على الرغم من التحديات الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة التى تواجهها مصر داخليًا، إلا أن المسار الاقتصادى الوطنى لا يزال يُظهر إشارات النمو، حتى وإن كان ذلك يحدث بوتيرة أبطأ من المتوقع. لكن المشهد الاقتصادى العام يترافق مع ارتفاع ملحوظ فى معدل التضخم السنوى، الذى بلغ مستويات قياسية وصلت إلى 30% فى يناير 2024، بينما قفز تضخم أسعار المواد الغذائية إلى أكثر من 70%، وهو ما ألقى بثقله على التكلفة المعيشية للمواطن العادى.


كما أن مصر تعانى من عبء كبير من الديون الخارجية نتيجة لسلسلة الاقتراض التى شهدتها فى السنوات الأخيرة. ويتفاقم هذا التحدى بشكل كبير بسبب انخفاض قيمة العملة وارتفاع أسعار الفائدة، حيث تبتلع مدفوعات الفائدة أكثر من 45% من إجمالى الإيرادات منذ منتصف عام 2023. ثم إنه وعلى الرغم من الدخل المتأتى من قناة السويس وقطاع السياحة، إلا أن ارتفاع أسعار النفط والنزاعات القائمة فى غزة والتوترات الجيوسياسية الأخرى بدأت تشكل عائقًا. يُضاف إلى ذلك استمرار ضعف الاستثمار الأجنبى فى البلاد، باستثناء قطاع النفط والغاز، مما يزيد من صعوبات مساعى التعافى الاقتصادى.
لمواجهة التحديات الاقتصادية المتعددة، يتعين على صناع السياسات تبنى نهج استراتيجى يجمع بين التدابير التكتيكية الفورية والإصلاحات البنيوية الطويلة الأجل. نقطة البداية الحاسمة تكمن فى توسيع نطاق مشاركة القطاع الخاص، باعتباره محرك النمو والابتكار لدفع النمو الاقتصادى. ويجب أن يتبع تنفيذ مثل هذه السياسات تبسيط الأطر التنظيمية، والحد من العقبات البيروقراطية، وخلق مناخ صديق للاستثمار، لخلق فرص العمل، ورفع مستوى الكفاءة.
ويبرز التنويع الاقتصادى المستدام كركيزة استراتيجية أخرى. فالاعتماد على قناة السويس والسياحة لتحصيل الإيرادات من العملات الأجنبية، ورغم كونه مفيدًا، إلا أنه يعرض الاقتصاد لنقاط ضعف خارجية. كما أن التنويع فى قطاعات مثل الطاقة المتجددة والتكنولوجيا والقطاعات الخدمية يمكن أن تخفف من هذه المخاطر ويتيح الاستفادة من مصادر جديدة للنمو والتنمية. ويستلزم هذا التحول عقلية ابتكارية داعمة لتنمية الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، ومشجعة لتبنى التكنولوجيات الجديدة.
كما أن توسيع وتحسين شبكات الأمان الاجتماعى أمر حتمى لحماية الشرائح الضعيفة من السكان من التداعيات المباشرة للإصلاحات والتكيفات الاقتصادية. فمعدلات التضخم والبطالة المتفاقمة بسبب التعديلات الهيكلية والصدمات الخارجية، أثرت على استقرار الأسواق والمستوى المعيشى للمواطن المصرى. وعلى هذا النحو، فإن التدخلات الاجتماعية لتوسيع نطاق التغطية، وتدعيم آليات التنفيذ، وضمان كفاية الدعم، يمكن أن تساهم فى الحفاظ على التماسك الاجتماعى خلال الفترات الانتقالية.
نأتى إلى محور إدارة الديون المتنامية وضمان الاستدامة المالية. إن عبء الديون المتزايد، إذا لم تتم إدارته بمنهجية وحكمة، يمكن أن يعيق الآفاق الاقتصادية. وهو ما يتطلب تبنى خطط واضحة لإدارة الديون، إلى جانب الانضباط المالى وتحديد أولويات النفقات المعززة للنمو، وكعنصر ضرورى للحفاظ على الاستقرار الاقتصادى وثقة المستثمرين. ومن الأهمية أن تشمل الخطط استكشاف الخيارات وفرص إعادة هيكلة الديون، وتحسين تحصيل الإيرادات، وترشيد الإنفاق العام بهدف تخصيص الموارد المالية لمشاريع التنمية عالية التأثير.
وأخيرا، يُشكل إعطاء الأولوية للتعليم وتنمية المهارات أمرًا أساسيًا لمعالجة عدم التطابق البنيوى فى سوق العمل. فالقوى العاملة المتعلمة والماهرة حجر زاوية فى الاقتصاد الحديث. ولا بد من دراسة تخصيص ميزانيات استثمارية لقطاع التعليم والتدريب المهنى ومبادرات التعلم المستمر، وخاصة لفئة الشباب، لتزويدهم بالمهارات والكفاءات اللازمة لتحقيق النجاح فى سوق العمل المتغير والتنافسى. ومن شأن تشجيع الشراكات بين المؤسسات التعليمية والصناعات لمواءمة المناهج الدراسية مع احتياجات السوق أن يزيد من قابلية التوظيف والإنتاجية.
هذه التوصيات هى عناصر حاسمة لدعم الإصلاحات الهيكلية لتعزيز مشاركة القطاع الخاص والاستعادة التدريجية لاستقرار الاقتصاد الكلى لضمان التنمية المستدامة والرخاء لجميع المصريين.
 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: مصر التحديات الاقتصادية والاجتماعية الاقتصادى الوطنى مستويات قياسية

إقرأ أيضاً:

رغم لائحة الانضباط المدرسية| «عصا المعلم» تتصدر المشهد.. الأسباب والحلول

في وقت أقرت فيه وزارة التربية والتعليم لائحة الانضباط المدرسي لضبط العملية التعليمية إلا أن مازالت تعديات المعلمين على الطلاب بالضرب تتصدر المشهد.

 

لائحة الانضباط المدرسي تنظم العلاقة بين الطالب والمعلم

وتنص لائحة الانضباط المدرسي على إثابة كل طالب يلتزم بالمواظبة على الحضور والانضباط السلوكي بـ5 درجات تضاف إلى المجموع الكلي، وذلك في سنوات النقل فقط، ويتم منح درجتين للانضباط السلوكي لمن لم يرتكب أي مخالفات من المستوى الأول أو الثاني أو الثالث وتشمل تلك المخالفات عنف الطلاب مع زملاءه أو معلميه ونصت على عقوبة مرتكبيها بالفصل مدة لا تتجاوز أسبوعين أو النقل إلى مدرسة آخرى حسب طبيعة المخالفة.

 

وقائع تعدي بالضرب على الطلاب خلال العام الحالي 2024 - 2025

ورغم إقرار مبادئ الثواب والعقاب في تلك اللائحة إلا أن «عصا المعلم» مازالت ترتفع على الطلاب بالمدارس، ولعل آخر تلك الوقائع كانت اليوم الخميس عندما قرّر مصطفى عبده مدير مديرية التربية والتعليم بالقليوبية إحالة معلم بمدرسة طوخ الثانوية الصناعية للتحقيق، بسبب تعديه بالضرب على طالب.

ضرب الطلاب في المدارس

وخلال العام الحالي 2024 – 2025 أيضًا، شهدت إحدى مدارس البدرشين، واقعة لتعدي معلم على طالب بسبب عدم تحمل الأول ضوضاء الثاني الصادرة عن حديثه مع زميله فاعتدى عليه ركلا بكلتا قدميه فأصابه بمنطقة حساسة، فأبلغ الأب الشرطة التي استدعت المدرس بعد تقديم ولي أمر الطالب تقريرا طبيًا بحالة نجله.

وفي بداية هذا العام، حرر والد طالبة تدعى سلمى نادر محمد 3 شكاوي في وزارة التربية والتعليم حملت رقم 5162 بخصوص احتجاز ابنته في غرفة بمدرسة دار التربية بمفردها وعدم السماح لها بحضور الحصص الدراسية في مدرستها بالزمالك، وذلك عقابًا لها بسبب حضورها حفلا بأحد الفنادق دون موافقة المدرسة.

 

وهنا تساءل الرأي العام المصري عن أسباب استمرار ضرب المعلمين واستخدام العنف ضد الطلاب رغم اللائحة المقررة من قبل وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني وتضمن للمعلم والطالب حقه، ليطرح سؤال «ما سبب استخدام المعلمين العنف ضد الطلاب رغم وجود لائحة الانضباط؟».

 

ما سبب استخدام المعلمين العنف ضد الطلاب رغم وجود لائحة الانضباط؟

وللإجابة عن ذلك السؤال، قال الدكتور جمال فرويز، أستاذ الطب النفسي، أن هناك سببان لوجود حالات ضرب وعنف من المعلمين تجاه الطلاب، رغم إقرار لائحة انضباط مدرسي صارمة من قبل وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني.

وأضاف أستاذ الطب النفسي، في تصريحات خاصة لـ«الفجر»، أن الجانب الأول يتعلق بالطلبة الذين يسنفزون المعلمين ويردون عليهم بطريقة جافة لا تتناسب مع الفارق العمري بين الطرفين بالإضافة إلى تجاهل بعض الطلبة معلم الفصل بسبب تعاملهم مع معلم آخر في مركز الدروس الخصوصية، وهو ما يؤدي إلى حدوث استفزاز نفسي للمدرس، بالإضافة إلى وجود بعض المدرسين لديهم ثبات إنفعالي قليل.

الدكتور جمال فرويز أستاذ الطب النفسي

وأردف: «بعض المدرسين الذين يعانون من عدم وجود ثبات إنفعالي قد يشعرون بالضيق من الطالب الذي يأخذ دروس خصوصي عند مدرس آخر فيبدأ في مضايقة الطالب من خلال الدرجات، فيبدأ الطالب في التمادي معه فيكون رد فعله الضرب حتى يتدخل أولياء الأمور».

واستطرد: «في النهاية الموضوع متوقف على الثقافة التي تغيرت في عدم وجود احترام بين الصغير والكبير وتقدير الكبير للصغير كما كانت في الماضي، فالمدرس اليوم يذهب إلى المدرسة راغبًا في جمع الطلاب في حصص الدروس الخصوصية والطالب يرغب في أخذ الدروس عند مدرس آخر فلا يحترم مدرس الفصل فكل شخص يبحث عن مصلحته فيحدث الصدام، ولكن تلك الأزمات لا تخرج من المدرس المجتهد القادر على إيصال المعلومة بلا تخرج من المعلم الغير قادر على جمع الطلاب حوله بتفوقه في المادة العلمية ويحاول جمعهم بطريقة آخرى».

ما حلول مواجهة ظاهرة ضرب المعلمين للطلاب في المدارس؟

وفي هذا الصدد، كشفت أسماء مراد الفخراني، أخصائية علم الاجتماع والإرشاد الأسري وتطوير الذات،عن الأسباب التي تؤدي إلى استخدام المعلمين للعنف ضد الطلاب رغم وجود لائحة انضباط مدرسية تحكم العلاقة بينهم.

وأوضحت أخصائية علم الاجتماع، في تصريحات خاصة لـ«الفجر»، أن السبب في استمرار التعديات هو رفع الكلفة بين الطالب والمعلم الأمر الذي أدى إلى عدم وجود إلتزام باللائحة وأصبحت المعاملة غير رسمية بين الطرفين فنجد الغناء دخل الفصول لغناء المعلومة والدورس وتصوير مشاهد مع الطلبة من أجل التريند، فأصبح لا يوجد تعامل بشكل حازم يضمن وقار المعلم، فنتج عنه تعامل سيئ من المعلم للطالب، متابعة: «لا يحق للمعلم في كل الأحوال ضرب الطالب سواء كان صغيرًا أو كبيرًا لأن مجرم قانونيًا».

أسماء مراد الفخراني أخصائية علم الاجتماع

وأضافت الأخصائية الاجتماعية أن الغزو الثقافي الذي يسيطر على المجتمع من خلال الميديا ووسائل الإعلام ساهم أيضًا في تقليد الطلاب لمشاهد السخرية من المعلمين على طريقة مسرحية مدرسة المشاغبين –كمثال- مما جعل المعلم لا يلنزم بالطريقة الطبيعية لمعاقبتهم والاعتداء عليهم دون الالتزام بلائحة الانضباط المدرسي.

وأردفت الدكتورة أسماء مراد أن على أولياء الأمور أن ينصحوا أبنائهم أن يصنعوا قيمة للمعلم، فالإحترام من الطلبة يصاحبه تقدير، كما يجب العمل على تحسين أجور المعلمين الذي تسبب في انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية التي أدت إلى إهمال المعلمين للطلاب في وقت يجب فيه عملهم من أجلهم، مختتمة: «من حقوق الطالب على المعلم أن يكون قدوة له في كل شئ ومن حقوق المعلم على الطالب الإحترام والتقدير».

 

مقالات مشابهة

  • التضامن: تعزيز رأس مال أنشطة التمكين الاقتصادى بـ 100 مليون جنيه في 7 محافظات
  • رئيس «شئون البيئة» يوضح 5 أهداف لتحقيق الاستراتيجية الوطنية للتغير المناخي 2050
  • بهجت أبو النصر: مصر والسعودية تتصدران المشهد في النقل الأخضر
  • مشاهد مؤلمة من وحي جريمة طابور البسكويت
  • هل يمكن استخدام تأشيرة الحج أو العمرة للعمل بالسعودية؟.. عضو غرفة السياحة يوضح
  • إسماعيل: جلسة انتخاب تكالة أضعفت مجلس الدولة
  • مصطفى بكري: الرئيس السيسي يشعر بمعاناة المصريين مع التحديات الاقتصادية (فيديو)
  • رغم لائحة الانضباط المدرسية| «عصا المعلم» تتصدر المشهد.. الأسباب والحلول
  • كجوك: استكشاف آليات تمويلية مبتكرة كسندات الاستدامة ومبادلة الديون بالاستثمار الأخضر
  • عاجل.. وزير المالية: نتطلع لاستكشاف آليات تمويلية مبتكرة كسندات الاستدامة ومبادلة الديون بالاستثمار الأخضر