راجمة الصواريخ الروسية "توس- 1 إيه" (Tos-1A) المشهورة باسم "الشمس الحارقة" سلاح روسي صممته وطورته الشركة الروسية "أومسك ترانسماش" (Omsk Transmash)، ويعتبر الأشد فتكا وتدميرا بعد السلاح النووي.

راجمة الصواريخ "توس-1 إيه" قادرة على إطلاق حزمة صواريخ ذات نوعين من الرؤوس الحربية، حرارية وحارقة، وقد أثبت هذا السلاح قوته التدميرية في عدد من بؤر التوتر عبر العالم، مثل أفغانستان والعراق وسوريا وغيرها، وخلّف آثارا مروعة في كل الحروب التي استخدم فيها نظرا لقدرته على حمل صواريخ ذات رؤوس حربية وقودية هوائية شديدة التفجير.

خصائص ومميزات

يبلغ وزن راجمة الصواريخ الروسية "توس – 1 إيه" نحو 45 طنا، وهي مثبتة فوق هيكل دبابة من نوع "تي-90 إس"، في حين كانت النسخ السابقة تثبت على هيكل دبابة "تي-72″، كما يمكنها الانطلاق بسرعة تبلغ نحو 60 كيلومترا في الساعة.

تتميز راجمة الصواريخ "توس- 1 إيه" بعدة خصائص تجعل منها سلاحا فتاكا على مستوى المعارك البرية، ومنها:

لديها قدرة على إلحاق خسائر فادحة بصفوف قوات العدو، وعزل المناطق التي تستهدفها وقطع خطوط الإمداد عنها بفضل قوتها النارية العالية القادرة على حرق مواقع عسكرية في ثوان معدودة. وتعد نموذجا مطورا لراجمة "توس-1″، ويمكن تجهيزها للإطلاق في غضون 90 ثانية فقط، ويتراوح مداها ما بين 400 و6 آلاف متر. لديها 24 أنبوبا (30 أنبوبا في النسخة القديمة) مما يجعلها قادرة على إطلاق 24 صاروخا خلال مدة زمنية تقدر بـ6 ثوان في حالة الإطلاق المزدوج، و12 ثانية في حالة الإطلاق الفردي. الراجمة مجهزة أيضا بمركبة دعم مرافقة لها في أثناء المعارك تحمل 48 صاروخا آخر. تستطيع إطلاق صواريخ حرارية من عيار 220 ملم مجهزة بمحركات تشتغل بالوقود الصلب ومزودة على الأقل بنوعين من الرؤوس الحربية (الحارقة والحرارية) ذات قذائف فراغية، تعرف بـ"المتفجرات الوقودية الهوائية"، تعمل على تحويل الهواء إلى نيران مشتعلة وتخلف دمارا كبيرا، لأن لديها موجة انفجار أكبر بكثير بالمقارنة مع الأسلحة التقليدية. تستطيع "الشمس الحارقة" الدوران 360 درجة لحظة إطلاقها الصواريخ، ويتحكم في عملية الإطلاق نظام إلكتروني يمكّن راجمة الصواريخ الروسية من تحديد أهدافها بدقة عالية. وبفضل قدرتها على إطلاق الصواريخ في كل الاتجاهات بمدى يبلغ 6 كيلومترات، يمكن لراجمة الصواريخ الروسية تغطية مساحة قتال تصل إلى 40 كيلومترا مربعا. تتميز أيضا بسرعة المناورة في أثناء خوضها المعارك وقدرتها على التخفي في ساحات القتال كونها مزودة بنظام توليد دخان يوفر لها غطاء يحول دون تحديد موقعها بدقة من طرف قوات العدو. تتيح قاذفة الصواريخ الروسية "توس- 1 إيه" إمكانية حمل 3 أفراد، وهم السائق والقائد والمدفعي. راجمة الصواريخ الروسية تتيح إمكانية حمل 3 أفراد، وهم السائق والقائد والمدفعي (رويترز) أول استخدام "للشمس الحارقة"

يعود أول استخدام لراجمة الصواريخ الروسية في نسختها القديمة التي كانت تسمى "توس- 1″ ولقبها الروس بـ"بوراتينو" (شخصية كرتونية قديمة)، إلى الفترة ما بين 1988 و1989، في وادي بنجشير ضد المقاتلين الأفغان، خلال الحرب الروسية الأفغانية.

وفي سنة 1999، استعملها الجيش الروسي في الحرب الشيشانية الثانية، حينما تمت محاصرة العاصمة غروزني. وقد أبانت حينها الراجمة الروسية عن قدرات تدميرية كبيرة، فقد أدت تفجيراتها إلى نسف مبان وأحياء سكنية بكاملها، كما عملت على تفجير ألغام كان قد زرعها مقاتلون شيشان، تحولت على إثرها العاصمة الشيشانية إلى أرض قاحلة مدمرة بالكامل.

أما "توس-1 إيه" النسخة المطورة لـ"توس- 1″، فقد دخلت الخدمة لأول مرة بشكل رسمي من طرف الجيش الروسي عام 2001.

وفي سنة 2014، حصلت القوات العراقية على راجمات "توس- 1″، التي اقتنتها من روسيا الاتحادية، واستخدمتها في قتالها ضد تنظيم الدولة الإسلامية خلال معركة جرف الصخر. ولا يزال استخدام هذه النسخة من راجمة الصواريخ الروسية متواصلا في الصراع بين أذربيجان وأرمينيا على مستوى إقليم ناغورني قره باغ.

وفي سوريا استخدم الجيش السوري بدوره راجمة الصواريخ "توس-1 إيه" في حربه ضد المعارضة المسلحة في البلاد، حيث نشرها في مواقع مختلفة من بينها مدينة حماة.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2017، وقّعت "قوات الحماية الإشعاعية والكيميائية والبيولوجية" (CBRN defence) الروسية عقدا لتلقي ما يصل إلى 20 راجمة صواريخ "توس-1 إيه".

واستخدم الجيش الروسي راجمة الصواريخ الروسية مرة أخرى، في نسختها المطورة "توس- 1 إيه"، خلال حرب روسيا على أوكرانيا في مقاطعة ساراتوف، ولعبت دورا كبيرا في إلحاق خسائر مروعة بالقوات الأوكرانية.

وحسب تقارير عسكرية روسية، تبقى المهمة الرئيسية للراجمة "توس- 1 إيه" هي القضاء على القوات المعادية عبر تدمير الآليات والمدرعات ومعدات الدفاع الجوي، وتخريب معاقل العدو المحصنة وتدمير المخابئ وغيرها، عن طريق "إشعال الحريق باستخدام أحدث أنظمة البرامج للإشارة الطبوغرافية".

الراجمة الروسية تؤدي إلى تدمير كل ما في موقع الانفجار وقتل واختناق الكائنات الحية (رويترز) المتفجرات الوقودية الهوائية.. قوة تدميرية هائلة

حينما تطلق منظومة "الشمس الحارقة" الصواريخ الحرارية، المزودة بالرؤوس الحربية، ذات القذائف الفراغية التي تعرف بـ"المتفجرات الوقودية الهوائية"، تنتشر سحابة كبيرة من الغازات الساخنة ذات الضغط العالي والقابلة للاشتعال في الهواء، وتبدأ هذه الغازات في التسرب داخل المباني والكهوف وغيرها قبل أن تُحدث انفجارا ناريا قويا بعد تفاعلها مع مادة متفجرة ثانوية.

يؤدي الانفجار الناري إلى تدمير موقع الانفجار والمباني المحيطة به والخنادق بشكل كامل، مع اشتعال النار في الهواء، فتمتص الأكسجين من المكان المحيط بالانفجار وحتى من داخل رئتي الإنسان، مما يتسبب في حروق مميتة واختناقات للضحايا تؤدي إلى موتهم.

كما أن امتصاص الأكسجين الموجود في الهواء جراء الانفجار ينتج هجوما للضغط الجوي بهدف تعويض الضغط السلبي الذي يحدثه الانفجار، مما يؤدي إلى تدمير وإبادة كل ما هو موجود في مكان الانفجار ومحيطه، فيقتل الضحايا مباشرة ويشوه جثثهم بشكل مروع، وتتكسر عظامهم وتتمزق أعضاؤهم ويتعرضون لنزيف داخلي، مما يجعل الدروع الواقية وخوذة الرأس الصلبة التي يرتديها الجنود عديمة الفعالية أمام قوة هذا السلاح الفتاك.

وقد تبنى الاتحاد السوفياتي سابقا هذا السلاح وطوره، بعد فترة وجيزة من استخدامه لأول مرة من طرف الولايات المتحدة الأميركية، التي تعتبر أول من استعمل هذا النوع من السلاح، ووظفته في عديد من الحروب التي خاضتها في مناطق متعددة عبر العالم كحرب فيتنام وحربها ضد حركة طالبان ومطاردة الزعيم السابق لتنظيم القاعدة أسامة بن لادن في جبال أفغانستان.

"توسوشكا" نسخة مطورة لـ"الشمس الحارقة"

"توس- 2" وتلقب أيضا بـ "توسوشكا" (Tosochka) هي أحدث جيل من أنظمة قاذفات اللهب أو قاذفة الصواريخ الروسية "توس- 1 إيه" الملقبة بـ"الشمس الحارقة". وقد كشف عن هذه النسخة الجديدة لأول مرة خلال العرض العسكري الروسي بمناسبة يوم النصر في مايو/أيار 2020.

وخلافا لـ"توس- 1 إيه" المثبتة فوق هيكل دبابة من نوع "تي- 90 إس"، يتم تثبيت "توس- 2" فوق شاحنة عسكرية 6 في 6 مصفحة، من صنع وتصميم شركة "أورال" (Ural) الروسية. وتحتوي "توس- 2" على 18 أنبوبا (3 صفوف من 6 أنابيب) تسمح لها بإطلاق 18 صاروخا، على عكس سابقتها التي بها 24 أنبوبا.

وتتميز "توس- 2" هي الأخرى بقدرتها على إطلاق صواريخ حرارية عيار 220 ملم، تعمل بالوقود الصلب، بمدى إطلاق يتراوح ما بين 3500 متر و100 ألف متر، عكس "توس- 1 إيه" التي يتراوح مداها ما بين 400 متر و6 آلاف متر.

وتتوفر "توس- 2" على آلية رفع خاصة مرتبطة بها، ولا تحتاج إلى مركبة مرافقة لها كما هي الحال بالنسبة لـ"توس- 1 إيه"، وتحتاج هي الأخرى لـ90 ثانية فقط من أجل إعدادها لإطلاق أول صاروخ، ويشتغل بها طاقم من 5 أفراد، وهي مجهزة بمعدات ملاحة حديثة، ويمكنها إطلاق حزمة صواريخ من أماكن وعرة غير مجهزة لعملية الإطلاق.

وتستطيع الانطلاق بسرعة تصل إلى 100 كيلومتر في الساعة.

وتحدثت مصادر إعلامية -من بينها وكالة الأنباء الروسية تاس- عن أن القوات الروسية نشرت راجمة الصواريخ "توس- 2" في أوكرانيا تمهيدا لاستخدامها في القتال.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الشمس الحارقة على إطلاق ما بین

إقرأ أيضاً:

أمريكا تُجاري الإنجازات اليمنية في تكنولوجيا الصواريخ البالستية المضادّة للسفن

يمانيون/ تحليل

لطالما كانت الصواريخُ الباليستيةُ تُستخدَمُ بشكل رئيسي ضد الأهداف الثابتة على الأرض، إلا أن اليمنيين أظهروا قدرة على تعديلِ هذه الصواريخ لتستهدف الأهداف البحرية المتحَرّكة، في تحوُّلٍ نوعي مفاجئ لم يكن مألوفًا في تاريخ الحرب الحديثة، ومنذ أن بدأت المعركةُ البحريةُ في البحر الأحمر تزايدت اهتماماتُ الولايات المتحدة الأمريكية لتطويرِ تقنيات جديدة للصواريخ الباليستية القادرة على استهداف الأهداف المتحَرّكة، في محاولة لمنافسة الإنجاز الذي حقّقه اليمنيون في هذا المجال؛ ما أثار اهتمامًا دوليًّا، خَاصَّةً في الصحافة الأمريكية.

موقع breakingdefense العسكري نشر في 6 مارس 2024 تقريرًا قال: “لقد حقّق الحوثيون بالفعل تاريخًا عندما أصبحوا أول مجموعة تضرب بنجاح سفينة بحرية بصاروخ باليستي”، ويقول الخبراء لموقع Breaking Defense: إن “الأسلحة أظهرت مدىً كافيًا للوصول إلى القواعد الأمريكية في المنطقة وتهديد نقاط الاختناق الاستراتيجية في الشرق الأوسط. وما يزيد الطين بلة: يحذر المحللون من أنه من المرجح أن تدرُسَ الصين وروسيا، المنافِسان الرئيسيان لأمريكا، كيف نجحت هذه الأسلحة وما هو الخطر الذي تشكّله على الدفاعات الجوية الأمريكية، في محاولة لإيجاد ثغرة في الدروع الغربية”.

وَأَضَـافَ التقرير “يتفق عدد من الخبراء على أن استخدام الحوثيين الأخير للصواريخ الباليستية لاستهداف السفن التجارية يشير إلى أول استخدام للصواريخ الباليستية في تاريخ الحرب الصاروخية”.

وتابع الموقع “على الرغم من أن هذا النوع من الصواريخ يواجه تحديات في التوجيه على الأهداف المتحَرّكة، فَإنَّ الحوثيين استطاعوا أن يطوروا أنظمة توجيه باستخدام رادارات دقيقة وأدوات تكنولوجية لتوجيه الصواريخ نحو السفن، وهو أمر يُعتبر تحديًا تقنيًّا غير مسبوق في الصواريخ الباليستية”.

تطور القدرات الصاروخية اليمنية في استخدام الصواريخ البالستية لضرب الأهداف البحرية المتحَرّكة كان مثيرًا للاهتمام بشكل كبير؛ فتطوير صواريخ باليستية قادرة على إصابة أهداف بحرية متحَرّكة بدقة يعتبر تحديًا تقنيًّا غير مسبوق في هذا المجال.

هذه القدرةُ على توجيه الصواريخ باستخدام رادارات دقيقة وأدوات تكنولوجية متطورة، رغم الصعوبات التي يواجهها التوجيهُ على الأهداف المتحَرّكة، أثارت اهتمامًا واسعًا بين الخبراء العسكريين وأصبحت حديثَ الصحافة الدولية.

 

الولايات المتحدة تتبع نفس المسار:

في خطوة مفاجئة، قرّرت الولايات المتحدة التوجّـه نحو تطوير صواريخ باليستية قادرة على ضرب الأهداف المتحَرّكة، لا سِـيَّـما في سياق التحديات العسكرية التي فرضتها الأنظمة الصاروخية المتطورة مثل تلك التي أطلقتها القوات المسلحة اليمنية، وتعتبر صواريخ PrSM (Precision Strike Missile) واحدة من أبرز الأمثلة على هذا التحول الأمريكي في الاستراتيجية العسكرية.

في يونيو 2024 أعلنت وزارة الحرب الأمريكية عن نجاحها في اختبار صاروخ باليستي من طراز Precision Strike Missile (PrSM) ضد هدف بحري متحَرّك خلال مناورات “فاليانت شيلد 24″، فيما ذكر موقع نافال نيوز العسكري المهتم بالدفاع البحري ذكر أنه ورغم إعلان أمريكا عن هذا الإنجاز، ونجاح تجربة الصاروخ لم تقدم الولايات المتحدة أية صور أَو مقاطع فيديو حية توثق العملية وتثبت ذلك النجاح.

يقول الأمريكان: إن تطوير صواريخ PrSM الأمريكية يأتي في سياق سباق تسلح في بحر الصين الجنوبي والمحيط الهادئ، حَيثُ تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز قدرتها على تدمير الأهداف البحرية المعادية، وأن هذه الصواريخ مصممة لتكون قادرة على ضرب الأهداف الثابتة والبحرية المتحَرّكة على حَــدٍّ سواء.

وبينما يصر الجيش الأمريكي على أن هذا التطور يأتي في إطار تحضيراته لمواجهة تحديات عسكرية محتملة مع دول مثل الصين وروسيا، يبقى من الواضح أن جزءًا من هذا الاهتمام هو نتيجةٌ لتطورات تهديدات الجيش اليمني في البحر الأحمر.

ومع مساعي الولايات المتحدة الأمريكية لرفع مستوى قدراتها العسكرية في مجال الهجمات على الأهداف البحرية المتحَرّكة، يظل نجاح اليمنيين في تطوير صواريخ باليستية قادرة على تدمير السفن الحربية في البحر، مصدرَ إلهام كبيرًا لهذه التقنيات.

من جهة أُخرى، يعكس هذا السباق العسكري المحموم التوترات المتزايدة في المحيطَينِ الهندي والهادئ، وهو ما يجعل هذه التقنيات في صميم الصراعات المستقبلية.

في 18 ديسمبر، أكّـد تقرير نشر في موقع ديفنس بلوغ العسكري أن شركة لوكهيد مارتن تعمل على تطوير تقنية الصواريخ البالستية المتقدمة، وذلك ضمن برنامج Precision Strike Missile (PrSM) وأنها حصلت على عقد بقيمة 59.2 مليون دولار لعملها في برنامج Precision Strike Missile (PrSM) K، وهو برنامج صاروخي باليستي لضرب الأهداف المتحَرّكة يهدف هذا البرنامج إلى تحسين دقة وقوة الضربات العسكرية على مسافات تتجاوز 500 كيلومتر، ويعد جزءًا من جهود الجيش الأمريكي لتحديث قدراته العسكرية في مواجهة التهديدات المستقبلية.

تقول الشركة إنه تم تصميم صاروخ Precision Strike لضرب الأهداف الثابتة وشبه المتحَرّكة على مسافات تتجاوز 500 كيلومتر.

شركة لوكهيد مارتن كانت قد أعلنت قبل أشهر أنها نجحت مع الجيش الأمريكي في تحقيق تقدم في عمليات إطلاق تجريبية لمثل هذا النوع من الصواريخ إلَّا أن الواقع لا يعكس بالضرورة تلك الصورة المبهرة.

فبينما تم الإعلان عن بعض النجاحات في الاختبارات الأولية لنظام الصواريخ مثل Precision Strike Missile (PrSM)، والتي تقول الولايات المتحدة إنها قد تمكّنت من تحسين قدرة الصواريخ على ضرب الأهداف المتحَرّكة بدقة، فَإنَّ هذه الادِّعاءات تظل بحاجة إلى تدقيق عميق وتقييم حيادي.

ثانيًا: الاختبارات التجريبية التي تروج لها شركة “لوكهيد مارتن” ووزارة الحرب الأمريكية لا تُظهِرُ دائمًا نتائجَ ثابتة، بل تقتصر على عمليات محدودة للغاية تحت ظروف مثالية، وهو ما يجعل من الصعب اعتماد هذه النتائج كتأكيد على نجاح التقنية في ساحة المعركة الحقيقية، حَيثُ تختلف العوامل البيئية والتكتيكية بشكل كبير.

وفي هذا السياق، يظل التحدي الكبير في ضرب الأهداف المتحَرّكة، سواء في الجو أَو على الأرض، مهمًّا جِـدًّا؛ نظرًا لتأثير العوامل الديناميكية والتشويش الإلكتروني.

ثالثًا: رغم أن الولايات المتحدة أعلنت عن نجاح اختبار صاروخها الجديد ضد هدف بحري متحَرّك، إلا أنه لم يتم عرض أية صور أَو مقاطع فيديو تُظهر عملية الإطلاق بشكل حي أَو واقعي، الأمر الذي يثير الكثير من الشكوك حول حقيقة هذه الادِّعاءات، وهذا يشير إلى أن الاختبار ربما لم يكن كما تم الإعلانُ عنه أَو أنه كان مُجَـرّدَ عملية تجريبية محدودة لم يتمكّنوا من توثيقِها لأسبابٍ فنية؛ نتيجةَ أن الصاروخ يحتاجُ للمزيد من التحسينات التكنولوجية.

 

اليمن يسبق التسلح الأمريكي:

ومن اللافت أن الولايات المتحدة، رغم إمْكَانياتها العسكرية المتقدمة، قد تأخرت في إنتاج صواريخ باليستية قادرة على ضرب أهداف بحرية متحَرّكة.

في المقابل، تمكّن الجيش اليمني منذ عدة سنوات من تطوير صواريخ باليستية ذات قدرة فائقة على استهداف السفن الحربية في البحر الأحمر والمحيط الهندي.

النجاح اليمني في هذا المجال لم يكن مفاجئًا بالنظر إلى تكتيكه المبتكر في الاستفادة من الأسلحة الباليستية؛ فعلى الرغم من الحصار المفروض والتقنيات المحدودة المتاحة تمكّن اليمنيون من تطوير قدرات هجومية دقيقة وقاتلة؛ مما جعلهم يشكّلون تهديدًا حقيقيًّا للقوات البحرية الأمريكية في المنطقة.

إن فكرة استهدافِ السفن المتحَرّكة باستخدام صواريخ باليستية تعتبر خطوة ثوريةً في تطوير الأسلحة البحرية، فالسفن الحربية المتحَرّكة تمثل هدفًا صعبًا؛ نظرًا لسرعتها وقدرتها على المناورة؛ لذلك فَإنَّ تطوير صواريخ قادرة على إصابة هذه الأهداف بدقة هو تحَدٍّ تقني هائل.

مجلة Popular Mechanics نشرت في ديسمبر 2023 تقريرًا بعنوان “ربما شهدنا للتو أول هجوم صاروخي باليستي مضاد للسفن في العالم” عندما قام الجيش اليمني باستهداف إحدى السفن الأمريكية.

وتحدثت المجلة بأن ضرب سفينة بحرية سريعة يتطلب تقنيات معقدة، تشمل حسابات متقدمة لسرعة السفينة واتّجاهها، وكذلك القدرة على تعديل مسار الصاروخ بشكل مُستمرّ لتفادي الانحراف وأن التحدي الأكبر يكمن في دقة التوجيه في الظروف البحرية المتغيرة باستمرار.

لكن المجلة أردفت بالقول إنه من غير الواضح ما هو الهدف الذي استهدفه هجوم الحوثيين وأيُّ نوع من الصواريخ الباليستية تم استخدامه، ولكن إذَا كانت هذه الضربة تتضمنُ صاروخًا باليستيًّا مضادًّا للسفن، فسوف يمثل ذلك أولى الطلقات التجريبية لعصر جديد في الحرب البحرية؛ عصرٌ يجبُ على السفن في البحر ليس فقط أن تحميَ نفسَها من الطوربيدات والصواريخ التي تطير على السطح، ولكن أَيْـضًا الصواريخ الباليستية التي يتم إطلاقها من الشواطئ البعيدة والتي تتساقطُ من وراء الغلاف الجوي للأرض.

في 11 نوفمبر 2024 حذّر أكبرُ مسؤول في البنتاغون من أن اليمنيين طوّروا قدراتٍ “مذهلة” في مجال الصواريخ الباليستية على مدار العام الماضي؛ وهي قدراتٌ لا تشتركُ فيها إلا عدد قليل من الدول المتقدمة.

وقال الدكتور ويليام لابلانت، وكيل وزارة الدفاع الحالي لشؤون المشتريات ومساعد وزير القوات الجوية السابق لشؤون المشتريات، في ندوة نظمتها وكالة أكسيوس إن من أسماهم “الحوثيين” حقّقوا مستوىً من تكنولوجيا الصواريخ ومعدَّلَ إنتاج مذهِلًا لجماعة مسلحة إقليمية بحجمهم. وقال: “أنا فيزيائي ومهندس، وقد عملتُ في مجال الصواريخ معظمَ حياتي المهنية… وما فعله الحوثيون في الأشهر الستة الماضية، أمرٌ مذهلٌ للغاية”.

ما يزيد من قلق، الولايات المتحدة الأمريكية هو أن الصين وَروسيا، المنافسين الرئيسيين لأمريكا، قد يقومان بدراسةِ النجاح اليمني في استخدام الصواريخ الباليستية ضد الأهداف البحرية وقد يسعى كُـلٌّ من هذين البلدين للاستفادة من التكنولوجيا اليمنية ودراستها بشكل دقيق؛ مِن أجلِ تطوير أسلحة مماثلة قد تكون قادرةً على اختراق الدفاعات الغربية، وبالتالي تهديد التفوُّق العسكري الأمريكي في المحيطات وَنقاط الاشتباك الاستراتيجي.

 

سبقٌ يمنيٌّ غير مسبوق:

لقد سجَّل اليمنيون سابقةً عسكريةً جعلتهم أولَ جهة تستخدم الصواريخ الباليستية لضرب أهداف بحرية متحَرّكة، وهذا الإنجاز لم يكن مُجَـرّدَ خطوة تكتيكية في الصراع المحلي، بل تحوَّل إلى حدث عالمي لفت انتباه مراكز الأبحاث العسكرية حول العالم، التي سارعت إلى دراسة تأثير هذا السلاح على مستقبل المعارك البحرية وأهميّة الصواريخ الباليستية المضادة للسفن كعامل يغيّر قواعد الاشتباك البحري.

لقد كانت الصواريخ الباليستية التقليدية تُعرَفُ بقدرتها على استهداف مواقعَ ثابتة، ولكن استخدامها لضرب أهداف متحَرّكة يمثل قفزةً نوعية في التكنولوجيا العسكرية، وما أثار الدهشة هو أن اليمنيين استطاعوا استخدام هذه الصواريخ في ظل موارد محدودة نسبيًّا؛ مما يشير إلى تطور نوعي في قدرتهم على توظيفِ التكنولوجيا العسكرية بطرق مبتكرة وغير تقليدية.

ردود الفعل العالمية لم تتأخر، حَيثُ وجَّهت عشرات مراكز الأبحاث العسكرية جهودَها لتحليل هذا التطور، فقد طُرحت أسئلة عديدة حول كيفية التعامل مع هذه الصواريخ، ومدى كفاءة الأنظمة الدفاعية البحرية التقليدية في مواجهتها، ومدى تأثيرها على الاستراتيجيات العسكرية المستقبلية، وهذا الاهتمامُ يعكسُ إدراكًا عالميًّا بأن استخدامَ الصواريخ الباليستية ضد السفن قد يعيد رسمَ معالم الحروب البحرية في المستقبل القريب.

إن تزايُدَ الاهتمامِ بتطوير الصواريخ الباليستية المضادة للسفن، سواء من قبل الجيش اليمني الذي كان أول من استخدم هذه التقنية بنجاح في تاريخ الحروب الحديثة أَو الجيش الأمريكي أَو الصيني، يعكس التغيراتِ الكبيرةَ في التكتيكات الحربية البحرية.

علاوة على ذلك أصبحت الصواريخ الباليستية جُزءًا لا يتجزأ من الاستراتيجيات الدفاعية والهجومية في الحروب الحديثة، وبالنظر إلى التقدم الكبير في تكنولوجيا الصواريخ، يبقى التساؤل الأبرز هو: كيف ستواكب القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة هذه التحديات الجديدة وتطور أنظمة دفاعية فعالة ضد هذه التهديدات؟

 

نقلا عن المسيرة نت

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة تطلق خطة استجابة لجمع 2.47 مليار دولار لتلبية الاحتياجات الإنسانية في اليمن
  • تدشين مشروع الاستجابة الطارئة لدعم الفئات الأشد احتياجًا
  • رئيس الوزراء البولندي يتهم روسيا بالتخطيط لـ”أعمال إرهابية” في أنحاء العالم
  • الدفاع الروسية تكشف عن خسائر فادحة لنظام كييف على محور كورسك
  • أمير منطقة الباحة يسلّم 163 وحدة سكنية جديدة لمستفيدي جود الإسكان ويكرم المانحين
  • كوريا الجنوبية تسعى مع الولايات المتحدة لنزع السلاح النووي من كوريا الشمالية
  • الرئيس الإيراني: لا نسعى للحصول على السلاح النووي ونُحذر ترامب من خطر اشعال “حرب” ضد الجمهورية الإسلامية
  • شاهد | الصواريخ اليمنية ترعب الصهاينة وتضغط باتجاه إنهاء العدوان على غزة
  • رمز السيادة الصهيونية تحت رحمة الصواريخ اليمنية
  • أمريكا تُجاري الإنجازات اليمنية في تكنولوجيا الصواريخ البالستية المضادّة للسفن