لجريدة عمان:
2025-02-07@16:51:44 GMT

عوْد على بدء

تاريخ النشر: 13th, March 2024 GMT

كتبت قبل قرابة العام مقالة في جريدة «$» بعنوان «رمنسة البؤس»، وصَّفت فيه ظاهرة بدت لي مريبة ومخيفة في آن؛ وهي ظاهرة الاكتئاب القهري التي يجلبها الإنسان على نفسه، أي أنه ليس مصابًا بمرض نفسي لا علاقة له به ولا يد له فيه، بل هو شيء منبعه التمارض واجتلاب المرض على النفس، وإظهاره بصورة رومانسية جميلة. ومما قلته في تلك المقالة «تتلخص ظاهرة رمنسة البؤس في كون فئة غير قليلة من الشباب ممن يُلصقون بأنفسهم أوهامًا وهلوسات عن كونهم مصابين بمرض نفسي يجعلهم مميزين عن غيرهم، كما أن الأمر ذاته ينطبق على من يُصاب بمصيبة يجعله يقتات عليها لأهداف قد تكون ظاهرة له، وأخرى تختلج في نفسه ولا تتكشف له جرّاء تلك الأوهام المغلوطة».

حسنا، ربما أخطأت في جانب آخر وهو الجانب العلاجي للمسألة؛ فإن افترضنا أن سبب «رمنسة البؤس» في الحقيقة هي الأفكار الكبيرة التي يقضم القارئ قطعة منها وينتقل إلى أخرى، حتى تتشكل عنده أسئلة كبيرة وشائكة ومعلَّقة في آن. وفي لحظة حرجة ما، تتفجر تلك الأسئلة مندفعة على شكل اضطراب نفسي أو اكتئاب أو تأثّر بقرينٍ ما، يظُنُّ المتأثِّرُ بأن تجربة ذلك القرينِ تجربتُهُ هُوَ!. فتختلط أوراقه ويغدو تائها، حتى يصير المُتَخَيَّلُ حقيقةً، ويصبح الواهم بأنه مكتئب؛ مكتئبا بالفعل!. فما العلاج؟

الإنسان مؤثر ومتأثر بالطبع وبالضرورة؛ وحيث إنه كذلك، فإن أكثر من يتأثر بهم هم أقرانه ومجايلوه. وقد نمت على مرّ السنين حالة من الترُّفع عند كثير من المثقفين، بوصفهم العارفين بالأشياء، فصارت الثقافة شيئا تتداوله «النخبة» و«الطغمة» منهم فحسب، غير آبهين بما للناس من هموم وآلام إلا بالقدر الذي يخدم الكتابة والإنتاج المعرفي، إلى أن وصل الأمر بأن تشعر هذه النخبة بأن المجتمع مجرد عبء لا يمثلها إلا بالقدر الذي يخدم مصلحتها. فكل ما يهم الناس وينجذبون إليه، إن هو إلا حماقة وسخافة تترفع عنها النخب، فيصبح مقياس فراغ الأشياء وضحالتها هو اهتمام الناس بالشيء وإقبالهم عليه؛ لا أن يتم انتقاد الظواهر وتحليلها لمعرفة أسبابها وبواعثها! وكي لا يُظَنَّ بأنني أعمم القول هنا، فإنني أؤكد بأن مقابل هذه الفئة ممن تعد نفسها من النخبة، هناك فئة أخرى همها الأبدي الناس والمجتمع صلاحه وإصلاحه، وهؤلاء دورهم مفصلي في قيام كل الحضارات السابقة واللاحقة، فهم من المجتمع وإليه، بعاداته وتقاليده وأعرافه التي لا تتعارض مع العقل والمنطق والأخلاق العامة. ومن هذه الظواهر التي تخلق ما يشبه العداوة المتخيلة بين الثقافة ونخبتها وبين العامة، الرياضة. فالرياضة عند كثير من الناس تشبه المأكل والمشرب في اهتمامهم بها وتأثرهم بها، بينما يقل هذا التأثر سواء بالفعل -أي ممارستها- أو الاهتمام -مشاهدتها ومتابعة أخبارها- عند الفئة الأكبر من المثقفين. وذلك لاعتبارات كثيرة ليس أقلها اقتناع فئة كبيرة من المثقفين بأن ما هو مشاع ويثير اهتمام أكبر عدد من البشر، هو تافه بالضرورة؛ أي من منظور فوقي متعالٍ.

إذا تحدثنا عن الرياضة بوصفها شيئا مختلفا، فإننا نظلمها حقها؛ فالرياضة كفَنٍّ قائم بذاته كانت بارزة عند الرومان، ولم يكن أجدادنا من العرب القدماء أم الأجداد قريبي العهد بمعزل عن الرياضة وممارستها. فسباقات الجري وركوب الخيل والجِمال كانت حاضرة وبقوة في حياتهم اليومية ومناسباتهم، ومما يؤكد ذلك قول العرب القدماء «أَعْدَى مِنَ الشَّنْفَرَى» كما في مجمع الأمثال، ويستحيل أن تصل سرعة الشنفرى إلى ما وصلت إليه دون أن يكون قد تدرب وتمرن كثيرا حتى أصبح مضرب المثل في سرعة الجري. ولكن الرياضة اليوم مطلب أشد ضرورة، فكل شيء تقريبا باتت المواد الكيميائية جزءا من تركيبته، لدرجة أن بعض الأطباء يقولون بأن التوقعات في عام 2050م بأن يكون نصف سكان الأرض مصابين بداء السُّكري!. ولأن الجسم يمتلئ بالسموم الداخلة إليه من الأطعمة خصوصا، فلا سبيل إلى إخراجها إلا بالرياضة. ولكن الأمر يتعدى الجسدية فحسب، فالدراسات الحديثة الجادة تشير إلى أن الرياضة أحد أهم الأسباب في رفع الصحة النفسية والصفاء الذهني؛ وكي لا يكون كلامي إنشائيا، فقد جربت الأمر بنفسي ورأيت آثاره المثمرة على أدائي في الحياة والعمل!. وهو منهج أدعو كل من يقرأ المقالة لأن يجربه بنفسه، أي اختبار الدراسات التي تتحدث عن التحسن لدى الإنسان بتجربتها تجربةً عملية. فهي إن لم تنفع، فلن تضر.

«التدافع سنة كونية في صالح البشرية»، تتكرر هذه العبارة دوما بمعانيها المتعددة، لكن ما ينبغي التنبه إليه أن التدافع المحمود هو ما يرتقي بنا كأفراد مكونين لهذا المجتمع البشري الكبير؛ أما «تكسير المجاديف» فليس من التدافع المحمود في شيء. وما دام شيء ما كالرياضة في المتناول المقدور عليه، حتى وإن كان المشي لساعة واحدة يوميا، فما المانع من تجربته؟. إن الإنسان الفطن يدرك بأن عمره المحدود على هذه الحياة لا يحتمل إضاعته فيما لا طائل فيه، وإذا كنا نملك الخيار في أن نكون النسخة الأفضل من أنفسنا، النسخة الخَيِّرة التي تفيد نفسها وعائلتها ومجتمعها ووطنها بأكمله؛ فلماذا نلتفت إلى كلام المثبطين؟ مثقفين كانوا أم غير مثقفين؟. من يجعل الخير نصب عينه، فلا يلتفت إن كان قائله من أعدائه أو من أصدقائه، وليس شيءٌ أبلغَ من حكمة المتنبي:

وَمِنَ العَداوَةِ ما يَنالُكَ نَفعُهُ

وَمِنَ الصَداقَةِ ما يَضُرُّ وَيُؤلِمُ

وكما ذكرت في مقالتي السابقة لهذه المقالة والتي كانت بعنوان «لأجل ماذا؟»، فإن «الصوابية -أي فعل الصواب في كل حين- تجعل المرء يقترب من الخير الإنساني أكثر فأكثر، ولكنه لن يقوى على الاستمرار في طريق الصوابية دون معاونة رفاق له يتبنون الطريق والمسلك ذاته؛ فالصوابية في الحياة تعني أن تتخلى عن أمور يقدسها الكثيرون». واختيار فعل الصواب حين يكون الأمر متعلقا بنا أمام أنفسنا وأمام من نكترث لأمرهم ورأيهم -العائلة، الأصدقاء، الشلة الثقافية- هو الشجاعة بعينها. فأن تتبنى الفعل الصحيح مقابل مناوءة وسخرية من المحيطين بك، هو ما يستدعي رفع القبعة والتصفيق. أما أن يكون المرء تابعا؛ فهو شيء سهل يسير، ولكنه سيكتشف بأن ذاته ليست سوى مسخ من ذوات الآخرين. إذا كان الصواب أن تحمل نفسك على ممارسة الرياضة أو المشي لنصف ساعة قبل الإفطار أو بعده، هل ستفعلها؟ جرّب ولن تندم!.

علاء الدين الدغيشي كاتب وشاعر عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

فوائد مذهلة للباذنجان.. متى يمكن أن يكون سامًا؟

أشارت الدكتورة مارغاريتا كوروليوفا خبيرة التغذية إلى أن ما يميز لب الباذنجان هو الألياف الغذائية النباتية، وتوافقها الجيد مع مصادر البروتين الكامل.

ووفقا لها، لا ينبغي طهي الباذنجان فترة طويلة لأنه يفقد خصائصه المفيدة أي يجب أن يحتفظ ببعض النضارة لضمان توفير الألياف الغذائية، ويساعد هذا في دعم عمل الجهاز الهضمي. كما أن الباذنجان له تأثير مفيد على ميكروبيوم الأمعاء والبكتيريا المعوية.

وعموما الخضروات هي واحدة من أهم المجموعات الغذائية التي لا ينبغي تجاهلها.

ولكن، على الرغم من فوائد الباذنجان، يجب على الأشخاص الذين يعانون من التهابات في الجهاز الهضمي الامتناع عن تناوله، لأنه قد يسبب تفاقمها ويتعارض مع الأدوية التي وصفها الطبيب.

ومن جانب آخر أعلن الدكتور فيتالي روميانتسيف أخصائي أمراض الجهاز الهضمي، أن الباذنجان يحتوي على مادة السولانين التي هي سم نباتي، يوجد في العديد من فواكه الفصيلة الباذنجانية، بما في ذلك البطاطس، مشيرا إلى أنه كلما كان عمر الباذنجان أكبر، كلما كان يحتوي على نسبة أكبر من السولانين، وبالتالي يرتفع خطر التسمم الغذائي.

أما الدكتور ميخائيل غينسبورغ فيشير إلى أن أعلى نسبة لسم السولانين موجودة في قشر الباذنجان لذلك ينصح قبل الطهي، بغلي الباذنجان أو على الأقل وضعه في الماء المغلي، لأن السولانين يتحلل عند تسخينه.

مقالات مشابهة

  • المسند يوضح متى يكون برد أيام العجوز
  • فوائد مذهلة للباذنجان.. متى يمكن أن يكون سامًا؟
  • العفو العام..هل يكون طوق النجاة للفاسدين والإرهابيين؟!
  • الذكاء الاصطناعى.. هل يكون بديلاً فى الإفتاء؟
  • مدبولي: نأمل أن يكون 2025 عام انخفاض أسعار التضخم سواء في مصر أو عالميا
  • رئيس الوزراء البريطاني: يجب السماح للفلسطينيين بأن يكون لهم وطن
  • إعلامي إماراتي: طبيعي أن يكون الهلال في صدارة آسيا .. فيديو
  • المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط: يجب إيجاد حل لمشكلة المكان الذي سيذهب إليه سكان غزة
  • عندما يكون الألم.. مصدرا للالهام
  • الغيامة: الشباب والاتفاق عبء على وزارة الرياضة