مسلسل اختطاف تجربة بريطانية إيجابية تدفع لهجر المسلسلات الأميركية
تاريخ النشر: 24th, July 2023 GMT
صناع الأعمال الفنية واقعون في وقتنا الحالي في مأزق كبير، إذ شاهد المتفرجون كل شيء بعشرات الصيغ والأشكال، فمع تنوع المنصات الإلكترونية أصبح هناك محتوى يصعب على مشاهد متفرغ متابعته بالكامل، وبالتالي يستحيل إبهاره بحبكة تبدو مشابهة لأخرى مر بها من قبل بالتأكيد.
نتحدث هنا عن مسلسل "اختطاف" (Hijack)، أحدث ما تقدمه منصة "آبل تي في بلس" (Apple TV+) لمشتركيها، والذي -كما يتضح من عنوانه- يدور حول اختطاف طائرة.
حبكة تم استغلالها في أفلام ومسلسلات أصعب من أن يتم حصرها، فيبقى السؤال هنا: كيف يقدم صناع المسلسل قصة مكررة بشكل يجذب المشاهد على مدار 7 حلقات؟
زمن حقيقي للمزيد من القلقتبدأ أحداث المسلسل قبل لحظات قليلة من تحليق طائرة تجارية من دبي إلى لندن، وعلى متنها بطبيعة الحال فئات وجنسيات مختلفة من المسافرين، منهم بطل المسلسل سام نيلسون/إدريس ألبا، الذي نكتشف بعد قليل أنه يعمل في مجال المفاوضات التجارية، ويعود إلى العاصمة الإنجليزية لينقذ زواجه المتداعي، وبعد أقل من ساعة من إقلاع الطائرة يُظهر 5 ركاب حقيقتهم كخاطفين للطائرة، ويجبرون الطيار على قطع الاتصالات الخارجية.
على سام نيلسون في هذه الحالة استخدام كل قدراته الخاصة في التأثير على الخاطفين، بل التلاعب بهم في بعض الأحيان ليترك بضع إشارات بسيطة للسلطات يخبرهم عبرها بحقيقة الموقف، في محاولة لإنقاذ الطائرة، فهو -كما قال مرارا- لا يهدف سوى للعودة إلى منزله.
يتكون المسلسل من 7 حلقات، كل حلقة نحو 40 دقيقة، وتمثل الوقت الحقيقي الذي تدور فيه الأحداث" فعلى عكس المعالجات الدرامية الشائعة لم يتم اختصار الزمن الدرامي لتغطية قدر أكبر من الأحداث، بل تتبع المعالجة الدرامية الزمن الحقيقي لما يقع على الشاشة، الأمر الذي يسهم في تماهي المشاهد مع ما يحدث، ويشعره بمعاناة الشخصيات الذين تمر عليهم كل لحظة كما لو كانت سنين بالتأكيد، وتمثل الثواني والدقائق نقاطا فارقة في حياة كل منهم، وفي الموقف المتأزم ككل، وكذلك يرفع مستوى الإثارة والتشويق.
تنتهي كل حلقة بلحظة فاصلة تقلب الأحداث، ولكن بصورة لا تعاكس منطق العمل نفسه، وفي الوقت ذاته تحافظ على تشوق المشاهدين للأسبوع القادم بلا فتور.
منطقية المسلسل وكتابته أهم نقاط القوة فيه، بالإضافة إلى استخدام الزمن بشكل حقيقي وليس دراميا، فعلى عكس أبطال المسلسلات والأفلام الأميركية الذين يتميز نسبة كبيرة منهم بمثالية شديدة تجعلهم يضحون بحياتهم مقابل نجاة الآخرين، فإن بطل المسلسل شخص طبيعي، لا يفكر إلا كما سيفكر أي فرد آخر سيقع في الورطة نفسها؛ في "النجاة"، الأمر الذي يستلزم منه استخدام الحيلة، بالإضافة إلى قدر كبير من الأنانية التي تجعله في إحدى اللحظات يجهض خطة لإنقاذ الطائرة لأن ذلك يُعرض أفراد أسرته للخطر.
يزيد من جرعة التشويق والإثارة في المسلسل التعمية المزدوجة لكل من ركاب الطائرة، والسلطات التي تحاول إنقاذها، فقط المشاهد هو المطلع الوحيد على حقيقة ما يعرفه كلا الجانبين، لأن الاتصالات مقطوعة بينهما، وبالتالي هو القادر على توقع الأحداث القادمة، على عكس الشخصيات الدرامية الواقعة في فخ المحاولات مجهولة النتائج.
View this post on InstagramA post shared by Apple TV (@appletv)
اختطاف إنجليزي الطابعيتسم مسلسل "اختطاف" كذلك بطابع إنجليزي شديد الهدوء، خاصة أن أغلب أبطاله من الإنجليز، ويغلب على الأداء الحدة الباردة حتى في أصعب المواقف وأشدها إثارة، مما يجعله بطريقة ما أكثر إرهاقا للأعصاب، بالإضافة إلى واقعية السرد ومحاولة تغطية الجوانب المختلفة للوضع التي تجعل كل الدلالات تقود لنتائج في غاية السوء.
تتمتع أغلب شخصيات المسلسل بجوانب متعددة حتى لو كانت شخصية فرعية، مثل راكبة الطائرة الأم التي تعاني من القلق الشديد من قبل حتى وقوع الكارثة، والتي تحكم على الآخرين أخلاقيًا بصورة عنيفة، ولكن أكثر الشخصيات تماسكًا شخصية سام نيلسون المفاوض العبقري شديد الهدوء، والمراقبة الجوية "أليس"، الأم الوحيدة التي تعاني لتربية ولدها والقيام بعملها، فتذهب لعملها مرهقة، ولكن ذلك لا يمنعها من ملاحظة الإشارات التي يتركها لها الطيار وسام، وتستنبط منها أن هناك شيئا خاطئا في الطائرة.
اختيار إدريس ألبا لدور البطولة نقل المسلسل من دراما اختطاف طائرات تعتمد على الحركة ومحاولات تحرير الركاب المليئة بالأدرينالين إلى عمل هادئ، يحكمه المنطق والعقل، وقدرة الشخصية الرئيسية على التفاوض الحذر، سواء مع الخاطفين أو الركاب أنفسهم الذين يجعلهم الغضب على وشك الانفجار، الأمر الذي قد يهدد حياة الجميع.
هذا الهدوء في التناول والتلاعب ينوعان العمل، فيتحول إلى الإثارة والتشويق وليس الحركة، وهما سر ما يجعل المسلسل مختلفًا عن الأعمال الدرامية التي تناولت اختطاف الطائرات من قبل، وغلب عليها المحاولات البطولية من أحد الركاب القادر على قتل حفنة من المجرمين وقيادة الطائرة في آن واحد.
ورغم تقديم "آبل تي في بلس" عدة أعمال منذ انطلاقها، فإنها تتميز بأسماء نجومها وتكلفة إخراجها العالية، إلا أن هذا المسلسل الذي تدور أحداثه على متن طائرة، وتم تصويره في أماكن محدودة استطاع التفوق على كثير من الأعمال السابقة نتيجة اختلافه عن قوالب المسلسلات الأميركية المعتادة.
View this post on InstagramA post shared by Apple TV (@appletv)
حقق مسلسل "اختطاف" معدل 87% على موقع "روتن توماتوز" (Rotten Tomatoes) من النقاد، و69% من الجمهور، مثيرًا إعجاب الجميع بإيقاعه المتوازن والمشوق، ومثيرًا خيالهم لما يمكن أن تنتهي عليه أحداثه.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
ترامب الذي انتصر أم هوليوود التي هزمت؟
ما دمنا لم نفارق بعد نظام القطب الواحد المهيمن على العالم تظل النظرية القديمة التي نقول إن الشعب الأمريكي عندما يختار رئيسه فهو يختار أيضا رئيسا للعالم نظرية صحيحة. ويصبح لتوجه هذا الرئيس في فترة حكمه تأثير حاسم على نظام العلاقات الدولية وحالة الحرب والسلم في العالم كله.
ولهذا فإن فوز دونالد ترامب اليميني الإنجيلي القومي المتشدد يتجاوز مغزاه الساحة الداخلية الأمريكي وحصره في أنه يمثل هزيمة تاريخية للحزب الديمقراطي أمام الحزب الجمهوري تجعله عاجزا تقريبا لمدة ٤ أعوام قادمة عن منع ترامب من تمرير أي سياسة في كونجرس يسيطر تماما على مجلسيه.
هذا المقال يتفق بالتالي مع وجهة النظر التي تقول إن اختيار الشعب الأمريكي لدونالد ترامب رئيسا للمرة الثانية ـ رغم خطابه السياسي المتطرف ـ هو دليل على أن التيار الذي يعبر عنه هو تيار رئيسي متجذر متنامٍ في المجتمع الأمريكي وليس تيارا هامشيا.
فكرة الصدفة أو الخروج عن المألوف التي روج لها الديمقراطيون عن فوز ترامب في المرة الأولى ٢٠١٦ ثبت خطأها الفادح بعد أن حصل في ٢٠٢٤ على تفويض سلطة شبه مطلق واستثنائي في الانتخابات الأخيرة بعد فوزه بالتصويت الشعبي وتصويت المجمع الانتخابي وبفارق مخيف.
لكن الذي يطرح الأسئلة الكبرى عن أمريكا والعالم هو ليس بأي فارق من الأصوات فاز ترامب ولكن كيف فاز ترامب؟ بعبارة أوضح أن الأهم من الـ٧٥ مليون صوت الشعبية والـ٣١٢ التي حصل عليها في المجمع الانتخابي هو السياق الاجتماعي الثقافي الذي أعاد ترامب إلى البيت الأبيض في واقعة لم تتكرر كثيرا في التاريخ الأمريكي.
أهم شيء في هذا السياق هو أن ترامب لم يخض الانتخابات ضد هاريس والحزب الديمقراطي فقط بل خاضه ضد قوة أمريكا الناعمة بأكملها.. فلقد وقفت ضد ترامب أهم مؤسستين للقوة الناعمة في أمريكا بل وفي العالم كله وهما مؤسستا الإعلام ومؤسسة هوليوود لصناعة السينما. كل نجوم هوليوود الكبار، تقريبا، من الممثلين الحائزين على الأوسكار وكبار مخرجيها ومنتجيها العظام، وأساطير الغناء والحاصلين على جوائز جرامي وبروداوي وأغلبية الفائزين ببوليتزر ومعظم الأمريكيين الحائزين على نوبل كل هؤلاء كانوا ضده ومع منافسته هاريس... يمكن القول باختصار إن نحو ٩٠٪ من النخبة الأمريكية وقفت ضد ترامب واعتبرته خطرا على الديمقراطية وعنصريا وفاشيا ومستبدا سيعصف بمنجز النظام السياسي الأمريكي منذ جورج واشنطن. الأغلبية الساحقة من وسائل الإعلام الرئيسية التي شكلت عقل الأمريكيين من محطات التلفزة الكبرى إلي الصحف والمجلات والدوريات الرصينة كلها وقفت ضد ترامب وحتى وسائل التواصل الاجتماعي لم ينحز منها صراحة لترامب غير موقع إكس «تويتر سابقا». هذه القوة الناعمة ذات السحر الأسطوري عجزت عن أن تقنع الشعب الأمريكي بإسقاط ترامب. صحيح أن ترامب فاز ولكن من انهزم ليس هاريس. أتذكر إن أول تعبير قفز إلى ذهني بعد إعلان نتائج الانتخابات هو أن ترامب انتصر على هوليوود. من انهزم هم هوليوود والثقافة وصناعة الإعلام في الولايات المتحدة. لم يكن البروفيسور جوزيف ناي أحد أهم منظري القوة الناعمة في العلوم السياسية مخطئا منذ أن دق أجراس الخطر منذ ٢٠١٦ بأن نجاح ترامب في الولاية الأولى هو مؤشر خطير على تآكل حاد في القوة الناعمة الأمريكية. وعاد بعد فوزه هذا الشهر ليؤكد أنه تآكل مرشح للاستمرار بسرعة في ولايته الثانية التي تبدأ بعد سبعة أسابيع تقريبا وتستمر تقريبا حتى نهاية العقد الحالي.
وهذا هو مربط الفرس في السؤال الكبير الأول هل يدعم هذا المؤشر الخطير التيار المتزايد حتى داخل بعض دوائر الفكر والأكاديميا الأمريكية نفسها الذي يرى أن الإمبراطورية ومعها الغرب كله هو في حالة أفول تدريجي؟
في أي تقدير منصف فإن هذا التآكل في قوة أمريكا الناعمة يدعم التيار الذي يؤكد أن الامبراطورية الأمريكية وربما معها الحضارة الغربية المهيمنة منذ نحو٤ قرون على البشرية هي في حالة انحدار نحو الأفول. الإمبراطورية الأمريكية تختلف عن إمبراطوريات الاستعمار القديم الأوروبية فبينما كان نفوذ الأولى (خاصة الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية) على العالم يبدأ بالقوة الخشنة وبالتحديد الغزو والاحتلال العسكري وبعدها يأتي وعلى المدى الطويل تأثير قوتها الناعمة ولغتها وثقافتها ونظمها الإدارية والتعليمية على شعوب المستعمرات فإن أمريكا كاستعمار إمبريالي جديد بدأ وتسلل أولا بالقوة الناعمة عبر تقدم علمي وتكنولوجي انتزع من أوروبا سبق الاختراعات الكبرى التي أفادت البشرية ومن أفلام هوليوود عرف العالم أمريكا في البداية بحريات ويلسون الأربع الديمقراطية وأفلام هوليوود وجامعات هارفارد و برينستون ومؤسسات فولبرايت وفورد التي تطبع الكتب الرخيصة وتقدم المنح وعلى عكس صورة المستعمر القبيح الأوروبي في أفريقيا وآسيا ظلت نخب وشعوب العالم الثالث حتى أوائل الخمسينات تعتقد أن أمريكا بلد تقدمي يدعم التحرر والاستقلال وتبارى بعض نخبها في تسويق الحلم الأمريكي منذ الأربعينيات مثل كتاب مصطفى أمين الشهير «أمريكا الضاحكة». وهناك اتفاق شبه عام على أن نمط الحياة الأمريكي والصورة الذهنية عن أمريكا أرض الأحلام وما تقدمه من فنون في هوليوود وبروداوي وغيرها هي شاركت في سقوط الاتحاد السوفييتي والمعسكر الشيوعي بنفس القدر الذي ساهمت به القوة العسكرية الأمريكية. إذا وضعنا الانهيار الأخلاقي والمستوى المخجل من المعايير المزدوجة في دعم حرب الإبادة الإسرائيلية الجارية للفلسطينيين واللبنانيين والاستخدام المفرط للقوة العسكرية والعقوبات الاقتصادية كأدوات قوة خشنة للإمبراطورية الأمريكية فإن واشنطن تدمر القوة الناعمة وجاذبية الحياة والنظام الأمريكيين للشعوب الأخرى وهي واحدة من أهم القواعد الأساسية التي قامت عليها إمبراطورتيها.
إضافة إلى دعم مسار الأفول للإمبراطورية وبالتالي تأكيد أن العالم آجلا أو عاجلا متجه نحو نظام متعدد الأقطاب مهما بلغت وحشية القوة العسكرية الأمريكية الساعية لمنع حدوثه.. فإن تطورا دوليا خطيرا يحمله في ثناياه فوز ترامب وتياره. خاصة عندما تلقفه الغرب ودول غنية في المنطقة. يمكن معرفة حجم خطر انتشار اليمين المتطرف ذي الجذر الديني إذا كان المجتمع الذي يصدره هو المجتمع الذي تقود دولته العالم. المسألة ليست تقديرات وتخمينات يري الجميع بأم أعينهم كيف أدي وصول ترامب في ولايته الأولى إلى صعود اليمين المتطرف في أوروبا وتمكنه في الوقت الراهن من السيطرة على حكومات العديد من الدول الأوروبية بعضها دول كبيرة مثل إيطاليا.
لهذا الصعود المحتمل لتيارات اليمين المسيحي المرتبط بالصهيونية العالمية مخاطر على السلم الدولي منها عودة سيناريوهات صراع الحضارات وتذكية نيران الحروب والصراعات الثقافية وربما العسكرية بين الحضارة الغربية وحضارات أخرى مثل الحضارة الإسلامية والصينية والروسية.. إلخ كل أطرافها تقريبا يمتلكون الأسلحة النووية!!
حسين عبد الغني كاتب وإعلامي مصري