تدافعت التوقعات عن تغيير منتظر في النظام الدولي، بعد أن ترنحت واهتزت قواعده التي سبق أن أرستها قوى عالمية، تولت قيادة هذا النظام، وهي القواعد التي تضمنت مبادئ قانونية، وسياسية، واقتصادية، وإنسانية، وأخلاقية، وكلها تطالب دول العالم بالالتزام بها وتحاسبها على الإخلال بها.
ثم جاءت حرب غزة، لتكشف خروجاً صارخاً على جميع تلك القواعد من نفس القوى الدولية التي أسست النظام الدولي من بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، وتولت قيادته.
وأثناء متابعتي لتلك التوقعات، تركز اهتمامي على ما طرحه «المعهد الملكي للشؤون الدولية» في بريطانيا والمعروف باسم «شاتهام هاوس»، والذي سبق خلال سنوات عملي في بريطانيا، ترددي المتواصل عليه ببطاقة عضوية لحضور مؤتمراته السياسية، والاطلاع على ما تزخر به مكتبته من مؤلفات ووثائق مطبوعة، ولم تكن جنسيته البريطانية تمنعه من إعلان رأيه الصريح في سياسة حكومة دولته، لو وجدها تخالف المبادئ التي يتبناها.
عندئذ تأملت باهتمام آخر دراسة له بعنوان: هل ستصبح غزة نقطة فاصلة لمستقبل النظام الدولي؟.
ثم يقول: إن اعتراف محكمة العدل الدولية في لاهاي بالدمار الذي ألحقته إسرائيل بغزة، باستخدامها الإبادة كانت في الوقت نفسه محاكمة للنظام الدولي.
وإن هذه التصرفات التي ضربت قواعد وأسس النظام الدولي، قد ساندتها الدول التي أوجدت من البداية هذا النظام. ولهذا يواجه النظام الدولي بسبب حرب إسرائيل في غزة أخطر تحد وبشكل مروع وبصورة تستعصي على علاجه عالمياً.
وإن الجلسات التي عقدتها محكمة العدل الدولية، وما قدم لها من وثائق مثبتة للإبادة المتعمدة، قد أظهرت أن القواعد والمؤسسات التي تأسس عليها النظام الدولي قد تقوض بنيانها اليوم، وعلى يد الدول التي أوجدت هذا النظام.
وراح يرتفع صوت الفلسطينيين وكل الشعوب التي أيدتهم في موقفهم، في اتهام هذه القوى ومؤسساتها بأنها تمارس ازدواجية المعايير، ومن حلفاء إسرائيل الذين يتحملون هم أيضاً مسؤولية هذه الأحداث.
وهذا يجعل اللحظة الراهنة تكشف بوضوح عن الصورة المتوقعة لمستقبل النظام العالمي الموجود حالياً.
إن النظام الدولي الحالي بدأ كجزء لا يتجزأ من مشروع عالمي لدول الغرب، ليستمر لعقود طويلة. ولذلك لم تكن التناقضات في سلوكيات القوى التي تديره شيئاً جديداً بالنسبة لما طرأ على الأسس التي يقوم عليها النظام الدولي حالياً.
فالقوى الغربية كانت دائماً تصّر على أنها تدافع عن الديموقراطية، وحقوق الإنسان، وحرية الشعوب، ومؤكدة أن تلك المبادئ هي قيم المؤسسات التي يقوم عليها النظام الدولي.
ثم جاء النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، لكي يبرز التناقضات الموروثة في مواقف الغرب كضامن للنظام الدولي وقواعد عمله. عندئذ راح العالم يشهد التدمير الكامل والإبادة الجماعية، وأشد انتهاكات حقوق الإنسان بشاعة ووحشية، في غزة.
وهو ما أظهر تناقضات متأصلة في مواقف الغرب كضامن لقواعد النظام الدولي. ورأينا كيف كانت أمريكا وبريطانيا ترفضان وقف إطلاق النار، الذي كان يمثل إيقافاً للانقضاض الضاري الإسرائيلي على غزة وأهلها.
بل إنهم استمروا في تزويد إسرائيل بالتمويل والسلاح بما فيه القنابل التي استخدمت في حصار المستشفيات وضربها، وكذلك الهجوم على منظمات حقوق الإنسان، والصحفيين، في انتهاك صارخ للقانون الدولي.
ثم تقول شهادة شاتهام هاوس: إن القواعد التي قام عليها النظام الدولي الحالي صارت لا تناسب التعامل مع وضع مفجع، ومع أهم نزاع نشهده الآن في الشرق الأوسط.
وإذا لم يوجد حل غير مسبوق لوقف إراقة الدماء في غزة، فإن ذلك سوف يقوض ثقة العالم في المؤسسات التي أنشئت أصلاً لهذا الغرض، وسيؤدي إلى تحلل أركان النظام الدولي، وهو وضع كان لا بد أن يفرض على الدول الغربية التفكير الجدي في هذه اللحظة التاريخية التي يعيشها العالم الآن، وما الذي ينتظر أن يأتي بعدها.
وإذا كان قد استقر في أذهان الذين يتأملون المواقف السلبية التي اتخذتها قوى دولية من حرب إسرائيل في غزة، فإن اعتراف محكمة العدل الدولية بالإبادة التي ترتكبها إسرائيل في غزة، إنما هو بمكانة محاكمة للنظام الدولي ذاته.
فإن معنى ذلك أن النظام مقبل على حقبة جديدة في تاريخه، تمهد لنظام دولي جديد ومختلف. وإن ذلك سوف ينعكس على كيان المنظمة الدولية – الأمم المتحدة – التي شلت إرادتها من أجل إقرار العدل والسلام في مناطق من العالم، وكبلت إرادتها بضغوط تحول بينها وبين فرض القوانين والأحكام والقرارات الدولية على من يتجاهلها، وأحياناً من يستخفون بها، وبتعدد استخدم «الفيتو» لمنع صدور قرار يفترض أنها تحمي القانون الدولي، وفق القواعد التي أرساها من البداية الذين أقاموا هذا النظام، بينما هم الذين يخالفونها اليوم.
عاطف الغمري – صحيفة الخليج
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: هذا النظام فی غزة
إقرأ أيضاً:
إيرلندا تنوي الانضمام إلى دعوى الإبادة الجماعية ضد إسرائيل
قال وزير الخارجية الإيرلندي، إن بلاده تنوي الانضمام إلى جنوب إفريقيا في دعواها المقدّمة ضدّ إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، وذلك قبل نهاية العام.
وأتت تصريحات مايكل مارتن فيما أقر البرلمان الإيرلندي نصّاً غير ملزم جاء فيه، أن "إبادة جماعية ترتكب أمام أعيننا على يد إسرائيل في غزة".
وفي ديسمبر (كانون الأول)، رفعت جنوب إفريقيا دعوى أمام محكمة العدل الدولية باعتبار أن الحرب في غزة تنتهك اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها والتي اعتمدتها الأمم المتحدة في العام 1948.
Ireland to join South Africa ICJ ‘genocide’ case against Israel
Follow our live Gaza coverage here: https://t.co/MOCiYNsTW3 pic.twitter.com/2fTQ17XcoC
والتحقت عدّة دول بالدعوى، منها إسبانيا وبوليفيا وكولومبيا والمكسيك وتركيا وتشيلي وليبيا.
وكانت إيرلندا قد كشفت نيّتها تقديم التماس للمحكمة حال تقديم جنوب إفريقيا الوثائق الداعمة لشكواها، وهو ما قامت به الأخيرة الإثنين.
وصرّح مارتن أمام البرلمان، أن "قرار الحكومة التدخّل في القضية المرفوعة من جانب جنوب إفريقيا استند إلى تحليل قانوني مفصّل ودقيق".
وأكد أن "إيرلندا من كبار داعمي عمل المحكمة وهي ملتزمة التزاماً راسخاً بالقانون الدولي والمساءلة".
وأعلنت جنوب إفريقيا الإثنين أنها سلّمت المحكمة، بناء على طلبها، مذكّرة تتضمّن "أدلّة" على ارتكاب إسرائيل "إبادة جماعية" في قطاع غزة.
وكشف مكتب الرئيس سيريل رامابوزا أن المستند غير المخصّص للنشر "يضم أكثر من 750 صفحة، مدعّماً بأكثر من أربعة آلاف صفحة من البيانات والملاحق".
وأكّد مسؤول في المحكمة التي مقرها في لاهاي تلقّي الوثيقة من دون الإفصاح عن مزيد من التفاصيل.
تعدّ إيرلندا من البلدان الأكثر انتقاداً لإسرائيل في حربها على غزة.
ولم تعترض الأحزاب المشاركة في الحكومة الإيرلندية على نصّ رمزي قدمته المعارضة الخميس، يتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في حقّ الفلسطينيين.