لا تستقيم وجبة برياني دون مشروب صودا. هذا أمر لا يختلف عليه اثنان. ما يُختلف عليه هو نوع ونكهة المشروب. كينزا العلامة التي استبدلت العلامات التجارية الأشهر صارت اليوم البديل الأول. يبدو أن ما بدأ كامتداد لحركة المقاطعة يُصبح ميلا للمنتجات المحلية والإقليمية. الناس الذين كانوا يستهلكون دون تفكير، صاروا يُفكرون في كل علبة صودا، فنجان قهوة، وقضمة همبرغر.
لطالما كانت المقاطعة المنظمة والنبذ الجماعي وسائل تعبير وضغط شعبي. وهي مقياس أمين للرأي العام في بُلدان تقمع أو تُحرّم مجرد التظاهر. والحكومات وإن لم تستجب للشارع فإنها تقرأ المشهد، وتشعر بعاطفته وهو (أي الشارع) وإن كان عاجزا، إلا أنه يجد طريقة في النهاية لتسجيل موقفه.
تستلهم حركة مقاطعة إسرائيل -مقاطعتها، وسحب الاستثمارات منها، وفرض العقوبات عليها- فكرتها من مقاطعة جنوب أفريقيا لنظام الفصل العنصري، والتي شجعت فيها الحركة على مقاطعة منتجات جنوب أفريقيا، ما تحوّل لاحقا إلى المقاطعات الشاملة، ضمت فيما ضمته الفعاليات الثقافية والفنية.
تكاد تكون المقاطعة هي الشكل الوحيد للتضامن العالمي الفعال مع حقوق الشعب الفلسطيني. ونحن لا نستغرب إذ نشهد اختراع كل الألاعيب التي نتخيلها ولا نتخيلها من أجل إدانة هذه الحركة. من بينها -مثلا- مصادقة البرلمان الألماني في 2019 على قرار لمكافحة المقاطعة والتضييق عليها (على اعتبار أن مضمونها -كالعادة، وكما لكم أن تتخيلوا- معادٍ للسامية)، قبل أن تُقر المحكمة الفيدرالية في 2022 بالحق في عقد أنشطة مساندة للحركة، ما عُد انتصارا للقضية، والمتضامنين معها في ألمانيا، واستعادة للحق في المقاطعة.
يبدو أن ثمة طريقتين متناقضتين نتصرف وفقهما هذه الأيام. تتلخص الأولى في الشعور بأن العالم معطوب على نحو غير قابل للإصلاح، وليس لأي شيء أن يصنع فارقا حقيقيا، وعليه لنستسلم لمصيرنا، ونعترف بهزيمتنا، ونعدي الحياة التافهة كيفما اتفق. أو النقيض من ذلك: ما أوصلنا إلى هنا هو تخففنا من المسؤولية، تخدير أنفسنا ومحاولة حمايتها من كثرة التفكير والانخراط في الشؤون السياسية. إن هذا العالم الظالم يتغذى على انتباهنا المسلوب لأجل أن يُكمل سيره الحثيث نحو مزيد من الجشع، وإذا لم نستعد انتباهنا، فإننا نكون بذلك متواطئين. يبزغ لنا فجأة عِناد وتمعن وتأمل لكل تصرفاتنا التي كانت -إلى الآن- آلية.
تردنا أخبار عن إغلاق أفرع إثر تكبد الخسائر، ونُفكر بأن القدر كما يبدو بدأ يستجيب. هذا على الصعيد المحلي، أما على الصعيد الدولي فثمة أيضا مبادرات لمقاطعة أكاديمية ضد الجامعات الإسرائيلية، خصوصا بعد أن دمر جيشها كل جامعة في غزة. ثمة أيضا مبادرات ساعية لتشجيع الدول على الضغط على منظمي أولمبياد باريس لاستبعاد إسرائيل.
أشعر أن علينا أن نفكر معا بكيف نذهب خطوة أبعد، كيف نغتنم زخم momentum المقاطعة من أجل إحداث ثورة عالمية ضد القيم النيوليبرالية، الاستهلاك غير المسؤول، زعزعة النظام القائم، وإحداث ضغط على القوى الكبرى، التي ولولا القوة الشرائية لأمثالنا لما احتلت هذه المكانة.
الكثيرون صاروا اليوم يدعمون منتجاتهم المحلية. يخدم هذا غرضين؛ فمن جهة يتم الضغط على العلامات التجارية المتواطئة في الإبادة، ويُشجع -من جهة أخرى- الاقتصاد المحلي. نحن بحاجة إلى سياسات، ومشروعات تستغل الدعم الشعبي للتحرك باتجاه إنتاج وطني أوسع، وأسرع.
فلنقف إذن بأقدامنا العارية في وجه الطواحين الشرسة عوضا عن المشاركة في تحريكها، ولنُسخّر عنادنا الذي يتكشف في إصلاح ولو ترس صغير في آلة العالم المتوحشة.
نوف السعيدي كاتبة وباحثة عمانية في مجال فلسفة العلوم
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
الدفاعات الجوية الروسية تتصدى لـ46 مسيرة أوكرانية
أكدت وزارة الدفاع الروسية، اليوم السبت، أن منظومات الدفاع الجوي الروسية، اعترضت ودمرت 46 طائرة مسيرة أوكرانية، فوق أراضي مقاطعات عدة، خلال الليلة الماضية.
وأوضحت وزارة الدفاع الروسية، في بيان، أنه تم "تدمير 18 طائرة مسيرة فوق أراضي مقاطعة بريانسك، و11 مسيرة فوق أراضي مقاطعة كورسك، و7 مسيرات فوق أراضي مقاطعة كالوغا، و5 مسيرات فوق أراضي مقاطعة تولا، و3 مسيرات فوق أراضي مقاطعة بيلغورود، وطائرتان مسيرتان فوق أراضي مقاطعة فورونيج".
وعلى الصعيد ذاته، قالت السلطات الروسية، اليوم السبت، إن حريقا اندلع في مستودع للوقود في منطقة تولا جنوبي موسكو بعد ان شنت أوكرانيا هجوما بطائرات مسيرة.
وكتب حاكم المنطقة دميتري ميلييف على تطبيق تلغرام أن الهجوم على المنشأة لم يسفر عن وقوع إصابات، مشيرا إلى أنه تم تدمير 5 مسيرات.
وقالت السلطات المحلية إن تولا، الواقعة على بعد 160 كيلومترا جنوبي موسكو، تعرضت للاستهداف بعد ساعات فقط من هجوم مماثل بطائرات مسيرة في منطقة كالوجا، جنوب غربي العاصمة، والذي تسبب أيضا في نشوب حريق في منشأة لتخزين الوقود.
وفي كييف، قالت الإدارة العسكرية المحلية، إن هجوما روسيا أودى بحياة 4 أشخاص في العاصمة الأوكرانية صباح السبت.
وكتب تيمور تماتشينكو، قائد الإدارة العسكرية في كييف عبر تلغرام "للأسف سقط 4 قتلى في حي شيفشينكيفسكي و3 جرحى".
وكان رئيس بلدية كييف فيتالي كليتشكو أشار في وقت سابق إلى وجود "تهديد بصاروخ باليستي" على كييف.