كتاب الاهتداء من الفقه السياسي إلى التاريخ
تاريخ النشر: 13th, March 2024 GMT
كتاب الاهتداء سِفْرٌ ألفه أبو بكر أحمد بن عبدالله بن موسى الكندي السمدي النزوي (ت: ٥٥٧هـ) وناقش فيه قضية عزل الإمام الصلت بن مالك الخروصي سنة 272هـ ودافع عن رأي الطائفة الرستاقية التي ينتمي إليها، وهم الذين وقفوا موقفًا متشددا في القضية ورأوا البراءة من الفريق الذين عزلوا الإمام.
ناقش الكندي مقالة الفريقين وحججهم، وامتاز نصه بقوة الاحتجاج، وجاء كتابه في اثنين وعشرين بابًا على طريقة باقي كتبه من الرصانة وجزالة العبارات.
صدر الكتاب عن وزارة التراث والثقافة سنة ١٤٠٦هـ/ ١٩٨٥م بتحقيق د. سيدة إسماعيل كاشف، اعتمادًا على نسخة واحدة محفوظة بدار المخطوطات، ولم يسلم النص المحقق من أخطاء وهنات، كما أنه يكاد يخلو من التراجم والتخريجات إلا قليلا مما لا يشفي الغليل. وقد أُلحِقت في تلك النشرة جملة من السِّيَر التي ضمها المجموع المخطوط، ورأيناها ملحقة كذلك في غالب نُسَخ كتاب الاهتداء.
إن نصًا لعالم في مقام أبي بكر الكندي يعود إلى القرن السادس الهجري لا ريب أنه حري بالخدمة والاشتغال بصورة أكمل من التحقيق الأول، لا سيما مع توفر نحو عشر نُسخ خطية كُتِب أقدمها في القرن العاشر الهجري. زد على ذلك القيمة العلمية التاريخية للنص الذي ناقش قضية مفصلية شغلت أهل العلم والسياسة في عمان قرونًا متطاولة، وانتهى الجدل حولها بقيام دولة اليعاربة في القرن الحادي عشر كما يقول نور الدين السالمي.
ولئن كانت بعض كتب أبي بكر الكندي قد نُشرت بتحقيقات جديدة مثل (المصنف) و (التخصيص) و(التسهيل في الفرائض) و(الجوهري المقتصر) لكن خدمة النص لا تقف عند أول تحقيق، لا سيما نصوص الجهابذة مثله، إنما تستدعي تلك النشرات مراجعات، وتستحق بعض النصوص النادرة دراسات على شاكلة دراسة الباحث عبدالله المعمري لكتاب الجوهري المقتصر المعنونة بـ (سفر المنظومات).
بجانب موضوع كتاب الاهتداء وهو مناقشة مقالات الفرقتين الرستاقية والنزوانية في قضية عزل الإمام الصلت بن مالك، يمكن اكتناه موضوعات وإشارات أخرى في ثنايا النص، ومن ذلك مثلًا المصادر التي اعتمدها الكندي في نصه، ومنها: السيرة المنسوبة إلى أبي جابر محمد بن جعفر الإزكوي (ق3هـ) وولده الأزهر وأبي محمد الفضل بن الحواري، وسيرة هلال بن عطية الخراساني، وسيرة محمد بن روح بن عربي، وكتاب محمد بن محبوب إلى أهل حضرموت، وكتاب البيان والبرهان، وسيرة الحكم في الحدث لأبي المنذر بشير بن المنذر، وسيرة أبي قحطان خالد بن قحطان، وسيرة السؤال لأبي الحسن البسيوي، وسيرة أبي محمد عبدالله بن محمد بن أبي المؤثر، وجواب القاضي أبي بكر أحمد بن عمر المنحي، وغيرها. ومن يتأمل فيما نقل عنه المؤلف من مصادر أو أشار إليه يرى أنه بعضها يرجع إلى أعلام النزوانية، فهو يرجع إلى ما قالوه ويحتج عليه بالرأي المقابل وهو رأي الرستاقية التي ينتمي إليها. كما أن للمؤلف تعريفات اصطلاحية لبعض ما جاء في سياق نصه، فنراه قد عرَّف مثلًا بمعنى الباطل الذي لا يحتمل الحق، وبمعنى النفاق والبدعة والانتهاك، والحدث المحتمل للدعاوى، ومعنى اختلاف الرأي واختلاف الدين، وبمعنى التصويب والأعلام وغيرها من المصطلحات. أما عامة المصطلحات الفقهية والأصولية والكلامية الواردة في النص فهي عديدة وافرة منها: الدار، والآثار الشاهرة، وحكم السرائر، وحكم الظاهر، والرعيّة، والآثار المفسرة، والآثار المجملة، والآثار الحديثة، ومشاهدو الحدث، وأهل العصر، وعقد الإمامة، والشهرة، وجماعة أهل العدل، والمِصر، وأهل القبلة، وغيرها. ولا يخلو النص من ذكر بعض البلدان والأماكن مثل عمان وحضرموت واليمن ومصر وسقطرى، وهذه الأخيرة قد ذكرها في معرِض نقله لحجج الفريق المخالف في مسألة عزل الإمام الصلت بن مالك، ونص نقله: «وقد قيل: إنّه كان قد ضعف وعجز عن القيام بالدولة ونكاية العدو، حتّى قيل: أُخِذت منه سقطرى. قالوا: فإذا احتمل وأمكن زوال الإمامة الصلت قبل تقدّم راشد عليه، ولم يصح بالإجماع إظهاره للنكير عليهما، أمكن صحة إمامة راشد، وما احتمل فيه الحق بوجه الوجوه فليس ببدعة بإجماع».
والحق أن كتاب الاهتداء حقيق بالتأمل لا سيما عند دراسة تطور الجدليات الكلامية عند الفقهاء العمانيين في العصر الإسلامي التي كان لقضية عزل الإمام الصلت بن مالك بالغ الأثر في بروزها حتى أنها بقيت حاضرة في التأليف ردحًا طويلًا من الزمن.
محمد بن عامر العيسري: باحث في التراث العماني.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: محمد بن
إقرأ أيضاً:
أمين البحوث الإسلامية: نعمل على ترسيخ الحوار الدعوي من أجل الانسجام في المجتمعات
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قال فضيلة أ.د. محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية: إنَّ القواعد المحورية الكليَّة لهذا المؤتمر المبارك وعاءٌ ميمونٌ يتشارك فيه مجمع البحوث الإسلامية وكليَّة الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر الشريف، وهو يعبِّر في الوقت ذاته عن رؤية كل قطاعات الأزهر الشريف، وأنَّ المجمع بكل أماناته وإداراته وإصداراته وفعالياته ليُعنَى عنايةً واضحةً بالدعوة الإسلامية وعظًا وإرشادًا وإفتاءً ونشرًا، وأنَّ كلية الدعوة الإسلامية المباركة بعلمائها الأجلَّاء ومجمع البحوث الإسلامية تربطهما قواعد كليَّة عبَّرت عنها محاور هذا المؤتمر، كما هو دأب سائر كليَّات الجامعة وقطاعات الأزهر الشريف؛ فهي تنسجم مع المجمع في كلِّ المسارات الدعوية والبحثية، كما تنبثق من مجلس المجمع لجنةٌ ضمن سلسلة ذهبية مِنَ اللجان العِلمية تُسمَّى: (لجنة التعاون بين المجمع وجامعة الأزهر)؛ ومِن هنا جاء هذا التشارك الميمون.
وأضاف د. الجندي -خلال كلمته صباح اليوم بمؤتمر كليَّة الدعوة الإسلامية، الذي يُعقد بالتعاون مع مجمع البحوث الإسلامية بمركز الأزهر للمؤتمرات تحت عنوان: (الدَّعوة الإسلامية والحوار الحضاري.. رؤية واقعية استشرافية)- أنَّ موضوع هذا المؤتمر بلغ من العناية بمكان لدى مولانا الإمام الأكبر حفظه الله تعالى، الذي دائمًا نراه يجدِّد دعوتَه للحوار في وقت ادلهمَّت فيه الصراعات، وشاعت فيه التحديات الإقليمية والعالمية، وأنَّ مفهوم الحوار لم ينسلخ في المنظور التشريعي الإلهي عن مطالبات الفطرة الإنسانية، ولم يصطدم بالحقائق الحيوية للكينونة الإنسانية، فالحوارُ خطابٌ للوجود كلِّه بمنهجٍ يتناغم مع طبيعة الحياة فيه، وقد ساق البشريَّة كلَّها إلى حياة الإِلْف والإخاء، وأنقذها من عناء التدابير الفكرية المنزلقة إلى نظام حياة الغابة، وحذَّرها من خطر السيكولوجيات المضلِّلة، وأعفى البشرية مِن تولِّي وضع التصميم الأساس لحياة الإنسان، بل لحياة الكائنات المشاركة في الإرث الأرضي والكوني على حدٍّ سواء، وتأتي رسالة رسول الله محمد ﷺ لتؤكِّد وتجدِّد نداء السماء بعدم المساس بمنهج الله سبحانه، فإنه لا اجتهاد مع النَّص.
وأشار الأمين العام إلى أنَّ خبراء الحوار قد اختصروا الغاية منه في الإسلام في عبارات جزلة، يقول الإمام الغزالي في (الإحياء) عند ذِكره علامات طلب الحق في الحوار: «أنْ يكون في طلب الحق كناشد ضالَّة، لا يفرّق بين أن تظهر الضالة على يده، أو على يد مَن يعاونه، ويرى رفيقه معينًا لا خصمًا، ويشكره إذا عرفه الخطأ وأظهر له الحق»، وقال الإمام الشافعي: «ما حاورتُ أحدًا إلا تمنيتُ لو أنَّ الله أظهر الحقَّ على لسانه»، وفي ذلك إسقاط للعصبية والتعصُّب والأنا وفقدان المعيار ونشدان الانتصار.
وأكَّد فضيلته أنَّ منظومة منهاج الحوار في الإسلام واحدة، ومَن كانت لهم اليد الطُّولى في التقعيد للحوار المنطقي العقلي والدعوي وآدابه، استمدوا منهجهم من الإسلام، فنرى (منهج الإسلام في الحوار) في منهج الإمام أبي حنيفة النعمان، والإمام أحمد بن حنبل، والعلَّامة إمام الحرمين الجويني، والعلَّامة أبي بكر الباقلاني، والعلَّامة أبي حامد الغزالي، والعلَّامة أبي الحسن الفارسي، والعلَّامة عبد الكريم بن محمد الدامغاني، والعلَّامة الإمام أبي عبد الله محمد بن يوسف السنوسي التلمساني، والعلَّامة الإمام البيجوري، والعلَّامة الإمام محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي، والعلَّامة أحمد الملوي، والعلَّامة محمد بن عياد الطنطاوي الشافعي، والعلَّامة الإمام المراغي، والعلَّامة الإمام عبد الحليم محمود، والعلَّامة مولانا الإمام الأكبر أحمد الطيب.
واختتم الدكتور الجندي أنَّه مِن خلال هذه القواعد المسلسلة نرسِّخ للحوار الدعوي في كنف رؤية محبوكة تضمن الانسجام في المجتمعات؛ تحقيقًا لحفظ الضرورات الخمس، ونصوغ رؤيةً استشرافيةً مستنبطةً من أقيسة وقراءات عمليَّة، خصوصًا في ظلِّ التحديات الإقليمية والعالمية.