عبد المعطى أحمد يكتب: إمساكية رمضان
تاريخ النشر: 13th, March 2024 GMT
قد لا يدرى الكثيرون أن تلك الورقة الصغيرة التى تعد بمثابة المنبه لمواعيد الصيام والإفطار فى الشهر الكريم والتى نطلق عليها إمساكية رمضان، وراءها حكاية تاريخية جديرة بالتوقف أمامها.
بداية كلمة" إمساكية" تأتى اشتقاقا من الكلمة العربية "إمساك"، والحكاية تعود إلى عهد محمد على، وتحديدا قبل أن يفارق الحياة بعامين عندما انطلقت الإمساكية من مطبعة بولاق، وكانت تعرف بـ"إمساكية ولى النعم"، حيث تم طبعها على ورقة صفراء ذات زخرفة بعرض 27 سنتيمترا وطول 17 سنتيمترا، وكتب فى أعلاها" أول يوم رمضان الاثنين، ويرى هلاله فى الجنوب ظاهرا كثير النور قليل الارتفاع، ومكثه خمس وثلاثون دقيقة، ومرفق بالجملة صورة محمد على باشا"، وأسفل الجملة جدول كبير بمواعيد الصلاة والصيام لكل يوم من أيام شهر رمضان بالتقويم العربى وليس الإفرنجى، وتم توزيع الإمساكية على دواوين الحكومة.
وتطورت إمساكية رمضان لاحقا، فكانت أول إمساكية يتم توزيعها على سبيل الدعاية والإعلان هى إمساكية مطبعة تمثال النهضة المصرية لصاحبها محمود خليل إبراهيم فى شارع بيبرس الحمزاوى فى رمضان من العام 1347 الموافق فبراير سنة 1929، بحيث أعلن فى الإمساكية استعداد المطبعة لطبع جميع الكتب.
ثم انتقلت لمرحلة الإعلان التجارى عن المنتجات والبضائع على يد رجل الأعمال اليهودى "داوود عدس" الذى طبع أول إمساكية لسلسلة محلاته فى رمضان سنة 1364 هجرية الموافق أغسطس سنة 1945 ميلادية، وكانت إمساكية عدس مرفقة بمعلومات عن الصيام وفضله وأسباب فرضه.
وبذلك تكون فكرة عدس قد جاءت ملهمة لتجربة أحد تجار العطارة الذى احتوت إمساكيته عام 1356 هجرية الموافق نوفمبر سنة 1937 ميلادية أحكام الصيام والأدعية والآيات القرآنية وأذكار الصباح والمساء وأحكام زكاة الفطر وأجندة المواعيد.
إلا أن سر إمساكية عدس أنها كانت توزع على المارة فى الشوارع والمصلين فى المساجد، وباتت الإمساكية على مدار تاريخ مصر الحديث تشير إلى مدى وجاهة صاحبها سواء أشخاصا أو جهات.
كما باتت تؤرخ لعصرها من حيث التقدم والرقى فى مستويات التصميم والطباعة، وحاليا باتت الإمساكية أكثر ذكاء بفضل التقدم التقنى.
• يتزامن صوم رمضان هذا العام مع التزام أقباط مصر بالصوم الكبير, ويشرح قداسة البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، فلسفة الصيام قائلا: “نصوم كبشر لنعبر عن محبتنا للخالق، ونمتنع عن الطعام والشراب ساعات طويلة لتأكيد أن حياتنا ليست من الأكل، ولكن من عند الله فهو الذى يهبنا الحياة، والصوم يعطى تدريبا يوميا للإرادة، فإذا واجهت الإنسان أى خطية تغضب الله يكون قادرا على مواجهتها، ويقول: ”كيف أخطئ إلى الله وأصنع هذا الشر العظيم كما قال يوسف الصديق عندما حاولت امرأة فرعون إغواءه. إننا نصوم عن الطعام لنحقق الشبع الروحى كما قال السيد المسيح فى العظة على الجبل: "طوبى للجياع والعطاش لأنهم يشبعون".
وعن التزام أقباط مصر بتناول الطعام النباتى فى الصيام يوضح البابا: “إن ذلك تعبير عن الرغبة فى العودة إلى حياة أبينا آدم وحواء فى أرض الفردوس، حيث كانا يتناولان من نبات الأرض وثمار الأشجار، والامتناع عن الطعام الحيوانى الشهى الذى يثير الشهوة هو تعبير من الإنسان فى أيام الصوم أنه لا يشتهى شيئا سوى الحياة مع الله”.
• الفنان محمد فوزى حصل على الكثير من الألقاب، ومارس أعمالا فنية عدة، ممثل ومطرب وملحن، وقدم جميع الأغنيات عاطفية، ووطنية، ودينية.
كما غنى للأطفال ويعد أول وأشيك مسحراتى، ففى عام 1955 قام بدور المسحراتى للإذاعة فى أغنية من ألحانه وكلمات الشاعر بيرم التونسى قبل الفنان سيد مكاوى الذى اشتهر بلقب "مسحراتى مصر".
وارتدى محمد فوزى الجلباب والكوفية والطاقية المعممة، وأمسك بيده طبلة يدق عليها ليوقظ النائمين، وذلك لزوم التصوير والتسجيل للإذاعة، فأطلق عليه لقب "أشيك مسحراتى"، وتقول كلمات الأغنية: "يا عباد الله وحدوا الله. أنا أمدح المولى الغفور الودود اللى تجلت رحمته فى الوجود. الأرض والسموات عليا شهود. أشهد له سبحانه بعز سلطانه. ومن صميم قلبى أشكر له إحسانه يا مؤمنين وحدوا الله لاإله إلا الله سبح إله العرش واخضع إليه. هو الوحيد اللى انت رزقك عليه الملك والملكوت عطية إيديه. لو مرة ينظر لك لا بد يغفر لك، ويدخلك جنة فيها ما تتمنى. يا مؤمنين وحدوا الله".
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
حسين خوجلي يكتب: معزوفة درويش كئيب على أطلال الجزيرة
من مرويات الصحابة التي تدعو للتأمل والتدبر والاعتبار حكاية وقوف سيدنا علي بن ابي طالب كرم الله وجهه (أبو تراب) على تراب المقابر وحياها قائلا:
السلام عليكم يا أهل المقابر أما أموالكم فقد قسمت، وأما بيوتكم فقد سكنت، وأما أزواجكم فقد تزوجن غيركم هذا خبر ما عندنا، فما خبر ما عندكم ؟
ثم سكت قليلاً وقال:
أما والله لو شاء الله لهم أن يتكلموا لقالوا:
إن خير الزّاد التقوى.
لقد ذكرتني هذه الحكاية الموحية حالنا في الجزيرة المنكوبة الجريحة المستباحة شمالا وجنوبا شرقا وغربا حواضرا وقرى. وفي ظني أن حال القرى المنهوبة المهجرة المغتصبة تماثل حال المقابر إن لم تكن المقابر أشد سلامة منها وطمأنينة.
فلعمري لو مر ود تكتوك هذا العصر بمخيمات النازحين واللاجئين من هذه القرى التي كانت حتى بالأمس تضج بالحياة والأمل والإشراق، وقد أمسى ساكنوها الآن في عراء الله يتامى وأرامل، وفي أطراف المدن حفاة وعراة وحزانى يتكففون الزاد والأمن والخيمة والأسبرين لمداواة جراح الجسد وجراح الروح.
ولكأني بصوت الرجل يرتفع عالياً حتى يتردد صداه في الأعالي والبطاح: (يا أهل الجزيرة إن الأموال قد نُهبت وإن الأعراض قد أُهينت وإن العزة والشرف القديم قد مرغ بالتراب)
وإن بقي في الرسالة بقية فهي للجيش وللشعب وللمقاومة وللمستنفرين والفدائيين، ختام ما قاله الشيخ فرح:
يا هؤلاء “ابحثوا عن مهمة أخرى” غير استعادة مدن وقرى الجزيرة، فماذا يفعل الناس ببقايا الأشياء وأطلال المساكن؟ ابحثوا عن مهمة أخرى فإن دخول القرى والمدن بعد أن أخليت تماماً من كل شيٍ حتى مواقد الطعام وسرائر الأطفال وباقي الدين والعجين، هي ضرب من العبث واللامعقول.
“ابحثوا عن مهمة أخرى” لن يصفق الشعب لانتصارات وهمية في أمكنةٍ خلاء، وقرى مهجورة، وملايين من الحيارى فقدوا كل شئ، نعم كل شئ حتى بقية الدموع في قاع الأعين، وبقية النشيج في قاع الصدور.
نعم “ابحثوا عن مهمة أخرى” فإن الشئ الوحيد الذي بقي هو ذاك (الهوى) المهشم على قارعة الطريق، والهواء الآسن والمعفر برائحة الجثث والإثم وقهقهات القتلة واللصوص.
كل شئٍ هناك ساكن، صامت إلا نحيب العاصفة الممزوج بأسى الأطلال ونزيف الغناء القديم.
كل شئٍ مضى نازحاً إلا زامر الحي الدرويش فقد ظل وحيداً يردد معزوفته في أسىً بصوته الذبيح ونفسه المتلاشية:
يا فؤادي رحم الله الهوى
كان صرحاً من خيال فهوى
اسقني واشرب على (أطلاله)
واروِ عني طالما (الدمع روى)
كيف ذاك الحب أمسى خبراً
وحديثاً من أحاديث الجوى
وبساطا من ندامى حلم
هم تواروا أبداً وهو انطوى
حسين خوجلي
إنضم لقناة النيلين على واتساب