حكايات على موائد الطعام.. "التطفل" قصص تجمع بين الطرافة والفكاهة بالأدب العربي
تاريخ النشر: 13th, March 2024 GMT
شغلت حكايات المتطفلين على موائد الطعام حيزًا مهمًا في الكتابات التراثية العربية، وهي نوع من الحكايات تجمع بين الطرافة والفكاهة، وتحقق لدى القارئ درجة عالية من المتعة المعرفية، فهي أيضا تشمل جانبا مهما يكشف عن الجوانب العقلية والفلسفية التي تمتع بها المتطفلون أو الطفيليون كما تسميهم كتب التراث.
روى الخطيب البغدادي في كتابه «التطفيل وحكايات الطفيلين وأخبارهم ونوادر كلامهم وأشعارهم»، عن محمد بن سلمة، أنه قال: «مات لمساورالوراق بنت في يوم حار، فلم يحشد إليه جيرانه، وتخلفوا عنه إلا نفيرًا حتى أبردوا، فحُملت وقد تبعه منهم قوم، فلما انصرف، قال: تخلف عني كل جاف ضرورة، وكل طفيلي من القوم عاجز، سريع إذا ما كان يوم وليمة، بطيء إذا ما كان حملُ الجنائز».
ففي شعره اشتكى «الوراق» من بعض الناس كانت تحتشد عنده وتسرعإليه في أي وقت إذا كانت عنده وليمة للقوم، أما في مصابه وقد توفيت له بنت في يوم حار، وتخلف عن المشاركة في جنازته كثير من الناس حتى أبردوا أي تجنبوا الحرارة، فاشتكى من ذلك التخلف ووصفه أنه من فعل الطفيليين الذين يسارعون من أجل الوليمة ويبطئون في حمل الجنائز.
ومساور الوراق، هو مساور بن سوار الكوفي، توفي سنة ١٥٠ للهجرة، واشتهر بلقب الوراق، وكان من رواة الحديث النبوي، وتناقلت اسمه كتب الرجال في الحديث، ووصف أنه من الثقات، وروى صفة عمامة النبي الكريم، حيث روى عن جعفر بن عمرو بن حريث، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس وعليه عمامة سوداء.
وروت كتب الأدب كثيرًا من المقولات التي تذم صفة التطفيل، أي الدخول إلى موائد الطعام دون دعوة من أهلها، ونقل أبو عثمان المازني عن الأصمعي، أنه قال: «الطُّفيلي الداخل على القوم من غير أن يُدعى، مأخوذ من الطَّفَل وهو إقبال الليل على النهار بظلمته»، وعلَّق الخطيب البغدادي على تعريف الأصمعي، قائلًا: «أرادوا أن أمره يظلم على القوم فلا يدرون من دعاه ولا كيف دخل إليهم»، وواضح اتجاه البلغاء في توضيح معنى التطفيل، فلم يقدموا تعريفًا يحمل معنى الدخول على الموائد دون دعوة فقط، بل مزجوا معه الهم الذي يدخله الطُفيلي على أهل المائدة، وكأنه ظُلمة الليل.
وفي ذم التطفيل، نقل البغدادي رواية عن عبدالله بن عمر، أن النبي الكريم قال: «من دُعي فليجيب، ومن دخل عن غير دعوة دخل سارقًا وخرج مغيرًا»، وفي كلمات الحديث أوصاف تشدد على عدم إتيان فعل التطفل على موائد الناس دون دعوة، مُشبهًا ذلك بالسرقة والإغارة على الناس.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: موائد الطعام رمضان
إقرأ أيضاً:
دعوة للالتفاف بدثائر العزلة
بسم الله الرحمن الرحيم
في الحق أنا لا أفهم كنه صلاتي التي تربطني بمحيطي أو أسيغها، كما ينبغي أن تفهم أو تساغ، والصلات التي تحرك الحياة وتسيرها، مهما قلت عنها، وعن سذاجتها وجهالتها في بيئتي، فهي في جوهرها، لا تختلف عن تلك الوشائج التي جمعتني بعوالم مغايرة لعالمي الذي أعيشه الآن، فمهما تفاوتت في تأثيرها، ووهجها، وظلالها، ووقعها على نفسي، فهي تتفق في حزنها وأساها، وفرحها وطربها، تماما مع عالمي الذي كنت أعيشه، رغم أن عالمي ذاك كان مختلف الألوان والألسنة.
ولعل الشيء الذي أبعد عن الجدال والخلاف أننا مطالبين بذلك النشاط الوجداني الذي فرضته أعراف الحياة، فليس لنا أن نعيش في قوام تلك المجتمعات، دون أن ننصهر في بوتقتها، أو نعتزلها، أو نمنعها، أو حتى نراقبها ونقيدها في أضعف الإيمان، كلا ليس هذا متاحاً لنا، العزلة التي تبتغيها وتنشدها، لا تسمح بها هذه الحياة، لأن المجتمعات لا تطمئن لأصحاب العزلة النفسية، وترتاب في أمرهم أشد الارتياب وأعنفه، رغم ما للعزلة من دعائم وطيدة بالفلسفة وصلات وثيقة بالحكمة، وما "للمعتزل" من صفات تختلف عن "المجتمعي" في الغرائز، والطباع، وألوان السلوك، وفي علاقة الإنسان بربه، فالمعتزل يرضي عقله بتلك العزلة التي يأثرها عن غيرها، وتسمو بها روحه، وينوء عن طريقها بنفسه عن مخالطة الناس وما ينجم عن تلك المخالطة من تشاحن وصراع، وما يصاحب هذا النشاط الاجتماعي من قهر وكتم للأنفاس.
ليس من ريب، ألا نتفق فيما بيننا على أسباب صحيحة، أو علل ثابتة، بخصوص هذا الموضوع الشائك، ولكن تعرجاته وعقابيله تلك، مدعاة إلى بقاء موضوع "العزلة" على بساط البحث، ورغم أن "العزلة" مجال القول فيها ذو سعة، لكن الغالب على الظن" عندنا" أن العزلة أبلغ وقعاً، وأعمق تأثيراً، في نفوس أصحابها، وأن بحوث علماء النفس والاجتماع وتحقيقاتهم تشتمل على كثير من الغلو والشطط ومجانبة الصواب، فالعزلة ليست مرضاً فتاكاً يودي بالمجتمعات أيها السادة، ليست هي داء نجيس مجلوب من الخارج، بل هي متأصلة في تراثنا الفكري، كما لا علاقة للعزلة بمزاعم مناهضة الدين الخاتم، فالحقيقة التي يجهلها الكثير من الناس أن العزلة نشأت في كنف الدين.
الواجب الذي لا مناص عنه إذن أن نزكي من دوحة العزلة، وأن نجعل عروقها تمتد وتستطيل في مناهجنا وتربيتنا.
دعونا نلقن الأجيال القادمة أن ايثار الحياة الضيقة المغلقة، يعينك على فهم نواحي هذه الدنيا الفانية، وأن العزلة هي التي تردك إلى الحياة، وتنقذك من هذه الجلبة، ومن هذا النفاق المفروض عليك، العزلة تسمح لنا وللأجيال القادمة أن نستقبل صدر أيامنا ونحن مبتهجين بها، راضين عنها، مغتبطين بما يتاح لنا فيها من العمل، وبما يساق إلينا من الخير، العزلة هي التي تجعل طابع حياتنا قوامه المحافظة والاستقرار، والبعد كل البعد عن الصخب والعنت والشقاء.
د.الطيب النقر
nagar_88@yahoo.com