عظماء مصريون.. محمد ولي الدين طبيب الغلابة والفقراء
تاريخ النشر: 13th, March 2024 GMT
كوكب من أعاظم الأساتذة في كل فروع العلوم الطبيعية والمعرفية في الرياضيات والفلك والطب والكيمياء والجيولوجيا والجغرافيا، والأدب، نما انتماؤهم لمصر، وتمازجت أرواحهم في كيان واحد وهو الكيان المصري، وحرص هؤلاء العظماء من علمائنا الموسوعيين الذي ضم مجمع الخالدين للغة العربية أكثرهم، فسموا "بالعلماء المجمعيين" نسبة لمجمع اللغة العربية، وكان ذلك ظاهرة من ظواهر النهضة المصرية، فترى أساتذة الرياضيات والطب والفلك وعلوم الحيوان والحشرات والنبات والأدب، من أمثال الدكتور علي إبراهيم والدكتور محمود حافظ والدكتور محمد مرسي أحمد والدكتور عطية عاشور والدكتور حامد جوهر والدكتور عبد الحليم منتصر، وغيرهم من هؤلاء الأعاظم ممن يحويهم كتاب «علماء مصريون عظماء وقصص نجاحهم الملهم»، يحرصون أشد الحرص على تدريس العلوم الحديثة وتأليف وترجمة مراجعها باللغة العربية ويحققون في التراث العربي.
ونرصد في هذا التقرير، حكاية أحد هؤلاء العظماء الدكتور محمد ولي الدين، طبيب الغلابة والفقراء، وصاحب مدرج "ولي"، في كلية العلوم جامعة القاهرة كان يوجد مدرجان من أشهر مدرجات الجامعة المصرية مدرج مشرفة ومدرج والي وكانا يتوسطان مباني الكلية؛ أحدهما يمين الإدارة وهو مدرج والي والآخر يسارها وهو مدرج مشرفة
من هو الدكتور محمد ولي الدين؟
الدكتور محمد ولي، الذي خُصص باسمه مدرج كبير أسوة بالدكتور مشرفة، تخرج في مدرسة طب قصر العيني عام ۱۹۰۷، وكان له من العمر عشرون عامًا، ثم أوفد في بعثة الجامعة المصرية إلى فرنسا ليحصل على الليسانس في التاريخ الطبيعي من جامعة ليون، وعلى دبلوم طب المناطق الحارة من جامعة باريس، وبعد عودته عين مدرسا بمدرسة طب قصر العيني في يناير ١٩٢٥، ثم انضم إلى هيئة التدريس بكلية العلوم بالجامعة المصرية في نوفمبر ۱۹۲٥، وبقي بدرجته حتى عام ١٩٤٧ فلم يُرقّ إلى وظيفة أستاذ مساعد إلا قبيل تركه الخدمة بقليل.
وفي ٨ مارس ۱۹٤٥، ألقى د. محمد ولي محاضرة نشرت ضمن سلسلة أحاديث كلية العلوم عن العلوم المبسطة، متناولا موضوعًا مهما وببلوغرافيا عن واحد من العلماء المصريين الذين أسهموا في تدعيم دراسة علمي الحيوان والنبات في مصر والفوا فيها ووصلواإلى العالمية وهو "عثمان غالب"، وهو من مواليد ١٨٤٥ والذي التحق بمدرسة الطب المصرية في الفترة من عام ١٨٦٧ إلى ۱۸۷۱، ثم سافر إلى فرنسا لدراسة الأحياء وبقي هناك لمدة ثماني سنوات حتى ۱۸۷۹، وعندما عاد عين مدرسا بمدرسة الطب المصرية، ولظروف عائلية خاصة ترك مصر إلى باريس وعاش فيها بقية عمره حيث ألف في علم الحيوان وعلم النبات وأجرى أبحاثا عن دودة القطن، ومن مؤلفاته "الحيوانات اللافقرية"، وكتاب "مختصر تركيب أعضاء النبات ووظائفها" وكتابه الذي حصل به على الدكتوراه بالفرنسية "البيضة في السلسلة الحيوانية".
محمد ولي معالج الفقراء والفلاحين
كان الدكتور محمد ولي واسع الصدر، كثير الحلم، يضحك ملء شدقيه حتى تدمع عيناه، وكان لا يعترف بفارق السن فكان يتخذ من الجميع أصدقاء وزملاء دون تفرقة من مركز أو سن، وكان إنسانًا نبيلا، فما قصده طالب حاجة إلا قضاها له وكان معمله في الكلية عيادة صغيرة يفحص فيها من يشكو علةً ويصف له الدواء؛ وكذلك كان حاله في بيته في جزيرة الذهب فقد كان يقصده أفواج من الفلاحين والفقراء للتداوي على يديه.
كان الدكتور محمد ولي مولعًا بالبحث في مواضيع علمية شتى- أي موسوعيا، فأصبح بمرور الزمن دائرة معارف علمية، وقد عرف تلاميذه عنه ذلك فاغترفوا من فيض علمه، فما قدمت رسالة لنيل درجة علمية إلا ذكر اسمه فيها سواء أكانت عن القواقع أم الزواحف، عن الأسماك أو الطيور أو الثدييات، فقد كان له في كل منها باع طويل، وكان الدكتور محمد ولي يعتقد أنه لا يمكن أن تكون دراسة العلوم إلا بلغة هذه البلاد إذا كان في ضمير أهلها قدر كافٍ من القومية، وكان بذلك أسوة بعلماء ذلك الزمن الذين حافظوا على اللغة العربية وتحدثوا بها وكانوا حماة لها.
لقد ترك لدي د. محمد ولي انطباعًا عن شهرته كونه خريج كلية الطب وحاصلا على دبلوم طب المناطق الحارة، فكان من الطبيعي أن يكون له مكانة خاصة في كلية العلوم، كما أن دراسته الموسعة أهلته لهذه المكانة، بالإضافة إلى أن صورته ومظهره أيضا أعطت نفس الانطباع وأتصور أن شخصيته كانت أقرب إلى شخصية د. حسن أفلاطون بك، فهو أيضا على علمه الواسع لم يكن همه حصد الدرجات العلمية قدر البحث والدراسة في الجديد من العلم، في عام ١٩٤٩، توفي د. محمد ولي عن عمر ٦٢ عاما تاركا سيرة طيبة عفة، بالإضافة إلى أهم ذكرى مكانية يتذكره بها طلاب كلية العلوم كلما دخلوا محاضرة تلقى في مدرجه "مدرج والي".
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: عظماء مصريون محمد ولي الدين الدکتور محمد ولی محمد ولی الدین کلیة العلوم محمد ولی ا
إقرأ أيضاً:
كيف تحولت العلاقة بين جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده من تحالف فكري إلى خلاف سياسي؟
تعد العلاقة بين جمال الدين الأفغاني، والشيخ محمد عبده واحدة من أبرز التحالفات الفكرية في التاريخ الإسلامي الحديث، حيث جمعتهما رؤية إصلاحية تهدف إلى تجديد الفكر الإسلامي ومواجهة الاستعمار، لكنها انتهت بخلاف فكري وسياسي كبير.
ورغم الاختلاف الذي نشأ بينهما لاحقًا، فإن تأثيرهما المشترك لا يزال حاضرًا في الفكر الإسلامي حتى اليوم.
جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده
التقى الأفغاني وعبده لأول مرة في مصر خلال سبعينيات القرن التاسع عشر، حيث تأثر محمد عبده بشخصية الأفغاني وأفكاره الداعية إلى النهضة الإسلامية والوحدة بين المسلمين، وجد عبده في الأفغاني نموذجًا للمفكر الحر الذي يربط بين الإصلاح الديني والسياسي، بينما رأى الأفغاني في عبده تلميذًا نابهًا قادرًا على نشر أفكاره بين العلماء والمثقفين.
سرعان ما أصبح الاثنان من أبرز وجوه التيار الإصلاحي في مصر، وساهما معًا في إصدار صحيفة “العروة الوثقى”، التي كانت منبرًا لنشر أفكارهما حول مقاومة الاستعمار والدعوة للوحدة الإسلامية.
لكن رغم هذا التحالف القوي، بدأ الخلاف يدب بينهما بعد نفي الأفغاني من مصر عام 1879، إذ اتخذ كل منهما مسارًا مختلفًا.
ظل الأفغاني متمسكًا بالعمل السياسي الثوري ودعا إلى مواجهة الاستعمار بالقوة، بينما أصبح محمد عبده أكثر ميلًا إلى الإصلاح التدريجي، حيث رأى أن النهضة تبدأ من إصلاح التعليم والمؤسسات الدينية دون الدخول في صدام مباشر مع السلطات، هذا الاختلاف تجسد بوضوح عندما اختار الأفغاني المواجهة مع الخديوي توفيق والسلطان العثماني عبد الحميد الثاني، بينما فضل عبده التعاون مع السلطة لتحقيق الإصلاح من داخلها.
مع مرور الوقت، زاد التباعد بين الرجلين، وظهرت بينهما انتقادات متبادلة.
رأى الأفغاني أن نهج محمد عبده في الإصلاح كان بطيئًا وغير فعال، بينما اعتبر عبده أن أسلوب الأفغاني الثوري لم يكن عمليًا وقد يجر على المسلمين مزيدًا من الأزمات، رغم ذلك، لم ينكر أي منهما تأثير الآخر، وظلت أفكارهما متقاطعة في كثير من القضايا