مدن تكتب التاريخ.. سمرقند ياقوتة الإسلام
تاريخ النشر: 13th, March 2024 GMT
حين تذكر مدينة سمرقند، فإننا نستعيد قبساً من مسيرة الحضارة الإسلامية، فتلك المدينة، الضاربة في التاريخ، والتي يزيد عمرها على 2500 سنة، لها حكاية يجب أن تروى، حيث يُجمع المؤرخون أنها دانت للمسلمين على يد القائد الإسلامي قتيبة بن مسلم الباهلي سنة (87هـ ـ 705 م)، ثم أعاد فتحها مرة أخرى سنة (92هـ ـ 710م).
وتوالى ازدهار هذه المدينة الإسلامية كما توثق معظم المصادر في العصر العباسي خاصة في عهد الخليفة المعتمد على الله، الذي جعل منها عاصمة لبلاد ما وراء النهر، واستمرت كذلك حتى عهد الأمير أحمد بن إسماعيل الذي نقل العاصمة إلى بخارى فصارت المدينتان مركزين حضاريين، وازدهرت الحياة الاجتماعية والاقتصادية بهما في عهد الدولة السامانية، وظلت هكذا حتى خضعت لحكم الدولة الخوارزمية في عهد السلطان علاء الدين محمد بن تكش، الذي هاجم بلاد ما وراء النهر، واستولى على سمرقند عام 606هـ/ 1209م.أطلق على سمرقند الكثير من الألقاب لعل أشهرها «ياقوتة الإسلام»؛ كونها إحدى حواضر الإسلام العريقة، وهي بالمناسبة من أغنى المدن الإسلامية الزاخرة بالآثار والمعالم الحضارية الإسلامية، ومن أهم مدن أوزبكستان، وبقيت عاصمة لبلاد ما وراء النهر نحو خمسة قرون حتى الثلث الأول من القرن العشرين. وأطلق عليها الرحالة العرب اسم «الياقوتة» الراقدة على ضفاف نهر «زرافشان»، وهي العاصمة الرائدة التي أعدها تيمورلنك لتحتل الصدارة في عهده ولسنوات طويلة من بعده؛ حيث بنى فيها أشهر وأهم مسجد ويدعى مسجد «بيبي هانم» أو «خانوم»، ويقع شرق ميدان ريجستان، ويلقب بجوهرة سمرقند، بناه تيمورلنك في 1399م، وانتهى في 1403م، وسُمي على اسم زوجته، وهو بحسب المعماريين تحفة معمارية لا نظير لها، وبحلول منتصف القرن العشرين، لم يبقَ من هذا المسجد سوى أنقاض، ولكن تم ترميم أجزاء كبيرة منه خلال الفترة السوفييتية.قال عنها الرحّالة المشهور ابن بطوطة: «إنها من أكبر المدن وأحسنها وأتمها جمالاً، مبنية على شاطئ وادٍ يعرف بوادي القصارين، وكانت على شاطئه قصور عظيمة، وخارج سمرقند قبر قثم بن العباس بن عبد المطلب، الذي استشهد حين فتحها».
وأما ياقوت الحموي، صاحب معجم البلدان، فيقول: «ليس في الأرض مدينة أنزه ولا أطيب ولا أحسن مستشرفاً من سمرقند».
شبّهها حصين بن المنذر الرقاشي بقوله: «كأنها السماء للخضرة، وقصورها الكواكب للإشراق، ونهرها المجرة للاعتراض، وسورها الشمس للإطباق».
وقال عنها المقدسي: «سمرقند قصبة الصغد، ومصر الأقاليم، بلد سري جليل عتيق، ومصر بهي رشيق، رخي كثير الرقيق، وماء غزير بنهر عميق، ذو رساتيق جليلة، ومدن نفيسة، وأشجار وأنهار، في الصيف جنة، أهل جماعة وسنة ومعروف وصدقه، وحزم وهمة».كتب عنها الموقع الرسمي لليونسكو، «ملتقى لثقافات العالم، وبوتقة لتفاعلها وصبها في نسيج واحد».
الروائي اللبناني- الفرنسي أمين معلوف له رواية شهيرة اسمها «سمرقند»، وصدرت في عام 1988، وتدور أحداثها حول الشاعر عمر الخيام، ويقول معلوف في الرواية عن المدينة: «سمرقند أجمل وجه أدارته الأرض يوماً نحو الشمس».
أما الكاتب المصري محمد المنسي قنديل، فله رواية بعنوان «قمر على سمرقند»، وتدور أحداثها حول طبيب مصري شاب يدعى علي، يقرر الذهاب في رحلة إلى مدينة سمرقند، ليبحث عن رشيدوف صديق والده القديم، رغبة منه في معرفة بعض الأسرار عن والده، وفي طريقه إلى هناك يقابل رجلاً مغامراً يدعى نور الدين سائق التاكسي الذي جمعته الصدفة معه، فيوجه مصيره، ويخوضان معاً مغامرة في أماكن مدهشة.. وتأخذ الرحلة بُعدها في الزمان فتستكشف بعضاً من ماضي هذه الأرض الغضة والغنية بالتاريخ والأساطير.
صحيفة الخليج
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: فی عهد
إقرأ أيضاً:
المدينة التي تبكي بأكملها.! (2)
صادق سريع
هذه الرواية تصف الحال بدقة: “تسقط قطرات المطر كدموع أهل غزة، الأطفال تصرخ من شدة البرد، والبطون تتألم من الجوع، والخيام تتطاير من عواصف الريح، وهكذا وضع كل من في غزة خائفا، جائعا، بردانا، متعبا، ومنهكا”.
ما يريد القائل قوله: “إن غزة تقاتل المستعمرين القدامى والجدد نيابة عن العرب والمسلمين المتفرجين، بينما عجز العالم عن تدفئة طفل رضيع يرتجف من البرد تحت خيام غزة!”.
وهكذا قالت نازحة – في حالة غضب: “إن رجفة الطفل برداً في غــزّة، أشرف وأكرم من رجفة عبداً متخاذل أمام سيّده!”.
في الخيمة المقابلة، لم تتمكن طفلة من إيجاد رغيف تسد به رمق الجوع، فرسمت قرص الخبز، لكن هل الرسم يُشبع!؟ يا الله ما هذا البلاء.
طفلة أخرى طلبت من أمها حبة فاكهة تأكلها، فردت الأم بحسرة – حاولت أن تخفي ملامحها عن الأبنة الصغيرة: “سنأكلها فى الجنة”، فأخرجت طفلتها قلما مكسورا، وقالت لأمها بلهجة براءة الطفولة: “بدي أكتب على الورقة كل الفواكه، وأطلبها من ربنا لمن نروح الجنة”، لا حول ولا قوة إلا بالله..
في غزة فقط، الناس تنصح أولادها: “يا بابا متلعبوش، وتجروا كثير، عشان ما تجوعوا”.. وتباع وتشترى الخضروات والطحين بالجرام، وينام الناس بالشوارع في برد الشتاء، وتحت سعير نيران القذائف التي تسقط في كل مكان، وتقام ولائم العزاء بلا توقف بكل الأوقات في كل البيوت المدمرة والخيام الممزقة ونحيب بكاء المدينة بأكملها، كأنها تعيش أكبر مآتم التاريخ.
كل شيء في غزة يدعوك للبكاء، نازحة في شمال غزة حصلت على كيس خبز ؛ يا الله ما هذه الفرحة التي غيرت ملامح وجهها العابس مُنذ سنة !؟ كأنها حصلت على كنز ثمين بعد عام كامل!!
يقول قائل من غزة، عن قول أمه (وأمه امرأة لا تكذب) إنها قالت له: “ستفرج ذات يوم”.
وهكذا يستغيث أهل غزة، أيها العالم الأصم : “تجمدنا في الخيام؛ هل تسمعون صرخات الأطفال والنساء؟”.
ويخاطبون أمة محمد – عليه الصلاة والسلام: “من يحمل الهم عنا، ومن يقاسمنا الثِقل؟ سامحونا -يا معشر المسلمين- فلن نسامحكم ولن نغفر خذلناك وخيانتكم وصمتكم يوم الحساب”.
وأنا أقول: “تحدثوا – يا أمة الإسلام – أن غزْة تُباد، تحدثوا ليكون كلامكم شاهداً لكم لا عليكم يوم الحساب”.
سلاماً على غزة حتى يطمئن أهلها، وتبرد نارها، ويدفأ بردها، وتطيب جراحها، وينتصر رجالها، ويخرج غزاتها.
* المقال يعبِّر عن رأي الكاتب