منظمة الكوميكون.. مجلس تعاون اقتصادي شيوعي أنشئ ردا على خطة مارشال الأميركية
تاريخ النشر: 24th, July 2023 GMT
مجلس التعاون الاقتصادي "كوميكون" (COMECON) كان منظمة اقتصادية وسياسية، جمعت دول الكتلة السوفياتية من عام 1949 حتى عام 1991. وكان دورها الرئيسي إدارة وتنسيق الإنتاج والتجارة والبحث العلمي والاستثمار التعاوني بين الدول الأعضاء، ولكنها عملت أيضا أداة لإثبات القوة التي سعى الاتحاد السوفياتي إلى تعزيزها في مجال النفوذ السياسي والمصالح الاقتصادية لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية في مواجهة معسكر الرأسمالية الغربية، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.
في عام 1948، طلب الرئيس الأميركي هاري ترومان من الكونغرس تمرير قانون التعاون الاقتصادي، الذي أسس إدارة التعاون الاقتصادي (ECA)، لتسهيل تنفيذ خطة مارشال في 16 دولة من أوروبا الغربية.
وخطة مارشال خطة اقتصادية أُطلقت بمبادرة من وزير الخارجية الأميركي الأسبق جورج مارشال، من أجل مساعدة البلدان الأوروبية في إعادة إعمار ما دمرته الحرب العالمية الثانية وبناء اقتصاداتها من جديد، وذلك عبر تقديم هبات عينية ونقدية بالإضافة إلى حزمة من القروض الطويلة الأمد.
وذهبت مساعدات خطة مارشال أولا إلى اليونان وتركيا بهدف مواصلة سحق النفوذ الشيوعي هناك، وبموجب هذه الخطة، حُولت الأموال إلى كل الحكومات الأوروبية.
أشرف مستشار إدارة التعاون الاقتصادي وممثلون عن الحكومة المحلية والشركات والعمال على توزيع ومتابعة الأموال. واستخدمت أموال خطة مارشال بشكل أساسي لشراء الواردات الأميركية، مثل الغذاء والوقود، وتم القضاء على المصادر المحلية بسبب الحرب، وبمجرد استقرار الاحتياجات الأساسية، استخدمت الأموال لترميم البنية التحتية والصناعات فعليا.
وفي رد فعل على خطة مارشال، أنشئ مجلس المساعدة الاقتصادية "كوميكون" يوم 25 يناير/كانون الثاني 1949، عقب مؤتمر اقتصادي في موسكو، جمع كلا من ممثلي دول الاتحاد السوفياتي (بولونيا والمجر وتشيكوسلوفاكيا وبلغاريا ورومانيا).
وكان تأسيسه رد فعل من الاتحاد السوفياتي والكتلة الشرقية على خطة مارشال ومنظمة التعاون الاقتصادي الأوروبي في أوروبا الغربية، لأن الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين خشي من انجذاب حلفائه الشيوعيين إلى تأسيس علاقات اقتصادية قوية مع الغرب.
وكانت مساعدات خطة مارشال قد وصلت إلى جميع البلدان في أوروبا من دون استثناء، بما فيها تلك المتحالفة مع الاتحاد السوفياتي، مما دفع ستالين لإنشاء خطة المساعدة الاقتصادية الخاصة به، لضمان استمرار حلفائه ضمن المعسكر الشيوعي.
وفي بداية المفاوضات، كان المقصود أن تكون منظمة الكوميكون منتدى لتنسيق الخطط الاقتصادية الوطنية، من خلال التصديق بالإجماع على أي تغييرات أو سياسات جديدة. وبعد عام من تأسيسها زاد ستالين من سلطة المنظمة، عبر التدخل المباشر في الدول الأعضاء، وخاصة في مجالات التجارة الخارجية.
وضمت منظمة الكوميكون صنفين من الدول الأعضاء، الأول مجموعة الدول المؤسسة وهي دول الاتحاد السوفياتي حينها، وفي فبراير/شباط 1949 انضمت ألبانيا، لكنها جمدت مشاركاتها، بسبب خلافات مع الاتحاد السوفياتي ولعدم تسديدها التزاماتها المادية، وهو ما آل إلى تجميد مشاركاتها في المنظمة سنة 1961 وانسحابها رسميا سنة 1987.
وفي سنة 1950، جاء دور ألمانيا الشرقية في الانضمام إلى الكوميكون، ثم منغوليا عام 1962 ويوغسلافيا عام 1964، وانضمت كل من كوبا سنة 1972 وفيتنام عام 1978.
ووقعت منظمة الكوميكون أيضا اتفاقيات تعاون مع كل من فنلندا سنة 1973، والعراق والمكسيك سنة 1975 ثم أنغولا سنة 1976 ونيكاراغوا سنة 1984 وموزمبيق سنة 1985 ثم أفغانستان وإثيوبيا ولاوس واليمن الجنوبي سنة 1986.
ضمت لجنة مجلس الكوميكون ممثلين من جميع الدول المنضوية تحت لواء المنظمة، وتجتمع بصفة سنوية في مقر الأمانة العامة بموسكو.
الأهدافبين عامي 1949 و1959، كانت الكوميكون قائمة على مجموعة من الاتفاقيات المبرمة بين الدول الأعضاء، حول أهداف ومبادئ وتنظيم المؤسسة، لكن صياغة ميثاق مجلس المساعدة الاقتصادية استمرت عدة سنوات، ووُقّع نَصه يوم 14 ديسمبر/كانون الأول 1959، ودخل حيز التنفيذ في 14 أبريل/نيسان 1960.
وينص الميثاق في مادته الأولى على أن للمجلس "أهدافا اقتصادية، تتمثل في المساهمة عن طريق الاتحاد وتنسيق جهود الدول الأعضاء بالمجلس، للتنمية المتوازنة للاقتصاد، وتسريع نسق التقدم الاقتصادي والتكنولوجي في هذه البلدان، ولرفع مستوى التصنيع في البلدان ذات الصناعة الأقل نموا، مع الزيادة المستمرة في إنتاجية العمل، والارتفاع المطرد في رفاهية العيش في الدول أعضاء المجلس".
وقبل إحداث الكوميكون، كانت التجارة بين الدول الاشتراكية في أوروبا محدودة للغاية، نظرا لكون الهدف الأساسي للكوميكون تعزيز التبادلات بين الدول الأعضاء في المنظمة، كما أن هذه البلدان نفسها كانت تمر بفترة إعادة الإعمار والبحث عن التعافي الاقتصادي، بعد الحرب والثورة الاشتراكية.
أما من الناحية الكمية، فنجحت المنظمة من عام 1951 إلى عام 1967، في زيادة المعدل السنوي لحجم التبادلات بنسبة 10%، كما تمكنت أيضا من تحويل ما يزيد على 60% من إجمالي حجم التجارة الخارجية إلى تبادلات بين الدول الأعضاء في الكتلة.
ومنذ عام 1962، سعت الكوميكون إلى تنسيق الخطط الاقتصادية الوطنية، وخلق تخطيط دولي حقيقي يقوم على "التقسيم الاشتراكي العالمي"، وأقرت هذه الأهداف في الدورة 16 لمجلس المساعدة الاقتصادية المنعقد في السادس والسابع من يونيو/حزيران 1962، كما أقرت تنظيم أشكال من المساعدة المتبادلة، عن طريق الائتمان والمساعدة.
الهيكلةضمت منظمة الكوميكون العديد من الهياكل، كما يلي:
رئاسة المجلس: تضم ممثلين عن جميع الدول الأعضاء، وتتمتع حسب المادة السادسة من ميثاق المنظمة بأعلى سلطة تراتبية، ومن مهامها مناقشة الأسئلة المتعلقة بديمومة المنظمة، وبأداء دورها على أكمل وجه، وتنمية التعاون الاقتصادي والتقني والعلمي بين البلدان الأعضاء.
اللجنة التنفيذية: أنشئت سنة 1962، وتعد ثاني سلطة بعد رئاسة المجلس، وتتكون من ممثلين عن الدول الأعضاء، وتجتمع بصفة دورية كل شهرين، ومهمتها تنفيذ قرارات رئاسة المجلس، والإشراف على مخططات التعاون بين الدول الأعضاء، إضافة إلى توزيع المهام والتكليفات، وإحداث اللجان التي ترى ضرورتها لحسن سير برامج المنظمة.
لجان قارّة: أنشأتها رئاسة المجلس، ومهمتها دراسة المجالات الاقتصادية المتنوعة، والخروج بتوصيات ترفع إلى رئاسة المجلس لاتخاذ القرار.
ويمكن تصنيف اللجان القارة إلى قسمين: لجان اقتصادية عامة تنظر في المسائل المتعلقة بالمالية والإحصائيات والتنسيق في المجال العلمي، وأخرى قطاعية على غرار لجنة الطاقة الكهربائية، والفلاحة والتجارة الخارجية.
لجنة الكتابة: هيئة مكلّفة بالجانب التنظيمي والإداري لعمل الكوميكون، على غرار تنظيم الاجتماعات ومؤتمرات اللجان وإعداد تقارير عن نشاطات رئاسة المجلس. ويعتبر الكاتب العام للمنظمة أعلى رتبة وظيفية، وله صلاحيات تمثيلها لدى مؤسسات الدول الأعضاء، والمنظمات الدولية.
وقامت منظمة الكوميكون بإنشاء منظمات دولية متخصصة، تتمتع باستقلالية صورية، إذ تخضع في أغلب الأحيان لسلطة وتوصيات اللجان القارة، ومن بينها:
البنك الدولي للتعاون الاقتصادي "بي آي سي إي" (BICE)، الذي أنشئ في الأول من يناير/كانون الثاني 1964، ومقره في موسكو. وجاء إنشاء هذه الهيئة، غير المنصوص عليها في القوانين، إثر ضرورة وضع نظام دفوعات بالروبل القابل للتحويل، ويدير الهيئة مجلس يتكون من ممثل واحد عن كل دولة، بغض النظر عن حجم مساهمتها في رأس المال. هيئات متخصصة، لضمان تعاون الدول الأعضاء، توكل إليها مهمات خاصة في مجالات معينة، وعرفت هذه الهيئات تطورا لافتا في الدور الذي اضطلعت به بعد سنة 1962، إثر تطور التعاون في مجال السياسات الاقتصادية. وفي سنة 1964، وقعت اتفاقية إنشاء المنظمة الدولية لمنتجات الصلب، بين المجر وبولندا وتشيكوسلوفاكيا، بهدف التنسيق وترشيد المبادلات التجارية لهذه المادة الأساسية في مجال الصناعة.وللأهمية التي اكتسبها المجال الطاقوي في المنافسة المحتدمة مع الغرب، دفعت دول الكوميكون بقيادة الاتحاد السوفياتي إلى إحداث المعهد المشترك للأبحاث النووية سنة 1956.
ثم بعثت الإدارة المركزية لتوزيع منظومات الطاقة الموحّدة للدول الاشتراكية، التي تشرف على شبكات نقل الطاقة الكهربائية، ذات الضغط العالي، إضافة إلى شركة "أوليو ديك" (Oléoduc) لربط خط أنابيب لنقل النفط بين منطقة الفولغا في الاتحاد السوفياتي، ودول أوروبا الشرقية، والمنظمة الدولية للتعاون في مجال السكك الحديدية، التي وحدت قوانين النقل والتعريفات. الإخفاقات
في المرحلة الأولى التي يمكن تأريخها تقريبا من عام 1949 إلى عام 1954، تليها فترة انتقالية بعد وفاة جوزيف ستالين من 1953 إلى 1956، ظلّ مجال نشاط المنظمة محدودا للغاية، وكان يقتصر عمليا على إقامة علاقات تجارية وثيقة بين الدول الأعضاء.
وكان الاتحاد السوفياتي على عهد ستالين -من جانبه- مهتما بانتعاشه الاقتصادي، وتعزيز قوته العسكرية، فلم يهتم كثيرا بتقديم المساعدة الاقتصادية للبلدان التي كانت في معظمها "أعداء مهزومين"، والتي لم يكن يعتقد أنها تدين بولاء محسوم لصالح الاتحاد السوفياتي.
وأدى الجانب النظري إلى قرارات لا معنى لها على أرض الواقع، فكان ينادي بالعمل على التخطيط الأفضل والتخصص للصناعات الوطنية في البلدان الشيوعية.
ومن تلك القرارات تكليف بلغاريا بتصنيع التقنيات المتقدمة، وبناء مصانع الصلب في رومانيا التي تعتمد على الزراعة بشكل أساسي. وكانت مصانع الصلب تنقل الحديد والفحم من أماكن بعيدة، أما تشيكوسلوفاكيا فقد وجهتها الكوميكون نحو الصناعات الثقيلة رغم كونها البلد الأكثر تطورا في المجال التكنولوجي.
واجه التكامل الاقتصادي الذي تصورته كوميكون في أوائل الستينيات معارضة ومشاكل، وبسبب عدم توافق أنظمة الأسعار المستخدمة في مختلف البلدان الأعضاء، حددت أسعار معظم السلع من قبل الحكومات المحلية، وبعض هذه الأسعار لم تكن لها علاقة بالقيمة الفعلية للسلع في السوق.
وصعّب ذلك على الدول الأعضاء القيام بمبادلات تجارية مع بعضها بعضا، على أساس الأسعار النسبية، وبدلا من ذلك، كانت التجارة تتم في المقام الأول على أساس المقايضة من خلال الاتفاقات الثنائية بين الحكومات.
التفكّكرغم أن منظمة الكوميكون شجّعت على التقارب الاقتصادي، والتعاون في المجالين العلمي والتقني، فإن أهدافها وقراراتها لم تلق النجاح المأمول.
وعجزت المنظمة عن إيجاد التوازن الدائم والفعال في المبادلات التجارية، والتوازنات النقدية بين الدول الأعضاء في مواجهة المعسكر الغربي، إضافة إلى تنامي البيروقراطية والتعقيدات الإجرائية.
وعلى المستوى الجيوسياسي، ونظرا لتفكك الاتحاد السوفياتي وانهيار حلف وارسو، أصبح بقاء المنظمة أمرا غير ممكن، إذ بدأت كل دولة تسعى للتحلل من التزاماتها، لا سيما أن الوحدة الألمانية شكلت بداية الانهيار.
وكان مستوى التطور التكنولوجي في داخل المجموعة متخلّفا إلى حد كبير، مقارنة بالمجموعة الغربية، فكانت 70% من المنتجات الصناعية دون المواصفات العالمية.
إضافة إلى الإغراءات التي قدمت للدول الأعضاء، بالحصول على مساعدات كبيرة من الدول الغربية، بعد التخلص من الارتباط بالمعسكر الاشتراكي، كل هذه العوامل أدت إلى تفكك منظمة الكوميكون وتم إعلان ذلك يوم 28 يونيو/حزيران 1991 عقب اجتماع بودابست، الذي جمع الدول التسع التي كانت متبقية في المنظمة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: التعاون الاقتصادی رئاسة المجلس إضافة إلى فی مجال
إقرأ أيضاً:
رسوم ترامب تجعل أيرلندا الشمالية نقطة اشتباك اقتصادي بين بريطانيا وأوروبا
لندن- في وقت تعد فيه بريطانيا أقل الخاسرين من بين حلفاء الولايات المتحدة الغربيين من حرب الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على دول العالم دون أن تتجاوز نسبة تلك الضرائب 10%، لا تخشى أيرلندا الشمالية رسوم ترامب ولكنها تترقب بقلق طبيعة الرد الأوروبي على السياسات الحمائية الأميركية.
فيبدو أن مستقبل الوضع الاقتصادي في هذه المقاطعة البريطانية معلق على رجاء أن لا يختار الاتحاد الأوروبي معاملة السلع الأميركية بالمثل ويفرض عليها ضرائب جمركية بنسبة 20%، مما يضع أيرلندا الشمالية التي تربطها في الآن ذاته صلات تجارية بالسوق الأوروبية وبريطانيا وعلاقات تاريخية بالولايات المتحدة في وضع صعب وغير مسبوق.
حدود تماس تجاري صعبةوبموجب الترتيب التجاري لما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الوارد فيما يعرف بـ"إطار وندسور" ، يجب أن تلتزم السلع القادمة إلى أيرلندا الشمالية بقواعد الاتحاد الأوروبي، مما يعني أن أي قرار للرد بالمثل من قبل الكتلة الأوروبية على رسوم ترامب الجمركية سيعني أن البضائع الأميركية التي ستدخل أيرلندا الشمالية ستواجه تعريفات جمركية.
في المقابل لن تدفع السلع الأميركية التي تدخل مناطق أخرى في المملكة المتحدة أي رسوم، مما سيترتب عنه رفع الكلفة الاقتصادية لأي بضائع أميركية يستهلكها المواطنون في أيرلندا الشمالية بالمقارنة مع باقي المناطق البريطانية.
إعلانواستطاع المفاوضون الأوروبيون والبريطانيون التوقيع قبل عامين على "إطار ويندسور" حل الخلاف بشأن الحدود الصلبة بين بريطانيا وجزيرة أيرلندا، والحفاظ على الوضع الخاص لأيرلندا الشمالية كمقاطعة بريطانية وأيضا كعضو في السوق الأوروبية المشتركة، سعيا للحفاظ على السلام الهش في جزيرة أيرلندا بين الوحدويين والجمهوريين بعد صراع أهلي دام لعقود، انتهى بالتوقيع على اتفاق "الجمعة العظيمة" برعاية أميركية عام 1999.
لكن "إطار ويندسور" قد يجعل من أيرلندا الشمالية نقطة جذب للمصنعين، الذين سيستطيعون بموجب قواعد الاتفاق الوصول إلى الأسواق البريطانية والأوروبية دون تسديد رسوم جمركية، في حين تخضع سلعهم المصدرة للولايات المتحدة فقط لنسبة 10% على خلاف باقي الدول الأوروبية.
وقال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إن الحكومة تترقب بـ"عناية" طبيعة الرد الأوروبي على التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب، وستعمل على التنسيق مع الاتحاد بشأن انعكاسها المحتمل على أيرلندا الشمالية.
في المقابل، دفع الارتباك الذي تعيش على وقعه الأسواق في أيرلندا الشمالية، زعيم الحزب الوحدوي الديمقراطي (DUP) جافين روبنسون لتذكير حكومة حزب العمال أمام البرلمان بتحفظ الوحدويين على وضعية أيرلندا الشمالية بعد خروج المملكة من الاتحاد الأوروبي، محذرا أن الأيرلنديين رهن قرار تتخذه بروكسل في حين أنهم يخضعون للسيادة البريطانية.
ويعيد الوضع المربك لأيرلندا الشمالية في علاقتها بالرسوم الجمركية الجدل بشأن التنازلات التي قبلت بها بريطانيا بخصوص الوضع في أيرلندا الشمالية في إطار اتفاق بريكست، الذي أثار خلافات حادة بين الحكومة البريطانية والحزب الوحدوي في أيرلندا الشمالية، بلغت حد رفضه المشاركة في الحكومة على مدى عامين كاملين، قبل موافقته على الدخول في التشكيلة الحكومية العام الماضي.
إعلانفي المقابل، حذرت وزيرة المالية كاويمي أرشيبالد في الحكومة الإقليمية بأيرلندا الشمالية، من حالة عدم اليقين التي تعصف بالأسواق بسبب عدم قدرة المصنعين والمستثمرين على الحسم في طبيعة الضرر أو المنفعة الاقتصادية المترتبة عن السياسات الحمائية الجديدة وانعكاسها على أيرلندا الشمالية.
وتبلغ صادرات أيرلندا الشمالية إلى الولايات المتحدة كل سنة نحو 1.5 مليار جنيه إسترليني (نحو 1.93 مليار دولار)، تشمل أغلبها قطاعات الأدوية والآلات الصناعية، في حين تستورد أيرلندا الشمالية سنويا نحو 750 مليون جنيه إسترليني (نحو 966 مليون دولار) من السلع الأميركية، وقد تحتاج لدفع أعباء إضافية في حال اختار الاتحاد الأوروبي فرض رسوم مضادة على البضائع الأميركية.
وعلى الحدود الصعبة لأيرلندا الشمالية مع جمهورية أيرلندا، تبدو الأخيرة أكثر المتضررين من الرسوم الجمركية الجديدة، حيث تعتمد البلاد على الولايات المتحدة كسوق أساسي للتصدير، ويوجه ما يقارب من ثلث إجمالي صادراتها إلى الولايات المتحدة بقيمة 61 مليار جنيه إسترليني (نحو 78.6 مليار دولار).
وفي حين لايزال الرد الأوروبي على السياسات الحمائية الأميركية دون معالم واضحة، بينما تتبنى الحكومة المركزية في لندن نهجا أكثر ليونة مع الإدارة الأميركية، تتعالى أصوات الساسة في أيرلندا الشمالية، مطالبة كلا من الأوروبيين والبريطانيين بأخذ الوضع الخاص لأيرلندا في عين الاعتبار، وتنسيق الرد على رسوم ترامب الجمركية لتخفيف تداعياتها على اقتصاد المقاطعة البريطانية.
وفي هذا السياق يشدد ماتياس بووير مدير المعهد الأوروبي للاقتصاد السياسي (ECIPE) في حديث للجزيرة نت، أن "إطار ويندسور" الذي ينظم المبادلات التجارية لأيرلندا الشمالية مع الاتحاد الأوروبي، قادر على امتصاص الصدمة التجارية مادام قد صمم لأجل ذلك الغرض في الأساس، دون أن يستبعد أن يحفز تعقيد الوضع في أيرلندا الشمالية الخلافات في أكثر من اتجاه سواء بين الخصوم السياسيين في الداخل وفي علاقة بريطانيا بجيرانها الأوروبيين.
إعلانورجح الخبير الاقتصادي أن تبني الإدارة الأميركية للسياسات الحمائية قد يدفع البريطانيين والأوروبيين إلى التقارب، وهي المهمة التي يحاول رئيس الوزراء البريطاني إتمامها -رغم نهجه البراغماتي والمهادن للإدارة الأميركية- بهدف ضخ دماء جديدة في علاقة بلاده مع الاتحاد الأوروبي في ظل التحديات التي فرضها وصول ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة .
في المقابل، يرى أن على الأوروبيين والبريطانيين العمل على استغلال الارتباك الدولي للإمساك بزمام قيادة الاقتصاد العالمي و تشكيل أجندة التجارة العالمية، بدلا من الدفاع عن الوضع الراهن، أو البحث عن سبل للانتقام من الإدارة الأميركية الجديدة.
شرخ لا يُرتقلكن دافيد هانيغ عضو لجنة التجارة والأعمال البرلمانية البريطانية يشكك -في حديث للجزيرة نت- في صلابة أواصر الثقة التي تربط الكتلة الأوروبية ببريطانيا بعد انفصالها العسير عن الاتحاد وإصرارها على تفضيل علاقاتها الخاصة مع الولايات المتحدة على أي تقارب أوروبي، محذرا من أن الوضع الاقتصادي في أيرلندا الشمالية قد يكون ضحية للريبة والشك الذي يطبع هذه العلاقة.
وأوضح الخبير الاقتصادي البريطاني أن كلا من بريطانيا والاتحاد الأوروبي رغم اختلاف مقاربتهما للتعامل مع سياسات ترامب الحمائية، لكنهما يراقبان بقلق انعكاساتها على الوضع الاقتصادي والسياسي الهش في أيرلندا الشمالية، لكن دون القدرة على بلورة خطة مشتركة لمواجهتها بشكل موحد، مشددا على أن هذه الانقسامات تفضلها الإدارة الأميركية لعقد صفقات تستفرد عبرها بكل دولة أوروبية على حدة.