خدم الوطن بكل إخلاص.. وترك وراءه "سجلا حافلا" بالإنجازات
تدرج داخل القوات المسلحة حتى وصل إلى منصب نائب رئيس هيئة العمليات 
شارك فى حرب أكتوبر.. وكان حريصا على اصطحاب بعض أبنائه لجبهة القتال
لم يكن مجرد قائد عسكرى بل كان أيضًا معلمًا ومربيًا يعلم أبناءه وأبناء الوطن الإخلاص فى العمل والدقة والرجولة فى التصرف
الرئيس عبد الفتاح السيسى كرّمه تقديرًا لما قدمه من خدمات جليلة للوطن

 

فقدت مصر مؤخراً مقاتلاً من أبرز رجالها وأعمدتها العسكرية، إنه اللواء أركان حرب عاطف عبد الغفار، نائب رئيس هيئة العمليات الأسبق بالقوات المسلحة، ووالد الدكتور خالد عبد الغفار وزير الصحة والسكان، وفى حقيقة الأمر فإن اللواء عاطف عبد الغفار لم يكن مجرد اسم فى سجلات القوات المسلحة، بل كان رمزاً للتفانى والبطولة والعزيمة التى لا تلين أمام التحديات.


ولد اللواء عاطف فى أسرة مصرية متجذرة الانتماء للوطن، ومنذ نعومة أظفاره، نشأ على حب الأرض والدفاع عنها ، وترقى فى الرتب العسكرية مخلفًا بصمات واضحة فى كل منصب تولاه، من قائد سرية إلى قائد كتيبة، ومن ثم إلى قائد لواء ورئيس عمليات كتيبة ولواء، وصولًا إلى موقع نائب رئيس هيئة العمليات بالقوات المسلحة. كما كان له الشرف فى الخدمة بمكتب المشير عبد الحكيم عامر، وهو ما يعد تشريفًا لأى ضابط فى الجيش المصرى.


شارك اللواء عاطف فى واحدة من أقوى معارك مصر والعرب، وهى حرب أكتوبر المجيدة، حيث كان جزءًا من لواء الصواريخ الذى أسهم بشكل كبير فى ردع العدو وتحقيق النصر ، وكان له دور فعال فى إعادة تسليح وتدريب القوات المسلحة بعد هزيمة يونيو 1967، وهى الفترة التى أطلق عليها "عام الهزيمة"، مشددًا على رفضه تسميتها "النكسة"، موضحًا أن الهزيمة كانت السبب فى إعادة تقييم الوضع العسكرى وبناء جيش قوى قادر على استعادة الأرض والكرامة.
ومن الجدير بالذكر أن اللواء عاطف كان حريصًا على تربية أبنائه على القيم الوطنية والعسكرية الراسخة ،  مشاركًا إياهم فى استعداداته للحرب وحتى اصطحاب بعضهم إلى جبهة القتال ، حيث أراد لأبنائه أن يتعلموا دروس الحياة القاسية من خلال تجاربه الشخصية، معتبرًا أن مثل هذه التجارب تصقل الشخصية وتبنى الروح الوطنية.
خلال أحاديثه الصحفية، أعاد اللواء عاطف تذكير الأمة بأن الانتصارات العظيمة تولد من رحم المعاناة والتحديات، مستشهدًا بأحداث 5 يونيو 1967 كمحطة تحول فى تاريخ الجيش المصرى. فقد كانت هذه الأحداث، برغم قسوتها، بداية لمرحلة جديدة من التأهب والعزم نحو تحقيق النصر الذى تحقق فى النهاية فى حرب أكتوبر 1973.


لقد أكد الفقيد الغالى مراراً وتكراراً  أن الاستعداد لحرب أكتوبر لم يكن مجرد تجميع للقوات، بل كان بناءً لقوة ردع حقيقية تمثلت فى لواء الصواريخ الإستراتيجى الذى تدرب بإشراف خبراء من الاتحاد السوفيتى. وكشف عن أن تدريب هذا اللواء تم فى خمسة أشهر فقط بدلاً من العامين المعتادين، ما يشير إلى الكفاءة والإصرار اللذين كانا يتحلى بهما الجيش المصرى فى ذلك الوقت.
وفى الحقيقة، لم يكن اللواء عاطف مجرد قائد عسكرى، بل كان أيضًا معلمًا ومربيًا، يعلم أبناءه وأبناء الوطن الإخلاص فى العمل والدقة والرجولة فى التصرف.
اللواء عاطف عبد الغفار كان يعلم أن القيم الوطنية لا تُغرس بالألقاب والمناصب، بل بالمواقف والأفعال. وكان يؤكد دائماً على الأهمية الكبرى لتعزيز الروح المعنوية للقوات المسلحة بعد هزيمة 1967، مشيرًا إلى أن الجيش المصرى واجه تحديات جمة لإعادة بناء قدراته القتالية، وأن حرب الاستنزاف كانت منصة لإثبات الصمود والقدرة على المواجهة.


وفى عدة لقاءات إعلامية مهمة معه استعرض اللواء عاطف أيضًا كيف أن تجهيز مسرح العمليات وإجراء عمليات استطلاع ناجحة قد أسهما فى تجميع المعلومات الحيوية عن خط بارليف وتحركات العدو شرق القنال، ما مكّن القوات المسلحة من تنفيذ ضربات محكمة أثناء حرب أكتوبر، مشددًا على أن كل طلقة من العدو كانت تقابل بعشر طلقات مصرية، فى تعبير عن الإرادة الصلبة للردع.
وفى نهاية حياته، تلقى اللواء عاطف التقدير اللائق بمسيرته البطولية، حيث كرّمه الرئيس عبد الفتاح السيسى تقديرًا لما قدمه من خدمات جليلة للوطن، وكان ذلك تكريمًا ليس لشخصه فحسب بل لجيل كامل من الأبطال الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية الدفاع عن الأرض والعرض.


بوفاة اللواء عاطف عبد الغفار ، تُطوى صفحة مضيئة من تاريخ مصر العسكرى، لكن الإرث الذى خلفه اللواء عاطف عبد الغفار سيظل شاهدًا على ما يمكن أن يُحققه الإخلاص والتفانى فى سبيل الوطن. وإن كانت الأجيال القادمة ستتعلم من قصته، فإن دروس الشجاعة والتضحية التى عاشها وعلمها ستظل حية، تنبض فى قلب كل مواطن مصرى وتُنقل من جيل إلى جيل.
وفى ظل الحديث عن الاستعدادات والتجهيزات العسكرية التى سبقت حرب أكتوبر، كان اللواء عاطف عنصرًا فاعلًا فى تلك المرحلة الحاسمة. بدأت القوات المسلحة المصرية عملية إعادة التنظيم والتسليح، مستفيدة من الدعم السوفيتى الذى كان حاسمًا فى توفير المعدات والخبرات اللازمة لبناء جيش قوى ومؤهل لتحرير الأراضى المحتلة. اعتمدت الإستراتيجية المصرية على استخدام مزيج من الحرب التقليدية والحرب النفسية لإضعاف معنويات العدو وتعزيز فرص النجاح فى المعركة الفاصلة.
لم يكن النجاح الذى حققه اللواء عاطف ورفاقه فى السلاح فقط نتيجة الدعم الخارجى، بل كان أيضًا نتاجًا للإرادة والتصميم الداخلى. بقيادته الرشيدة، نجح فى تطوير تكتيكات عسكرية مبتكرة وفى إعداد الجنود نفسيًا وجسديًا للمعركة الكبرى. كان يؤمن بأن العقلية القتالية والتدريب الشامل هما اللذان يصنعان الفارق فى ساحة المعركة.
الروح الوطنية التى كان يتحلى بها اللواء عاطف لم تقتصر على ميدان القتال، فقد كان يُظهرها أيضًا فى حياته الشخصية. كان معروفًا بتواضعه وحبه للناس، ويشهد الكثيرون على سلوكه القويم وتعامله الراقى مع الجميع بغض النظر عن مراتبهم الاجتماعية. وقد نجح فى غرس هذه القيم فى أبنائه، الذين تبوأوا مناصب مرموقة واستمروا فى خدمة الوطن بشغف وإخلاص.
بوفاته، يودع الوطن بطلاً من أبطاله العظام، رجلًا خدم بلاده بكل إخلاص وعزيمة ، وترك وراءه إرثًا زاخرًا بالدروس القيمة فى الشجاعة، التضحية، والحب العميق للوطن. لقد كان اللواء عاطف مثالاً يُحتذى به فى كيفية تحويل الهزائم إلى انتصارات وتعزيز الروح الوطنية فى أحلك الظروف.
يُذكر أنه فى أعقاب حرب 1967، لم يستسلم اللواء عاطف لليأس، بل انخرط فى عملية إعادة بناء القوات المسلحة والارتقاء بها إلى مستوى التحديات المقبلة، وهو ما أثمر فى النهاية عن النصر فى حرب أكتوبر. ولعل من أبرز ما يمكن الإشارة إليه فى هذا الصدد هو دوره فى تأسيس لواء الصواريخ الإستراتيجى الذى كان له دور حاسم فى تحقيق التوازن الإستراتيجى مع العدو وتحقيق الردع اللازم.
على مر السنين، ظل اللواء عاطف ملتزمًا بمشاركة تجاربه وخبراته مع الأجيال الشابة من الضباط، مرسخًا فيهم قيم الإخلاص والتفانى فى العمل ، وقد رأى فى تدريبهم وتطوير قدراتهم العسكرية استثمارًا فى مستقبل مصر الأمنى والدفاعى.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: اللواء عاطف عبد الغفار القوات المسلحة الجیش المصرى حرب أکتوبر بل کان لم یکن

إقرأ أيضاً:

محمد بشاري يكتب: بناء الوعي الوطني.. الركائز والتحديات وآفاق المستقبل

يُعتبر الوعي الوطني العمود الفقري لأي مجتمع يسعى للحفاظ على هويته وتعزيز استقراره، إذ يمثل الإدراك العميق للفرد بانتمائه لوطنه واستيعابه لمسؤولياته وحقوقه في إطار هذه الهوية. في ظل التغيرات العالمية المتسارعة والتحديات المتزايدة التي تواجه الدول، بات تعزيز الوعي الوطني ضرورة ملحة لضمان تماسك المجتمعات وقدرتها على مواجهة التحديات الفكرية والاجتماعية والسياسية. الوعي الوطني ليس مجرد شعور عاطفي أو انتماء رمزي، بل هو منظومة معرفية وسلوكية تشمل إدراك التاريخ، والتفاعل مع الحاضر، والمساهمة في صياغة المستقبل.

يتشكل الوعي الوطني من خلال عدة أبعاد مترابطة، أهمها البعد التاريخي الذي يرسخ فهم تطور الأمة ومساراتها، والبعد الثقافي الذي يعزز القيم الوطنية واللغة والتراث، والبعد السياسي الذي يؤطر مفهوم المواطنة والمسؤوليات، إضافة إلى البعدين الاقتصادي والاجتماعي اللذين يعكسان دور الأفراد في بناء الدولة وتنميتها. هذه الأبعاد مجتمعة تشكل أساسًا قويًا لولاء الفرد لوطنه، وتجعله جزءًا فاعلًا في مجتمعه وليس مجرد متلقٍ سلبي للواقع.

تُعد المؤسسات التعليمية والإعلامية والدينية والاجتماعية أدوات رئيسية في ترسيخ الوعي الوطني وتعزيزه. فالتعليم، على سبيل المثال، يلعب دورًا جوهريًا في تنشئة الأجيال على قيم الانتماء والمسؤولية، ليس فقط من خلال المناهج الدراسية التي تتناول التاريخ والثقافة الوطنية، بل أيضًا عبر الأنشطة اللامنهجية التي تربط الطلاب ببيئتهم ومجتمعهم. الإعلام بدوره، سواء كان تقليديًا أو رقميًا، يُمثل ساحة مؤثرة في تشكيل آراء الناس ومواقفهم تجاه قضاياهم الوطنية، فإما أن يكون عنصرًا بنّاءً يعزز الوحدة والانتماء، أو يصبح أداة تضليل وتفكيك حين يُستغل لنشر الشائعات وبث الفُرقة. المؤسسات الدينية كذلك تؤدي دورًا محوريًا في دعم الهوية الوطنية، حيث يساهم الخطاب الديني الوسطي في تعزيز روح التسامح والتعايش، بينما يُشكّل التوظيف السياسي للدين خطرًا يهدد استقرار المجتمعات. أما الأسرة والمجتمع المدني، فلهما دور تكميلي في نقل القيم الوطنية وتعزيز الانتماء عبر التربية والتوجيه والمشاركة في المبادرات المجتمعية.

لكن رغم أهمية هذه الركائز، يواجه بناء الوعي الوطني تحديات كبيرة، أبرزها تأثير العولمة وما تفرضه من أنماط ثقافية قد تؤدي إلى تآكل الهويات الوطنية، خاصة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت الأفراد عرضة لأفكار واتجاهات متنوعة، بعضها قد يتعارض مع الهوية والقيم الوطنية. إضافة إلى ذلك، يُمثّل التطرف الفكري خطرًا حقيقيًا على المجتمعات، سواء كان تطرفًا دينيًا يسعى إلى تهميش مفهوم الدولة لصالح أيديولوجيات دينية متشددة، أو تطرفًا علمانيًا يستهين بالقيم الدينية والموروث الثقافي للأمة. كلا النموذجين يُضعفان التماسك الاجتماعي، ويُعززان حالة الاستقطاب داخل المجتمع.

ضعف المحتوى الإعلامي الوطني يمثل تحديًا آخر، حيث إن كثيرًا من الدول تعاني من غياب خطاب إعلامي وطني قوي يعزز الوعي الوطني، ما يجعل الشباب أكثر انجذابًا إلى وسائل إعلام أجنبية أو محلية ذات توجهات خاصة، تُقدّم صورة مشوهة عن قضاياهم الوطنية. كما أن الأنظمة التعليمية في بعض الدول العربية لا تزال تعاني من نقص في المحتوى الذي يعزز القيم الوطنية بشكل متوازن، إما بسبب تقديم تاريخ مشوه، أو ضعف المناهج التي تركز على الهوية الوطنية.

لمواجهة هذه التحديات، من الضروري تبني استراتيجيات شاملة تهدف إلى إعادة بناء الوعي الوطني على أسس متينة. يتطلب ذلك تحديث المناهج التعليمية بحيث تركز على تعزيز الفهم العميق للتاريخ الوطني، وتنمية روح المواطنة الإيجابية، وليس مجرد حفظ الحقائق التاريخية. كما يجب تطوير المحتوى الإعلامي ليكون أكثر جذبًا وتأثيرًا، مع تعزيز دور الإعلام الوطني في نشر الوعي، ومكافحة التضليل الإعلامي الذي يهدف إلى تشويه الحقائق وإثارة الفتن.

دعم المبادرات الشبابية يُعد أحد الحلول الفعالة لتعزيز الشعور بالانتماء، حيث إن إشراك الشباب في العمل التطوعي والمشاريع الوطنية يُشعرهم بأنهم جزء من عملية بناء الدولة، وليس مجرد متفرجين على الأحداث. كذلك، لا بد من مواجهة الفكر المتطرف من خلال نشر خطاب ديني معتدل يربط الدين بالقيم الوطنية، ويدعم مفهوم الدولة بعيدًا عن التفسيرات الضيقة التي تروج لها بعض الجماعات ذات الأجندات السياسية.

الثقافة والفنون تلعبان دورًا مهمًا في هذا السياق، إذ يمكن استثمار الإنتاج السينمائي والمسرحي والأدبي في تعزيز الهوية الوطنية، وتسليط الضوء على الإنجازات التاريخية والنماذج الوطنية التي تلهم الأجيال الجديدة. كذلك، تشجيع المهرجانات الثقافية والفنية التي تحتفي بالتراث الوطني يُسهم في ربط الأفراد بتاريخهم وهويتهم.

بناء الوعي الوطني ليس مجرد خطاب يُلقى في المناسبات الرسمية، بل هو عملية مستمرة تتطلب تكاتف الجهود بين مختلف المؤسسات والمجتمع بأسره. الدولة مسؤولة عن توفير البيئة التي تتيح للأفراد الشعور بالانتماء والكرامة والعدالة، بينما يقع على عاتق المواطنين واجب المشاركة الإيجابية في تنمية وطنهم، والحفاظ على وحدته واستقراره. الوطنية ليست مجرد شعارات تُرفع في المناسبات، بل هي التزام يومي يُترجم في سلوك الأفراد وحرصهم على خدمة مجتمعهم، واحترامهم لقيمهم الوطنية، واستعدادهم للدفاع عن وطنهم في مواجهة كل التحديات.

مقالات مشابهة

  • محمد أزروال يكتب: ليس في القنافد أملس من مراكش معارض جزائري.. مسجد الكتبية جزائري
  • متعملش فيها الحاج متولي.. مؤلف بالطو يوجه رسالة لـ عصام عمر بسبب علاقاته النسائية
  • محمد بشاري يكتب: بناء الوعي الوطني.. الركائز والتحديات وآفاق المستقبل
  • أبناء المؤسسات الرياضية العسكرية يحققون إنجازات ويحصدون العديد من الميداليات بمختلف البطولات
  • أبناء المؤسسات الرياضية العسكرية يحصدون العديد من الميداليات المتنوعة في مختلف البطولات
  • إفطارهم في الجنة محمد مبروك.. صوت الحق الذى لم يسكت
  • محمد كركوتي يكتب: الإمارات.. اتفاقيات شراكة ناجعة
  • لم ينجو منهم أحد .. قوات سلاح المدرعات بمنطقة الشجرة العسكرية تنصب كمينا محكما لمجموعات من مليشيا أسرة دقلو
  • رئيس شؤون الضباط في وزارة الدفاع العميد محمد منصور: الضباط المنشقون يمتلكون خبرات ميدانية ثمينة وسيتم توظيفهم بحسب تخصصاتهم وحاجة القوات المسلحة، لضمان نقل خبراتهم إلى الأجيال الجديدة، بما يعزز الجاهزية القتالية ويرسخ العقيدة العسكرية السورية القائمة على
  • قائد منطقة الشجرة العسكرية لواء دكتور ركن نصر الدين عبد الفتاح من أمام مقر رئاسة سلاح المدرعات؟