المأزق الأخلاقى الأمريكى فى غزة
تاريخ النشر: 13th, March 2024 GMT
المتأمل فى الموقف الأمريكى من الحرب على غزة يلحظ المأزق الأخلاقى الذى تواجهه إدارة بايدن أمام العالم وهو الأمر الذى تحاول أن تتجاوزه دون أى نجاح. فالولايات المتحدة التى ساندت تل أبيب أكبر مساندة ودعمتها بشكل مطلق تجد نفسها الآن أمام عمليات إبادة جماعية وعمليات تجويع لشعب بأكمله يتجاوز عدده 2 مليون فلسطينى فى غزة وسط مناشدات دولية بوقف المجازر هناك.
وفى محاولتها للمواءمة بين الأمرين تواصل إدارة بايدن للاسف تأييدها للعمليات العسكرية مع سعى لهدنة مؤقتة تستأنف بعدها إسرائيل القضاء على المقاومة، وفى ذات الوقت تحاول أن تظهر بوجه إنسانى، لتوفير أدنى مقومات الحياة للفلسطينيين فى غزة.
من أجل ذلك سلكت واشنطن مسالك عدة تثير الدهشة والعجب ويصعب أن يتم تناولها سوى فى إطار من السخرية. نتذكر هنا المثل الذى يقول اللى يعيش ياما يشوف وطول ما انت عايش يا ما هاتشوف، وهو مثل ربما ينطبق بكل حذافيره على ما نراه حاليا من مشاهد الإنزال الجوى الأمريكى تحديدا للمساعدات على أهالى غزة جراء تعثر توصيل قوافل المساعدات بريا عبر معبر رفح فى ضوء التعنت الإسرائيلى.
فإزاء اتساع مشاهد الجوع وتردى الوضع الإنسانى لأهالى غزة فى ضوء هدوء العمليات العسكرية والتى صاحبها مجازر ومذابح للفلسطينيين ترقى إلى حد الإبادة الجماعية، اهتز ضمير العالم لتلك المشاهد وسط عجز عن الفعل وغياب القدرة على إجبار إسرائيل على الاستجابة للمناشدات الدولية بإدخال المساعدات، فكان التفكير فى المسار الأنسب لتجاوز تلك العقبة. شملت تلك العملية جهودا عربية ودولية مكثفة شاركت فيها دول عدة بالطبع فإن أى مسعى على هذا الصعيد أمر يجب أن يلقى الشكر والتقدير، لكن هذا الشكل من المساعدات يرد عليه ملاحظات عدة، أولاها تلك الحكمة القائلة بأن الوقاية خير من العلاج، ألم يكن من الأفضل دوليا، وبخاصة من قبل الولايات المتحدة، العمل على تجنب وصول الوضع إلى هذه الحالة الإنسانية المتردية؟
واذا كانت قوى المجتمع الدولى لا تملك من الآليات ما يوقف المغامرة الإسرائيلية ولجم تشدد حكومة نتنياهو، وهذا ممكن أن يكون صحيحاً أيضاً، فماذا عن الولايات المتحدة وقد شاركت هى الأخرى فى عملية الإنزال الجوى للمساعدات؟. وبقليل من الواقعية أو كثيرها نقول إذا كانت الأردن أو بريطانيا أو فرنسا.. أو غيرهم.. إلخ.. لا يملكون توجيه القرار الإسرائيلى أو التأثير عليه فألا تملك واشنطن ذلك، وقد كانت شريكا رئيسيا فى المجهود الحربى الإسرائيلى منذ بدء العمليات العسكرية على غزة فى أكتوبر الماضي؟ هل من المقنع عقليا أن بايدن لا يملك ذلك؟ هل الأمر يمثل امتدادا لسياسة الازدواجية فى السياسة الأمريكية وغيرها من السياسات الغربية ومحاولة تبرئة الذات من الهمجية الإسرائيلية؟
من الغريب أن يردد مسئولون أمريكيون أن إسرائيل تدعم مهمة الإنزال الجوى لضمان سلامة الموجودين على الأرض، فى الوقت الذى قتل فيه ما لا يقل عن 112 فلسطينيا واصيب 760 آخرين جراء اطلاق القوات الإسرائيلية النار على حشود تجمعت للحصول على المساعدات.
وفى مواجهة الانتقادات التى وجهت للإدارة الأمريكية بسبب الخسائر التى نجمت عن الإنزال الجوى للمساعدات كان تفكير بايدن فى حل آخر وهو إنشاء ميناء بحرى تقيمه بلاده لتوصيل المساعدات، قيل إنه سيستغرق أسابيع. وهو أمر يثير التساؤل بشأن لماذا هذه الكلفة وهذا الوقت الضائع والذى يزيد من مأساة الفلسطينيين فيما معبر رفح موجود وتعلن مصر استعدادها لإدخال كل المساعدات الممكنة من خلاله؟ إذا كان لكل ذلك من دلالة فهو أن إسرائيل لا تجد من يردعها وأن الولايات المتحدة تحاول أن تضحك على عقولنا بتلك المشاهد الدرامية!
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: د مصطفى عبدالرازق تأملات الموقف الأمريكي الحرب على غزة إدارة بايدن
إقرأ أيضاً:
برنامج الأغذية العالمي يعلن نفاد جميع مخزوناته الغذائية في غزة
أعلنت المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي، التابع للأمم المتحدة، سيندي ماكين أن البرنامج استنفد جميع مخزوناته الغذائية في غزة، حيث تمنع إسرائيل وصول المساعدات الإنسانية منذ 7 أسابيع.
وقالت ماكين، في تصريح لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، برنامج الأغذية العالمي أرسل آخر شاحنة من مخزون الغذاء لديه لغزة، مؤكدة أنه لم يتبقَّ شيء منه.
وأكدت أن الظروف في غزة مأساوية، وأن الناس يتضورون جوعا، مشددة على أن مزيدا من الناس سيعانون المجاعة نتيجة ما يجري في غزة بسبب عجز البرنامج عن الدخول وتقديم المساعدات، داعية إلى وقف إطلاق النار، والسماح للعاملين في المجال الإنساني بالدخول.
وقالت ماكين إن الغذاء ليس أمرا سياسيا، وإنّ جَعْله كذلك في غزة غير مقبول، ولا ينبغي أن يحدث.
وأكدت المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي، ردا على سؤال بشأن مزاعم استخدام حركة المقاومة الإسلامية (حماس) المساعدات كأداة للحفاظ على سلطتها، أن طاقم البرنامج لم يرَ أدلة على ذلك.
نقطة الانهيار
وأشار برنامج الأغذية العالمي إلى أن الحصار الإسرائيلي الحالي -وهو أطول إغلاق تواجهه غزة على الإطلاق- قد فاقم من تدهور الأسواق وأنظمة الغذاء الهشة أصلا.
إعلانوارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة تصل إلى 1400% مقارنة بفترة وقف إطلاق النار، وحذر البرنامج من أن نقص السلع الأساسية أثار مخاوف غذائية خطيرة لدى الفئات السكانية الضعيفة، بمن فيهم الأطفال دون سن الخامسة، والنساء الحوامل والمرضعات، وكبار السن.
وصرح البرنامج بأن الوضع داخل قطاع غزة "وصل إلى نقطة الانهيار مرة أخرى، وتنفد لدى الناس سبل التأقلم، وتبددت المكاسب الهشة التي تحققت خلال وقف إطلاق النار القصير. وبدون اتخاذ إجراءات عاجلة لفتح الحدود أمام دخول المساعدات والتجارة، قد يُضطر برنامج الأغذية العالمي إلى التوقف".
ووفقا للبرنامج، تم وضع أكثر من 116 ألف طن من المساعدات الغذائية -وهي كافية لإطعام مليون شخص لمدة تصل إلى 4 أشهر- في ممرات المساعدات، وهي جاهزة للتسليم بمجرد إعادة فتح إسرائيل لمعابر غزة الحدودية.
كما صرّح مدير برنامج الأغذية العالمي في فلسطين أنطوان رينارد، لبي بي سي، بأن "أكثر من 80% من السكان نزحوا خلال الحرب، ومنذ 18 مارس/آذار فقط، نزح أكثر من 400 ألف شخص مرة أخرى"، مضيفا بأنه في كل مرة ينتقل البرنامج يفقد ممتلكاته، مما يجعل مطابخ الوجبات الساخنة ضرورية لتوفير وجبة أساسية للناس.
ومع ذلك أكد رينارد أنه حتى مع اكتمال إمداداتها، لا تصل هذه المطابخ إلا إلى نصف السكان بنسبة 25% فقط من احتياجاتهم الغذائية اليومية.
يذكر أنه في نهاية مارس/آذار، أُجبرت جميع المخابز الـ25 التي يدعمها برنامج الأغذية العالمي في غزة على الإغلاق بعد نفاد دقيق القمح ووقود الطهي، كما نفدت الطرود الغذائية الموزعة على العائلات، والتي تحتوي على حصص غذائية تكفي لأسبوعين.
سوء تغذية حادووفقا للأمم المتحدة، يتفاقم سوء التغذية بسرعة، وفي الأسبوع الماضي تم فحص 1300 طفل في شمال غزة، وتبين وجود أكثر من 80 حالة سوء تغذية حاد، بزيادة قدرها ضعفين عن الأسابيع السابقة.
إعلانويشير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إلى وجود نقص حاد في الأدوية والإمدادات الطبية والمعدات للمستشفيات المكتظة جراء القصف الإسرائيلي، كما أن نقص الوقود يعيق إنتاج المياه وتوزيعها.
وأكد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس أن غزة تعيش "لحظة عصيبة وقاتمة"، وطالب بإنها الحصار المفروض على المساعدات لأنها "الأرواح تعتمد عليه".
من جهته، صرح مدير الوصول الإنساني في المجلس النرويجي للاجئين، جافين كيليهر، لبي بي سي من وسط غزة بأنه بمجرد نفاد مخزونات الطعام في المطابخ، لن يعودوا قادرين على توفير أي شيء.
وقال إنه من أجل البقاء، يأكل الناس أقل، ويقايضون "باستبدال كيس حفاضات بالعدس أو زيت الطهي"، أو يبيعون ما تبقى لديهم من ممتلكات في محاولة للحصول على المال اللازم للوصول إلى الإمدادات الغذائية المتبقية، مؤكدا أن "اليأس شديد للغاية".
في وقت سابق من هذا الأسبوع، رفضت وزارة الخارجية الإسرائيلية انتقادات المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا للحصار التي وصفته بأنه "لا يُطاق" وطالبت بإنهائه فورا في بيان مشترك، وقالت إسرائيل إنها غير مُلزمة بالسماح بدخول المساعدات بزعم أن حماس تستولي عليها، وهو أمر سبق أن نفته الحركة، كما أكدت الأمم المتحدة أنها تحتفظ "بسلسلة حراسة دقيقة للغاية لجميع المساعدات التي تقدمها".
وكانت إسرائيل قطعت المساعدات بالكامل عن غزة في 2 مارس/آذار، واستأنفت حرب الإبادة على القطاع بعد تنصلها من اتفاقية لوقف إطلاق النار استمرت نحو شهرين، بذريعة الضغط على حماس لإطلاق سراح بقية الأسرى المحتجزين.