أفكر كثيرا في هذا الموضوع، لماذا لم نقرأ حتى الآن رواية فلسطينية في فلسطين 48، تتجاوز عبقرية "متشائل" إميل حبيبي؟ رغم كل هذا المناخ المتاح المركب الغريب وغير المنطقي؟ تبقى رواية "الوقائع الغريبة لاختفاء سعيد أبي النحس" المعروفة بـ "المتشائل" للمبدع الراحل إميل حبيبي جوهرة الكتابة الروائية الفلسطينية وحتى هذه اللحظة ما زالت الدراسات والأبحاث الجامعية والمقالات في الصحف والمجلات تكتب عنها رغم مضي سنوات طويلة على كتابتها، صحيح أن هناك روايات مميزة صدرت، كروايات علاء حليحل ورجاء بكرية ومجد كيال، وغيرهم، إلا أن الأزمة تبدو في غياب ذلك السرد الذي يعبر بعمق وفرادة عن الواقع السريالي لحياة فلسطينيي 48، ويرصد التحولات والمفارقات الدقيقة، بذكاء ووعي، وبلغة مختلفة تحاكي دمار الأشياء، التقط ايميل (بسخريته الحادة التي وظفها بطريقة عبقرية) جوهر ذلك التعقيد في الحياة الجديدة للناس بعد النكبة، يلخص سعيد بطل الرواية إحساسه تجاه الحياة ونعرف منه لماذا سمي بالمتشائل:
(خذني أنا مثلا، فإنني لا أميز التشاؤم عن التفاؤل، فأسأل نفسي: من أنا؟ أمتشائم أنا أم متفائل؟ أقوم في الصباح من نومي فأحمد الله على أنه لم يقبضني في المنام.
لا شك أن صدمة اقتلاع الفلسطيني من أرضه بهذه الهمجية التي نعرفها وبهذا التوحش الغريب، قد قاد إميل حبيبي إلى هذا العالم الفني الموازي، في غرابته وسريالية أحداثه وشخوصه، كانت المتشائل تجربة روائية جديدة على السرد الروائي العربي، استلهم فيها الكاتب أساليب السرد في التراث العربي، أسلوب حكايات ألف ليلة وليلة، وأسلوب بديع الزمان الهمذاني في مقاماته، استقبلت الرواية في العالم العربي بحفاوة كبيرة وعُدت من جواهر الإبداعات السردية المجددة والمغامرة والعميقة، نعود الى سؤالنا السابق، لماذا لم يتم تجاوز هذه الرواية والذهاب بعيدا بأساليب جديدة في كتابة واقع الفلسطينيين المخيف وغير المفهوم؟ سأضرب مثلا على هذا الواقع، حدثني صديق لي من قرية مهجرة في داخل الـ 48 أن جده المزارع الذي لجأ الى قرية مجاورة لقريته قد اضطر أن يشتغل في أرضه التي سرقها المحتلون، أن تمضي حياتك في أرضك حارثا وزارعا، أرضك التي ورثتها عن أجدادك، وفجأة تُسرق منك ويرمى بك جوارها في قرية أخرى، وترى نفسك مضطرا للعمل عند سارقها مقابل أجر يومي.
أليس هذا واقعا سرياليا وعجيبا يدفع الى كتابة جديدة تتحطم فيها كل الأساليب كما تحطمت كل الأخلاق والقيم في هذا السياق؟ ما ذكرته هو نموذج واحد على طبيعة الحياة هناك، ثمة العشرات من النماذج، التي توقف الشعر في الرأس، فالفلسطيني يعيش محاطا بأشخاص يعتبرونه عدوا خطيرا، أخطر من فلسطينيي الضفة وغزة، وهو يحس بهذا العداء ليس عبر الألفاظ فقط بل على جلده وسكنه ومعيشته، ودائما نسمع عن عرب تم الاعتداء عليهم على شاطئ البحر أو في السوبرماركتات، فقط لأنهم سمعوا يتكلمون العربية.
وحدها الرواية المغامرة من تستطيع بالمساحات اللغوية غير المحدودة المتاحة، وبحرية اكتشاف أساليبها و جمالياتها وتكنيكها، تصوير هذا الواقع، رغم الدور الذي تلعبه الفنون الأخرى كالقصة والسينما والتشكيل والمسرح خصوصا في ذلك، يبدو تأثير المسرح في فلسطين 48 أكبر من تأثير الرواية، هناك حركة مسرحية عبرت بذكاء عال عن محنة الهوية العربية المحاصرة ومذبحة الأقصاء والتجاهل، وقد تم مسرحة رواية المتشائل وعرضت عشرات المرات، في فلسطين والعالم العربي والغربي، كان مهما جدا أن يلتقي المسرح والفن الروائي في مقعد واحد للتعبير عن واقع عجائبي كابوسي لا شبيه له في العالم.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
ثورة تكنولوجية تقترب من الواقع .. التحكم بالأجهزة الذكية عبر الإشارات العصبية
في ظل التطور التكنولوجي المتسارع، يقترب العالم من تحقيق قفزة نوعية في طريقة تفاعلنا مع الأجهزة الذكية، وذلك من خلال التحكم بها عبر الإشارات العصبية.
تعتمد هذه التقنية الواعدة على قراءة الإشارات الكهربائية التي يرسلها الدماغ إلى العضلات، وتحويلها إلى أوامر رقمية تمكن المستخدم من التحكم بالأجهزة دون الحاجة إلى وسائل الإدخال التقليدية.
مشاريع رائدة في مجال التحكم العصبي
من أبرز المبادرات في هذا المجال، مشروع السوار الذكي الذي تطوره شركة "فيسبوك" (حاليًا "ميتا").
فيما يستخدم هذا السوار تقنية تخطيط كهربية العضل (EMG) لالتقاط الإشارات العصبية المرسلة إلى عضلات اليد، مما يتيح للمستخدم التحكم في بيئات الواقع المعزز من خلال حركات بسيطة للأصابع، بالإضافة إلى ذلك، يوفر السوار ردود فعل لمسية لتعزيز تجربة التفاعل.
وفي سياق متصل، يعمل باحثون في جامعة "بوردو" على تطوير غرسات دماغية تُمكّن من نقل البيانات لاسلكيًا إلى سماعات رأس، مما يسمح بالتحكم في الأجهزة الذكية باستخدام العقل فقط.
لا تتطلب هذه الغرسات اتصالًا مباشرًا بجهاز كمبيوتر لالتقاط موجات الدماغ، مما يفتح آفاقًا جديدة في مجال واجهات الدماغ والحاسوب.
دور الذكاء الاصطناعي في فك رموز الإشارات العصبية
لا يقتصر الابتكار على الأجهزة فحسب، بل يمتد إلى البرمجيات أيضًا. فقد أعلن مختبر الأبحاث التابع لشركة "ميتا" عن تحقيق تقدم في فك رموز تشكيل الجمل عبر الإشارات العصبية باستخدام الذكاء الاصطناعي.
تمكن الباحثون عبر استخدام أجهزة مراقبة الدماغ غير الجراحية، من إعادة بناء الحروف والجمل المطبوعة من إشارات عصبية بسيطة، مما قد يمهد الطريق لواجهات دماغية غير جراحية تساعد الأشخاص الذين فقدوا القدرة على الكلام على التواصل مجددًا.
التحديات والآفاق المستقبلية
على الرغم من هذه التطورات المذهلة، لا تزال هناك تحديات تقنية وأخلاقية يجب معالجتها قبل أن تصبح هذه التقنيات جزءًا من حياتنا اليومية، ومن بين هذه التحديات، ضمان دقة وأمان قراءة الإشارات العصبية، وحماية خصوصية المستخدمين، والتأكد من توافق هذه التقنيات مع المعايير الصحية.
في الختام، يمثل التحكم بالأجهزة الذكية عبر الإشارات العصبية خطوة هائلة نحو مستقبل يتكامل فيه الإنسان مع التكنولوجيا بشكل غير مسبوق، مما يعزز من قدراتنا ويوسع من إمكانيات التفاعل مع العالم الرقمي.