طهران- على النقيض مما يتسرب عن نتائج الوساطات التي تقوم بها بعض الدول الإقليمية لحلحلة القضايا الشائكة بين واشنطن وطهران، فإن البلدين لا يدّخران جهدا في معركة "ليّ الذراع" على المضمار الأمني.

وعلى وقع الهجمات المتكررة منذ 2019 على سفن الشحن بالمياه الخليجية بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) عزمها تعزيز وجودها العسكري في الشرق الأوسط "لمراقبة مضيق هرمز والمياه المحيطة به"، موضحة أنها سترسل مقاتلات إضافية من طراز إف-35 وإف-16 إلى جانب المدمرة "يو إس إس توماس هودنر" إلى المنطقة.

ويأتي القرار الأميركي بعد اتهام واشنطن طهران بمحاولة احتجاز ومضايقة سفن شحن وناقلات نفط في الأشهر القليلة الماضية، وهو ما نفته الخارجية الإيرانية جملة وتفصيلا، واعتبرت قرار البنتاغون "مزعزعا لأمن المنطقة"، كما توعّدت باتخاذ "الإجراءات المناسبة والرادعة عند الضرورة".

تصوير من طائرة إيرانية تراقب ناقلة نفط ترفع علم بنما أثناء عبورها مضيق هرمز (رويترز) تهديدات مضادة

وجدت المؤسسة العسكرية الإيرانية في القرار الأميركي مناسبة لتذكير واشنطن بأنها كانت سباقة في مصادرة شحنة نفط إيرانية على متن الناقلة "سويز راجان" التي ترفع علم جزر مارشال، وحذّرت من أنها سترد على أي شركة نفط تقوم بتفريغ النفط الإيراني من الناقلة المحتجزة منذ أبريل/نيسان الماضي خارج ميناء هيوستن بالولايات المتحدة.

كما أكد قائد بحرية الحرس الثوري الإيراني، علي رضا تنكسيري، أن بلاده ستُحمل واشنطن المسؤولية عن السماح بتفريغ حمولة الناقلة.

وتزامنت تصريحات تنكسيري مع إعلان المنظمة البحرية الدولية الخميس الماضي أن جهازها التنفيذي صوّت لصالح التراجع عن قبول عرض إيراني لاستضافة فعالية دولية للملاحة البحرية في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، استجابة لاقتراح أميركي، مما أثار حفيظة طهران.


تنافس إستراتيجي

ويجمع مراقبون في إيران على أن أي توتر إضافي بين طهران وواشنطن يقوّض المساعي الدبلوماسية الإقليمية والدولية المتواصلة لحل القضايا العالقة بينهما، إلا أنهم ينقسمون بشأن الغاية المطلوبة جراء التراشق الإعلامي والتهديدات العسكرية المتواصلة منذ أكثر من 4 عقود.

من جانبه، يقرأ أستاذ العلاقات الدولية بجامعة طهران، رحمان قهرمان بور، مستجدات العلاقات بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة في إطار لعبة التنافس الإستراتيجي بينهما، حيث تصنف بلاده واشنطن بأنها "الشيطان الأكبر"، في حين تعتبر الأخيرة طهران وسيطا مركزيا في "محور الشر".

ويمثل استخدام لغة التهديد إلى جانب المفاوضات المستمرة بين واشنطن وطهران، القوة الخشنة في سياسة "العصا والجزرة" التي يتقنها الجانبان، وفق قهرمان بور الذي أوضح للجزيرة نت أن الولايات المتحدة تعاود التلويح بإرسال أسطولها البحري إلى المياه الخليجية لكسب أكبر قدر من الامتيازات على طاولة المفاوضات، لكي ترسل إلى الجانب الإيراني أن جميع الخيارات ستكون مطروحة على الطاولة في حال فشل العملية التفاوضية.

قهرمان بور يرى أن التصعيد في علاقات طهران وواشنطن مدروس ولن يخرج عن السيطرة (الجزيرة) تصعيد مدروس

في المقابل، يأتي التحذير الإيراني من مغبة سرقة نفط طهران في أعالي البحار لتذكير الطرف الآخر بأن لطهران اليد العليا في المنطقة الخليجية -والكلام للأكاديمي الإيراني- وأن المؤسسة العسكرية الإيرانية ترى من واجبها دعم فريق طهران المفاوض.

ويرى قهرمان بور أن التصعيد الأخير في علاقات بلاده مع الولايات المتحدة مدروس ولن يخرج عن السيطرة، بسبب حرص الجانبين على التمسك بـ"شعرة معاوية" عبر المفاوضات والوساطات الرامية إلى احتواء الخلافات بينهما.

ولدى إشارته إلى دعوة وزير الخارجية الإيراني الأسبق علي أكبر صالحي، وعدد آخر من الدبلوماسيين السابقين بلادهم إلى حلحلة خلافاتها مع الجانب الأميركي على طاولة المفاوضات، يقول الباحث الإيراني إن بعض التقارير الغربية تشير إلى أن طهران قبلت لأول مرة التفاوض على بعض الملفات الخلافية ومنها سياساتها الإقليمية وضمان الملاحة البحرية وتبادل السجناء، وأن الجانبين الإيراني والأميركي لم ينفيا صحة هذه التقارير.

واعتبر قهرمان بور أن معارضة إسرائيل للمفاوضات المتواصلة بين طهران وواشنطن واستياء الجانب الروسي منها دليل على حدوث تطور إيجابي على طاولة الحوار، مؤكدا أنه يتوقع توصل الجانبين خلال الفترة المقبلة إلى تفاهم غير مكتوب على المدى القصير.

وأضاف أن أي اتفاق بين طهران وواشنطن سيكون هشا حتى قبيل أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، إذ من المقرر رفع العقوبات الصاروخية عن إيران وفقا للقرار الأممي 2031.

نشرت القوة البحرية لحرس الثورة الاسلامية اليوم الاثنين صورا لناقلة الوقود المهرب المحتجزة التي حاولت البحرية الاميركية تقديم الدعم لها لمنع احتجازها. pic.twitter.com/N34Ki8EXpl

— إيران بالعربية (@iraninarabic_ir) July 10, 2023

انعدام الثقة

في المقابل، ترى الباحثة السياسية الإيرانية عفيفة عابدي أن التوتر بين بلادها والولايات المتحدة حقيقي ويتخذ منحى متصاعدا تارة ومتراجعا تارة أخرى في إطار تضارب مصالح الطرفين بالمياه الخليجية، موضحة أن انعدم الثقة بين الجانبين قد أدى إلى احتكاكات كارثية في المنطقة، منها إسقاط البارجة وينسنس الأميركية طائرة ركاب مدنية إيرانية عام 1988، وإسقاط الحرس الثوري طائرة "غلوبال هوك" الأميركية المسيرة عام 2020.

وأوضحت في حديثها للجزيرة نت أن الجانبين حرصا طوال أكثر من 4 عقود على عدم تحول الاحتكاكات العسكرية إلى حرب شاملة بينهما، وذلك بسبب معرفة الجانبين بتفوق واشنطن في السلاح والعتاد وقدرة إيران على التحكم بالملاحة البحرية في مضيق هرمز.

وخلصت عابدي إلى أن إرسال البنتاغون تعزيزات عسكرية إلى المياه الخليجية سيعيد شبح العسكرة إلى المنطقة.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

واشنطن تطرح صفقة طويلة الأمد مع إيران.. لا حرب ولكن!

بغداد اليوم - بغداد

كشف مصدر مطلع، اليوم الثلاثاء (28 كانون الثاني 2025)، عن رسالة شفوية مقتضبة من البيت الأبيض إلى طهران تتضمن رؤية الرئيس الأمريكي الجديد لطبيعة العلاقة مع إيران.

وقال المصدر، لـ"بغداد اليوم"، إن "رسالة شفوية وصلت مساء الأحد من البيت الأبيض إلى بغداد، ومنها إلى وسطاء عراقيين لنقلها إلى طهران، تضمنت نقاطًا محددة تمثل خلاصة موقف واشنطن تجاه إيران".

وأضاف المصدر أن "الرسالة أكدت أن الرئيس الأمريكي لا يسعى إلى الحرب مع طهران، بل يهدف إلى التوصل إلى صفقة طويلة الأمد تنهي حالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، مع التشديد على حماية المصالح الأمريكية في المنطقة".

وأشار إلى أن "رؤية الرئيس الأمريكي تتركز على منع إيران من الوصول إلى القدرة على إنتاج أسلحة نووية، في إطار صفقة شاملة تضمن تفوق حليفته في المنطقة، في إشارة إلى إسرائيل".

ولفت إلى أن "إيران تضررت بشدة في العديد من المحاور الإقليمية، مما يتيح فرصة جديدة لواشنطن لتحقيق تفاهمات طويلة الأمد معها، رغم أن الرسائل الأمريكية لا تزال غير علنية وتعتمد على وسطاء متعددي الأطراف".

وفي 22 كانون الأول الجاري، كشف مصدر مقرب من حكومة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، أن الرئيس الامريكي المنتخب دونالد ترامب سلم طهران رسالة عبر سلطنة عمان في الأيام القليلة الماضية بهدف التفاوض على ملفات عديدة من بينها الملف النووي.

وقال المصدر مشترطاً عدم الإفصاح عن هويته لأنه غير مخول بالتصريح الرسمي لـ"بغداد اليوم"، إنه "في الأيام القليلة الماضية تسلمت إيران رسالة من الإدارة الأمريكية المنتخبة عبر سلطنة عمان وهي من القنوات المهمة في تبادل الرسائل بين طهران وواشنطن".

وأضاف، إن "رسالة ترامب التي كتبها إلى المسؤولين الإيرانيين يؤكد فيها استعداد للتفاوض مع طهران وإمكانية التوصل إلى اتفاق نووي غير الاتفاق الذي جرى التوصل إليه عام 2015 وانسحب منه ترامب شخصياً عام 2018".

وأوضح المصدر الإيراني إن "ترامب لن ينتظر أكثر من بضعة أشهر لتسلمه الرد من المسؤولين الإيرانيين بشأن استعدادهم للتفاوض على جملة من الملفات من أبرزها الملف النووي".

ووفق المصدر إن الرسالة الأمريكية توحي بأن "ترامب جاد للغاية لحوار مباشر ورفيع المستوى مع إيران في بداية عمله، وإذا قبلت إيران فإن هناك احتمالاً للتوصل إلى اتفاق، رغم أنه لن يكون هناك ما يضمن أنه حتى في حال التوصل إلى اتفاق فإن أمريكا ستلتزم به".

ويرى المصدر إن حكومة بزشكيان تعتقد بأن مواصلة التصعيد النووي من قبل طهران لن يؤدي إلى نتيجة وربما سيتم إحالة الملف إلى مجلس الأمن الدولي وعلى شكل فصول سبعة من مواثيق الأمم المتحدة باعتبارها تهديدا للسلم والأمن الدوليين، وستقع البلاد في فخ العقوبات الدولية واسعة النطاق، كما ستنضم روسيا والصين إلى الغرب في هذا الأمر، وللأسف ما كان يجب أن يحدث وخلال أقل من ثماني سنوات، انخفضت قيمة العملة الوطنية للبلاد بحوالي 300%".

وكان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي خلال الاثنين الماضي خلال مؤتمر صحفي على ما ذكرته "بغداد اليوم"، بالقول إنه "لا يعلم بتسلم طهران رسالة من ترامب".

وفي الأسبوع الماضي، سافر الوفد التجاري العماني برئاسة نائب وزير التجارة العماني إلى طهران والتقى وناقش مع وزير الصناعة والتعدين والتجارة.

من جانبه، قال سفير إيران لدى عُمان موسى فرهنك، أول أمس الأحد، "على أعتاب العام الجديد، ومع زيارة وزير خارجية سلطنة عمان إلى طهران، سنشهد مرحلة جديدة من العلاقات بين طهران ومسقط وجولة جديدة من التعاون الإقليمي بين إيران وجيرانها".

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، إن لدى إيران خلافات مع الولايات المتحدة "جوهرية وأساسية للغاية" و"قد لا يتم حلها، لكن يجب علينا إدارتها بحيث يتم تقليل التكاليف والتوترات".

وأكد على هامش لقاء الوفد الحكومي أن قناة سلطنة عمان نشطة، وقال إن هناك دائما قنوات اتصال بين إيران وأمريكا، مبيناً "إن إمكانية تبادل الرسائل بين البلدين عبر السفارة السويسرية وطرق أخرى لا تزال قائمة".

مقالات مشابهة

  • تعزيزات عسكرية كبرى تصل إلى قواعد التحالف الدولي في سوريا
  • برا وجوا.. تعزيزات عسكرية لقواعد التحالف الدولي بسوريا
  • القيادة تعزي رئيس الولايات المتحدة الأمريكية في ضحايا حادث اصطدام طائرة ركاب بمروحية عسكرية في واشنطن
  • كيف يتعامل الإيرانيون مع خيار التفاوض المباشر بين طهران وإدارة ترامب؟
  • الأسلوب الإيراني في التفاوض
  • وزير الخارجية الإيراني: لم نتلق أي رسالة من ترامب بخصوص المفاوضات
  • الجيش الإيراني يكشف عن قنابل ليزر دقيقة لأول مرة في مناورات عسكرية
  • الجيش الإيراني يستعرض قنابل الليزر الدقيقة لأول مرة في مناورات عسكرية
  • صحيفة “لويدز لست”: رغم إعلان اليمن وقف الهجمات البحرية إلا أن قطاعات صناعية لم تعد للمنطقة
  • واشنطن تطرح صفقة طويلة الأمد مع إيران.. لا حرب ولكن!