل نملك من وسائل الضغط ما يحقق هذا الحلم؟ هل استطعنا توظيف ثرواتنا وبترولنا للضغط على الولايات المتحدة الأمريكية التي انفردت بمستقبل العالم كله؟
إذا كان الرئيس الأمريكي (ترامب) قد جعل قضية الصراع الروسي الأوكراني في مقدمة أولوياته في المرحلة القادمة والتضحية بحلم أوكرانيا في سبيل حسم هذا الصراع، إلا أنه لم يصرح أبدا خلال حملته الانتخابية عن عزمه على قيام الدولة الفلسطينية كوسيلة لحسم هذا الصراع التاريخي، ولا أعتقد أن الرجل لديه رؤية لإنهاء هذا الصراع بطريقة عادلة، بل ربما يُفرض على الفلسطينيين ما تقترحه إسرائيل وهو ما يفسر الزيارات المكوكية التي يقوم بها الساسة الإسرائيليون منذ الإعلان عن نجاح تراكب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، بينما اكتفينا بالحديث عن أحلامنا وبحسم الصراع بما يحقق المصالح الفلسطينية، وهو حلم لم نسع لدفع ثمنه، مكتفين بالتهليل والترحيب بمقدم ترامب الذي يملك كل الحلول، في الوقت الذي يعلن فيه أن في مقدمة أولوياته عقب تسلمه مقاليد الحكم زيارة المملكة العربية السعودية، ولعلنا نتذكر زيارته للمملكة في بداية حكمه في الدورة السابقة وتصريحاته الفجة التي افتقدت إلى كل القيم الدبلوماسية والثمن الهائل الذي حصل عليه، لكن كل ذلك لم يقربنا من حل الصراع، وقد انتهت فترة حكمه لكي يدخل الصراع بعدها في أُتون دورة جديدة من حكم الرئيس بايدن الذي قدم لإسرائيل ما فاق كل الدعم الذي حصلت عليه طوال تاريخها.
السؤال الآخر: هل نملك رؤية متكاملة لحل الصراع؟ هل لدينا أوراق ضغط لم نستثمرها بعد؟ هل لدينا القدرة على تقديم تضحيات تتناسب وحجم الخطر الذي ينتظرنا؟ هل تخلصنا من أمراضنا وهزائمنا ونحن نواجه خطرا داهما لا يهدد مستقبل الدولة الفلسطينية فقط، بل ربما يهدد الكثير من دولنا وأوطاننا؟ هل لدينا الشجاعة لكي نعترف بهزائمنا وأمراضنا؟ ألم يحن الوقت لكي نتدارس الأمر من كل جوانبه بعد أن يعكف الخبراء والساسة لإعداد مشروع نستطيع أن نقدمه إلى العالم؟ فليس من المعقول أن يكون مجرد الإعلان عن إقامة دولة فلسطينية على حدود الخامس من يونيو ١٩٦٧، بمثابة مشروع متكامل، بل الأمر يستوجب الحديث عن الحدود والاقتصاد وشكل الدولة من الناحية القانونية، وقضية اللاجئين والأمن، وجميعها قضايا معقدة لا يجوز أبدا أن نختزل كل هذا في الإعلان عن دولة فلسطينية على حدود ١٩٦٧، وإلا سوف يفاجئنا الإسرائيليون والأمريكان بإقحام قضايا تبدد كل حلم مرتقب في مشروع الدولة المقترح، وخصوصا وأن إسرائيل كما نتابع اليوم ليس في برنامجها الحديث عن أية حقوق للفلسطينيين، بل هي تسعى نحو المزيد من تحقيق طموحاتها المجنونة، دون أي اعتبار لحق الفلسطينيين، وأعتقد أن إسرائيل قد اقتربت كثيرا من استكمال حلمها، بعد أن جعلت من غزة وطنا بائسا يفتقد إلى كل مقومات الحياة في ظل غياب عربي وعالمي، وقد اكتفينا بمجرد تقديم معونات غذائية وصحية لكي يبقى المريض على قيد الحياة، انتظارا لموته إكلينيكيا.
هل يمكن للعرب أن يخرجوا من عالمهم الخاص لكي يخوضوا معركة سياسية واقتصادية ودبلوماسية من أجل ـــ لا أقول دفاعا عن حقوق الفلسطينيين وإنما دفاعا عن حقوقهم ومستقبل أوطانهم، وإلا فالمستقبل خطير يُنذر بضياع أوطان وحقوق شعوب أسلمت مقاليد أمورها إلى حكامها، نحن بجد أمام خطر داهم، بل نحن أمام تحديات وجود.