يريدون الصغار ويعددون مناقب سليماني.. خفايا أداة إيران الناعمة بدير الزور السورية
تاريخ النشر: 13th, March 2024 GMT
بعيدا عن العسكرة وتشكيل الميليشيات ونشرها والمناورة بها على الأرض، تقود إيران في مناطق شرق سوريا وبالتحديد في محافظة دير الزور "سياسة ناعمة"، كما يراها مراقبون، وهي "أشد خطرا" من بقية الممارسات والخطوات المعلنة، حسب تعبيرهم كونها تستهدف أفراد المجتمع هناك بهدوء.
هذه السياسة لطالما ارتبطت بما يعرف بـ"المركز الثقافي الإيراني" في دير الزور، وبعدما سلطت تقارير محلية خلال السنوات الماضية الضوء عليه من زاوية الهدف المناط به، عاد اسمه ليتردد قبل يومين، من جانب "المرصد السوري لحقوق الإنسان" ومواقع إخبارية محلية.
"المرصد" تحدث في تقرير، نشره الأربعاء، عن اجتماع عقده مسؤولون إيرانيون على رأسهم "الحاج رسول" الإيراني في المركز الثقافي المذكور، ضم خطباء وأئمة المساجد في دير الزور.
دير الزور في شرق سورياوقال إن "المسؤولين الإيرانيين أبلغوا المجتمعين بإقصاء وزارة الأوقاف التابعة للنظام السوري عن مهامها، وسيطرة المركز الثقافي الإيراني على المجال الديني العام بكامل تفاصيله".
وتم إعطاء أئمة المساجد والخطباء عددا من التعليمات والضوابط الجديدة، منها أن "تكون خطبة الجمعة موحدة في كل مساجد المنطقة، بناءً على الخطبة التي يصدرها المركز الثقافي الإيراني"، حسب المرصد.
كما تم إخبارهم، كما جاء في تقريره بـ"ضرورة تحديد صلاة التراويح بثماني ركعات"، وتطرق الاجتماع إلى "موضع التشيع وضرورة الحث عليه، إضافة إلى ترغيب الشباب ودعوتهم للالتحاق بصفوف الميليشيات الإيرانية".
وأشار موقع "نورث برس" الإخباري المحلي إلى أن الاجتماع حضره معممون من الطائفة الشيعية وضباط وجنرالات في "الحرس الثوري الإيراني" بقيادة "الحاج رسول الإيراني"، وأوضح أنه استمر ساعتين، وفي ختامه "وضعت شروط للصلاة وخطب الدين من أجل الالتزام بها".
"بين نفي وتأكيد"موقع "الحرة" تواصل مع مصادر من محافظة دير الزور، وبينما نفى البعض ما جرى داخل الاجتماع أو حتى حصوله أكد آخرون ذلك، واتفقوا جميعا على الدور الخفي المرتبط بـ"المركز الثقافي"، الذي تتركز مهامه بالتحديد في دير الزور المدينة.
وبدوره شدد مدير "المرصد"، رامي عبد الرحمن على صحة المعلومات التي نشرت عن الاجتماع وقال لموقع "الحرة": "إيران تعمل بعيدا عن النظام لأنها لا تثق به، ومن خلال المركز تبني حاضنة شعبية لها في المنطقة عن طريق وكلائها".
عبد الرحمن اعتبر أنها "تعمل أيضا على تكريس ثقافة ولي الفقيه داخل الأراضي السورية ومن خلال مراكزها".
وأضاف: "هناك أناس تسير في هذا الإطار ومعهم من يضطر للاعتماد على المساعدات التي تقدمها المراكز وأفرعها بسبب الفقر".
مشهد عام لدير الزور في سورياوبحسب ما جاء في تقرير "المرصد" أقام "المركز الثقافي الإيراني" وجبة إفطار في خيمة داخل حي القصور بمدينة دير الزور، "بهدف كسب الحاضنة الشعبية".
وأضاف أن الميليشيات الإيرانية تجهّز سلالا غذائية لتوزيعها على العائلات الفقيرة، التي تعيش من دون معيل في مدينة دير الزور، وذلك بالتنسيق والتعاون مع محافظ المدينة في حكومة النظام، وبهدف استمالة واستقطاب المدنيين لصفوف الميليشيات.
ما هو "المركز الثقافي"؟كان التدخل الإيراني قد أصبح جليا في سوريا بين عامي 2013 و 2018 عندما تدخلت لمساعدة النظام السوري في حربه على المعارضة، وعندما شاركت كذلك في محاربة تنظيم داعش، شرقي سوريا، بغية فرض وجودها ونفوذها هناك.
وشكّلت مرحلة مواجهة داعش من جانب النظام السوري وحلفائه من الميليشيات الإيرانية محطة أساسية على صعيد تنامي النفوذ الخاص بـ"الحرس الثوري" في مناطق شرقي سوريا، وبالتحديد دير الزور والبوكمال.
ولم يقتصر النفوذ على المسار العسكري وتشكيل الميلشيات وبناء المواقع والانتشار في عموم جغرافيا المنطقة هناك، بل أخذ مسارا موازيا بعد إنشاء "المركز الثقافي" في أواخر شهر مارس من عام 2018.
ويقع المركز في مدينة دير الزور (الرئيسي)، وله فرعان كبيران في مدينتي الميادين والبوكمال، وفرعان صغيران في بلدة حطلة وبلدة التبني غربي المحافظة، كما يوضح الصحفي زين العابدين العكيدي لموقع "الحرة".
ويقول إن "نشاطه الحقيقي بدأ في فبراير من العام 2019"، ويتم حاليا الشروع ببناء فرع جديد له في منطقة معدان بريف الرقة الشرقي، التي يسيطر النظام على أجزاء منها.
وللمركز المذكور أنشطة ضخمة في عموم دير الزور، تشمل جوانب عدة وفق العكيدي، منها التعليمية والطبية والترفيهية.
ويضيف الصحفي أن من يتولى إدارتها والإشراف عليها هو "حاج رسول" إيراني الجنسية ونائبه المدعو "الحاج أبو رقية"، ويشير إلى أن دور الأخير تصاعد منذ عام 2024 بعد الغيابات المتكررة للأول.
بقية المناصب الإدارية داخل المركز يشغلها مسؤولون سوريون من بينهم نساء، مثل جلنار الحسين التي تنحدر من دير الزور، وتشغل منصب "منسقة المركز الثقافي"، حسب زين العابدين.
وإلى جانبها يتولى عامر الحسين من أبناء الميادين منصب إدارة "المركز الثقافي" في المدينة، التي دائما ما تصفها وسائل إعلام غربية ومحلية بـ"عاصمة الميليشيات الإيرانية" في شرق سوريا.
"يستهدفون الصغار"في مقال تحليلي سابق بـ"معهد واشنطن" تشير الباحثة علا الرفاعي إلى أن "الحرس الثوري" الإيراني وقوات الحشد الشعبي تسللت إلى النسيج الاجتماعي للأغلبية من السكان العرب السنة في شرق سوريا، منذ استحواذها على المنطقة.
وتوضح أن هذا المسار جاء "من خلال مجموعة متنوعة من الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية"، مما يساعدهم على فرض علامتهم من الإسلام الشيعي الاثني عشري على الذين يعانون من ضائقة مالية من السكان المحليين.
الإيرانيون يستهدفون في التأثير على الصغار في سورياوعلى سبيل المثال، وبمباركة نظام الأسد تقول الرفاعي إن "المركز الثقافي الإيراني في مدينة دير الزور يجبر طلاب المدارس والجامعات على المشاركة في فعالياته".
وتشير إلى أن "اتحاد شبيبة الثورة" التابع لحزب البعث التابع للنظام أمر في وقت سابق أيضا مديرية التعليم المحلية بقيادة رحلات ميدانية لحضور الاحتفالات الدينية الشيعية، ومحاضرات "الحرس الثوري"، وفعاليات كتابة القصة القصيرة، والمسابقات الرياضية.
وهذه المعلومات يؤكدها من تحدث إليهم موقع "الحرة"، فيما يعتبر الصحفي زين العابدين أن الإيرانيين "يستهدفون الصغار على نحو أكبر من الكبار في دير الزور والمناطق التي ينتشرون فيها في شرق سوريا".
"يحكون لهم من خلال الجولات التي يقيمها المركز الثقافي عن مناقب قاسم سليماني والإمام علي"، وفق حديث الصحفي المقيم في دير الزور. وسليماني هو قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري" وقتل بضربة أميركية قرب مطار بغداد، ويرتبط باسمه الكثير من الانتهاكات وجرائم الحرب وضد الإنسانية بحق السوريين.
ويضيف: "منذ أسبوعين أجرى الحاج صادق (مسؤول عسكري إيراني) وأبو رقية (نائب مسؤول المركز) سلسلة زيارات لمدارس دير الزور، وتحدثوا لهم عن الثورة الإيرانية وسليماني".
"يعملون مثل داعش ويحاولون غسل الأدمغة.. يريدون الصغار لا الكبار" ويركزون على مدينة دير الزور بشكل كبير، رغم نشاطات "المركز الثقافي" في مناطق وبلدات أخرى محيطة، حسب الصحفي السوري.
"قليلة التكلفة كبيرة الأثر"ويوضح الباحث السوري في مركز "عمران للدراسات الاستراتيجية"، نوار شعبان أن دير الزور في شرق سوريا تعتبر بحكم المنطقة المنكوبة، حيث كانت قد شهدت خلال السنوات الماضية عدة حروب وهجمات، آخرها لحظة القضاء على داعش.
وعلى أساس هذه الظروف يجب النظر إلى ما تقوم به إيران، حسب شعبان.
ويقول لموقع "الحرة": "هي تستثمر بالمركز الثقافي الذي أنشأته بحكم أن دير الزور ضعيفة خدميا ومنهكة اجتماعيا. وهذه الأداة الناعمة قليلة التكلفة لكنها تخلف أثرا كبيرا".
الباحث السوري يرى أنه، وبمجرد القيام بنشاط اجتماعي ودورات تدريبية ومحاضرة ومسرحيات وندوات وما إلى ذلك "سيكون لها أثر إيجابي على صعيد تعزيز دور إيران الإيجابي في المنطقة".
ورغم أن "المراكز الثقافية الإيرانية" تنتشر في عموم المحافظات الخاضعة لسيطرة النظام السوري، يشير شعبان إلى أن المتواجدة في دير الزور "تحظى باهتمام أكبر وكذلك الأمر بالنسبة لنتائجها".
ومنذ اندلاع الحرب في غزة ركّز "المركز الثقافي" في دير الزور على "الندوات التي تعنى بالمقاومة وقاسم سليماني والعودة إلى قيام الثورة الإسلامية في إيران"، حسب الباحث.
ويتابع: "المجتمع منهك والأوضاع الاقتصادية كذلك، وهو ما يتيح للمراكز الثقافية التوسع كونها تنشط في مجتمع متعب وفي لبنة طرية بحكم ما مرت عليه سابقا".
"خلق حاضنة"وللمركز الثقافي، إضافة إلى ما سبق، عدة مؤسسات أو أقسام تتولى نشاطات بعينها، مثل "مركز النور الساطع" في مدينة الميادين بدير الزور، و"مركز الأخوة" في البوكمال" ومركز المرأة في المدينة.
ويوضح الصحفي زين العابدين أن غالبية الموظفين في مقره الأساسي والأقسام سوريون بينما الإدارة إيرانية.
إيران تحاول خلق حاضنة شعبية لها داخل دير الزورمن بين النشاطات التي يقومون بها "دورات محو الأمية" ودورات بالمنهاج الحكومي للمرحلتين الاعدادية والثانوية، مع تقديم منح دراسية لنيل درجة الماجستير والدكتوراة للجامعيين في إيران وتعليم اللغة الفارسية.
كما عمل المركز على تأسيس رياض أطفال على غرار روضتي الميادين والسويعية ومدينة ديرالزور، وإجراء دورات لتعليم اللغتين العربية والإنكليزية.
وأنشأ قبل سنوات بالتعاون مع منظمة "جهاد البناء" مراكز طبية تنتشر في مدن وبلدات محافظة دير الزور، وعمل على تأهيل حدائق ومدارس منفردا، كما هو الحال مع حديقة "كراميش" بحويجة صكر، التي غيّروا اسمها إلى "ملهى الأصدقاء"، وفق الصحفي.
ويشير زين العابدين إلى "نشاطات ورحلات ترفيهية متواصلة للأطفال ودروس عن المذهب الشعيي".
ويقول إن هذه الجولات دائما ما تكون لمناطق داخل دير الزور وأحيانا إلى مدينة اللاذقية.
من بقي في دير الزور؟في الوقت الحالي، وعند النظر إلى دير الزور من الداخل يوضح الصحفي السوري أنه لم يتبق فيها سوى 30 بالمئة من السكان، ويتحدث أيضا عن وجود قرى وبلدات كاملة لا تعيش فيه سوى بضعة عوائل.
"بعض الناس يعملون مع الإيرانيين من باب المنفعة المادية فقط"، حسب ما يقول زين العابدين، دون أن يستعبد في المقابل وجود "حالات تشيع لأفراد سواء من العاملين في المركز الثقافي أو المنخرطين في الميليشيات".
ويشرح أن "وجود الإيرانيين بنسبة كبيرة أصبح يولد عامل خوف لدى السكان"،
ويضيف أن "العوائل باتت تخشى القصف المتواصل. بمجرد ما يحل الإيرانيون بمكان أو حي سرعان ما يترك الجيران المنطقة".
في دير الزور مجتمع سني محافظ بالغالبية ورغم سيطرة الميليشيات ونشاط إيران الكبير ثمة توجس بين السكان من هذه الجزئية، وفق زين العابدين.
وبينما يرى أن من "تشيعوا لا تتجاوز نسبتهم العشرات" يؤكد في المقابل أن "ما تقوم به إيران عن طريق المركز الثقافي يهدف إلى جذب السكان وخلق حاضنة تمهيدا لعملية تشييع مستقبلي".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: المیلیشیات الإیرانیة مدینة دیر الزور زین العابدین الحرس الثوری فی دیر الزور فی شرق سوریا فی مدینة من خلال إلى أن
إقرأ أيضاً:
رسائل «البطريرك» فى ذكرى تجليسه بدير الأنبا بيشوى
بـ«5» نقاط و100 أسقف.. البابا يحسم «جولة» وحدة الكنيسة
لم تكن مجرد احتفالية بذكرى تجليس البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، بدير الأنبا بيشوى وادى النطرون، بعد أن سبقها بنحو أسبوعين سجالات، ومناقشات انتهت بانعقاد اللجنة الدائمة للمجمع المقدس، وتشكيل لجنتين مجمعتين لمواجهة أخطاء التعليم الكنسى، ورصد الإساءة للكنيسة، والآباء على منصات التواصل الاجتماعى.
ورغم أن الكنيسة قصرت احتفالية الذكرى الثانية عشر لتجليس البطريرك على المرقسى فى 18 نوفمبر الجارى، بمركز لوجوس البابوى، بدير الأنبا بيشوى، إلا أن البطريرك، وحوله 100 من أعضاء المجمع المقدس بعث برسائل مباشرة، تضمد جراح الفرقة، وتدعم وحدة الكنيسة -وفق ما جاء فى بيان اللجنة الدائمة- مطلع نوفمبر الجارى.
دون أية طقوس احتفالية، ترأس البابا تواضروس الثانى قداس ذكرى تجليسه، بمشاركة أغلب أعضاء المجمع المقدس، ووكيلى البطريركية بالقاهرة، والإسكندرية، وسكرتاريته الخاصة، وعدد من الآباء الكهنة، والرهبان.
ورغم تأجيل «سيمنار المجمع» الذى كان مقررًا انعقاده فى الثامن عشر من نوفمبر الجارى، فى إطار احتفالية التجليس، للاحتفال بذكرى «مجمع نيقية»، لكن رسالة البابا الأولى جاءت فى الإشارة إليه، لافتًا إلى أنه مجمع حضره نحو 318 أسقفًا لرفض بدعة «آريوس»، وأردف قائلًا: «تمر علينا أيضًا ذكرى تدشين الكاتدرائية المرقسية بالعباسية».
وتضمنت رسالة البطريرك الثانية حديثًا عن مرور 12 عامًا على ذكرى تجليسه بطريركًا، مشيرًا إلى أن الإنسان عبر السنين يكتسب خبرات، ويعرف، ويتعلم، واستطرد: «يليق بنا فى مثل هذه المناسبات شكر الله على إعانته، وإشفاقه علينا».
وفى ثنايا عظته التى جاءت فى أعقاب ظروف خاصة للكنيسة، بعد إعلان بعض الأساقفة معارضتهم لاثنين من متحدثى السيمنار المؤجل، قال البابا: إن ثمة خواطر تصلح كمبادئ حاكمة للخدمة الرعوية، وتأتى فى «العمل بالكتاب المقدس، رغم أهمية دعوات محو الأمية الكتابية، داعيًا إلى أهمية الأنشطة الكتابية التى تقام فى الخدمة من تفسير ومسابقات، مشددًا على أنها تستطيع أن تمحو الأمية الكتابية».
وتضمنت رسائل البطريرك الدعوة إلى زراعة الحياة بالإنجيل فى نفوس الأقباط بسائر حياتهم، مستشهدًا بمقولة القديس القمص بيشوى كامل «الإنجيل المعاش»، مطالبًا الآباء بالاهتمام بترسيخ الحياة بالإنجيل على مستوى الأسرة، والخدمة، والكهنة، باعتبارها مسئوليتهم الأولى.
وفى عظته التى فرقت بين «المهم، والأهم»، ووضعت نقاطًا على الأحرف فى لحظة فارقة، أضاف البطريرك: أن خدمة التعليم، وإن كانت أهم، فإنه لا غنى عن خدمة السلام، وهو ما يدعم رؤية البابا تواضروس الثانى لأزمة «السيمنار» منذ بدايتها، وموقفه الكائن فى عدم التعقيب عليها مباشرة، وانتظاره لحين اجتماع اللجنة الدائمة للمجمع المقدس.
واندلعت أزمة «سيمنار المجمع» على خلفية اعتراض أساقفة على اثنين من المتحدثين المدرجين بجدول المحاضرات المقررة، نظير ما نسبوه إليهما من التورط فى مخالفة تعاليم كنسية.
بقدرة فى التحكم بمسار الحدث ألمح البابا إلى أن السيد المسيح فى الكتاب المقدس لقب بـ«المعلم الصالح»، لكنه فى الوقت ذاته لقب بـ«صانع السلام»، وأردف قائلًا: «كما نحتاج إلى تعليم أبنائنا الخدمة، نحتاج بالوقت ذاته إلى تعليمهم كيفية حفظ السلام».
واستطرد: «أعظم خدمة نقدمها هى أن نزرع السلام فى نفوس شعبنا، وفى البيت، وفى الخدمة وفى الكنيسة».
وواصل البطريرك الدقيق توجيه رسائله الضمنية خلال عظته التى حضرها أغلبية أعضاء المجمع، وبثتها قنوات الكنيسة مباشرة من دير الأنبا بيشوى، معرجًا على مصطلح «حراس الإيمان والعقيدة»، والذى يتسبب فى خلافات عديدة على الساحة القبطية تتصدر صفحات وسائل التواصل الاجتماعى، بقوله: «إن حراسة الإيمان والعقيدة أمر لا غنى عنه، ولكن لا غنى عن غرس حياة التقوى فى النفوس».
وألمح البطريرك إلى أن العقيدة السامية هى التى تثمر التقوى، محذرًا من هؤلاء الذى يحولون حراسة العقيدة إلى معركة كراهية الآخرين، ويستعملونها للدخول فى صراعات.
ولفت إلى أن الكنيسة راسخة بإيمانها المستقيم، وربت أجيالًا عديدة فى هذا الإيمان، مشددًا على ضرورة تعليم الأبناء الإيمان مع التقوى».
وصوّب البابا سهامه باتجاه «استعمال وسائل التكنولوجيا»، بعد أن أحدثت وسائل التواصل الاجتماعى خلال الشهر الجارى شروخًا جسيمة فى الوسط الكنسى عقب أزمة «سيمنار المجمع» المؤجل، وأزمة «الأنبا أبانوب» أسقف المقطم.
البطريرك الذى بدأ فترته البابوية قبل 12 عامًا بالتدوين على منصة التواصل الاجتماعى «تويتر»، قال إن استخدام التكنولوجيا مهم، ولكن يجب أن تكون القدوة والنموذج هما العنصران المؤثران فى الكلام عبر وسائل التواصل الاجتماعى.
وطالت إبان أزمتى «السمينار»، و«المقطم» اتهامات كثيرة لعدد من الآباء، وشهدت الساحة تراشقا كلاميا، مما دعا البابا، واللجنة الدائمة للمجمع المقدس إلى تشكيل لجنة مجمعية ترصد الإساءات الموجهة للكنيسة، والآباء.
ودعا البابا إلى ضرورة اختيار الألفاظ، والكلمات فى عصر التكنولوجيا، مشيرًا إلى أن السيد المسيح لم يؤلف كتابًا، ولكنه قدم نفسه كنموذج، وقدوة، وبهذا غيّر حياة ملايين الناس.
ثم جاءت رسالة الحسم فى عظة «ذكرى التجليس» على نحو يستهدف علاقة الأساقفة بالمقر البابوى، لافتًا إلى أن خدمة كل أسقف فى مكانه «إيبارشية، أو دير» مهمة، لكن وجودهم معًا يحمل دلالة خاصة.
وذهب البطريرك إلى أن وجود الأساقفة معًا فى هذا اليوم تحديدًا، والذى جاء بعد فترة انقسام فى الآراء، ومعارضة تبعتها عدة أزمات، أقوى من مائة عظة.
البابا الذى يسعى منذ بداية الأزمة لتضميد جراح الانقسام أضاف أن رؤية الناس للأساقفة مجتمعين تفرحهم، وتشعرهم بطمأنينة بالغة، ويؤكد وحدة الكنيسة.
لكن ذلك لم يمنع البابا من تعريج على «حق الاختلاف» قائلًا: «وحينما نلتقى، ونتحاور ونتقارب ونتشاور، ونتبادل الخبرات... إلخ، نزداد، وننمو، وتنمو الكنيسة».
وعاد البطريرك بعد رسائله المباشرة، والتى عالجت أركان عدة أزمات لحقت بالكنيسة منذ الإعلان عن «سيمنار المجمع» المؤجل، ليؤكد أن الهدف الأساسى من إنشاء مركز لوجوس، هو أن يكون لآباء المجمع المقدس مكان للإقامة، والخلوة وإقامة حلقات دراسية، ونقاشية لهم، هو أمر يحتاجه كل واحد منا بشدة.
يشار إلى أن البابا تواضروس الثانى جرى تجليسه على الكرسى المرقسى فى الثامن عشر من نوفمبر عام 2018، ليصبح البطريرك رقم 118 فى تاريخ باباوات الكنيسة القبطية.
وجاء تجليسه بعد نحو 15 يومًا من اختياره بطريركًا طبقًا لطقس القرعة الهيكلية التى جرت بين ثلاثة مرشحين للبابوية – الحاصلين على أعلى معدل أصوات فى الانتخابات التى جرت عام 2012- بعد نحو 6 أشهر من رحيل البابا شنودة الثالث.