كنتُ قبل حلول الشهر بأيام قليلة في السنوات الماضية أحدث أحفادي عن فريضة الصيام وفضائلها وثواب فاعلها عند الله، وأجيب عما يسألون بقدر معرفتي واستطاعتي.
كنت أحدّثهم عن انتصارات المسلمين في رمضان ومعاركه الفاصلة، وأذكرهم ببدر، واليرموك، والقادسية، وحطين، وعين جالوت، وأروي لهم شيئًا من سيرة خير خلق الله محمّد وصحبه.
هذا العام عجزت عن الحديث البتة. ماذا يمكن للمرء أن يقول عن الصوم، وفي بقعة من هذه الأرض أناس يصومون على ما تبقى من شحم بطونهم ويفطرون على كسرات خبز اختلطت بالتراب وبالدم. فهل في غزة شبر من الأرض لم يختلط ترابه بدم شهيد، شيخ، طفل، أم، والد، أخ، أخت، قريب أو بعيد؟
أقفل أهل المعابر حول غزة بواباتهم حين صدرت الأوامر، و"هبوا لنجدتها" من الجو هم وأعداؤها الذين يقصفونها فتساقطت الصناديق على رؤوس أطفال يسابقون الجوع فقتلتهم.
ماذا تقول لأحفادك في زمن الجبن والجبناء، والخذلان والمتخاذلين؟ ماذا تقول حين يسألك أحدهم عما يفطر عليه أهل غزة حين يؤذن المؤذن؟
أهل غزة لا يسمعون صوت الأذان وسط هدير محركات الطائرات ودوي الانفجارات وأزيز الرشاشات، ولكنهم يدركونه بقلوبهم المؤمنة.
أهل غزة لا يستعجلون الإفطار، فهم لا يجدون ما يفطرون عليه، وإن وجدوا منه القليل فهم مشغولون بدفن شهدائهم وتضميد جراحهم. لا تَمْرَ في خيام أهل غزة ليجبروا به صيامهم، ولا ماء نقيًا ليرووا ظمأهم.
ليس في غزة أسواق ولا "مولات" امتلأت بكل الأطايب والملذات قبل أن يُرى الهلال بوقت طويل، كما في البلاد حولهم.
لن يجتمع أهل غزة حول موائد الإفطار الزاخرة، ولن يسهروا ويتسامروا ويتنادموا.
الناس حول غزة يسهرون ويتسامرون ويتنادمون ويتضاحكون كما يفعلون كل رمضان. تكتظ بهم المساجد وتفيض، ويتسابقون بعد التراويح لا يفوتهم السمر ودخان الأراجيل وأصوات المغنيات والمغنين.
أمة عاجزةأهل غزة تبينوا الخيط الأبيض من الخيط الأسود فحان فجر جهادهم. كبروا وصهلت بنادقهم، وبرقت سيوفهم في الليل البهيم من حولهم. لم يسمع تكبيراتهم أحد، الناس حولهم نيام صم. لم يرَ بريق سيوفهم أحد، الناس حولهم نيام عمي. لم يُغْثهم أحد، الناس حولهم نيام بُكْم، أُتْخِم الناس حول غزة وتكرشوا فلا تسمع في البلاد عن جراح غزة إلا همسًا.
يُكَبِّر أهل غزة كل الوقت، مع كل صلية من رشاش أو قذيفة من مدفع.
يتخافت الناس حول غزة كما يتخافت دجاج في قُنِّه حين يتسلل المفترس الصغير.
يبتهل أهل غزة لمن يرمون باسمه سهامهم يسبحون بحمده، وينتظرون من عنده النصر.
يُسَبِّح الناس من حول غزة بحمد من أتخمهم خبزًا، وجوّعهم كرامة، وأفقرهم عزًا.
ماذا أحدث أحفادي عن رمضان وغزة؟ أأقول لهم إن أمة، تتباهى بتاريخها وبملايينها الأربعمائة، عجزت أن تقطع مترًا واحدًا فحسب ليصل الغذاء إلى غزة في رمضان، ووقفت تنتظر سفنًا غربية تقطع أربعمائة كيلومتر من قبرص لتنزِل على الشواطئ طعامًا لغزة؟
أأقول لهم إن كل ما حدثتكم عنه سابقًا، عن وَحدة الوطن العربي، كان حُلمًا زائفًا، وأنه لا وجود لوطن عربي، بل أقطار مبعثرة لا يجمع شتاتها جامع ولا يحرّكها وازع؟
أأقول لهم إن كل الشعارات التي تشدقت بها أمامكم عن جحافل الفاتحين القادمين التي ستدخل القدس يومًا، كما دخلها عمر وصلاح الدين، لن تروها أبدًا؟
لا، لن أقول ذلك أبدًا! سأقول إن محمدًا وأهله من آل هاشم حوصروا في الشعب ثلاث سنين، فما ضعفوا ولا استكانوا ولا قبلوا الدنية، وغزة وفلسطين كلها تذكر محمدًا وتسير على دربه.
سأقول لهم إن في غزة خوالد وعوامر وسعودًا وطوارق ومثاني يعيدون سيرة أولئك الفاتحين ولا ينتظرون عونًا إلا من الله.
أقول لهم سنقاتل ونجوع ونتألم، وسوف ننتصر ونحيي الأمة كلها، ويومئذ يفرح المؤمنون، وينزوي من خَذَلوا وأخلدوا إلى الأرض في قيعان التّاريخ السحيقة.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات الناس حول حول غزة أهل غزة لهم إن
إقرأ أيضاً:
بكاء واعترافات.. لبلبة تكشف أكبر صدمة في حياتها ونصيحة عبدالوهاب
حلّت الفنانة المصرية لبلبة، ضيفةً على الحلقة الجديدة لبرنامج "ABtalks"، تقديم أنس بوخش، حيث كشفت كثير من الأسرار والاعترافات لأول مرة، بما فيها بداياتها الصعبة، وكواليس أعمالها الفنية، ورسالة محمد عبدالوهاب لها، وكذلك وصية والدتها قبل وفاتها وظروف مرضها.
في مستهل حديثها، قالت لبلبة، إنها حريصة على انتقاء أدوارها خلال الفترة الحالية بعكس الماضي، كاشفةً أنها في بداية مشوارها الفني كانت تقبل أعمال فنية مُختلفة بسبب احتياجها للمال والإنفاق على أسرتها، أما الآن فهي كثيرة الرفض للأعمال الفنية، خوفاً على تاريخها الفني، وفق قولها.
وعن ذلك، تقول: "سأظل لآخر يوم في حياتي أقدم فن كويس، يفيد المُجتمع والناس، مهما كانت التزاماتي، ومش عايزة أخيب ظن الجمهور".
وصفت لبلبة، بداياتها الفنية وفترة طفولتها بـ "الصعبة"، بقولها: "أنا جيت غلط، على ولدين وبنت"، إلا أنها ترى نفسها أهم شخصية في عائلتها، على الرغم من عدم عيشها طفولتها كباقي الأطفال.
وذكرت أنها رغم معاملة والدتها الشديدة معها، لكن تظل أمها أهم شخص في حياتها، لافتةً إلى أنها عانت كثيراً طوال 17 عاماً قضتها في المرض الذي أدى لوفاتها، حيث أنفقت على علاجها كل أموالها.
وتصف لبلبة، وفاة والدتها بأنها أصعب صدمة في حياتها، مشيرةً إلى أنها فقدت أيضاً شقيقها الكبير، وكذلك والدها الذي توفى في المطار.
وحول وفاة والدها، أوضحت أنها كانت تستعد لحفلة على الهواء حين سمعت بخبر وفاة والدها، حيث ذهبت لدفنه، وعادت لوضع المكياج وخرجت على مسرح سينما قصر النيل، تُغني التزاماً واحتراماً للجمهور، مضيفةً: "رجعنا من الدفنة، عملت مكياج وضحكت الناس، وعملت أحلى فقرة وبعدها عيطت كتير".
لفتت لبلبة إلى أن وفاة والدتها تركت آثاراً صعبة على حياتها، للدرجة التي دفعتها لارتداء الزي الأسود 3 أعوام كاملة بعد رحيلها، إلا أنها بعدها عملت على ارتداء الأبيض استجابة لجمهورها، الذي طالبها بإنهاء حالة الحزن والعودة لابتسامتها مرة أخرى.
A post shared by #ABtalks (@abtalks)
وعن آلام الفقد، تقول لبلبة، إنها فقدت مجموعة من أقرب أصدقائها في الوسط الفني أيضاً، وعلى رأسهم المخرج عاطف الطيب، وكذلك وحيد حامد، وأحمد زكي، ونور الشريف، ومحمود عبد العزيز، ورفيق الصبان.
أمنيةكما تحدثت لبلبة عن نصيحة والدتها قبل وفاتها بألا تقبل بأي دور فني، وضرورة انتقاء أعمالها حفاظاً على ما بنته خلال مشوارها، كما دعتها إلى عدم الحزن عليها ومغادرة منزلهم إلى مكان آخر، لافتةً إلى أنها ما زالت تعيش في نفس المنزل القديم حتى الآن، وتحتفظ بكرسي والدتها ومتعلقاتها.
وعن مسألة الزواج، اعترفت لبلبة بتقدم أشخاص كثيرين للارتباط بها، منهم أحد الأشخاص حبته بالفعل إلا أنه خيرها بين الفن والزواج فاختارت الفن، متابعةً: "أنا راضعة فن، والفن هو كلي حاجة عندي".
كما تحدثت عن أمنيتها، كاشفةً أن كل ما تتمناه هو تقديم كل الأدوار التي تتمناها قبل اعتزالها، بقولها: "عايزة أقول للزمن استنى ما تمشيش بسرعة عشان في أدوار عايزة أعملها، وعايزة الناس تشوف أدوار نفس أعملها قبل ما أعجز وأقعد".
وعن نظرتها للحب، تقول لبلبة، إن الحب في حياتها هو الراحة النفسية الدائمة، والثقة بالنفس، والخوف على زعل الآخرين، وكذلك القبول.
تحدثت لبلبة عن وصيتين أحدهما من والدتها، والأخرى من الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب. وعن والدتها تقول إنها نصحتها بألا تنظر إلى أحد، وأن تُركز في طريقها الفني فقط، مضيفةً: "أنا باخد بنصيحتها إلى اليوم، عشان كدة أنا مختلفة عن غيري".
وبخصوص نصيحة محمد عبدالوهاب، تكشف لبلبة، أنها التقت به خارج منزلها، حيث دعاها إلى تعلم قول "لا" في حياتها، لكل دور أو أغنية أو حفلة أو كلمة غير مقبولة وتأتي مُخالفة لشخصيتها وثقافتها واحترامها لذاتها، مضيفةً: "قالي لما تعرفي تقولي لأ هتبقي قوية".