لجريدة عمان:
2024-10-05@06:57:07 GMT

الجرَّاحون يقاومون في غزة لأسباب الإنسان

تاريخ النشر: 13th, March 2024 GMT

يقاوم الجَرَّاحُونَ في غزة بما أوتوا من شرط الإنسانية وروح التطوع ونبالة المقصد، في الوقت الذي يفرض فيه كيان الاحتلال حصارًا جائرًا على القطاع يستقصد الإبادة الجماعية التي يشهد العالم على وحشيتها بصمت يُمَحِّصُ الشعوب الحية التي تفعل ما تستطيع من أجل إنقاذ ما تبقى من الأفعال النبيلة في هذا العالم. ليس ببعيد عن هذه الأفعال أن يذهب الجَرَّاحُ وحيدا - بواسطة منظمات تُعْنَى بالأطباء في مناطق الحروب - يحمل حقيبة سفره إلى مستشفى في غزة طالته يد الحصار بثقلها فنفدت عنه ذخائر الجراحة من أدوات وأَسِرَّةٍ ومواد ضرورية لإجراء أبسط العمليات الجراحية، فكيف وأهل غزة يُمْطَرُونَ كل يوم بأبشع أنواع الأسلحة المحرمة دوليا في بيوتهم ومساجدهم ومدارسهم ومستشفياتهم وحتى أماكن الإيواء وساحات الملاجئ ونقاط الإغاثة، لكنه الأمل الذي يحمل الجراح إلى ذلك القطاع الذي لا يزال الموت يتحسس ترابه كل حين، الأمل الذي يفرض عليه البقاء في مستشفى على فوهة النار، ومنه إلى مستشفى آخر حتى آخر المستشفيات الميدانية المعرضة لفجاءة القصف المدمر.

«إن إسرائيل تسعى لحرمان غزة من الخدمات المنقذة للحياة.. إنها تهدف لجعل غزة مكانًا غير صالح للحياة من خلال استهداف المستشفيات على وجه الخصوص» يصف طبيب الجراحة البريطاني ذو الأصل الفلسطيني غسان أبو ستة لوكالة الأناضول فظاعة الجرائم الإسرائيلية على قطاع غزة. تطوع غسان للذهاب إلى غزة عبر مصر مع منظمة أطباء بلا حدود في اليوم الثاني من بدء الحرب الإسرائيلية الدموية على قطاع غزة، غادر هذا الجراح قلب القارة العجوز حيث يحمل الجنسية التي يمارس من خلالها مهنته الطبية مجازفًا بمستقبله الوظيفي أمام الإمبريالية الصهيونية التي تجثم بثقلها لممارسة أعتى أنواع الطغيان بأحدث الآلات المتطورة وأنظمة التجسس الذكية، لكنه الحنين إلى الوطن والوقوف مع الإنسان المظلوم أو لعله العودة إلى الذات التي تطاردنا بجرسها الأبدي مهما تاهت بنا الطرقات، شيء حتمي أن تنتصر النفس الخيرة للحقيقة الواضحة التي لا يماري فيها عاقل منصف فتتصاغر لأصوات الخطر إلى شجاعة المقاومة بالمستطاع من الفعل، لكن التمادي الصهيوني في حصاره على تلك المساحة الصغيرة والقصف العشوائي الحقود ما زال مستمرا وقد غادرها الجراح غسان مرغما بعد أن نفدت الأدوية ومواد التخدير. كتب على منصة «إكس» بتاريخ 19 نوفمبر 2023 باللغة الإنجليزية ما ترجمته: «لقد غادرت غزة بالأمس، قلبي وروحي ما زالا هناك مع مرضاي، سأقاتل حتى يتلقوا العلاج الذي يحتاجونه والعدالة التي يستحقونها، قلبي مكسور بطرق لم أكن أعلم أنها ممكنة من قبل»، هذه الكلمات الجياشة تعبر عن مشاعر ملايين الأحرار من العالم، لستَ بحاجة لأن تكون فلسطينيا أو عربيا أو مسلما حتى تنتابك هذه الأحاسيس، يكفي أن لك قلبا يميل للحق وللإنسان حتى تشاطرك الحياة هذه العاطفة.

يروي تيم جوديكار -استشاري الجراحة التجميلية والترميمية ونائب رئيس سابق للكلية الملكية للجراحين في إنجلترا- مشاهد عاشها في مستشفى غزة الأوروبي مع مصابي القصف الإسرائيلي المتكرر في مقال نشرته جريدة «عمان» بترجمة قاسم مكي، دخل تيم غزة بواسطة المنظمة الخيرية المعنية بالإغاثة الدولية في الكوارث والطوارئ مع الدعم طويل الأمد في نهاية شهر يناير وبداية شهر فبراير، أذهله انعدام أبسط الأدوات المستخدمة في أساسيات الجراحة وكيف أنه اضطر إلى بتر ساق فتاة يتيمة مخافة تلوث الجرح وانتشاره في جسدها بعد محاولات يائسة لإزالة الأنسجة المتهتكة بالشظايا، يوجه تيم نداء استغاثة بعد عودته من غزة التي قضى فيها أسبوعين فيتساءل: «هل لا يمكن لحكوماتنا إزالة العوائق البيروقراطية التي تعرقل تسليم المعدات المنقذة للحياة؟».

ليس ببعيد عنا أيمن السالمي جراح التجميل والترميم الذي عاد إلى أرض الوطن بالأمس بعد أن خاطر بحياته من أجل الوصول إلى غزة بواسطة منظمة عالمية، غادر السالمي من منطلق مبدأ إنساني فرضته البشاعة التي يمارسها الاحتلال الصهيوني في حربه الظالمة ضد أهل غزة حسب تعبيره في حديث مع جريدة عمان، كان يجري في كل يوم حوالي 10 إلى 11 عملية جراحية بمساعدة طاقم طبي في المستشفى الأوروبي بغزة، هذه نماذج لجراحين عايشنا يومياتهم وتابعنا مقاطعهم على وسائل التواصل أو مقالاتهم في الصحف العالمية ولا ريب في أن وراءهم الكثير ممن لم نعرفهم ولم نرهم لكننا نعلم علم اليقين أنهم عبروا النفق المظلم للوصول إلى الضوء الذي توقد في داخلهم من أجل الإنسان والحقيقة، ولهدف أسمى يتكرر في صلواتنا وصدقاتنا وكلماتنا وأحاسيسنا رجاء أن ينتصر صاحب الأرض على الاحتلال الدموي ويستيقظ الضمير العالمي فتكون له عين يبصر بها ويترجمها بالفعل النبيل.

عزان المعولي كاتب عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الحفل التنكري.. حكاية الملك الذي عاش صراعا بين الحب والسلطة

لقد جسّد عرض "الحفل التنكري" ببراعة عالم الملك السويدي جوستاف الثالث، الذي عاش صراعًا بين الحب والسلطة والخيانة، ليصل في النهاية إلى مصير مأساوي. كان العرض مستوحى من أحداث حقيقية، لكن فيردي قدّمها بأسلوب درامي ساحر، يعكس عمق شخصياته وتعقيد علاقاتهم. ارتكزت القصة على مثلث الحب بين الملك وأميليا، زوجة صديقه المقرب الكونت أنكارستروم، والذي يتحول من أقرب المخلصين إلى عدو متآمر بفعل غيرته وحقده. وجاءت نهاية القصة درامية للغاية، حيث يتم اغتيال الملك في حفلة تنكرية على يد الكونت بعد كشف المؤامرة التي حيكت ضده.

أخذ العرض شكله الفني الكامل على مدار ثلاث ساعات، وتم تقسيمه إلى ثلاثة فصول، حيث ضم كل فصل تناميًا تدريجيًا في تصاعد الأحداث والصراع الدرامي، بدءًا من الفصل الأول الذي أظهر الحبكة والتوتر السياسي، مرورًا بالفصل الثاني الذي سلّط الضوء على العلاقة العاطفية والشكوك، وانتهاءً بالفصل الثالث الذي شهد النهاية المأساوية للملك. وبين هذه الفصول كانت هناك استراحات للجمهور لاستيعاب الأحداث والاستمتاع بالأجواء الفنية المحيطة بالعرض.

تميزت قيادة الأوركسترا تحت إشراف المايسترو جيامباولو بيزانتي، الذي استطاع بإبداعه أن ينقل نبضات الموسيقى بكل دقة، محققًا توازنًا رائعًا بين الأداء الموسيقي والأداء التمثيلي. بيزانتي ليس غريبًا على هذا النوع من الأوبرات الكبرى، فقد سبق له قيادة العديد من الأعمال العالمية على أكبر مسارح الأوبرا. رافقته في هذا النجاح أوركسترا المسرح الغنائي في كالياري التي قدمت أداءً موسيقيًا متكاملاً، إلى جانب كورال المركز الوطني للفنون الأدائية في الصين الذي أضفى على العرض عمقًا صوتيًا هائلًا.

ومن الناحية البصرية، جاء العرض استثنائيًا بتصاميم ديكور وأزياء راقية من إبداع هوجو دي آنا، الذي اشتهر بإبداعاته البصرية المبهرة. صمم دي آنا مشاهد غنية بالتفاصيل، حيث استخدم الإضاءة والظلال بشكل متقن ليعزز الأبعاد الدرامية للأحداث. كما أضافت عروض الفيديو التي تم استخدامها خلال الأوبرا عنصرًا حديثًا للتجربة المسرحية، مما جعل المشاهد يغوص في عالم القصص القديمة من منظور فني حديث. كانت الأزياء التي ظهرت على المسرح تعكس الطابع الملكي والترف الذي ساد البلاط السويدي في ذلك الوقت، مما ساهم في تعزيز الأجواء التاريخية والدرامية.

أما على مستوى الأداء التمثيلي والغنائي، فقد تألق نجوم الأوبرا العالمية في تقديم أدوارهم ببراعة استثنائية. لعب بيوتر بيكشافا دور الملك جوستاف الثالث، وقد أبدع في تجسيد شخصيته التي تمزج بين القوة والضعف، وبين الحب والخيانة. كان أداءه الصوتي متناغمًا مع المشاعر الدرامية للشخصية، ليُظهر التوتر الداخلي الذي عاشه الملك. أما لياو تشانجيانج، الذي لعب دور الكونت أنكارستروم، فقد أبدع في تقديم شخصية الصديق المخلص الذي ينقلب على ملكه بدافع الغيرة والخيانة. وقد جاء أداؤه العميق مؤثرًا للغاية، حيث تفاعل الجمهور مع هذا الصراع النفسي الذي عايشته الشخصية. أبدعت إيلينا ستيخينا في دور أميليا، حيث جسدت المرأة التي وقعت في حب محرم، وتمزقت بين واجبها تجاه زوجها وحبها للملك. كان صوتها العذب وأداؤها التمثيلي العاطفي من أبرز محاور العرض.

كما لم تكن الأدوار الثانوية أقل أهمية، حيث تألق كل من أجنيشكا ريخليس في دور العرافة مدام أرفيدسون، وإنكيليدا كاماني في دور أوسكار، خادم الملك، الذين قدما أداءً ساهم في تعميق الحبكة وإضفاء بعدٍ أكبر على الأحداث.

على مستوى التفاعل الجماهيري، فقد لوحظ تفاعل الجمهور وشد انتباهه إلى آخر العمل، فما كانت الاستراحات إلا فرصة للحديث عن تفاصيل الفصل الأول والثاني، حيث قدم عرض "الحفل التنكري" تجربة فريدة جمعت بين الجمال الموسيقي والإبداع الفني، ليؤكد مرة أخرى على قدرة الأوبرا في مسقط على تقديم عروض من الطراز العالمي، وهذا نهج اعتمدت عليه الدار في استقطاب العروض العالمية المختلفة والتي تلبي مختلف الأذواق والأمزجة للمواطنين والمقيمين على حد سواء.

ساهم هذا العرض في إبراز التعاون الفني الدولي بين المؤسسات الفنية الكبرى، حيث كان الإنتاج المشترك بين الصين وسلطنة عمان نموذجًا للتبادل الثقافي الناجح، الذي يعزز التفاهم بين الشعوب عبر الفن.

كما قدمت الدار اليوم الجمعة ليلة موسيقية بعنوان "أمسية موسيقية من الصين"، بقيادة قائد الأوركسترا لو جيا، وبمشاركة كورال وفناني المركز الوطني للفنون الأدائية في الصين، وأوركسترا المسرح الغنائي في كالياري. قدم الحفل مجموعة متنوعة من الأعمال الموسيقية، شملت كونشيرتو الكمان رقم 1 لجاو جيبينج، وأغانٍ تقليدية من تراث سيشوان وكازاخستان، إضافة إلى توزيع أوركسترالي لبعضها. استمرت الأمسية لمدة 60 دقيقة دون استراحة.

مقالات مشابهة

  • من هو هاشم صفي الدين الذي قُتل بغارة اسرائيلية بضاحية بيروت ؟
  • الحفل التنكري.. حكاية الملك الذي عاش صراعا بين الحب والسلطة
  • من هو هاشم صفي الدين الذي زعم الاحتلال استهدافه؟
  • ما الذي قاله قائد أنصار الله عبد الملك الحوثي عن الضربة الصاروخية الإيرانية التي أرعبت “إسرائيل”؟
  • لأسباب جوهرية.. لماذا يرفض عراقيون الاحتفال بعيدهم الوطني؟
  • قائد الثورة يكشف تفاصيل حساسة بشأن الهجوم الإيراني على كيان العدو والمواقع التي تم استهدافها وما الذي حدث بعد الضربة مباشرة
  • صاحب شركة سيتي كريك للمقولات يشكر الدكتورة هدى معروف على نجاح الجراحة
  • “أطول من اللحية”.. أوغندي يتخلص من كتلة في الوجه بجهود أطباء أتراك
  • من هو جعفر قصير الذي اغتالته إسرائيل؟.. صهر حسن نصر الله
  • بتوقيت اليمن.. موعد كسوف الشمس الذي سيعم الكرة الأرضية اليوم