هل خسرت إسرائيل حربها في غزة
تاريخ النشر: 13th, March 2024 GMT
آخر تحديث: 13 مارس 2024 - 11:26 صبقلم: فاروق يوسف لستُ ممَن يقيسون علاقتهم بالواقع السياسي بمشاعرهم العاطفية. وإذا كنتُ أتمنى من أعماق نفسي أن تُهزم إسرائيل وأن يُكسر جبروت كل القوى الغاشمة لكي يستعيد الضعفاء والمعذبون حقوقهم فإنّني أدرك أنها لن تُهزم بالأمنيات، مهما كانت تلك الأمنيات صادقة وعادلة. وما وضعته حرب غزة على الطاولة بكل وضوح، وهو معطى لا يمكن إنكاره، أن إسرائيل هي روح الغرب في منطقة الشرق الأوسط.
والروح هي ليست المصالح الاقتصادية، بل هي شيء أكثر عمقا. فحين يشير الرئيس الأميركي جو بايدن إلى مقتل أكثر من ثلاثين ألفا من أهل غزة فذلك لا يعني بالضرورة أن الإدارة الأميركية في صدد تغيير موقفها المتضامن مع العدوان الإسرائيلي شكلا ومضمونا، وأفعالا وتحديات. وما استخفاف بنيامين نتنياهو من تصريحات بايدن إلا دليل على ثقته بأن السياسة الأميركية في مكان ثابت لا يمكن أن تؤثر عليه مأساة الفلسطينيين المستمرة ليس منذ السابع من أكتوبر، بل منذ أكثر من 75 سنة هي عمر الدولة العبرية. ومع ذلك فإن هزيمة إسرائيل ليست مستحيلة حين تجرها رعونة أفعالها إلى فخ لن تستطيع الخروج منه بيسر. فبعد أكثر من خمسة أشهر من الحرب المفتوحة على غزة لم تتمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها. لا لأن المقاومة مستمرة حسب، بل وأيضا لأن الموقف الشعبي الفلسطيني ازداد تماسكا وصلابة. مَن يحب حركة حماس ويناصرها ومَن يمقت الحركة ويعتبرها خروجا على تاريخ النضال الوطني المسلح لا يملك سوى أن يقف ضد الهمجية الإسرائيلية التي لم تنتج عن خطأ متعمد ارتكبه اليمين بقيادة نتنياهو، بل تقع في صلب العقيدة الصهيونية التي لا ترى في الفلسطينيين سوى حشرات كما صرّح وزير الحرب الإسرائيلي وليس من الوارد في عرفها أن يتساوى مقتل الآلاف من الفلسطينيين بمقتل إسرائيلي واحد. وإن أكد فلسطيني أن حركة حماس لا تمثله وهو أمر طبيعي فليس في إمكانه الثناء على آلة القتل الإسرائيلية التي حين عجزت عن القضاء على حركة حماس استدارت إلى أهل غزة المدنيين العزل وصارت تحصدهم بالآلاف كالحشرات تطبيقا لمبدأ الإبادة. وإذا كانت إسرائيل تضلل نفسها من خلال اعتماد الإبادة مبدأً لها في تعاملها مع سكان الأرض الأصليين فإن الأميركان الذين يعتبرون الإسرائيليين ورثة لهم في الأخلاق لا بد أن يثنوا على ذلك السلوك وهم في ذلك يزيدون من تورط إسرائيل في الجريمة التي ستوسع من المسافة التي تفصلها عن أيّ مقاربة إنسانية، يمكنها أن تكون أساسا لإعادة النظر في حقوق شعب اغتصبت أرضه وحُرم من أسباب الحياة الحقة حين شُرّد عبر أجيال نجحت في الشتات في أن تحافظ على هويتها الفلسطينية. لم تتعلم إسرائيل شيئا من الدرس الفلسطيني الشامل واختصرت صراعها بـ”حماس” وهي تنظيم مسلح أضفى على المسألة طابعا دينيا ليس منها. وإذا كان ذلك التنظيم قد خدش الهوية الفلسطينية حين عرّضها لتجاذبات دينية ضيقة فإن العمود الفقري لتلك الهوية لا يزال قائما وسليما. بل إنه ازداد قوة حين ضُربت غزة بحجة محاربة الإرهاب. لسنوات طويلة والإعلام الغربي (الأميركي والبريطاني بشكل خاص) عمل على النظر إلى المقاومة الفلسطينية باعتبارها مجرد تنظيمات إرهابية خارجة على القانون. لن يغير الغرب موقفه من النضال الوطني الفلسطيني وذلك بسبب خوفه من استعادة التفكير بالمسألة اليهودية. الانحياز الثابت لإسرائيل لا يستمد قوة ديمومته واستمراره من كراهية العرب وحب إسرائيل بل من شبح عودة اليهود إلى أوروبا وانهيار المشروع الاستيطاني الذي تمت من خلاله عملية التخلص منهم والانتهاء من عقدة استمرت قرونا. الغريب في الأمر أن الغرب لا يضع خبرته في مجال القيم الإنسانية معيارا للفصل بين انحيازه السياسي والشرط القانوني الذي فرضت القرارات الدولية حقوقا للفلسطينيين ينبغي أن تُحترم. يقف الغرب وراء إسرائيل في كل ما تفعله. موقف أعمى لن تستفيد منه إسرائيل كثيرا وهي تمحو إمكانية أن تتفاوض مع الفلسطينيين على حل نهائي للمشكلة، كما أنه سيضر بسمعة الغرب لا أمام العالم وحسب، بل وأيضا بين شعوبه التي تشعر بالعار وهي ترى أنها صارت تمول الهمجية وعمليات القتل بأموال الضرائب التي تدفعها. تواطؤ الغرب مع إسرائيل لن ينفعها في الخروج من مأزق غزة. وهي بالرغم من تفوقها العسكري لم تتمكن حتى اللحظة من القضاء على المقاومة وقد لا تتمكن من ذلك في الوقت الذي تزداد فيه جريمتها بشاعة. وبغض النظر عن الدعم الغربي فإن إسرائيل وهي “دولة” صغيرة لا تملك ما يؤهلها للاستمرار في حرب طويلة. ولكنها حين تصل إلى مرحلة اللاحل فإنها ستواجه هزيمة ستهز كيانها الداخلي. ذلك ما يخشاه نتنياهو.
المصدر: شبكة اخبار العراق
إقرأ أيضاً:
السؤال الذي يعرف الغرب الإجابة عنه مسبقا
لا يُمكن فصل السّيَاسات الدولية اليوم تجاه فلسطين أو تجاه كافة دول العالم الإسلامي عن الموقف من الإسلام في حد ذاته. تحكم السياساتِ الدولية بشكل عامّ مصالح وصراعاتٌ اقتصادية، ولكن عندما يتعلق الأمر بالعالم الإسلامي يُلاحَظ أن هناك عاملا خفيا يُغلِّف كل هذه السياسات له علاقة بكون هذه الدولة بها غالبية من المسلمين أم لا، بغضِّ النظر عن المذهب أو طبيعة نظام الحكم أو التاريخ أو الجغرافيا لتلك الدولة.
في آخر المطاف تجد اتفاقا بين الدول الغربية في أسلوب التعامل مع أي منها يقوم على فكرة مركزية مفادها ضرورة إذعان هذه الدولة للنظام العالمي الغربي والقَبول بهيمنة القواعد المتحكِّمة فيه وعدم الخروج عنها بأيِّ صفة كانت، وإلا فإنها ستُحارَب بكافة الوسائل والطرق. لا يهم إن كانت هذه الدولة فقيرة مثل الصومال أو غنيّة مثل السعودية أو تركيا أو إيران. جميعهم في نظر السياسات الغربية واحد، فقط هي أساليب التعامل مع كل منهم التي تختلف. بعضهم يحتاج إلى القوة وآخر إلى الحصار وثالث إلى التّهديد ورابع إلى تحريك الصراعات الداخلية إلى حد الاقتتال وسادس إلى إثارة خلافات حدودية مع جيرانه… الخ، أي أنها ينبغي جميعا أن تبقى في حالة توتر وخوف وقلق من المستقبل.
تكفي نظرة شاملة إلى المساحة الجغرافية التي ينتشر بها المسلمون عبر العالمتكفي نظرة شاملة إلى المساحة الجغرافية التي ينتشر بها المسلمون عبر العالم للتأكد من ذلك، فحيث لا يوجد إخضاع تام من خلال القواعد العسكرية المباشرة والقَبول كرها بخدمة المصالح الغربية، يوجد إخضاع غير مباشر من خلال الحروب الأهلية أو اصطناع الجماعات الإرهابية أو إثارة النّعرات القبلية والعرقية أو تحريك مشكلات الحدود الجغرافية.. نادرا ما تُترك فرصة لِدولة من دولنا لتتحرّك بعيدا عن هذه الضغوط. السيناريوهات فقط هي التي تتبدّل أما الغاية فباستمرار واحدة: ينبغي ألا تستقلّ دول العالم الإسلامي بقرارها، ومن الممنوعات الإستراتيجية أن تُعيد التفكير في مشروع وحدة على طريق جمال الدين الأفغاني في القرن التاسع عشر مثلا!
وهنا تبرز فلسطين كحلقة مركزية في هذا العالم الإسلامي، ويتحدد إقليم غزة بالتحديد كمكان يتكثف فيه الصراع.
ما يحدث في غزة اليوم ليس المستهدَف منه سكان فلسطين وحدهم، إنما كل كتلة العالم الإسلامي المفترض وجودها كذلك. أيّ إبادة لسكان هذا القطاع إنما تحمل في معناها العميق تهديد أي دولة من دول العالم الإسلامي تُريد الخروج عن هيمنة النظام العالمي الغربي المفروض بالقوة اليوم على جميع الشعوب غير الغربية، وبالدرجة الأولى على الشعوب الإسلامية.. وكذلك الأمر بالنسبة للحصار والتجويع والقهر بجميع أنواعه. إنها ممارساتٌ تحمل رسائل مُوجَّهة لكافة المسلمين ولكافة دول الجنوب الفقير وليس فقط للفلسطينيين في قطاع غزة بمفردهم. محتوى هذه الرسائل واحد: الغرب بمختلف اتجاهاته يستخدم اليد الضاربة للصهيونية في قلب أمة الإسلام، ليس فقط لإخضاع غزة إنما إخضاع كل هذه المساحة الجيوستراتيجية الشاسعة لسيطرته الكاملة ثم إخضاع بقية العالم.
يُخطِئ من يحاول إقناع نفسه بأنه بمنأى عن هذا الخطر! أو أن الغرب هو ضد حماس فقط
وعليه، فإن السلوك المُشتَّت اليوم للمسلمين، وبقاء نظرتهم المُجزّأة للصراع، كل يسعى لإنقاذ نفسه، إنما هو في الواقع إنقاذٌ مؤقت إلى حين تتحول البوصلة نحو بلد آخر يُحاصَر أو يُقَسَّم أو تُثار به أنواع أخرى من الفتن… ويُخطِئ من يحاول إقناع نفسه بأنه بمنأى عن هذا الخطر! أو أن الغرب هو ضد حماس فقط أو ضد حركة الجهاد في فلسطين، ذلك أن كل الاتجاهات الإسلامية هي في نظر الاستراتيجي الغربي واحدة، تختلف فقط من حيث الشكل أو من حيث الحدة والأسلوب. لذلك فجميعها موضوعة على القائمة للتصفية يوما من الأيام، بما في ذلك تلك التي تعلن أنها مسلمة لائكية حداثية أو عصرية!.. لا خلاف سوى مرحليًّا بينها، لا فرق عند الغربيين بين المُعمَّم بالعمامة السوداء أو البيضاء أو صاحب ربطة العنق أو الدشداش أو الكوفية أو الشاش، ولا فرق عندهم بين جميع أشكال الحجاب أو الخمار أو ألوانها في كل بقعة من العالم الإسلامي، جميعها تدل على الأمر ذاته.
وفي هذه المسألة بالذات هم متّحدون، وإن أبدوا بعض الليونة المؤقتة تجاه هذا أو ذاك إلى حين.
فهل تصل الشعوب والحكومات في البلدان الإسلامية إلى مثل هذه القناعة وتتحرّك ككتلة واحدة تجاه الآخرين كما يفعل الغرب الذي يتصرّف بشكل موحد تجاه المسلمين وإنْ تنافس على النيل منهم؟
ذلك هو السؤال الذي تحكم طبيعة الإجابة عنه مصير غزة وفلسطين.. ومادام الغرب يعرف الإجابة اليوم، فإنه سيستمرّ في سياسته إلى حين يقضي الله تعالى أمرا كان مفعولا وتتبدَّل الموازين.
(نقلا عن صحيفة الشروق الجزائرية)