روسيا – بدأت هذه القصة المثيرة بإعلان صحيفة “أمينوساستيا” الفنلندية في عام 1989 أن الروس حفروا بئرا في الجحيم، وتناقلت وسائل إعلام دولية الخبر وانتشر لاحقا في أرجاء أخرى من العالم.

الصحيفة الفنلندية ذكرت نقلا عن “الدكتور عزاكوف” الذي وُصف بأنه عالم سوفيتي، وأحد مديري المشروع قوله: “لقد أنزلنا ميكروفونا في البئر، مصمما لتسجيل حركة ألواح الغلاف الصخري، لكن بدلا من ذلك، سمعنا صوتا بشريا عاليا بدا وكأنه صوت ألم.

في البداية اعتقدنا أن الصوت ناجم عن معدات الحفر، إلا أننا حين فصحناها بعناية، تأكدت أسوأ الظنون. الصرخات المتوالية لم تأت من شخص واحد بل كانت صرخات وآهات ملايين من البشر. لحسن الحظ سجلنا الأصوات المرعبة على شريط”.

لاحقا تبين عدم وجود مسؤول سوفيتي في مشروع الحفر بهذا الاسم، إلا أن التسجيل الصوتي “المرعب”  الذي زُعم أنه سجل في تلك البئر  عام 1984 على أعماق سحيقة بلغت 12 كيلو مترا، لا يزال متداولا حتى الآن، وقد زعمت الصحف الفنلندية والسويدية في نهاية الثمانينيات بناء عليه أن “الروس أطلقوا شيطانا من الجحيم”.

البداية كانت في عام 1970، حين بدأ العلماء السوفييت في حفر بئر عميقة للغاية في شبه جزيرة كولا في منطقة “مورمانسك” بأقصى شمال غرب روسيا.  هذه البئر أطلق عليها في وقت لاحق اسم “الطريق إلى الجحيم”.

العلماء والخبراء السوفييت العاملون في حفر بئر “كولا” توصلوا إلى حقائق قلبت الكثير من المفاهيم التي كانت سائدة من قبل ومنها أن طبقة الجرانيت أعمق بكثير مما كان متوقعا، ولم تكن هناك طبقة من البازلت على الإطلاق، وعلى خلاف التوقعات تجاوزت درجة الحرارة بسرعة مئتي درجة مئوية، كما تبددت نظريات العلماء بشأن ارتفاع كثافة الصخور في الأعماق واتضح أن الصخور على عمق سبعة كيلومترات وأيضا على بعد أمتار من السطح  تمتلئ بالشقوق والتجاويف، وعثر على المياه في كل مكان، على الرغم من أنه كان يتوقع أن تختفي المياه الجوفية في الأعماق السحيقة.

هذا الاكتشاف السوفيتي الأخير كان مهما للصناعة النووية في جميع أنحاء العالم، وفيما كان يخطط في السابق لدفن النفايات النووية في أعماق الأرض، تم التخلي عن هذه الفكرة في جميع أنحاء العالم بعد العثور على المياه على عمق سبعة كيلومترات، نظرا لما يمثله هذا الأمر من تهديد بتلوث المياه الجوفية وانتقال العناصر المشعة إلى سطح الأرض.

بعد أن تجاوز العلماء السوفييت عمق 7 كيلومترات، بدأت صعوبات الحفر تزداد وفشلت المعدات الواحدة تلو الأخرى، وتم استئناف الحفر أعمق بصعوبة كبيرة.

حين وصل الحفر إلى عمق بين 8 إلى 10 كيلو مترات اكتشف العلماء كائنات حية في منطقة تصل درجات الحرارة فيها إلى مئتي درجة وضغط يصل إلى ما يعادل ألف مرة ضغط الغلاف الجوي، وأثبت الجيولوجيون وعلماء الأحياء أن الحياة على كوكب الأرض نشأت قبل مليار سنة مما كان يعتقد في السابق.

علاوة على كل ذلك، تم تم العثور على الذهب تقريبا في جميع مراحل حفر البئر، ما يعني أن احتياطيات الذهب على هذا الكوكب لا تنضب، كما تم اكتشاف خامات النحاس والنيكل مع احتياطيات لملايين السنين من الاستخراج الصناعي بعمق كبير. كان العلماء السوفييت أول من أثبت أن الاحتياطيات المعدنية في أحشاء كوكبنا أكبر بكثير مما كان متوقعا.

ما يمكن وصفها بـ”أصوات الجحيم”، انتشرت الأنباء عنها خارج الاتحاد السوفيتي حين وصلت أعمال الحفر في تاك البئر إلى عمق اثني عشر كيلومترا.

يقول خبراء أن البحوث الصوتية في الجيولوجيا عمل معروف، بما في ذلك تسجيل ما يصدر من اصوات داخل الآبار. من خلال تحليل الأصوات القادمة من الأعماق، يتوصل العلماء إلى استنتاجات بشأن حركة طبقات الصخور ويمكنهم التنبؤ بسلوك البئر، كما أن الدراسات الحديثة أظهرت أن بعض الصخور تتميز بخصائص صوتية، حتى أنه من الممكن تسجيل أصوات النشاط البشري في بئر عميق. الأصوات المسجلة ليست للمعذبين في الجحيم بل هي منعكسة من أولئك الذين يعيشون على السطح.

العمل في بئر كولا السوفيتي تم إيقافه في عام 1995، وبني سور حوله. استنفدت تلك البئر صاحبة العمق السحيق إمكانياتها في ذلك الوقت، وتوقف العمل بها أيضا لنقص التمويل، إلا أن الآهات والصرخات المرعبة لا تزال تصدر عن ذلك التسجيل الصوتي الذي قيل إنه التقط لجحيم “مفترض” في الأعماق.

المصدر: RT

المصدر: صحيفة المرصد الليبية

إقرأ أيضاً:

الجحيم أو: حين تخون الحرب الوطن

ذاق السودانيون الجحيم، لا على نحو عابر، ولكن كما يكون الجحيم جحيما . لم ينجُ إلا أولئك الذين أشعلوه، فظلّوا ينفخون في أوار الحرب، مزهوّين بوهم الرسالة، مدّعين أنها حرب كرامة تُخاض نيابةً عن الشعب. أي كرامة تلك التي تنبت من رماد الخراب؟ وأي شعب ذاك الذي تُنصب له المذابح، ثم يُقال له: هاك خذ لقد انتصرنا لك؟ في غمرة جنون الثأر من الثورة والثوار والثائرات ومنظماتهم المدنية من تحالفات ، تناسى هؤلاء أن الحرب، مهما تجمّلت شعاراتها، لا تبقي وطناً. نسوا، أو تجاهلوا، أن ما يسعون إليه هو الانتقام من الثورة، لا استرداد الكرامة، وأنهم لا يحاربون لأجل السودان، بل ضده. فكانت النتيجة أن صار الوطن نفسه هو الضحية الكبرى، والرهينة، والحطام. ها هي الحرب تدخل عامها الثالث. والسودان، من شرايينه حتى أصابعه، يحترق. من بقي فيه يعاني، ومن نزح عنه لا يقل وجعاً، ومن استراح في المنافي لا يملك غير الانتظار المرهَق والنقص المريع في الكرامة. ومع ذلك، لا تزال أصوات الخراب ترى في الحرب “مهمة وطنية”، و”خياراً أخلاقياً”، وتمضي بها إلى نهايات لا يتخيلها عقل. الدعم السريع، الذي غادر الخرطوم بعدما أجهز على ما فيها من حياة، عاد لينسج حصاره، ويحكم قبضته على الفاشر، المدينة ذات التاريخ والمكانة والرمز. غير ان سقوط الفاشر لا يفضي فقط إلى واقع التقسيم الذي ظهرت مقدماته بقرب اعلان الحكومة الموازية، بل إلى انكسار المعنى نفسه: معنى الوطن الواحد، والخرائط المتماسكة، والناس الذين ظنوا أن الخراب له حدود. لكن القادم – كما تُنذر الوقائع – سيكون أكثر فداحة. فما يُمَهَّد له الآن هو وجه جديد للحرب، أكثر شراسة، وأكثر احتقاراً للمدنيين. تتجه الحرب إلى استهداف المناطق الشمالية والشرقية بضرب مصادر الامداد الكهربائي كمقدمة للتطويق والزحف، لتجرّم الناس بانتمائهم، وتُنزل العقاب بالأهالي لأنهم ينتمون، لا لأنهم يقاتلون. فشلت محاولات التفاوض، واستُنزفت مؤتمرات الخارج والذي كان مؤتمر “لندن” اخرها بسبب ان المصالح الدولية لا يعلى عليها. واليوم، لا يمكن لأحد أن يتنبأ إلى أي درك ستنحدر البلاد اكثر. لكن المؤكد أن الأسوأ لم يأتِ بعد. فالحريق ما يزال يتلمس أطراف الوطن، وما يزال يجد في الخراب ما يغذّيه. كلا الطرفين، بما اقترفا من آثام، قدّما للتاريخ مائدة دموية، زاخرة بكل ما يجعل الحاضر لعنة، والمستقبل سؤالاً مفتوحاً على الفجيعة. سيكتب التاريخ، لا محالة، كيف أن صعود قِلّة من الطغاة إلى الحكم كان كافياً لتهديد وجود أمة بأكملها، وسرقة الحياة من الأغلبية التي لم تطلب غير السلام والعدل والحرية. الدروس كثيرة، بقدر الجراح. لكن أعظمها أن على السودانيين، حيثما كانوا، أن يتعلموا كيف يُحصّنون حياتهم: لا فقط ضد رصاص وقاذفات الجيوش والمليشيات، بل ضد إنتاج الطغاة من جديد، ضد استسهال العنف باسم الدين، وضد كل من يُمهّد للطغيان بجهله أو صمته أو خوفه. إن مشكلة المقاومة المدنية السلمية لا تكمن في قياداتها، التي تبلي بلاءً حسنًا على الصعيد الإعلامي المتاح، بل في الأغلبية الصامتة أو المتفرجة، التي بدا وكأنها وجدت في وسائل التواصل الاجتماعي متنفسًا للتعليق والسخرية أو التصفح السلبي، من دون أن نعمل على تحويل هذه الطاقة الثورية الهائلة إلى تظاهرة مجلجلة ضد قهر الحرب وتجلياتها المرعبة. فكلما أحسنّا توظيف وسائل التواصل في فضح جرائم الحرب، وكشف أكاذيب جنرالاتها وخطوطهم الإعلامية الزائفة، كسبنا أرضًا جديدة في المعركة، واقتربنا خطوة نحو خلق وحدة مدنية، تكون بمثابة كلمة السر الغائبة لاستشعار قوتنا وإسماع صوتنا للعالم، كضحايا لهذه الكارثة الوطنية غير المسبوقة.

wagdik@yahoo.com  

مقالات مشابهة

  • “نفق غامض” على المريخ يثير حيرة العلماء
  • الجحيم أو: حين تخون الحرب الوطن
  • غوغل تطور نموذجًا ذكياً للتواصل مع الدلافين وفهم لغتها
  • “وداعا للحشوات”… علماء ينجحون في زراعة أسنان بشرية حقيقية في المختبرات لأول مرة
  • “لسنا ناقصي أهلية”: أصوات تطالب بإنصاف الأشخاص في وضعية إعاقة
  • العلماء يكتشفون سر “اليوم المثالي”
  • “وداعا للحشوات”.. علماء ينجحون في زراعة أسنان بشرية حقيقية في المختبرات لأول مرة
  • “البحار المحترقة”.. ظاهرة نادرة تُكشف أسرارها أخيرا
  • تفاصيل زلزال كاليفورنيا.. هزات ارتدادية وتحذيرات من تساقط الصخور
  • 7 آلاف طبيب غادروا مصر في عام واحد| نقيب الأطباء: الظاهرة مرعبة وتُهدد مستقبل القطاع الصحي.. البرلمان يتحرك لمواجهة نزيف هجرة الأطباء.. وطلبات إحاطة عاجلة لبحث الظاهرة