نجاة عبد الرحمن تكتب: القيادة السياسية والقدرات الخاصة
تاريخ النشر: 13th, March 2024 GMT
شهدت الدولة المصرية تطورا ملحوظا في ملف ذوي القدرات الخاصة منذ عام 2018، و أصبحوا ينعمون بمزيدا من الاهتمام في شتى المجالات و على كافة الأصعدة، بعدما ظلوا سنوات بعيدين عن الضوء و يعاملون بنوع من التهميش و عدم اللا مبالاة و كانوا لا ينعمون بكافة حقوقهم، كان الاهتمام مقصورا فقط علن الإعاقات الحركية والبصرية و السمعية، بينما الإعاقات الذهنية و التوحد و متلازمة داون لا ينعمون بأدنى قدر من الاهتمام.
سنوات من المعاناة عاشتها أمهات وآباء ذوي القدرات الخاصة ذهني و توحد و متلازمة داون حتى يتمكنوا من تعليمهم و منحهم أبسط حق لهم في الحياة.
شاء القدر ان أكون واحدة من الأمهات التي عافرت و حطمت الصخور، حتى استطعت إلحاق ابنى المصاب باضطراب طيف التوحد بصفوف التعليم بعد رحلة بحث ومعاناة عن مدرسة تقبل ان يلتحق ابني بها من أجل حصوله على ابسط حق له فى الحياة و هو التعليم مثل أقرانه الأسوياء، كنّا نتعامل و كأننا تجار مخدرات لا يحوز للابن أن يتواجد بالمدرسة بين أقرانه الأسوياء بل يقتصر حضوره فقط على أيام الامتحانات، بالرغم من كوننا ندفع المصروفات مضاعفة بحجة إنه حالة خاصة و لا يجوز مطلقا تواجده بالمدرسة بين الطلاب العاديين و كانت تجبرنا المدرسة على تقديم تقارير طبية مزورة تفيد انه يعانى مرض اخر و ليس من ذوي القدرات الخاصة و كأن التوحد وصمة عار.
سنوات من التحدي و ألآلم و الوجع من الكلمات الجارحة الطاعنة لقلوبنا نحن الأمهات و ألآباء حتى جاء عام 2018 ليحمل لنا مشاعل النور و يخرجنا من اليأس إلى الرجاء و يبعث بقلوبنا الأمل في مستقبل أفضل لأولادنا.
قدمت الدولة المصرية عدة جهود لأولادنا من بينها إصدار قانون ذوي الإعاقة رَقَم 10 لسنة 2018
وقف التمييز بينهما في شتى المجالات و أتاحه لهم مجالات التعليم المختلفة و فتحت الجامعات أبوابها لهم، إضافة إلى الحق في مباشرة حقوقهم السياسية و تمثيلهم في مجلس النواب ب عدد مقاعد خصصت لهم مثل باقي أفراد المجتمع من فلاحين و عمال و فئات.
إقرار حزمة حماية اجتماعية تشميل جميع أنواع الإعاقات كضمان اجتماعي في شكل مساعدات شهرية تقدم لكل شخص من ذوي القدرات الخاصة.
إصدار بطاقة الخدمات المتكاملة التي بموجبها يحصل الشخص الحامل لها على شُقَّة و سيارة و الجمع بين أكثر من مَعِاش شهري، و التمتع بالخدمات الطبية بالمجان، و استقلال كافة وسائل المواصلات بمبلغ خمسون قرشا فقط لأغير.
تعينهم في كافة الوظائف وفيهم الأعلام و افساح المجال لأصحاب متلازمة داون فى ان يصبحوا مقدمين برامج عبر الفضائيات المصرية.
فتخ أبواب الكليات العملية لهم و ترسيخ مبدأ تكافؤ الفرص و أصبح لا يوجد فرق بينهم و بين أقرانهم الأسوياء.
و لكن بالرغم من قيام الدولة المصرية بالعديد و العديد من الامتيازات لأولادنا إلا انه مازال هناك ملفا عالقا و هو الملف الرياضي حيث ان أولادنا يعاملون معاملة خاصة جدا بها نوع من الاستنزاف المادي من قبل بعض الأندية و مراكز الشباب و يتم تحصيل قيمة الاشتراك مضاعف تحت زعم ان القدرات الخاصة لها حسابات خاصة، أتمنى من الدولة المصرية مراعاة ذلك الجانب و العمل على توفير أماكن باشتراك رمزي.
من لديه طفل حالة خاصة يحتاج لميزانية خاصة، نظرا لاحتياج بعض الحالات مثل التوحد و التأخر العقلي البسيط و متلازمة داون إلى نوعيات خاصة من الأطعمة نظرا لحساسية تكوينهم الجسماني و العقلي لبعض المكونات و العناصر الغذائية، التي يكون لها تأثيرا على أداء الجهاز العصبي، و تكون سببا في التوتر و العصبية، بخلاف الأدوية و التدريب المستمر على المهارات الحياتية مما يكبد الأسر فوق طاقتها و يسبب لها الإرهاق نتيجة محاولات توفير ابسط الضروريات.
و يحسب للدولة المصرية التوسع في إنشاء عدد من مراكز التدريب و التأهيل للقضاء على الجشع و الاستغلال لأولادنا و وقف المتاجرة بهم من قبل بعض المراكز الخاصة التي أنشأها أشخاص غير مؤهلين كل هدفهم حصد الأموال و المتاجرة بأولادنا لجمع التبرعات.
فتم إنشاء عدد من المؤسسات التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي مثل مؤسسة إيزيس للخدمات الاجتماعية و دعم و تدريب و تأهيل و تعليم و توظيف ذوي القدرات الخاصة، للقضاء على الجشع حيث ان تكلفة الشهر الواحد لأولادنا داخل مراكز البزنس تبلغ ثلاثون ألفا حنيها كحد أدني لتصل إلى مئة وخمسون ألفا طبقا للمستوى الاجتماعي للآسرة.
أنا شخصيا تعرضت لعدد من عمليات الاستنزاف المادي مقابل تدريب و تأهيل ابني بتلك المراكز فور علمهم أنني صحفية أو من مستوى اجتماعي معين
يتم تحديد قيمة كورسات التدريب و التأهيل النفسي حسب مستوى الأسرة الاجتماعي و محل إقامتهم.
منذ ثلاث سنوات توجهت لاحد تلك المراكز بمنطقة حدائق الأهرام فتم التفاوض معى على دفع مبلغ عشرين ألفا شهريا إضافة إلى عشرين ألفا آخرين قيمة الباص، مما يعنى أنني مطالبة بتدبير مبلغ أربعين ألفا شهريا حتى أستطيع ان أدرب ابني و أهله نفسيا للتعايش مع المجتمع، و للأسف بعض القائمين على تلك المراكز لا يحملون مؤهلا جامعيا بل دبلومات فنية في ألتجارى و التعليم الفني الصناعي نظام الثلاث سنوات و يطلقون على انفسهم الدكتور فلان بالرغم انه كان من بينهما سباك صحي كان يعمل بمهنة السباكة ثم قرر فجأة استبدال السباكة بالتخاطب !!!.
فجأت مبادرات وزارة التضامن الاجتماعي لوقف ذلك الاستنزاف بالتوسع في إنشاء مؤسسات الرعاية الاجتماعية و التأهيل مثل مؤسسة إيزيس للخدمات الاجتماعية التي تعمل على دعم و تدريب و تأهيل و تعليم و توظيف ذوي القدرات الخاصة، ووضع اشتراطات و قيود و مواصفات خاصة لتلك المؤسسات.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: ذوی القدرات الخاصة الدولة المصریة متلازمة داون
إقرأ أيضاً:
منال الشرقاوي تكتب: فيلم رجل الابتسامة مأساة خلف القناع
"رجل الابتسامة" (The Smile Man) هو فيلم أمريكي قصير من بطولة الممثل المميز "ويليم دافو" (Willem Dafoe). لا تتجاوز مدته ثماني دقائق، لكنه يحتوي على رؤية سينمائية مميزة تكشف عن مفارقات المشاعر البشرية والتناقضات التي تسكنها. الفيلم يُقدم رسالة قوية حول الألم الذي قد يختبئ خلف قناع البهجة، ويُجسد من خلال أداء "دافو" المتقن رحلة إنسانية عميقة بين المظهر والجوهر.
يقدم الفيلم شخصية رجل تعرض لحادث سيارة مأساوي تسبب في تلف أعصاب وجهه، مما جعله يحمل ابتسامة دائمة لا تنفصل عن ملامحه. بينما تُعد الابتسامة رمزًا عالميًا للسعادة، تتحول في هذا الفيلم إلى لعنه تحاصر الشخصية وتدفعها إلى مواقف محرجة ومؤلمة. الناس يفسرون ابتسامته الدائمة على أنها سخرية، مما يزيد من عزلة الرجل ومعاناته النفسية.
الأحداث تصل إلى ذروتها عندما يلتقي بالمرأة التي اصطدمت سيارته بها في الحادث نفسه. تعيش المرأة ألمها الخاص بعد أن فقدت فرصة عملها كمراسلة صحفية نتيجة الحادث، الذي أصابها بخلل عصبي جعل عينيها تدمعان باستمرار. عندما اكتشفت أن ابتسامته ليست سوى شلل دائم في وجهه، أدركت أن معاناته تفوق ما تخيلت، وبدأت ترى في ابتسامته المزعومة مأساة تشبه دموعها التي لا يمكن السيطرة عليها.
الفيلم يُظهر تناقضًا عميقًا بين الشخصيتين؛ فذلك الرجل الذي لا يستطيع التوقف عن الابتسام، وتلك المرأة التي لا تستطيع منع دموعها، يعيشان مأساة متكاملة تعكس اغتراب الإنسان عن نفسه والآخرين، حيث تصبح المظاهر خادعة ولا تعبر عن المشاعر الحقيقية.
الإخراج والتصوير في فيلم "رجل الابتسامة" لعبا دورًا محوريًا في إبراز التوتر النفسي والمعاناة الداخلية للشخصيات. فقد تم توظيف زوايا الكاميرا بمهارة لإبراز البنية العاطفية المعقدة للشخصية الرئيسية؛ إذ استعان المخرج باللقطات المقربة (Close-ups) لتركز على ملامح وجه الرجل المبتسم، مما عزز من شعور المشاهد بالتوتر النفسي والانفصال الداخلي الذي يعانيه البطل. في المقابل، استخدمت اللقطات الواسعة (Wide Shots) لتضع الشخصية في إطار اجتماعي أوسع، مما يبرز مساحته المنعزلة ويعكس اغترابه ضمن محيطه.
أما الإضاءة؛ فقد جاءت كعنصر أساسي لتعزيز الدراما البصرية في الفيلم، حيث استخدمت تقنية الإضاءة المنخفضة (Low-Key Lighting) لتوليد تباين بصري قوي بين مناطق الضوء والظلال، مما عبر عن الصراع الداخلي بين الظاهر والمخفي في حياة البطل. الظلال الحادة (Sharp Shadows) أضافت بُعدًا من الغموض والألم النفسي، بينما استُخدمت الإضاءة الموجهة (Directional Lighting) لتسليط الضوء على ملامح الوجه التي باتت غير طبيعية، مُبرزًة المعاناة المكنونة خلف تلك الابتسامة المستمرة. هذا المزج بين تقنيات الإضاءة والكاميرا خلق تجربة بصرية متكاملة، تعكس ببراعة العبء النفسي للشخصيات وتضع المشاهد في قلب الصراع المأساوي الذي يدور حوله الفيلم.
يسلط الفيلم الضوء على الفجوة بين ما يشعر به الإنسان وما يُظهره للآخرين. الابتسامة ليست دائمًا فرحًا، والدموع ليست دائمًا ضعفًا. الفيلم يحمل رسالة فلسفية وإنسانية عميقة، تُذكّرنا بأننا غالبًا ما نحكم على الآخرين من خلال مظاهرهم، متجاهلين المعاناة التي قد تكون مختبئة خلف تلك الوجوه.
"رجل الابتسامة" هو فيلم قصير لكنه ممتلئ بالمعاني والدلالات التي تستحق التأمل. يعالج موضوعات عميقة مثل الألم الخفي، الانعزال الاجتماعي، والكيفية التي نتعامل بها مع مظاهر الآخرين. إنه عمل سينمائي يُبرز قدرة الأفلام القصيرة على تقديم قصص مؤثرة وذات مغزى بأسلوب بسيط ولكن فعال. الفيلم يذكرنا في النهاية بحقيقة إنسانية لا تتغير؛ ليست كل الوجوه تعكس الحقيقة، وما يظهر على السطح قد يكون مجرد قناع يخفي ما هو أكبر.