ريهام حجاج: «صدفة» تشبهني في تلقائيتها وصراحتها.. ولا أحب حياة الشهرة والأضواء لأنني «خجولة» (حوار)
تاريخ النشر: 13th, March 2024 GMT
تجيد التلون كـ«الحرباء» فى أدوارها، فتارة تجدها فتاة شعبية، وتارة أخرى سيدة أرستقراطية، وأحياناً نراها كوميدية بأنماط وأشكال مختلفة، فضلاً عن تجسيدها لأدوار أخرى عكست موهبتها الفنية، وفى رمضان الحالى، اختارت النجمة ريهام حجاج سيناريو «صدفة» الذى يمزج بين الإثارة والتشويق والكوميديا والدراما الشعبية، ويتضمن رسائل فنية مهمة ستتكشف خلال الحلقات المقبلة.
«ريهام» فى حوارها مع «الوطن» تكشف عن واقعة كانت سبب اختيارها «صدفة» اسماً لمسلسلها، وتحدثت عن سبب حرصها على احتواء المواهب الفنية الشابة، وأعربت عن أمنيتها فى عودة الفنانة القديرة عبلة كامل للساحة الفنية من جديد، واصفة إياها بأنها من أعظم الممثلات خلال الـ100 سنة الأخيرة وتفاصيل أخرى كثيرة خلال السطور المقبلة.
ما الذى حمسك لتقديم مسلسل «صدفة» فى دراما رمضان الحالى؟
- جودة السيناريو الذى كتبه أيمن سلامة بحرفية شديدة، إذ يمزج بين الإثارة والتشويق والكوميديا والدراما الشعبية، فضلاً عن تضمن أحداثه رسائل مهمة ستتضح جلية مع الحلقات المقبلة، وبعيداً عن هذه الجزئية، فقد سبق وجسدت أدواراً شعبية قبل تقديمى بطولات فى الدراما التليفزيونية، ومنها مسلسلات «نصيبى وقسمتك»، «الكبريت الأحمر» و«سجن النسا»، وحينما وصلت لمرحلة البطولة قدمت أدوار الفتاة الأرستقراطية ولكن بأنماط مختلفة، فمثلاً كنت قاتلة فى مسلسل «لما كنا صغيرين»، ودلوعة فى «يوتيرن»، ووكيلة نيابة فى «جميلة»، وبعد تلك الأعمال كنت أبحث عن نص جيد يمتاز بالطابع الشعبى، ولكنى لم أجد ما أبحث عنه فى حينها، «ماجريتش ورا رغبتى أد ما جريت ورا النص الحلو»، إلى أن وجدت ضالتى أخيراً فى «صدفة» الذى سيُعجب الجمهور بإذن الله.
علمنا من مصادرنا أنكِ تعرضتِ لواقعة معينة كانت سبب اختيارك «صدفة» اسماً لمسلسلك.. فما هى؟
- بالفعل، حدثت واقعة غريبة سوف أحكيها للمرة الأولى، مفادها أننا كتبنا المعالجة الدرامية لمسلسل «جميلة» فى يونيو 2022، وتطرقنا حينها إلى مسألة الإنجاب وتجميد البويضات وما إلى ذلك، ومع بداية التصوير علمت بخبر حملى فى الشهر الثالث، وكان «فال حلو» مثلما نقول باللهجة الدارجة، وصدفة خطيرة فى الوقت نفسه، ومن هنا جاءتنى فكرة اسم «صدفة»، وأصبحت شريكة لأيمن سلامة فى هذه الفكرة، الذى أشعر بسعادة جراء تعاوننا الرابع فى الدراما، حيث أراه واحداً من أهم الكتاب الموجودين حالياً على الساحة، وأكثرهم احتراماً فى مسألة «زغزغة» الجمهور بشكل راقٍ ومحترم.
ما الخطوط العامة لشخصية «صدفة» التى ستتكشف خلال الحلقات المقبلة؟
- «صدفة» شخصية غير عادية فى انفعالاتها وردود فعلها.. إلخ، ولكنها كاراكتر رسمت تفاصيله من وحى خيالى، بخاصة أنها جلابة للمشاكل «وكل ما تطلع من حفرة تقع فى دُحديرة»، لأنها إنسانة تلقائية وعلى سجيتها ولكنها ترتكب العديد من المصائب، وانطلاقاً مما سبق ذكره، وجدتها شخصية مختلفة تماماً عن دورى فى «جميلة»، التى كانت وكيلة نيابة مثالية تبحث عن العدل والحق دوماً.
وما أوجه الشبه بين «صدفة» و«ريهام»؟
- التلقائية، فأنا من مواليد برج الميزان، «والصراحة تاعبانى فى الدنيا مع الناس»، فإذا سألتنى عن شىء فلن أتوانى عن قول الحقيقة حتى ولو كانت مُرة.
وصفتِ «صدفة» بـ«الكاراكتر».. فهل رسمتِ تفاصيلها من وحى معايشتك أو رؤيتك لشخصية تشبهها؟
- لا أتبع هذه الطريقة أثناء التحضير لأدوارى، وإنما أعتمد على البناء والتخيل فى رسم التفاصيل، لأن قماشة الخيال أوسع بكثير من فن التقليد، ومن هذا المنطلق أحب خلق أى شخصية بكل أبعادها وتفاصيلها.
ومن تستشيرينه فى مسألة خلقك لتفاصيل وأبعاد الشخصية قبل انطلاق التصوير؟
- أستقر على المعالجة الدرامية فى شهر يونيو تقريباً، وأبدأ التصوير فى ديسمبر من نفس العام، وما بين الفترتين (أى خلال فترة الـ6 أشهر) لا أفكر سوى فى الشخصية أينما كنت، وأذكر أننى سافرت مع زوجى محمد حلاوة خارج مصر منذ فترة، فوجدت محل لعب أطفال أثناء سيرنا فى الشارع، فاشتريت مستحضرات لـ«صدفة» كالعدسة وغيرها، وقبل انطلاق التصوير بشهرين، التقيت بمصممة الأزياء والمخرج سامح عبدالعزيز وعرضت عليهما ما اشتريته، وفى السياق نفسه أحياناً قد تأتينى فكرة جملة حوارية أثناء نومى، فأستيقظ وأرسلها لأيمن سلامة عبر تطبيق «واتس آب»، وأقول له «بص شوفها وخليها عندك فى الصندوق».
إذاً أنتِ تتأثرين بأدوارك فى فترة ما قبل التصوير.. فماذا بعد انتهائك من العمل؟
- هذه المسألة تتحدد وفقاً لطبيعة الشخصية نفسها، فمثلاً طبيعة شخصية «جميلة» محدودة ولم أصل معها لمرحلة التقمص، وذلك على عكس «صدفة» التى كانت قماشتها واسعة وفضفاضة، ومن هذا المنطلق، كنت أجد زوجى يقول لى فى المنزل أحياناً «ريهام.. فكك من صدفة شوية».
وما الشخصية التى أرهقتك بعد انتهائك من تصويرها على مدار مشوارك؟
- دورى فى حكاية «حب فى العناية» ضمن قصص مسلسل «نصيبى وقسمتك»، نظراً لأنه كان دوراً معقداً ولازمنى لفترة بعد انتهائى من تصويره، ولكنى سعدت بنجاحه الكبير وقت عرضه، ونفس الحال بالنسبة لمسلسل «سجن النسا» الذى كانت أجواؤه كئيبة للغاية، فصوّرنا داخل حارة السجانات بمنطقة القناطر لمدة 3 أشهر، وفى المقابل، هناك شخصيات شعرت بحزن شديد بعد انتهائى من تصويرها، ومنها شخصية غادة فى مسلسل «رقم مجهول»، وكذلك مسلسل «يوتيرن» الذى انهرت من البكاء فى آخر أيام تصويره، وأيضاً مسلسل «هبة رجل الغراب» الذى صورناه على مدار عامين ونصف العام، وبالمناسبة تامر يسرى يعود للوجود فنياً من جديد فى «صدفة» بعد فترة غياب.
ألمس احتواءك للوجوه الجديدة من الشباب وحرصك على إعادة بعض الممثلين للساحة فى أعمالك كتامر يسرى مثلما ذكرتِ سلفاً...
مقاطعة:
- أؤمن دوماً بأن «من فات قديمه تاه»، وبالمناسبة حجم علاقاتى داخل الوسط الفنى كبيرة وعميقة منذ سنوات، ولكن الجمهور ربما لا يعرف ذلك بحكم عدم التقاطى صوراً مع أصدقائى ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعى، إلا أننى أرى ممثلين موهوبين لا أحد ينتبه إليهم رغم أنهم يستحقون فرصة الوجود فنياً، «ولكن طول ما أنا معايا مخرج زى سامح عبدالعزيز اللى شاطر جداً فى اختيار وتوجيه الممثلين فلن أتوانى عن دعم من يستحق»، وعن نفسى لا أبخل على أحد بأدوار كبيرة، فمثلاً هشام منصور يجسد زوج رحاب الجمل بحسب الأحداث، وهو دور كبير يستحقه «ولما تشوفوه هتقولوا الراجل ده كان فين»، وكذلك الحال بالنسبة للوجوه الجديدة اللى من واجبنا دعمهم لفرز أجيال جديدة، وأرى أن ما أقوم به أتحصل منه على ثواب وحسنات، لأن فيه ناس فاتحة بيوتهم ومنسيين عن غير قصد، فمن واجبى مساعدتهم طالما أنهم موهوبون فنياً.
فى حديثك كنت ترغبين قول شىء بخصوص الفنان الأستاذ توفيق عبدالحميد.. ما هو؟
- حينما أعلن أستاذ توفيق اعتزاله، وقيل حينها إننى كنت السبب، فهو كان تعبان وقتها «وماكانش قادر يتحمل شغل 18 ساعة»، والحقيقة أن مهنتنا أصبحت شاقة للغاية على عكس فترات سابقة، لأن تكنيك التصوير اختلف تماماً حالياً عما كان عليه فى السابق، بمعنى أن التصوير زمان كان بـ3 كاميرات ووحدة، والمشهد كان يتم تصويره مرة واحدة فقط، ولكن الوضع تغير مع دخول تكنيك السينما على الدراما التليفزيونية فى 2011، فأصبحنا نصور المشهد الواحد 8 أو 9 مرات من زوايا مختلفة، وهو ما يترتب عليه زيادة عدد أيام التصوير، وكذلك عدد ساعات العمل فى اليوم الواحد، ومن ثم فالكبار فى السن يعانون بالتأكيد، «ده إحنا الصغيرين بنموت إننا واقفين على رجلينا 18 ساعة».
برأيك.. من كان له المصلحة فى محاولة تشويه صورتك وقتها؟
لا أدرى، ولكنى شعرت أنه «تريند» بدأ بلجان إلكترونية، وأعقبته مكالمة مع أحد الصحفيين فى أحد الأيام، وذلك بعد أن علم بأننى غاضبة من نشره خبراً كاذباً عنى، فتواصل معى حينها وسألته بشكل مباشر «ليه لما أنزل صورة مع جوزى يتقال إنى بنزلها لسبب؟» وأقسم بالله أنه رد علىّ هذا الرد نصاً «أى خبر ليكى بينزل بالطريقة دى بيجيب ريتش»، فسكت حينها وأدركت إن فيه ناس أكل عيشها ممكن يكون على حساب سمعة ناس تانية واختراق لحياتهم الشخصية، ولكنى لم أعد أنزعج أو أتضايق «لأن اللى يقبل على نفسه ده يقبله وكل واحد ربنا بيديله على أد نيته»، وحصيلة الموضوع إن ربنا بيكرمنى بالوجود فنياً بشكل محترم، لاسيما أننى لا أقوم بشىء ضد القانون أو الدين أو الأخلاق أو الشكل العام.. إلخ، وإنما أقدم مسلسلات محترمة ربنا بيكرمنى فيها بالنجاح.
ولمَ لا تتخذين أى إجراء قانونى ضد مروجى الشائعات؟
- أصلى بانتظام وأقرأ القرآن الكريم باستمرار، فهو مرجعنا فى كل تعاملاتنا الحياتية، ويتضمن فى سوره قصصاً عن أنبياء ورسل تعرضوا لظلم كبير، فمن أكون أنا مقارنة بهم كى أنشد العدل فى الدنيا؟ ربنا له حكمة فى الحياة، وطالما أنا مستورة وأولادى وزوجى وأهلى بخير، فبماذا أطمع بعد ذلك؟ وبالمناسبة أتحصل على حسنات كثيرة ممن يشتمنى، «وده أحلى ابتلاء فى الدنيا والصبر حلو وجميل وربنا بيدى كل واحد على أد صبره».
ولكن متى وصلتِ لهذه الحالة الإيمانية التى تتحدثين بها؟
- البداية كانت زعل بالتأكيد، «وساعات كتير ربنا بيحطنا فى ابتلاء علشان نقرب له»، فتبدأ فى الحديث مع الله فى صلاتك، فتشعر حينها بسكينة تملأ جنبات قلبك، وتأتيك علامات تُشعرك أنك فى الطريق السليم، والحقيقة أننى أستشعر وجود النعم فى حياتى، والمتمثلة فى الصحة والستر وأهلى وبيتى وشغلى، وأحمد الله دوماً عليهم.
ما زلتِ تدعمين القضية الفلسطينية بمنشورات عبر حسابك بـ«إنستجرام» رغم التقييدات المفروضة من مواقع التواصل الاجتماعى.. ألم تفكرى فى وقف الدعم خشية تضرر حسابك؟
- لن أتوقف عن نشر ما يحدث للأطفال والمدنيين فى غزة، وسبق وأعلنت أن حسابى الرسمى فى حداد منذ بداية الأحداث، نظراً لرفضى ما يتعرض له العُزل فى القطاع، والحقيقة أننى فقدت 800 ألف متابع «طاروا من حسابى»، بالإضافة إلى انهيار معدل وصول المنشورات «الريتش»، كما تعرض حسابى للإغلاق ذات مرة وبذلت جهوداً مضنية لاستعادته من جديد، «ولكن كل ده مش فارق معايا ومفيش حاجة أقدر أعملها غير المساعدات والدعم»، وقد تمكنت من إدخال ما يزيد على عشرين طفلاً من غزة لمصر بمجهودى الشخصى، حيث استنفدت كل علاقاتى فى هذا الاتجاه، بالإضافة إلى تبرعى بأشياء كثيرة.
وما رأيك فى قيام الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية بتقديم مسلسل «مليحة» عن القضية الفلسطينية؟
- خطوة مهمة للغاية كان لا بد من حدوثها، لأن الفن يعكس الواقع سواء كان جيداً أو لا، ولا أجد أهم من هذا الواقع المرير كى نتناوله، بحيث نفضح العدو ويعرف الجمهور المصرى والعربى حجم المأساة، بالإضافة إلى توثيق ما يحدث على أرض الواقع، وخاصة أن العدو يقدم أعمالاً فنية مضللة وتحمل الكثير من الكذب والافتراء، ومن ثم فلابد من وجود قوى مضادة توثق التاريخ الحقيقى وإلا لن تجد الأجيال المقبلة مرجعاً حقيقياً تعود إليه.
بالعودة لـ«صدفة».. ألم تفكرى فى الحصول على راحة هذا العام للاعتناء بتوأميك بعد الولادة؟
- فكرت كثيراً فى هذا الاتجاه لسببين، أولهما الاعتناء بتوأمى «جميلة ويوسف»، وثانيهما سوء حالتى النفسية بسبب أحداث غزة، ولكنى أتعرض لأمر غريب للغاية، «ممكن الناس تفتكر إنى ميتة على الشغل»، ولكن الحقيقة أن التفكير فى الراحة يراودنى كل عام، إلا أننى فجأة أجد كل الأمور مُيسرة أمامى، حيث أجد النص الجيد مدعوماً بالموافقة عليه، وبالمناسبة ما الذى جعلنى أخوض تجربة «جميلة» العام الماضى بعد علمى بنبأ حملى؟ وجدت «كاست» المسلسل بالكامل وقع على عقوده، ومنهم من اعتذر عن أعمال أخرى كى يكون موجوداً معنا، بخلاف العاملين ومساعدى الممثلين.. إلخ، فنحن نتحدث عن 600 أسرة تقريباً، وحينها كنت فى ظروف صحية صعبة للغاية، لدرجة أن «الكرافان» الخاص بى تحول لمستشفى صغير يتضمن جهاز أكسجين ومحاليل طبية، نظراً لانخفاض ضغطى دائماً لـ60/40، ومن الممكن أن تسألوا الفنانة سوسن بدر عما كنت أتعرض له أثناء تصوير مشاهدى معها، فكان القىء لا يتوقف ما بين المشهد والآخر، ولكنى أصررت على التصوير «لأن فيه ناس فى رقبتى».
وكيف كان موقف زوجك رجل الأعمال محمد حلاوة حينها؟
- «محمد» يعلم جيداً «إنى بخاف جداً من ربنا وعندى ضمير»، وطالما إن فيه ناس «متشعلقة فى رقبتى» فلن أتمكن من الحصول على أى راحة، لأننى سأرتاح جسمانياً حال بقائى فى المنزل ولكن لن أشعر بأى ارتياح نفسى، ومن هذا المنطلق، لم يُجبرنى محمد على الراحة وإنما قال لى «اعملى اللى انتى شايفاه صح».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: دراما رمضان دراما المتحدة فراولة صدفة سلوى عثمان فیه ناس من هذا
إقرأ أيضاً:
الرقيب جل جلاله
يقول الحق سبحانه: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِى تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا» (النساء: 1)، فهو سبحانه وتعالى الرقيب الذى لا تخفى عليه خافية فى الأرض ولا فى السماء، وهو القائم على شئون خلقه، المطلع على ما تكنه صدورهم، القائم على كل نفس بما كسبت، فهو معنا أينما كنَّا، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى: «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» (المجادلة: 7)، ويقول سبحانه على لسان لقمان (عليه السلام) فى وصيته لابنه: «يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِى صَخْرَةٍ أَوْ فِى السَّمَاوَاتِ أَوْ فِى الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ» (لقمان: 16)، ويقول سبحانه: «وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا» (الكهف: 49)، ويقول سبحانه: «وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ومَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِى ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ» (الأنعام: 59)، ويقول سبحانه: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ» (ق: 16-18)، فهى معية مراقبة، لا يعزب منها عن علمه سبحانه مثقال ذرة فى السموات ولا فى الأرض.
إن صاحب الضمير الحى اليقظ هو الذى يخاف الله (عز وجل) ويسعى لتحقيق مرضاته سرًّا وعلانية، فإذا غابت عنه رقابة البشر وهمَّت نفسه بالحرام تحرك ضميره؛ فيصده عنه ويحول بينه وبين ما يغضب الله، ويذكره بأن هناك الرقيب الذى لا يغفل ولا ينام، حيث يقول الحق سبحانه: «وإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ» (الانفطار: 10)، ويقول جل فى علاه: «وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِى عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا» (الإسراء: 13-14)، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «ثَلَاثٌ كَفَّارَاتٌ، وَثَلَاثٌ دَرَجَاتٌ، وَثَلَاثٌ مُنْجِيَاتٌ، وَثَلَاثٌ مُهْلِكَاتٌ; فَأَمَّا الْكَفَّارَاتُ: فَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِى السَّبَرَاتِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَوَاتِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ، وَنَقْلُ الْأَقْدَامِ إِلَى الْجُمُعَاتِ، وَأَمَّا الدَّرَجَاتُ: فَإِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَإِفْشَاءُ السَّلَامِ، وَالصَّلَاةُ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، وَأَمَّا الْمُنْجِيَاتُ: فَالْعَدْلُ فِى الْغَضَبِ وَالرِّضَا، وَالْقَصْدُ فِى الْفَقْرِ وَالْغِنَا، وَخَشْيَةُ اللَّهِ فِى السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَأَمَّا الْمُهْلِكَاتُ: فَشُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ».
بهذا الضمير الإنسانى اليقظ يستطيع الإنسان تأدية العبادات على الوجه الأكمل، فتجده خاشعا لله (عز وجل)، مراقبًا له تمام المراقبة فى صلاته وصيامه وحجه وزكاته، لعلمه أن من أسمائه (عز وجل) الرقيب، ثم يتعدى أثر هذه المراقبة إلى بيعه وشرائه, وعمله وإنتاجه، وسائر تصرفاته، وبذلك ينضبط السلوك والتصرفات، وتُحفظ الحقوق، وتُؤدى الواجبات.
ومن ثم فإنه يجب على الإنسان أن يراقب الله تعالى حق المراقبة فى السر والعلن, وهذه المراقبة هى التى جعلت ابنة بائعة اللبن تقول لأمها التى أمرتها أن تمزج اللبن بالماء: إن كان عمر (رضى الله عنه) قد نام فإن رب العزة لا تأخذه سنة ولا نوم، وجعلت راعى الغنم الأمين يقول: إن كان صاحب الغنم لا يرانا فأين الله الذى لا يعزب عن علمه شىء فى الأرض ولا فى السماء؟.
الأستاذ بجامعة الأزهر