سنوات الغطرسة.. محتوى وثائق سرية إسرائيلية عن حماس
تاريخ النشر: 13th, March 2024 GMT
لسنوات طويلة، استخفت أعلى قيادات الجيش والاستخبارات الإسرائيلية بقدرات حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وبلغ الاحتقار حد المراهنة على حلف معها ضد الجهاد الإسلامي.
ظهر ذلك في وثائق سرية حصلت عليها صحيفة هآرتس الإسرائيلية لاجتماعات مغلقة لأعلى هرم القيادات العسكرية والسياسية.
وتقول الصحيفة إن هذه الغطرسة لم تزل غشاوتها إلا في هجوم طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
في ديسمبر/كانون الأول 2021، تجوّل قائد أركان الجيش الإسرائيلي حينها أفيف كوخافي مرفوقا بوزير الدفاع وكبار القادة على طول الحدود مع غزة في زيارة أحيطت ببعض السرية، ووعد هناك بواقع جديد تماما في القطاع، قائلا "ما كان لن يكون بعد الآن".
كان كوخافي يستعد لتدشين حاجز ضخم فوق الأرض وتحتها، كلف 3.5 مليارات دولار، ليكون جزءا من منظومة الدفاع الإسرائيلية (بما فيها القبة الحديدية).
لكن المشروع يبدو اليوم أقرب إلى تذكار للسابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ونُصب لمفهوم الردع الإسرائيلي المنهار، حسب هآرتس.
ومن المفارقات أن أحد الإعلاميين القلائل الذين رافقوا كوخافي في الزيارة، وهو روي إيدان مصور يديعوت أحرونوت من سكان مستوطنة "كفار عزة"، انتهى به الأمر مقتولا هو وزجته في هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
جدار الغطرسةوتكتب هآرتس أنه مثلما استغرق بناء الجدار المنهار سنوات، استغرق تشييد مفهوم الغطرسة الإسرائيلية سنوات أيضا، كما تظهره وثائق وبروتوكولات اجتماعات مغلقة عقدت خلال السنوات التي سبقت هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وتبدو فيها واضحة عجرفة القيادة العسكرية ومخاوف الضباط من التعبير عن رأيهم المهني إن خالف رأي أعلى الهرم السياسي والأمني.
وتشير الوثائق بوضوح أيضا إلى مبالغة في حجم الإنجازات العسكرية في غزة، وإلى ثغرات استخبارية في قراءة مساعي حماس لتعزيز قدراتها العسكرية، وتشي قبل كل شيء باحتقار للعدو ما بعده احتقار.
أحد من عبّر عن هذه الغطرسة تامير هيمان، وهو مدير معهد دراسات الأمن القومي حاليا، والذي تقلّد سابقا مناصب رفيعة في الجيش، آخرها قيادة الاستخبارات العسكرية.
ولكن هل تجعله سيرته الذاتية هذه خبيرا في شؤون حماس؟ تتساءل الصحيفة الإسرائيلية ساخرة.
في نقاش مغلق في قاعدة وسط إسرائيل في تلك الأيام وكان حينها قائد الاستخبارات العسكرية، تحدث هيمان عن "التزام متزايد لدى حماس بفرض السيادة (على غزة) وهو ما يُحدث صراعا داخلها بين رغبتها في القتال ورغبتها في بسط سيطرتها وخشيتها على البنية التحتية".
ونقلت الصحيفة عن هيمان قوله "أغلب طرق عمل حماس التي عكفت على إعدادها لسنوات تضررت وحُيّدت.. استطعنا فك شفرة شبكة أنفاق غزة. بمجرد أن تعرف مكان أحد قادتهم تحت الأرض تستطيع مهاجمته. صُممت حماس لتحارب لستين يوما (فقط)".
هذا التقييم أدلى به هيمان بعد ما سُميت إسرائيليا بالخديعة خلال عملية "حارس الأسوار"- حين قصفت إسرائيل شبكات الأنفاق بعدما أوحى الجيش باستعداده لإطلاق عملية برية متوقعا أن يدفع ذلك مقاتلي حماس لدخول الأنفاق.
ولم تقتصر العجرفة على الاستخفاف بقدرات حماس، بل حفلت بعبارات التتفيه لموضوعات بالغة التعقيد.
ففي تقييم استخباري للوضع في غزة في يناير/كانون الثاني 2021 أمام كبار العسكريين في قيادة الجنوب وصف تامير علاقة الفصائل في غزة بهذه الكلمات: "يتشارك أعزبان مُتهتّكان ولا يتحليان بروح المسؤولية السكن في شقة واحدة ويمقتان صاحبة البيت"، في إشارة إلى علاقة حماس والجهاد بحركة التحرير الفلسطينية (فتح).
ويضيف التقييم "أكبر الأخوين (حماس) استلم مسؤولية إدارة البيت لكن الأخ الأصغر استمر في سلوكه المتهتك يفعل ما يحلو له .. (لكنه) عندما بالغ انبرت له دولة إسرائيل وأوسعته ضربا (عملية "الحزام الأسود")، واختارت حماس ألا تتدخل ليكون عبرة للشاب المتهور. هكذا نستطيع فهم غزة".
الشمال والجنوبوتقول هآرتس إن الوثائق تظهر فرقا كبيرا بين النقاشات التي دارت في قيادة الشمال وتلك التي جرت في الجنوب.
ففي الشمال جرى التعبير عن آراء مختلفة بين كبار قادة الجيش والقادة الميدانيين في مواضيع تشمل مدى رغبة حزب الله في خوض الحرب وما إذا كان ولاؤه للبنان أم لإيران مثلا.
أما في قيادة الجنوب فلم يكن أحد لينبري لمجادلة كبار قادة الجيش وجهاز الاستخبارات الداخلية والمستوى السياسي، بل وتظهر الوثائق أن أفراد قيادة الجنوب لم يقدموا تقديرهم الاستخباري.
ولم يكن قائد الاستخبارات العسكرية وحده من اعتقد أن حماس قد ارعوتْ، فقائد أركان الجيش السابق أفيف كوخافي آمن بذلك، بل وبأن "لإسرائيل وحماس عدوا واحدا في غزة هو الجهاد، فحماس تريد كسر شوكة الجهاد لكنها لا تستطيع".
كما ذكر في 19 أكتوبر/تشرين الثاني 2019، وهو تصريح تبعته بعد شهر عملية "الحزام الأسود" التي استهدفت لأول مرة فصيلا واحدا في غزة هو الجهاد من دون بقية الفصائل.
وبعد نحو أربعة أشهر من تلك العملية، عاد كوخافي ليتبجح بـ "إنجازات" الجيش في غزة، قائلا "نستهدف حماس مرتين في الأسبوع. ضرباتنا موجعة جدا وحماس لا تردها".
وكان من الثقة أن توقع أن يَرتدِع حزب الله أيضا قائلا "لا سبب يجعل حزب الله أو حماس يبادران بشن حرب ضدنا"، ليضيف في ديسمبر 2020 "يمكن الجزم بأن كل أعدائنا يخشون خوض الحرب ضدنا".
حماس والجهاد
واعتُقد إسرائيليا حينها أن شن عملية "الحزام الأسود"، وامتناع حماس عن المشاركة في التصدي لها سرّع مسارا لدى الحركة يقوم على اختيار التسوية والتركيز على غزة، وهو ما جعل إسرائيل تسهّل وصول التمويل الخارجي إليها.
كل ذلك عدته قيادة الجيش نجاحا باهرا حتى إن قائد قيادة الجنوب حينها الفريق هيرتسي هاليفي قال في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 إن إسرائيل نجحت في إحداث توتر بين حماس والجهاد، قبل أن يضيف بنصف ابتسامة "نحن لا نطلق النار على حماس وهي لا تطلق النار علينا.. قد تطلق رشقة لكنها أقرب إلى غمزة ونحن نعرف كيف نرد بغمزة مؤلمة".
وتكتب هآرتس أنه وبالنسبة لقائد فرقة غزة الجنرال إليعازر توليدانو، كانت الضربة التي وجهت إلى الجهاد هائلة وحرمتها من قدراتها العسكرية كما ذكر في نوفمبر/تشرين الثاني حتى إنه ادّعى في يوليو/تموز من ذات العام أن الجيش الإسرائيلي جاهز أتم الجاهزية على الحدود مع القطاع، لكن بصورة غير مرئية.
ولكن "في السابع من أكتوبر، لم تكن قوات الجيش لتُرى في أي مكان "لا بالعين ولا حتى بالمناظير"، كما علقت هآرتس ساخرة.
أما قائد سلاح الجو اللواء عميكام نوركين فتفاخر بعد عملية "سيف القدس" أو كما سمتها إسرائيل "حارس الأسوار" في مايو/أيار 2021 قائلا "استطعنا تأديب حماس".
لكن قبل 24 ساعة فقط من العملية، كان كثيرون في قيادة الأركان يسخّفون تهديدات حماس بإطلاق صواريخ على القدس خلال الاحتفال ب، "يوم ييروشلايم" وهنا تبين خطأهم مرة أخرى.
ورغم أن اللواء آهارون هاليفا قائد العمليات في الجيش حينها قال إنه تفاجأ بإطلاق الصواريخ، فإنه في تقدير للوضع في قاعدة كيريا في تل أبيب أكد أن "الردع أقوى كثيرا مما تعتقدون .. يدرك (يحيي) السنوار أن خسارته ستكون أثقل إن اختار الحرب والتصعيد".
وكان ذلك خطأ آخر -تقول هآرتس- يضاف إلى أخطاء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي توعد مثلا مع بداية العملية بمزيد من الضربات فـ "إن هي إلا البداية وسنوجه إليهم ضربات لم يحلموا بها أبدا".
الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن الداخلي لم يخفيا تفاخرهما بنتائج عملية حارس الأسوار، حتى إنهما بعثا برسالة مشتركة إلى "منتدى قوات الدفاع" أشادا فيها بوتيرة اغتيال كبار حماس حتى إنه "سيكون من الصعب عليهم التكاثر".
السنوار منتصرا
لكن وما هو إلا أسبوع حتى ظهر يحيى السنوار في صورة نشرتها حماس، يبتسم وهو يجلس على أريكة أمام مكتبه المدمر في خان يونس، في لقطة أرادت لها حماس لها أن تكون صورةَ نصر، أصرت إسرائيل هي الأخرى على أن تنسبه لنفسها.
قال السنوار "نملك 500 كلم من الأنفاق في قطاع غزة، والضرر الذي لحق بنا لا يتجاوز 5%. الهجمات الإسرائيلية لم تؤثر على بنى الفصائل في غزة ".
لم يعد قائد الأركان الإسرائيلي كوخافي إلى بعض تواضعه إلا بعد يومين من وقف إطلاق النار في 21 مايو/أيار 2021، حين زار وحدة العمليات في فرع الاستخبارات العسكرية لقيادة الجنوب وقال "علينا نقد أنفسنا دائما، وعلينا التواضع".
لكن في ذلك الاجتماع لم يُسمَع أيضا رأي ناقد، ولم يرتفع منسوب التواضع الإسرائيلي إلى أعلى مستوياته في قاعدة كيريا في تل أبيب إلا في 6:29 من صباح السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تختم الصحيفة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات من أکتوبر تشرین الأول الاستخبارات العسکریة السابع من أکتوبر قیادة الجنوب فی قیادة فی غزة حتى إن
إقرأ أيضاً:
صحيفة إسرائيلية: المتحدث باسم نتنياهو سرب وثيقة سرية إلى وسائل إعلام أجنبية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
ذكرت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية أن إليعازر فيلشتاين، المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يشتبه في أنه سرب وثيقة سرية للغاية بهدف التأثير على الرأي العام في إسرائيل، لإقناع الجمهور بأن الاحتجاجات ضد الحكومة تعمل على تقوية حركة حماس، وذلك وفقا لمعلومات جديدة سمح بنشرها يوم الأحد.
وبحسب الصحيفة، يُزعم أن فيلشتاين هو الذي سرب الوثيقة أولًا إلى وسائل الإعلام الإسرائيلية، لكن الرقابة في الجيش الإسرائيلي حظرت نشرها بسبب الأضرار الأمنية المحتملة التي يمكن أن تنجم عنها.
وأعلنت النيابة العامة الإسرائيلية اليوم الأحد أنها ستوجه اتهامات ضد فيلشتاين ومشتبه آخر. كما طلبت النيابة تمديدا لمدة خمسة أيام لاحتجاز المشتبه بهما، وذلك بهدف تقديم لائحة اتهام وطلب إبقائهما رهن الاحتجاز حتى نهاية الإجراءات القانونية بسبب حساسية القضية.
وتم اعتقال فيلشتاين في 2 نوفمبر، إلى جانب أربعة مشتبه بهم آخرين، جميعهم من أفراد الأمن، الذين لا يزال أسماؤهم محظور نشرها بموجب أمر رقابي. بينما تم إطلاق سراح بعض المشتبه بهم الآخرين إلى الإقامة الجبرية، وظل فيلشتاين في السجن منذ ذلك الحين.
كما تم استجواب عضو آخر في فريق الإعلام الخاص بنتنياهو، يوناتان يوريش، يوم الخميس الماضي.
يشار إلى أن الوثيقة القضائية التي تحتوي على المعلومات الجديدة، تم إصدارها بعد استئناف من قبل عدد من وسائل الإعلام الإسرائيلية لرفع أمر الرقابة.
وقالت الوثيقة القضائية أنه: "في 6 سبتمبر 2024، نشرت وسائل إعلام أجنبية مقالًا عن مواقف حماس بشأن المفاوضات للإفراج عن الرهائن. وشمل المقال استخدام مواد ووثائق سرية تم الحصول عليها بطريقة غير قانونية من أنظمة الاستخبارات التابعة للجيش الإسرائيلي".
وعلى الرغم من أن الوسيلة الإعلامية الأجنبية التي نشرت المقال لم يتم ذكر اسمها، فإنه من المؤكد تقريبا أنها تشير إلى تقرير نشرته صحيفة بيلد الألمانية في نفس التاريخ.
وأضافت الوثيقة: "بعد فحص الوثيقة من قبل الجيش الإسرائيلي، تقرر أن هذا تسريب لوثيقة "سرية للغاية" وحساسة، والتي قد تعرض للخطر تحقيق أحد أهداف الحرب (الإفراج عن الرهائن) والأنشطة العملياتية للجيش الإسرائيلي والشاباك في غزة ضد حماس".
وتابعت الوثيقة: "وبناء على ذلك، تم إجراء تحقيقات أولية في نظام أمن المعلومات التابع للجيش الإسرائيلي لتعقب مصدر التسريب. وبعد عدة فحوصات، تم تحديد وجود أسباب لفتح تحقيق في التسريب من قبل جهاز الشاباك".
وكما ذكر التحقيق أنه تم العثور على سلسلة من المشتبه بهم في التسريب، من بينهم فيلشتاين، الذي كان يعمل كمستشار للاتصالات في دائرة الدبلوماسية العامة الوطنية في مكتب رئيس الوزراء.
وأظهرت التحقيقات أن التسريب بدأ من ضابط احتياطي قرر، من تلقاء نفسه، إزالة وثيقة سرية للغاية من حيازة الجيش الإسرائيلي بشكل غير قانوني، بهدف نقلها إلى الدائرة السياسية. وفي أبريل 2024، نقل الضابط نسخة من الوثيقة إلى إليعازر فيلشتاين عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي سبتمبر 2024، وبعد أن نُشرت الأخبار في وسائل الإعلام، نقل الضابط إلى فيلشتاين نسخة مادية من الوثيقة الأصلية، إلى جانب وثيقتين إضافيتين "سريتين للغاية"، مما ساعد في نشر الوثائق بشكل غير قانوني.
وتستمر التحقيقات في التعاون بين الجيش الإسرائيلي والشاباك والشرطة الإسرائيلية، والتي أدت إلى وقف مصدر التسريب ومنع المزيد من الأضرار لأمن إسرائيل، بحسب جيروزاليم بوست.