سوف أبني جسورا بين الشمال والجنوب
تاريخ النشر: 13th, March 2024 GMT
ترجمة: أحمد شافعي -
كان العام الماضي عاما شديد البروز: ففي عام 2023، وصل استخدام السيارات الكهربائية وتوليد الكهرباء من الفحم في جميع أنحاء العالم إلى ذرى جديدة. وفي العام نفسه، لعب الطلب المتزايد على الكهرباء والصراعات التي أدت إلى تعطيل الطاقة في أوروبا والشرق الأوسط دورهما. لكن هذا العام أيضا كان تذكيرا صارخا لنا بأن الوفاء بالتزامات خفض درجة الحرارة بمقدار 1.
ويمكن أن تكون البداية في هذا بمؤتمر المناخ (كوب 29) في أذربيجان. علينا أن نكسر حلقة التوقف ثم البدء من جديد، وهي الحلقة التي تَسِم اتفاقيات مؤتمر المناخ، بحيث تكون هناك آلية متابعة من اتفاقية إلى أخرى. وقد بدأ هذا الشهر الماضي مع إطلاق (ترويكا رئاسات مؤتمر المناخ)، بما يضمن أن تكون أذربيجان جسرا في صنع القرار وتنفيذه بدءا من قيادة القمة الثامنة والعشرين في الإمارات العربية المتحدة وحتى القمة الثلاثين في البرازيل خلال العام المقبل. وسوف تضمن هذه الآلية المتجددة انتقال مؤتمرات القمة نفسها بعيدا عن تنظيم الإعلانات الكبرى لتصبح منصة للاستمرارية من خلال المراقبة والتنفيذ.
من المهم أيضا أن يقام جسر بين العالمين الصناعي والنامي. ذلك أن استخدام العالم الصناعي المتزايد للوقود الأحفوري في العام الماضي يجعل الضغط الذي يفرضه على العالم النامي لتقليل اعتماد اقتصاداته على الفحم أصعب تحققا ودواما. ويجعل التحول إلى التكنولوجيا الخضراء والتمويل الموعود له -وإن لم يتم تقديمه بعد- أشد إلحاحا من أي وقت مضى. ويعني هذا أن رئاسة أذربيجان للمؤتمر يجب، في المقام الأول، أن تكون الجسر الذي يعيد ربط التطلعات المتباينة لكل من شمال العالم وجنوبه.
وفي هذه الصدد، وتنفيذا لهذه المهمة، من المفيد أن يمارس مستضيف مؤتمر المناخ ما يدعو إليه الآخرون. ومن أجل خفض الانبعاثات الناجمة عن صناعة الطاقة لدينا، تنضم أذربيجان إلى التعهد العالمي لغاز الميثان، للحد من انبعاثات هذا الغاز الأكثر تأثيرا من ثاني أكسيد الكربون على الاحتباس الحراري العالمي. في الشهر الماضي، بدأ وضع حجر الأساس لما سيصبح جزءا من واحدة من أكبر منشآت الألواح الشمسية على مستوى العالم، والتي سيتم بناؤها على منطقة أخليت من الألغام الأرضية وكانت إرث جيل من الصراع والاحتلال العسكري. ويعد هذا المشروع الذي يشمل خمس مساحة البلد بدوره جزءا من عملية طموحة لإعادة إعمار صفرية الانبعاثات في مرحلة ما بعد الصراع. والمزيد من الطاقة الشمسية والمائية، والاستفادة من قدرة الرياح البحرية البالغة 157 جيجاوات، سوف ينقل الاقتصاد من مصدِّر للنفط والغاز إلى مصدِّر للكهرباء، التي تنتجها مصادر الطاقة المتجددة ويتم تصديرها إلى جيراننا والاتحاد الأوروبي عبر المنطقة الخضراء المخطط لها في ممر الطاقة بين بحر قزوين والبحر الأسود.
إن لدى أذربيجان من الموارد المالية ما يلزم لتحقيق هذا التحول في مجال الطاقة والتصدير. ولكن الاستثمار الدولي يقوم بدور كبير في هذا التحول. وسوف يعتمد نجاح أماكن أخرى من العالم بشكل أكبر على التمويل الخارجي لمكافحة تغير المناخ. فلا بد من الوفاء الآن بالوعود التي أبرمتها المؤسسات متعددة الأطراف والحكومات والقطاع الخاص في دبي للعمل بصفة جماعية.
ولا بد أيضا من زيادة سرعة التحول. فعلى مدار العامين الماضيين، قامت أوروبا -ببعض من المساعدة التي قدمتها أذربيجان- بتحويل مصادر إمداداتها من الغاز الطبيعي وأظهرت مدى السرعة التي يمكن أن يحدث بها تحول الطاقة عندما تتوافر الإرادة السياسية. لكن مما يؤسف له أن جزءا من هذا الميل تمثل في الرجوع إلى الفحم، وهو ما يشير في أنظار الكثيرين إلى أن الشمال العالمي مستعد، في نهاية المطاف، إلى التخلي لا عن الأهداف المناخية فقط، وإنما هو مستعد للدفاع عن الميزة الاقتصادية مهما يكن الثمن، على حساب الجنوب العالمي.
ويوضح هذا مدى أهمية أن تصبح أذربيجان -وأي بلد قد يستضيف مؤتمر المناخ في واقع الأمر- جسرا بين العالمين المتقدم والنامي. فإذا لم يتم إصلاح علاقة الثقة هذه، فنحن معرضون لخطر تقليص الجهود بدلا من تسريعها للحفاظ على أن يظل هدف خفض درجة حرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية في متناول اليد. ويمكن استعادة الثقة من خلال تحديد هدف جديد لتمويل المناخ يتم إعادة تأكيده بعد ذلك من خلال مؤتمري المناخ التاليين ثم من خلال آلية الترويكا من بعدهما. فلا بد من أن ينعكس حجم التحدي المناخي وإلحاحه، وعلى القدر نفسه من الأهمية، لا بد من إلغاء الحظر سريعا على الأموال التي تحتاج إليها بعض الدول احتياجا ماسا.
ولكل من يشكك في إمكانية تحقيق ذلك أن يتأمل فقط في حقيقة أن أذربيجان تستضيف مؤتمر المناخ من الأساس. فقد تحقق ذلك لأنه في ديسمبر، بعد عدة مواجهات عسكرية تعود إلى ثلاثين عاما من الزمن، اتخذت أذربيجان وجارتها أرمينيا خطوات ملموسة نحو بناء الثقة بين البلدين. وكبادرة على حسن نية، دعمت أذربيجان ترشيح أرمينيا لعضوية مكتب مؤتمر المناخ في مجموعة أوروبا الشرقية، في حين سحبت أرمينيا ترشيحها لاستضافة مؤتمر المناخ دعما لطلب أذربيجان.
فلو أن ذلك كان ممكنا، فإن هدف الـ 1.5 درجة مئوية ممكن أيضا.
مختار باباييف وزير البيئة والموارد الطبيعية في أذربيجان والرئيس المعين لمؤتمر المناخ كوب 29
عن الجارديان البريطانية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: مؤتمر المناخ من خلال
إقرأ أيضاً:
مؤتمر المناخ يذيب جليد العزلة عن طالبان
يظل التحدي الأكبر أمام حكومة حركة طالبان الحاكمة في أفغانستان بعد مرور أكثر من 3 سنوات هو كسر العزلة المفروضة عليها من الدول الغربية.
لكن انفتاح الصين وروسيا عليها إلى جانب دول الجوار بدرجات متفاوتة جعل عددا من الدول الغربية تنتهج نهجا براغماتيا نفعيا بعيدا عن التماهي مع الموقف الغربي والأميركي.
على الرغم من ذلك يراهن البعض على تغيير الموقف الأميركي بشكل أو بآخر في ظل إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب الذي يعتمد على الصفقات وما تنطوي عليه من مفاجآت.
وقبل شهرين من توليه مهام منصبه سجلت حركة طالبان خطوة لافتة في مسعاها لكسر العزلة بمشاركتها في اجتماعات مؤتمر المناخ ـ الأطراف "كوب 29 " الذي اختتم أعماله أول أمس في مدينة باكو عاصمة أذربيجان بعد أسبوعين متواصلين من المفاوضات.
دبلوماسية مناخيةوالنتيجة الأبرز للاجتماعات هي موافقة دول العالم التي اجتمعت في باكو والاتفاق على تمويل سنوي لا يقل عن 300 مليار دولار للدول النامية لمكافحة التغير المناخي، وبينها أفغانستان حسب ما جاء في البيان الختامي للمؤتمر.
لكن الأهم من ذلك بالنسبة لحركة طالبان هو مشاركتها للمرة الأولى منذ توليها السلطة في هذا المحفل الدولي متعدد الأطراف الذي حضره أكثر من 76 ألف مشارك مسجل ووافد، ورؤساء 80 دولة وحكومة. والذي اعتبره الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف "انعطافا في الدبلوماسية المناخية".
لم يأت علييف على ذكر حكومة طالبان بالاسم في إطار التنويه "بالدبلوماسية المناخية الجديدة" في منشور له أمس على وسائل التواصل الاجتماعي لكنه أشار إلى بوادر تغيير تضمنها قوله "رغم حملات الإفك والبهتان والتشويه واسعة النطاق والمخططة فإن أذربيجان تمكنت من إحراز نتائج تاريخية في المفاوضات المناخية".
وحسب منشور علييف فإن بلاده -التي دعت طالبان للمشاركة في المؤتمر- "استرشدت بشعار التضامن من أجل العالم الأخضر وانطلقت من صفتها المحايدة لعرض كل ظرف وتهيئة الأجواء من أجل مفاوضات خالية من الانحياز والغرض".
ومن دون ذكر دولة بالاسم قال "بذلنا جهودا هائلة ودعوات لتحقيق نتيجة تأخذ بعين الاعتبار حاجات الدول النامية ولا سيما الدول الجزرية الصغيرة والدول الأقل نموا لأنها هي التي تتحمل العبء الثقيل لتغير المناخ وتجابه الخطر الوجودي. كما أبدينا تضامنا مع الشعوب والمناطق التي تعاني من المشكلات البيئية المتزايدة تدهورا تحت الإدارة الاستعمارية".
دعوة طالبانفي العامين الماضيين شارك مسؤولو طالبان في اجتماعات نظمتها الأمم المتحدة بشأن أفغانستان في العاصمة القطرية الدوحة، كما حضر وزراء من طالبان منتديات في الصين وآسيا الوسطى.
لكن مكتب مؤتمر الأطراف التابع لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ أرجأ النظر في مشاركة أفغانستان منذ عام 2021، بعد عودة طالبان للسلطة مما أدى فعليا إلى تجميد مشاركة البلاد في المحادثات لكنها تلقت دعوة للمشاركة في اجتماعات باكو .
ولعل من دوافع الدعوة هذا العام، قضية التغير المناخي، وهي قضية عالمية تؤثر على الكوكب بأكمله وتتطلب تعاون دول العالم كافة، بغض النظر عن وضعها السياسي.
وفي قمم مؤتمر الأطراف السابقة، شارك ممثلون من بلدان ذات أنظمة سياسية مختلفة، حتى تلك التي تعيش في صراع أو علاقات متوترة، لمناقشة القضايا البيئية العاجلة لذا فإن مشاركة ممثلين لحكومة طالبان هذا العام ليس بدعا.
وطالما كررت سلطات حكومة طالبان المطالبة بإشراكها في المناقشات الدولية في شأن المناخ، قائلة: إن عزلتها السياسية ينبغي ألا تمنعها من ذلك. خصوصا وأن أفغانستان سادس أكثر الدول عرضة لتغير المناخ. وتواجه مشاكل بيئية خطيرة مثل الجفاف وإزالة الغابات وتدهور الأراضي.
كما أكد مسؤولون في الوكالة الوطنية لحماية البيئة بأفغانستان على أن تغير المناخ ينبغي ألا يخضع لاعتبارات سياسية، داعين إلى استئناف المشاريع المتعلقة بالبيئة التي عُلقت إثر عودة طالبان إلى السلطة.
وعلى الرغم من ذلك أثارت مشاركة طالبان في كوب 29 العديد من التساؤلات، حول أسباب هذه الخطوة التي تمهد الطريق أيضا للتعاون المستقبلي بشأن هذه القضايا مع حكومة الحركة.
ويرجح مراقبون غربيون أن تكون مشاركة طالبان في اجتماعات المناخ "جزءا من إستراتيجية دولية أوسع نطاقا تستخدم دبلوماسية المناخ كأداة لفتح الاتصالات مع الأنظمة المعزولة.
كما يرون أن على المجتمع الاستعداد للتعامل مع حقائق سياسية قائمة لمعالجة التحديات العالمية بشكل فعال. كما أن مشاركتها في المنتديات الدولية مثل مؤتمر الأطراف كوب 29، يمكن أن تساعد في تعزيز مكانتها الدبلوماسية.
بعد سياسيأما البعد السياسي الذي يتعدى قضية تغير المناخ فهو اعتبار دعوة طالبان للمشاركة في كوب 29 خطوة نحو الاعتراف بحكومتها وتعزيز موقفها على الساحة الدولية، ويسمح لها بإظهار قدرتها على التعامل مع المجتمع الدولي بشأن قضايا مهمة أخرى.
كما يجدر التنبيه إلى دعوة طالبان ومشاركتها في كوب 29 لا تعني الاعتراف الرسمي بها، لكن يمكن تفسيرها على أنها إشارة إلى أن الجهات الدولية الفاعلة ستحاول استكشاف سبل إقامة حوار بناء مع حكومة الحركة في أفغانستان، بشأن القضايا التي يشكل التعاون فيها أهمية أساسية، مما يمهد للاعتراف التدريجي وصياغة العلاقات المستقبلية بين طالبان وبقية العالم.
ويقول المحللون إن مثل هذه التحركات تمثل قبولا للواقع السياسي الفعلي في أفغانستان والحاجة إلى العمل مع حكامها بشأن قضايا تشمل الهجرة ومكافحة المخدرات والأمن.
ويعزز مثل هذه التوقعات إغلاق سفارتي أفغانستان في بريطانيا والنرويج التابعتين للسلطات الموالية للغرب التي أطاحت بها طالبان في عام 2021 أبوابهما في سبتمبر/أيلول الماضي .
وقالت وزارة الخارجية النرويجية "إن النرويج تعترف بأن السلطات هي التي تسيطر بحكم الأمر الواقع على جهاز الدولة في أفغانستان، وهي التي يمكنها، وفقا للقانون الدولي، استدعاء الموظفين من البعثات الأفغانية في الخارج".
وقال السفير الأفغاني لدى المملكة المتحدة زلماي رسول على وسائل التواصل الاجتماعي في سبتمبر/أيلول إن السفارة ستغلق "بناءً على طلب رسمي من الدولة المضيفة". وقال متحدث باسم وزارة الخارجية البريطانية "هذا القرار لم تتخذه الحكومة البريطانية". قررت دولة أفغانستان إغلاق السفارة الأفغانية في لندن وطرد موظفيها".
لكن الخطوة التي اتخذتها لندن لا تزال مفاجئة، حيث جاءت من دولة شكلت بعد الولايات المتحدة ثاني أكبر قوة في تحالف حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي طرد طالبان من السلطة في نهاية عام 2001 في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 على الولايات المتحدة.
ويخشى الأفغان المعارضون لطالبان أن تحذو ألمانيا -حيث يعيش أكثر من 500 ألف أفغاني- حذو لندن وأوسلو. خصوصا وأن برلين تفاوضت مع طالبان، بوساطة دولة قطر للسماح بترحيل 28 محكوما أفغانيا من ألمانيا إلى بلدهم الأصلي في نهاية أغسطس/آب الماضي.
ويقول جيل دورونسورو، الخبير في شؤون أفغانستان "عندما تخسر الحروب، فلن يكون لديك سوى حلول سيئة".معتبرا "قرار لندن وأوسلو هدية لطالبان ولكنه يستند أيضا إلى الواقع. لا يوجد بديل لنظام طالبان".
وتنقل وكالة الصحافة الفرنسية عن دبلوماسي أوروبي، عمل سابقا في العاصمة الأفغانية كابل، قوله إن تغيير الإستراتيجية الغربية تجاه سلطات طالبان "أمر ضروري، فالمواجهة الأمنية لم تؤد إلى أي شيء والنتيجة الوحيدة كانت "تدهور العلاقات".
وتقيم الدول الغربية علاقات بحكم الأمر الواقع مع طالبان، وتعتبر الحركة "فاعلا أمنيا" ضد فرع تنظيم الدولة الإسلامية في أفغانستان وكانت أكثر نجاحا من أي جماعة أخرى منذ أكثر من 40 عاما في السيطرة الكاملة على البلاد عسكريا" والحكومة السابقة المدعومة من الغرب لم تتمكن من تحقيق الاستقرار في هذا البلد مع الفساد المالي وانتهاكات حقوق الإنسان التي لا تحصى.
والآن زاد تصدير السلع وانخفض الفساد المالي بشكل واضح. ومن وجهة نظر هذا الخبير، وخلافا لما حدث عندما وصلت طالبان إلى السلطة لأول مرة، فإن الاقتصاد لم يعد يتراجع.