أدب المقاومة: ماذا يعني أن تنتصر فلسطين على صفحات رواية؟
تاريخ النشر: 13th, March 2024 GMT
روايتان من فلسطين تصلان إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية: سماء القدس السابعة لأسامة العيسة وقناع بلون السماء لباسم خندقجي
كلاهما من فلسطين وكلاهما عرف معاناتها. أسامة العيسة روائي وصحفي ولد في بيت لحم وعاش ووثق فلسطين ومعاناتها ومقاومتها وأمكنتها عبر أعمال مختلفة في الصحافة والبحث العلمي والأدب على آخرها حتى الآن هو روايته المرشحة لجائزة البوكر العربية.
حياة كلا الكاتبين رواية بحد ذاتها. وهما يقدمان الآن للمتلقي العربي وثائق فيها الخيال والواقع ومرارات كليهما في زمانيين مختلفين من عمر هذه السيرة الحية التي نتابع تواليها حيا على الهواء في الأحداث الجارية الآن.
إذن سماءان تصطفان تحملان اسم القدس من علو علها تشاهد أكثر وتكون أكثر وضوحا لقاطني الأرض. قد تكون فداحة التطورات الأخيرة في حرب غزة ومقاومتها الاحتلال الإسرائيلي (تكاد تكون فيه وحيدة إلا..) حاليا أحد المحركات التي دفعت بالروايتين لتصل إلى جملة العناوين المرشحة للجائزة فالسياق السياسي والصراع الثقافي الحضاري ليس غائبا تماما عن كل الأحداث الثقافية. لكن تجاوزا للأسباب الأخرى فإن لكلا الكاتبين حضورا أدبيا مميزا سابقا لهذا الترشيح.
إن توقفنا عند رواية باسم: قناع بلون السماء. فإن الرواية تلخص مقدمات ما يحدث الآن. بطل الرواية المولود في أحد المخيمات يسرد معظم أحداثها وهو يراسل صديق عمره المعتقل في سجون الاحتلال الصهيوني. هي الشخصية الفلسطينية التي تتشظى بين المخيم والمعتقل وما بينهما من شخوص تمارس حيل التحايل في العيش لا التعايش وتنويع أشكال المقاومة من الصوفي مرسي في حي الشيخ جراح إلى الصمود الجريء في شخصية سماء إسماعيل من حيفا.
يلعب الروائي باستطرادات الأبعاد الرمزية في اللغة حين يبلغ التشظي والتحايل مداه بتقمص البطل نور لشخصية أور الإسرائيلي. كلاهما يحملان ملامح متشابهة لكن نور عربي من فلسطين وأور هو إسرائيلي من أبوين مهاجرين من أوروبا. وهكذا فإن الملامح تستلب كذلك وتقصى عن حقيقة انتمائها الأصيل. كل اسم يقابل الآخر لكن أور غائب لا يعرف عنه شيء وإذ تنتحل شخصيته فهي واهية وغائبة لا يدل عليها غير بطاقة هوية مزورة ولكن نور حاضر. حتى وهو يتقمص أور حضوره مقاوم لحد كبير.
والتلاعب يبتدئ من العنوان: فقناع بلون السماء قد يدل على قناع نور الأزرق فالأزرق والأبيض هو لون إسرائيل كما يصرح في نص الرواية إنه أزرق مثلنا ولكن سماء هي الحبيبة المقاومة. من بين كل الأسماء اختار لها اسما مماثلا لإشارة القناع الأزرق لكنها قناعه الحقيقي. خياره الواضح والأخير. ويدرك وهو معها اغترابه وإحساسه بالانفصال عن أصوله في حين تواجه هي ما يحدث بثبات المواقف. وتمثلها للقيم الدينية والوطنية التي تؤمن بها وتشكل هويتها.
كتب باسم روايته هذه وهو في السجن. يفرق النقاد في كثير من الأحيان بين أدب المقاومة وأدب السجون وإن كانت ثمة علاقة وتداخل كبير بينهما. عرف العالم العربي أدب السجن مبكرا وهو يتنوع شعرا ورواية وقصصا ومذكرات وسير ذاتية وغيرها وتدور ماهيته بالحكي عن عذابات تجربة السجن ولطالما كان لصيقا وممتزجا بالمقاومة والصراعات السياسية فكانت النصوص الأدبية التي تشكل نتاجا ومحركا وتوثيقا وتنبؤا للأحداث التاريخية في زمن الحروب والاضطهاد والاحتلال. الرواية العربية المعاصرة قدمت نماذج ملفتة لأدب السجون مثلما هي رواية عبدالرحمن منيف المتخيلة شرق المتوسط ورواية تلك العتمة الباهرة ل الطاهر بن جلون وشرف لصنع الله إبراهيم وغيرها.
التجربة الفلسطينية على وجه الخصوص طالما أن الحديث عنها كان معظم مثقفيها المعروفين جزءا من حالة المقاومة والتعرض للسجن مثلما حدث مع محمود درويش ومعين بسيسو وسميح القاسم وتوفيق زياد وغيرهم. في الرواية التي بين أيدينا الآن نجد أن إشارات السجن وعذابات المسجونين لم يغفل عنها في البناء السردي بل كان الاعتقال المحرك ونقطة الانطلاق للحكي وظل الخيط الذي يربط أحداث الرواية هو رسائل الشخصية الرئيسية للقصة نور إلى صديقه المعتقل مراد. ناهيك عن أن الرواية ذاتها هي نتاج سجين.
وفي الوقت ذاته فإن الرواية تسجيل لأحداث حي الشيخ جراح وإن لم تفصل فيها وتوثق المدن الفلسطينية الحاضرة بذاتها مثل القدس الحية الجميلة المحبوبة الصامدة. وهناك حيفا الحاضرة في سماء وكأنها تعكسها لنا وهناك المدن التي غيبت وحل محلها مستوطنات وأحياء تحمل أسماء إسرائيلية. يردها الكاتب إلى أصلها. يعرفنا ويذكرنا بها. والرواية توثيق لغربة الفلسطينيين الدائمة في وطنهم وقمع هويتهم من قبل المحتل والإمعان في تهجيرهم وإقصائهم مبنى بشرا وأبنية ومدنا ومعنى كذلك. وقدرتهم الهائلة على المقاومة بمظاهرات واحتجاجات كما هو في حي الشيخ جراح. بمقاومة مراد في الأسر وحفظ المعنى الحقيقي وتسمية الأشياء بمسمياتها. بعناد سماء وجرأتها وحتى في تشظي نور في بحثه عن حقيقة مريم المجدلية. عن حقيقة وجوده. عن أصل الأشياء وواقعيتها وهو في أقصى حالات التخييل.
ما الذي يعنيه أن يكون هناك أدب مقاومة. ما أثره وما الذي يفعله فعلا. هل من المبالغة توقع أن يتساوى أو يشابه وصول رواية من روايات المقاومة إلى قائمة البوكر القصيرة مثلا وصول القضية السياسية إلى محكمة العدل الدولية أو تفجير دبابة ميركافا على يد المقاومة.
استقصاد قوات الاحتلال للصحفيين والكتاب بالتضييق والاعتقال والاغتيال المقصود جدا في الأحداث الأخيرة أمر له إشاراته بالتأكيد. ولا يمكن أن يذكر أدب المقاومة واغتيال رموزها دون الإشارة لغسان كنفاني الأديب اللذي حمل القلم سلاحا وكان سبب اغتياله.
لكن ما الذي يمكن أن تفعله تلك الكتابة التي تخيف الخصوم للحد الذي تدفعهم لترويع الكتاب وسجنهم واغتيالهم. في حالة من الحالات الاستثنائية لفعل الأدب المباشر في تغيير الواقع نجحت رواية دوستوفيسكي مذكرات من البيت الميت -التي كتبها تأثرا بتجربة سجنه في معتقلات سيبيريا - قيصر روسيا إلى تغيير قوانين السجن ومنع التعذيب الجسدي للمسجونين. لكن الأدب في الغالب وهو يقدم لنا العذاب جماليا لا يملك قوة الفعل المباشر.
يثبت الأدب ذاته وجدارته اعتمادا على قدرته الفنية واستحقاق العمل للتقدير لتحقيقه اشتراطات الإمتاع والإقناع وتمكنه من أدوات اللغة والبناء السردي الحكائي. وهو حين يحقق ذلك فإنه بالتأكيد يحقق جملة الرسائل الأخرى الذي يكون جمال الرواية مشبعا بها ومتشربا إياها فتتسرب إلى وعي المتلقي بكليتها أدبا وفعل مقاومة. ولا يمكن إنكار أنه في عصرنا الحالي قوة الجوائز والترشيح لها في الدفع بالأسماء والعناوين إلى الواجهة وبالتالي توسيع فرصة الوصول والتأثير اللذي ستتفاوت مستوياته طبقا لكل متلقي على حده. وطبقا كذلك لقدرة الرواية أن تتحكم في الحفاظ على القيم والنوايا نبيلة وخالصة على قدر تحكمها في ثيمات العمل الأدبي ورصانة بنائه الفني. لكن لنتفق أن مجرد البحث عن الرواية وظروف كتابتها وحال كاتبها المضطهد هو بحد ذاته قادر على تأكيد مواقف وآراء بعينها لدى المتلقي.
تفتح الروايات الباب على مزيد من الأسئلة مهما ظن الروائي أنه أسهب في الإجابات وهنا تكمن قدرتها على مد إمكانات التأثير والتوالد مما بذرته في ذهن المتلقي.
د. ميا الحبسية كاتبة عمانية
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
فرحة رمضان وعيد الأم على صفحات مجلة قطر الندى في عدد مارس
صدر حديثا عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، برئاسة اللواء خالد اللبان، العدد رقم 731 من مجلة قطر الندى عدد مارس 2025، وفي هذا العدد تحتفي مجلة قطر الندى بحلول شهر رمضان المبارك، وعيد الأم، حيث يحتوي العدد الصادر بإشراف الكاتب محمد ناصف نائب رئيس الهيئة، على مجموعة منوعة من القصص والأشعار وصفحات الكوميكس والأبواب المختلفة.
جاء غلاف العدد بريشة الفنان أحمد عبد النعيم معبرا عن فرحة الأطفال بشهر رمضان المبارك وفانوس رمضان المحبب لهم.
أما كلمة رئيس التحرير الكاتبة نجلاء علام فجاءت بعنوان "هدية لماما" وتناولت فيها كيفية الاحتفال بعيد الأم واختيار الهدية المناسبة لها.
واحتوى العدد على الكثير من الموضوعات عن شهر رمضان المبارك ومنها: كوميكس بعنوان "ذكريات رمضانية" ويتناول أشهر عادات وتقاليد الشعب المصري في استقبال الشهر الكريم، قصيدة "على باب رمضان"، سيناريو مصور بعنوان "رمضان كريم"، موضوع "الفوانيس فرحة رمضان"، قصة "مباراة في الصيام"، قصيدة "فانوسي"، وتم تخصيص حلقة باب اختفاء التاء المربوطة عن الصحابية الجليلة "نسيبة بنت كعب"، قصيدة "أحلى فانوس".
وكذلك تنوعت الموضوعات عن عيد الأم ومنها: قصيدة بعنوان "أمي"، قصة "إنها أمي"، قصيدة "ضحكة نور".
كما ضم العدد الكثير من الأبواب والموضوعات المنوعة، مثل: باب محافظات مصر وحلقة عن محافظة البحر الأحمر بعنوان "زمردة بلونها الأخضر"، وباب حديقة أصدقاء الطبيعة وحلقة جديدة بعنوان "حديقة الأمل".
كما يقرأ الأطفال في هذا العدد باب يوميات فتى فرعوني، وحلقة بعنوان "رحلة صيد"، ومغامرة جديدة من مغامرات فروحة تحت عنوان "مهمة انقاذ"، وباب صغار أذكياء وحلقة العدد بعنوان "عصفور صغير ينقذ المملكة"، وحلقة جديدة من باب من تراث الشعوب بعنوان "القاضي إياس"، وباب حواديت بشكل جديد وحلقة هذا العدد بعنوان "الحكيم ديحيكو والمرأة الطيبة"، وتنتهي صفحات المجلة دائما بمغامرة من مغامرات باهي وبغبغ.
كما تحرص مجلة قطر الندى على تقديم البسمة للأطفال من خلال باب للكاريكاتير، وباب لهواة التلوين في كل عدد.
وتصدر مجلة قطر الندى شهريا عن هيئة قصور الثقافة، وهي إحدى إصدارت الإدارة العامة للنشر، برئاسة الكاتب الحسيني عمران، التابعة للإدارة المركزية للشئون الثقافية برئاسة الشاعر مسعود شومان، وتضم هيئة تحرير المجلة، الكاتب الطاهر شرقاوي مديرا للتحرير، والفنانة رحاب جمال الدين سكرتيرًا للتحرير، والفنان محسن عبد الحفيظ مخرجا ومشرفا فنيا.