د. قاسم نسيم
هو النَّصرُ ما تنفك تَحْدُو سبائبُه
جليًا على الآفاقِ عَيْني تُراقبُه
وقد كنتُ أدَّخِرُ الحديثَ تَرَبُّصًا
لِميقاته، حتى اسْتَهَلَّتْ مَواكبُه
صَبَرْنا لهُ ما بين لهفٍ وتَرْحَةٍ
تُقَاسِمُنا فاستمطرَتْنا صَبَائِبُه
فيومٍ كأمواجِ المنايا ركبتُهُ
ويومٍ كبَسْمِ البُشْرَياتِ كَوَاكِبُه
سقى النِّيلُ أجسادًا نحافًا وطهَّرتْ
قلوبَهم والمَشْرَفِيَّ مواهبُه
كأنَّهمُ والموتَ طفلٌ لوالدٍ
يلاطفُه حينًا وحينًا يداعبُه
من السَّلفِ اللائي تسامتْ نساؤهُمْ
وكان كترهاقا العظيمِ يناسبُه
جليدًا على التاريخ ما فتَّ عزمَه
غزاةٌ وأوباشٌ ودنيا تحاربُه
دهاةً يصيبون العدوَ لغايةٍ
فللقبر أكبادُه، وللأسر كاعبُه
إذا احمرَّ بأسٌ أو تراءت منيةٌ
جبالُ الفلا ثَبْتَاً تَوَدُّ تُقاربُه
كأنهمُ نبتٌ على الأرض راسخٌ
أو اقْتُطِعَتْ من ذا الكمي عراقبُه
رأيتُ على الخرطوم هَوْلًا مُرَوِّعًا
تغمَّدَه جندٌ وولتْ نواخِبُه
غُدرنا بجيشٍ دون عهدٍ وذمةٍ
وآصِرةٍ، لم تصطنعْه مناقبُه
فأوقعَ فينا الموتَ غدرًا وخسةً
يُنازعُ مُلكا بالسِّلاح يغالبُه
فنازلَه جيشٌ من الأُسد قلبُه
من الْمجدِ يمناهُ من النَّار قاضبُه
وجندٌ يرومُ الموتَ حتى كأنَّه
له نسبًا والموتَ.
يصلُّ به الرشاشُ يهمي بِحَصْوِه
فَتَخْرِمُ أجسادَ العدوِّ لواهبُه
ترى الموتَ يمضي حيث شارَ سلاحُهُمْ
وما خَطَأتْ كَبْدَ العَدُّوِ مَضَارِبُه
فلمَّا أراد اللهُ هَلْكًاً لجيْشِهِمْ
وَخَتْمَاً لِهَرْجٍ حار في الحلِّ طاببُه
تراءتْ على أمدرمانَ جمعُ فُلولِهم
وعسكرُنا في الأرضِ تَغْلِي لواهبُه
يرومون نصرًا بالحديدِ وما دَرَوَا
أنِ النصرُ من عند الإله مطالبُه
يودُّون هزْمًا للشُّجاعِ فأيقنوا
أنِ النصر معقودٌ إليه مكاتبُه
وَبَرْبَرَ رشاشُ العدو بجندِنا
فعاجلَهُ مُرُّ السِّلاحِ يُجاوبُه
ودارتْ رَحاها واسبكرَّ عجاجُها
وأظلمَ من نقعِ العراكِ غياهبُه
على الأذنِ تأويهاً على السمعِ أنَّةٌ
مزارُ نواحٍ ألهبتُه نواحبُه
ودوَّى على الأرجاءِ هدرُ مدافعٍ
يشيبُ لها رأسُ الصبي وآدبُه
فلاذ كمينًا يبتغي سترَ نفسِه
وفينا كشيفا والعيونُ تراقبُه
تَسَاقَطَ أشلاءُ العدوِ تناثرًا
تلاعنُ في أرآبها وتساببه
وطلقٍ كدفقِ السيلِ حمَّ على العدا
فيجرحُ من أوفى ويمضي يثاقبُه
بشوشٌ فدائينا إذا حرَّ عركَها
فما غضَّ من طَرْفٍ وما مُطَّ حاجبُه
يُرَسُّون أرضَ القتلِ ركزا فلا تُرى
تفرُّ من الهولِ العظيمِ عجائبُه
ويمضون نَشوى للقتالِ بأرجلٍ
تُراقِصُ خَبْطاً للتراب تضاربُه
فمالوا عليهم مَيْلَ حزمٍ وخبرةٍ
فهم بين مَيْتٍ أو أسيرٍ نزاربُه
ألوفٌ من الهلكى على كلِّ جانبٍ
ولُقِّنَ درسًا في القِتالِ هواربُه
وما عاب من نَجَّى الفرارُ فِرارَه
فمنْ يشهدِ الهلكى تهونُ معايبُه
أمَا بعثوا الموتَ الكريهَ بَداءَةً
فأعْقَبَهُمْ، فليحملِ الموتَ حاطبُه
وكيف ينالُ النصرَ من ملَّ بأسَه
فمن هابَ تضريسَ الحروبِ تصاعبُه
دروسٌ تُلَقِّيْها الحياةُ رخيصةٌ
على مَهَلٍ فليفهمِ الأمرَ عاربُه
وقد يُنْكرُ الإنسانُ نَعماءَ نفسِه
وتُسرعُ بالموتِ الزُّؤامِ رغائبُه
فبالأمسِ كانوا يملؤون عجاجَها
وذا اليوم قد هلتَّ عليهم مغاربُه
12مارس 2024
gasim1969@gmail.com
/////////////////////
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً: