الجزيرة:
2024-07-06@07:12:36 GMT

هل للإسلام السياسي من مستقبل؟

تاريخ النشر: 13th, March 2024 GMT

هل للإسلام السياسي من مستقبل؟

هل سيبقى الإسلام السياسي أو الإسلام الحَرَكي، "الفكرة الكبرى"، التي تستأثر في العالم العربي بمخيال الشعوب، وتستحثُّ الفعلَ السياسي، كما كانت القومية العربية لفترة؟

لا جدال أن الإسلام السياسي كان "الفكرة الكبرى" منذ (1967)، وسحب من القومية العربية بريقها وقوة تنظيمها، وازداد زخمه مع محطات تاريخية منحته قوة دفع، منها الثورة الإيرانية (1979)، وحرب الخليج الثانية (1991)، وإلى حد ما الحرب على العراق (2003).

تأثر بمرجعية تنظيرية في كل مرحلة معينة، وعرف تغيُّر الحلفاء والخصوم حسب السياقات.

شكّل حزب العدالة والتنمية حالة خاصة في الإفراط في البراغماتية حد مجافاة مرجعياته السياسية والمذهبية بالتحالف سنة (2013) مع حزب كان يعتبر حزب العدالة والتنمية خطًا أحمر

كان الإسلامُ السياسي القوةَ الأكثر تنظيمًا مع اندلاع "الربيع العربي" مما جعله يجني قطوفه، فانتقل من المعارضة إلى مزاولة السلطة، وإن كان من العسير الحديث عن تولِّيه الحُكم.

كان انتقال الإسلام السياسي، أو الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، من الخطاب إلى المسؤولية، تحولًا جوهريًا في المنطقة. لم يعد ممكنًا، وَفق هذا التحول، تقييم الأحزاب الإسلامية التي زاولت السلطة بناء على الخطاب، وإنما على الأداء، ولم يكن الأداء يرقى إلى الخطاب، في كل من تجربة حزب الحرية والعدالة في مصر، وحزب النهضة في تونس، وحزب العدالة والتنمية في المغرب. يظل وضع حزب جبهة العمل الإسلامي في الأردن حالة خاصة؛ لأنه لم يزاول السلطة أو لم يُشرك فيها في هذه الحقبة.

لا يمكن أن ننكر فشل الأحزاب المنبثقة عن الإسلام السياسي والتي زاولت السلطة، مع اختلاف أسباب كل حالة وخصوصية كل بلد. يظهر الفشل جليًا مع تراجع حزب النهضة في الاستحقاقات الانتخابية بتونس، والهزيمة المدوية لحزب العدالة والتنمية المغربي في انتخابات 2021، وهو التعبير المستعمل للتدليل على كبوة حزب العدالة والتنمية.

سرى الحديث عمّا بعد الإسلام السياسي، بعد تواتر تراجعات الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، أو ما عبّر عنه بعض الباحثين الغربيين بالانتقال من الإسلام السياسي الصلب إلى الإسلام السياسي السائل.

أكب الكثيرون على سرير الحركات الإسلامية ليقفوا على أسباب الوهن. عزا البعض أسباب التراجع إلى تغليب الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية البُعد القُطْري، والاهتمامات الداخلية، وهو ما يتنافى وتوجهات الإسلام السياسي الذي يتعالى على البُعد القُطري، والنزوع إلى البراغماتية المفرطة في تحالفات هجينة، أو غير طبيعية، وإلى افتقاد ثقافة الدولة، وإلى الإفراط في التمسك بالسلطة، ولو على حساب مرجعيتها.

شكّل حزب العدالة والتنمية حالة خاصة في الإفراط في البراغماتية حد مجافاة مرجعياته السياسية والمذهبية بالتحالف سنة (2013) مع حزب كان يعتبر حزب العدالة والتنمية خطًا أحمر، وتمرير قانون تدريس المواد العلمية بالفرنسية (وهو الحزب الذي كان ينادي بالتعريب)، والمصادقة على قانون يجيز استعمال القنب الهندي، وكانت قاصمة الدهر التوقيع على اتفاقية التطبيع مع إسرائيل.

كان ردّ الناخبين، على البراغماتية المفرطة، هو إزاحة الحزب من وضع القوة السياسية الأولى في البلد، إلى المرتبة الثامنة، إذ لم تستطع بالكاد تشكيل فريق نيابي.

السؤال اليوم، ما هو مصير الإسلام السياسي، أو الأحزاب الإسلامية ذات المرجعية الإسلامية بعد "طوفان الأقصى". هل تستعيد عنفوانها، وتجدد حياتها، وتستقطب حالة الغضب المستشرية في الشارع؟

هناك مؤشرات فعلًا تُظهر عودة الاتجاهات الإسلامية، بنسب متفاوتة، بشكل علني في الأردن، وواضح في المغرب، وضامر في مصر وتونس، بالنظر إلى طبيعة النظامين.

بغض النظر عن خصوصية كل بلد، والثقافة السارية به، وتجربة كل حزب، يشكل "طوفان الأقصى" نقطة تحول جديدة في المشهد السياسي في العالم العربي. نلمس تأثيره في الحضور القوي للاتجاهات الإسلامية في الشارع، في الأردن والمغرب، وفي السجال حول قضايا آنية، كما إصلاح مدونة الأسرة في المغرب، أو العودة بعد كمون، كما جماعة العدل والإحسان المغربية التي قدمت ما أسمته بـ "الوثيقة السياسية لجماعة العدل والإحسان". فهل سيُسعف الوضع الجديد في انبعاث الإسلام السياسي بعد الكبوة التي اعترته!

هناك عناصر موضوعية، أو قارّة، شكّلت قوة دفع للإسلام السياسي، منها الغطرسة الغربية، وارتهان حكومات في العالم العربي للغرب، من خلال خيارات سياسية واقتصادية وثقافية معينة، وهيمنة نخب متغربة. كان الإسلام السياسي في جزء كبير ردًا على الغطرسة الغربية، والنخب المتغربة، والارتهان للغرب.

والعنصر الثاني، هو أن بؤرة الإسلام السياسي كانت دومًا المشرق العربي وما يعتمل فيه من أحداث، منها هزيمة 67، وحرب الخليج الثانية (1991)، والحرب على العراق (2003). أفرز كل سياق زمني مرجعية نظرية ومُنظِّرًا وغلبة حركة تنظيمية معينة.

يتوافر العنصران الأولان في سياق "طوفان الأقصى"، أي الغطرسة الغربية، والارتهان للغرب، وهيمنة نخب متغربة، مع بؤرة صدع هي المشرق، بيد أن السياق الحالي لم يفرز بعدُ مرجعية نظرية.

فهل تستطيع الاتجاهات "المعتدلة"، أو "البراغماتية" التي طبعت المرحلة السابقة أن تستعيد عنفوانها، أم أنها تحمل لعنة التواطؤات، وخيارات غير موفقة، وأن الزمنَ زمنُ اتجاهات لا ترى في الاعتدال خيارًا، ولا البراغماتية سبيلًا؟

لعلّ السياق الأقرب إلى ما يعتمل هو ذاك الذي عرفته الجزائر إبان الحرب العالمية الثانية، من خلال الانتقال من حزب الشعب الجزائري الذي كان يؤمن بنوع من التسوية مع السلطة الاستعمارية، إلى حركة انتصار الحريات الديمقراطية التي أنشئت سنة (1946)، عقب مجزرة سطيف وجلمة (تنطق بجيم فارسية) (مايو/ أيار 1945)، وانطبعت بحدية المطالب والأسلوب.

هناك موجة جديدة في الأفق لجيل جديد من الإسلام السياسي، مع فاعلين جدد، وخطاب جديد، وتنظير جديد، أما من يركبون الموجة، فهم يمهدون السبيل لجيل جديد من الإسلام الحَرَكي، لا غير.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان حريات حزب العدالة والتنمیة الإسلام السیاسی

إقرأ أيضاً:

في مناهضة عقوبة الإعدام.. ومناصرة العدالة الجنائية (2-7)

في مناهضة عقوبة الإعدام.. ومناصرة العدالة الجنائية (2-7)
بقلم ابوبكر القاضي:
الفصل الثاني:
الغاء عقوبة الاعدام:
هذا هو الفصل الثاني من كتابنا (في مناهضة عقوبة الإعدام.. ومناصرة العدالة الجنائية (2-7) : وبحول الله سوف نعالج هذا الفصل تحت رؤوس المواضيع التالية :
++ فكرة ( الغاء عقوبة الإعدام) جنبا إلى جنب مع الاحتفاظ (بقدسية حق الحياة) .. والتأكيد على ( مبدأ عدم الإفلات من العقاب) .. مع ضمان أن يكون ( العقاب انسانيا) وغير وحشي:
++ المجتمعات الرعوية القبلية التي تكون في ( مرحلة ما قبل الدولة) تطبق عادة (العقوبات البدنية) .. واذا انتقل المجتمع من (القروي والقبلي) إلى المدني المتحضر تصاعدياً الي الدولة الحديثة فانه يجنح إلى تطبيق العقوبات السالبة للحرية.. ثم العقوبات المالية :
++ عقوبة الإعدام في الدولة المصرية القديمة: ((القانون المصري الفرعوني/القانون المصري البطلمي/ المصري القانون الروماني/ القانون المصري الاسلامي) :

++ حقب مشرقة في تاريخ مصر الفرعونية شهدت (إلغاء عقوبة الإعدام) تعكس الإحساس منذ القدم ( بعدم عدالة عقوبة الإعدام ).. والبحث عن عقوبة بديلة اكثر رحمة بالمتهم واجدي للمجتمع:

++ الفلاسفة العظام في مناهضة عقوبة الإعدام : مثل مونتسكيو / جان جاك روسو / فولتير :

++ مرافعة في دعم وتأييد (الغاء عقوبة الإعدام) .. وداحضة في نفس الوقت للحجج التي تؤيد الإبقاء على عقوبة الإعدام :

++ العالم يتطور بسرعة الصاروخ نحو الغاء عقوبة الإعدام.. والعالم العربي والإسلامي مكانك سر :

(١) فكرة (الغاء عقوبة الإعدام) جنبا إلى جنب مع الاحتفاظ (بقدسية حق الحياة) .. والتأكيد علي (مبدأ عدم الافلات من العقاب) .. مع ضمان ان يكون (العقاب انسانيا ) وغير وحشي :

خلصنا في الفصل الاول من هذا الكتاب الي ان (تقديس حق الحياة) من الامور المجمع عليها في جميع الاديان والشرائع منذ بداية الحياة ، ونعني بعبارة (تقديس حقّ الحياة) في هذا السياق ان جميع الأديان والشرائع تعتبر (التعدي على حياة الانسان اكبر جريمة) .. وتوقع القوانين الجنائية اقسي العقوبات الجنائية وهي عقوبة الإعدام او القصاص .. وذلك بإنزال عقوبة الإعدام على شخص القاتل قصاصا منه على الجريمة الشنيعة التي ارتكبها .. لذلك فإن فكرة (عدم إفلات الجاني من العقاب العادل الذي يتناسب مع حجم الجريمة التي ارتكبها) تعتبر من الضمانات التي (تكرس فكرة تقديس حق الحياة) .
في هذا الفصل سوف نتناول بحول الله (مسألة الغاء عقوبة الإعدام) باعتبارها الاتجاه المعاكس الذي (يفرغ حق الحياة من مضمونه) .. خاصة واننا نتحدث عن (إعدام انسان) - نفس بشرية طاهرة قال عنها القرآن الكريم (من قتلها فكانما قتل الناس جميعًا) .. فالعبرة اذن ليست (بالكم) . فمن قتل نفس بشرية واحدة فكأنما قتل الناس جميعا . وسوف نقدم في هذا الكتاب الادلة الدامعة بان ادانة اي متهم تقوم علي (الظن) .. بدليل ان نسبة كبيرة جدا من القضايا يدان فيها المتهم في مرحلتين من مراحل التقاضي (امام المحكمة الابتدائية ، ثم محكمة الاستئناف) ، إلا ان هذه الإدانات تلغي في مرحلة التمييز. وسوف نشرح هذا الموضوع بالتفصيل لاحقًا في موضعه من الكتاب. . وسوف نقدم الأدلة في هذا الكتاب الي ان العدالة الجنائية تقتضي الغاء عقوبة الاعدام تشريعيًا مما يقفل الباب نهائيا امام اي مزايدات سلطانية آو قضائية تتعلق بحياة وروح إنسان بغض النظر عن لون هذا الانسان او عرقه او دينه ..الخ . اود في هذا المقام أن الفت نظر القارئ الكريم إلى مسألتين:
الاولى وهي أن التهاون والتفريط في توقيع العقوبة العادلة علي القتلة وهو ما نسميه سياسة ( الافلات من العقاب) ان مثل هذه السياسة تؤدي الى (التفريط في حق الحياة المقدس) . وهذه المسألة صارت محسومة ولا توجد فيها مشكلة باستثناء الجرائم التي تتم بعلم وإشراف وتمويل من الدولة مثل جرائم الابادة الجماعية في دارفور منذ عام ٢٠٠٣ وحتى ٢٠١٩ علي يد دولة الانقاذ.
المسألة الثانية : وهي الإفراط والوحشية في انزال العقوبات على المتهمين والمدانين في محاكمات لم تتوافر فيها ضمانات العدالة الجنائية التي تتطالب بها منظمة العفو الدولية.. ان هذه العقوبات الوحشية بما فيها عقوبة الإعدام (تهدر قدسية حق الحياة) .. وبالتالي تخالف نصوص وقيم حقوق الإنسان المنصوص عليها في العهود والاتفاقيات الدولية.

(٢) المجتمعات البدائية القبلية الرعوية التي في مرحلة (ما قبل الدولة) تطبق عادة ( عقوبات بدنية) .. واذا انتقل المجتمع من القرية إلى المدينة تصاعديا الى (مرحلة الدولة) تتطور العقوبات من (عقوبات بدنية) الى عقوبات ( سالبة للحرية) .. ثم الى ( عقوبات مالية) :

إذا نظرنا إلى العقوبات التي تفرضها قوانين العقوبات في (دولة ما بعد الاستعمار الاوروبي) الذي انتهى في معظم انحاء العالم بنهاية الحرب العالمية الثانية.. وفي افريقيا انتهى الاستعمار الاوروبي عام ١٩٦٠ ، نجد أن العقوبات في هذه القوانين تنقسم إلى ثلاثة أنواع من العقوبات هي : (١) عقوبات بدنية .. (٢) عقوبات سالبة للحرية .. (٣) عقوبات مالية . . فكرة (الغاء عقوبة الإعدام ) موضوع هذا الكتاب مرتبطة بدرجة التحضر والوعي بالمجتمع.. وبالمرحلة التي عليها المجتمع.. وعما اذا كان المجتمع في (مرحلة ما قبل الدولة) .. ام في مرحلة ما بعد (قيام الدولة الحديثة) . المقتطف ادناه من كتاب الرسالة الثانية للأستاذ محمود محمد طه يكشف لنا ان المجتمعات البدائية تفرض(الموت عقوبة على أيسر المخالفات) .. وعقوبة الموت هي أبشع العقوبات البدنية.. خاصةً الموت رجماً بالحجارة.. وهذا الوضع العنيف بالانسان ينطبق على مجتمعات (ما قبل الدولة) .. التي لا تتوفر فيها الامكانات المادية (كالسجون ) الحديثة التي تمكن اجهزة العدالة الجنائية من توقيع عقوبات (بديلة عن عقوبة الإعدام - وهي عقوبة السجن المؤبد مع الأشغال الشاقة مثلا ). فالي المقتطف المشار إليه من كتاب الرسالة الثآنية:

(ولما كان الفـرد البشري الأول غليظ الطبع ، قاسي القلب ، بليد الحس ، حيواني النزعة فقد احتاج إلى عنف عنيف لترويضه ، ولنقله من الاستيحاش إلى الاستيناس ، وكذلك كان العرف الاجتماعي الأول ، شديدا عنيفا ، يفرض الموت عقوبة على أيسر المخالفات ، بل انه يفرض على الأفراد الصالحين أن يضعوا حياتهم دائما في خدمة مجتمعهم ، فقد كانت الضحية البشرية معروفة تذبح على مذابح معابد الجماعة ، استجلابا لرضا الآلهة ، أو دفعا لغضبها حين يظن بها الغضب ، ولقد كانت هذه الشريعة العنيفة ، في دحض حرية الفرد ، في سبيل مصلحة الجماعة معروفة ومعمولا بها ، إلى وقت قريب ، ففي زمن أبي الأنبياء ، إبراهيم الخليل وهو قد عاش قبل ميلاد المسيح بحوالي ألفي سنة ، كانت هذه الشريعة لا تزال مقبولة دينا وعقلا ، فإنه هو نفسه قد أمر بذبح ابنه إسماعيل ، فأقبل على تنفيذ الأمر غير هياب ولا متردد، فتأذن الله يومئذ بنسخها فنسخت ، وفدي البشر بحيوانية أغلظ من حيوانيته ، وكان هذا إعلاما بأن ارتفاع البشر درجة فوق درجة الحيوان قد أشرف على غايته ، ولقد قص الله علينا من أمر إبراهيم وإسماعيل فقال (( وقال إني ذاهب إلى ربي سيهديني * رب هب لي من الصالحين * فبشرناه بغلام حليم * فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أنى أذبحك، فانظر ماذا ترى ، قال يا أبتي افعل ما تؤمر ، ستجدني إن شاء الله من الصابرين * فلما أسلما وتله للجبين * وناديناه أن يا إبراهيم* قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين * إن هذا لهو البلاء المبين * وفديناه بذبح عظيم * وتركنا عليه في الآخرين * سلام على إبراهيم . ))
(( وتركنا عليه في الآخرين )) تعني ، فيما تعني ، إبطال شريعة العنف بالفرد البشري ، لأنها لبثت حقبا سحيقة ، وقد تم انتفاعه بها ، فارتفـع من وهـدة الحيوانية وأصبـح خليقا أن يفـدى بما هـو دونـه من بهـيمة الأنعام .) انتهى.
المرجع: محمود محمد طه/ كتاب الرسالة الثانية من الاسلام / الطبعة الرابعة/ الباب الثاني. /الفرد والجماعة في التفكير الفلسفي.
شاهدنا من المقتطف اعلاه ان (العقوبات البدنية) .. وتشمل الإعدام.. وبتر الاطراف.. الجلد .. كانت هي العقوبة الأصلية علي الجرائم الكبيرة والجنح الصغيرة على السواء لان مجتمعات ما قبل الدولة لم تكن جاهزة ومستعدة لتطبيق عقوبات انسانية بديلة اقل من العقوبات البدنية القاسية، مثل العقوبات السالبة للحرية .. وذلك لعدم توفر السجون والمؤسسات العقابية والإصلاحية التي تمكن المشرع من فرض عقوبات انسانية بديلة للعقوبات البدنية القاسية مثل العقوبات السالبة للحرية مثل السجن المؤبد مع الأشغال الشاقة، كبديل لعقوبة الإعدام، وعقوبات السجن الطويل الذي يصل الي 15 سنة .

(٣) عقوبة الاعدام في الدولة المصرية القديمة ( القانون المصري الفرعوني / القانون المصري البطلمي / القانون المصري الروماني / القانون المصري الإسلامي) :

الحضارات التي نشأت على ضفاف الانهار مثل نهر النيل ودجلة والفرات بعد أن تحولت المجتمعات من الصيد إلى الزراعة وإنشاء المدن والدول والامبراطوريات .. هذه الحضارات هي التي طورت قوانين العقوبات .. وانتقلت من العقوبات البدنية القاسية إلى تطبيق جزاءات تتناسب مع حجم وجسامة الجرائم.. بالنظر الي تاريخ ألدولة المصرية نجد انها علي مر العصور (دولة قانون) ودولة معنية بالحفاظ علي (حق الحياة) وتكريم الانسان ، وذلك مع مراعاة اوضاع المستضعفين في جميع الحضارات وهم (العبيد و النساء والأطفال) . المقتطف ادناه يجسد لنا واقعة اننا حين ندرس (عقوبة الاعدام في التاريخ المصري) فاننا انما ندرس تاريخ عقوبة الاعدام في كآفة الحضارات والامبراطوريات القديمة بدءًا بالحضارة الفرعونية ، ثم تشريعات الإمبراطوريات التي حكمت مصر مثل الحضارة الاغريقية ، الرومانية واخيرا الحضارة الاسلامية: فالي المقتطف الذي أخذناه من كتاب (عقوبة الاعدام في التاريخ المصري تاصيلا وتحليلا) للدكتور عماد الفقي هذا الكتاب الذي تبنته المنظمة العربية لحقوق الانسان ونشرته :

(بالرغم من ذلك ظل القانون المصري الفرعوني مطبقا ً على المصريين،
تطبيقا ً لمبدأ شخصية القوانين الذي كان سائدا ً في الشرائع القديمة، ولكـن جـاوره قانون آخر يطبق على الرعايا الإغريق الموجودين في مصر هو القانون الإغريقي
أو البطلمي)١(. وقد أدى ذلك إلى تأثير متبادل بين القانونين، ترتب عليه مـيلاد قـانون
جديد، قانون مشترك بين المصريين والبطالمة هو القانون المصري البطلمي. وقد حدث نفس الشيء حينما أصبحت مصر ولاية رومانية عام ٣٠ ق.م إذ نشأ آن ذاك ما يسمى بالقانون المصري الروماني. وبعد حيث كان الفتح الإسلامي لمصر عام ٦٤١م. حيث تغير كل شيء: دين جديد هو الدين الإسلامي، ولغة جديدة هي اللغة العربية، وقانون جديد هو القـانون المـصري الإسـلامي بمذاهبـه ومـصادره
المختلفة)٢(. وعلى هدي ما تقدم فسوف نقسم دراستنا للتطور التاريخي لعقوبة الإعدام
في مصر إلى أربعة مباحث:

المبحث الاول: عقوبة الإعدام في القانون المصري الفرعوني
المبحث الثاني :عقوبة الإعدام في القانون المصري البطلمي
المبحث الثالث: عقوبة الإعدام في القانون المصري الروماني
المبحث الرابع: عقوبة الإعدام في القانون المصري الإسلامي) انتهي
المرجع : /د عماد الفقي/عقوبة الاعدام في التشريع المصري تأصيلًا وتحليلا/ المنظمة العربية لحقوق الانسان/الطبعة الثانية ٢٠١٢
شاهدنا من المقتطف أعلاه هو ان قانون العقوبات المصري هو حصيلة تراكم معرفي كبير خلال آلاف السنين.. من خلال تعاقب الامبراطوريات في القرون الوسطى التي تعاقبت على حكم الدولة المصرية.. وقد كانت المساحة التي تطبق فيها عقوبة الاعدام واسعة ،بدءا بالجرائم السياسية والجرائم ضد الدولة ، مثل الخيانة العظمى ، و التآمر ضد الملك ، او مجرد المساس بذاته المصونة ، و تشمل عقوبة الاعدام جرايم القتل العمد ، والجرائم الجنسية مثل الزنا والخطف ، و الجرائم ضد المال .

(٤) حقب مشرقة في تاريخ مصر الفرعونية: (الغاء عقوبة الاعدام) :
المقتطف التالي من المرجع السابق يقدم لنا صورة مشرقة عن بعض مظاهر رقي قيم العدالة الجنائية في حضارة (الملوك الالهة - ابناء الشمس- ) /الحضارة الفرعونية والتي سمت بها انسانيتها الي الغاء عقوبة الاعدام !! يقول د عماد الفقي:

(جانب من جنبات الحضارة في الفكر المصري القديم. وصورة ناضرة في
فلسفة العقوبة، فقد روى ديودور الصقلي أن أحد ملوك الأسرة الخامسة والعشرين. الملك "أكتيز انيه" انتهج بعدالة سنة جديدة في سبيل إلغاء عقوبة الإعدام. إذ أمـر بجمع المحكوم عليهم بالإعدام. وجدع أنوفهم ثم نفاهم إلى منطقة نائية بالصحراء الشرقية حيث أقيمت لهم مدينة ليسكنوا فيها. وعلى هذا النحو يكون الملك المذكور قد استبدل بالنفي عقوبة الإعدام)١(. ثم يأتي ملك ثان من ملوك ذات الأسرة هو الملك "ساكابوس" ويصدر أمرا ً صريحا ً بإلغاء عقوبة الإعدام وجعل بدلا ً لها عقوبة الأشغال الشاقة فأمر بأن يقوم كل محكوم عليه بالإعدام بتعلية مستوى الأرض في البلاد التي ولدوا فيهـا، كمـا يجب أن يساهم في المشروعات العامة في البلاد. وقد قال ديودور الصقلي تبريرا ً لهذا الإجراء:"إن تطبيق هذا الإجراء أجدى على الهيئة الاجتماعية وأنفع لها مـن تطبيق عقوبة الإعدام")٢(. وبذلك تمكن الملك الأول "أكيتزانيه" من إنشاء مدينة بأكملها، وتمكن الثاني "ساكابوس" من إنشاء مصارف وأنفاق متعددة)٣(. ولكن سرعان ما أعيد تطبيق عقوبة الإعدام مرة أخرى، وظلت مقـررة حتى نهاية العصر الفرعوني . ) انتهي . المرجع السابق / د عماد الفقي : عقوبة الإعدام في التشريع المصري تأصيلا وتحليلا .

(٥) الفلاسفة العظام في مناهضة عقوبة الاعدام : مثل مونتسكيو / جان جاك روسو / فولتير :

الفلاسفة الذين ناهضوا عقوبة الاعدام ، والتعذيب المصاحب لها هم ذات فلاسفة التنوير الذين وضعوا قيم الليبرالية ، والتسامح و الحريات ، وهم : مونتسكيو ، وجان جاك روسو ، وفولتير . المقتطف التالي من كتاب عماد الفقي /المرجع السابق يوضح لنا المساهمة العظيمة لهؤلاء الفلاسفة في مناهضة عقوبة الاعدام ؛

(وقد أثارت هذه الأحـوال أقـلام الفلاسـفة والمفكـرين فقـاموا بحملـة ضارية ينكرون فيها قسوة العقوبات التـي لا مبـرر لهـا. وينكـرون التعـذيب المصاحب لتنفيذها، ومن هـؤلاء الفلاسـفة "مونتيـسكو" الـذي أخـرج كتابـه روح القوانين عام ١٧٤٨، وانتقد فيه قسوة العقوبـات، و"جـان جـاك روسـو" الذي أخرج كتابه العقد الاجتماعي الذي بـدأه بهـذا التـساؤل: يولـد الإنـسان حرا ً، ولكنه مكبل بالأغلال في كل مكان، فكيف حـدث هـذا التغييـر؟ وانـضم "فولتير" بدوره إلى أولئك الفلاسفة علـى أثـر إعـدام شـخص ثبـت براءتـه، وأصبح من المكافحين ضد الأنظمة القـضائية فـي تلـك الآونـة موضـحا ً أن المواطنين يتعرضون لاستعباد فئة ظالمة من القضاة)٢(. وعلى ضوء العوامـل الـسابقة بـدأ الفلاسـفة والمفكـرون يتـساءلون عما إذا كانت هناك حاجة للإبقاء علـى عقوبـة الإعـدام أم لا؟ ومـن ثـم فقـد لاح في الأفق تياران فكريان: أحـدهما يؤيـد الإبقـاء علـى عقوبـة الإعـدام، والآخر يطالب بإلغائها ولكل منهما حججه وأسانيده.) انتهي المرجع السابق / د عماد الفقي / عقوبة الإعدام في التشريع المصري تأصيلا وتحليلا.

(٦) موجز الحج المؤيدة للإبقاء على عقوبة الإعدام :

( ومن أهم الحجج التى يستند عليها المؤيدون:
أن عقوبة الإعدام تعد أنسب العقوبات للمجرمين الخطرين الذين لا يجدى معهم سوى الاستئصال، وأنها تحقق الردع العام، أو التخويف الجماعى بما تحمله من التهديد بإزهاق روح الجانى، وأنها تحقق الوظيفة الأخلاقية للعقوبة؛ باعتبارها شراً يتكافأ مع شر الجريمة، وأن العقوبة التالية لها فى الشدة وهى السجن المؤبد لا تصلح كبديل لها، وأنها قليلة التكلفة، وأنها ترضى المشاعر العامة، والشعور بالعدالة، وتحد من الانتقام والثأر([8]). ) انتهى . المرجع: د عماد الفقي المحامي/ عقوبة الإعدام في التشريع المصري تأصيلا وتحليلا.

(٧) مرافعة في دعم وتاييد (الغاء عقوبة الاعدام )، وداحضة في نفس الوقت للحجج المؤيدة للإبقاء على عقوبة الاعدام :
عشرة اسباب منطقية استند اليها د عماد الفقي في (المطالبة بالغاء عقوبة الاعدام) :

الحجج والاسانيد التي استند عليها (المعارضون لعقوبة الإعدام) :

هذه الفقرة تمثل (جوهر وروح الفصل الثاني من الكتاب) .. في هذه الفقرة دمجنا بين الحجج المؤيدة للإبقاء على علي عقوبة الإعدام مع الحجج المناهضة لعقوبة الإعدام.. بحيث نطرح الفكرة المؤيدة لعقوبة الإعدام.. ثم نطرح نقيضها مباشرة.. وهي الفكرة المناهضة لعقوبة الإعدام.. ولا نخفي تحيزنا لفكرة (الغاء عقوبة الإعدام) :
مرة أخرى نذكر بأن مؤلف هذا الكتاب منحاز تماما (لحق الحياة) ، باعتباره اصل وجذر كل الحقوق ، ومنحاز كذلك (للعدالة الجنائية) ، ويرى بكل ثقة ان حق الحياة لا يقبل المساومة والحلول الوسط ، ويرفض حكم الإعدام وتنفيذه لاي سبب كان ، لانه ينطوي علي اهدار صريح للعدالة الجنائية ، و لحقوق الانسان و الكرامة الإنسانية ، ويري بكل وضوح إن الأسباب التي يدفع بها مؤيدو عقوبة الاعدام هي اسباب كذوبة (من صنع الاستبداد بصورة عامة ) ، وبصورة خاصة الاستبداد (العربي / الاسلاموي)- نعم اكذوبة ومشابهة تماما ل (الفصل من الخدمة للصالح العام ) في دولة الإنقاذ الضلالية التي فصلت من الخدمة العامة أفضل الكفاءات ، و استبدلتهم (باسوا العناصر البشرية غير المؤهلة) تحت لافتة (الصالح العام) .
قدم د عماد الفقي في كتابه عقوبة الاعدام في مصر تاصيلا وتحليلًا عشرة أسباب (لتدعيم حجته في رفض عقوبة الاعدام) ، وتتضمن هذه الحجج اسانيد تدحض الحجج الأساسية التي يستند اليها فقهاء السلطان الذين يؤيدون فكرة الحكم بالإعدام وتنفيذه ، وننوه الى مسألة هامة هي ان اي سبب واحد من الأسباب العشرة كاف لوحده لإلغاء عقوبة الإعدام ، ورغم ذلك فاننا نقدم هذه الأسباب العشرة كحزمة واحدة غير قابلة للكسر او التجزئة تعضد وتقوي بعضها البعض.

فالي حجج د عماد الفقي العشرة المساندة والمؤيدة لإلغاء عقوبة الاعدام: ننقلها من الصفحات (٦٧ -٧٢) من كتابه: عقوبة الإعدام في التشريع المصري تأصيلا وتحليلا / الناشر : المنظمة العربية لحقوق الإنسان/ الطبعة الثانية :

( ١- الإعدام ليس حقا ً للدولة :
يرى المناصرون لعقوبة الإعدام.. والمطالبون بالإبقاء عليها.. يرون ان (الإعدام حق للدولة) .. بالمقابل.. يري المناهضون لعقوبة الإعدام أنها عقوبة غير شرعية. فـالمجتمع لـم يهب الفرد الحياة، فهي هبة من الخالق. ومن ثم فلا يجوز للدولة أن تلجأ إليها. وقال بعض أنصار هذا الاتجاه تبريرا ً لذلك إن أساس حـق الدولـة فـي العقاب هو العقد الاجتماعي، وإنه من غير الممكن أن يكون الفرد قد تنازل في هذا العقد عن حقه في الحياة فهو لا يملك هذا الحق أصلا ً) .
ومن ناحية أخرى: فإن الدولة تجرم القتل، وعليها أن تحترم قبل غيرهـا هذا الالتزام فلا تخرقه بتنفيذها لعقوبة الإعدام. ومن ناحية ثالثة: فإذا كان من حق الدولة الدفاع عن المجتمع وهـي فـي
سبيل ذلك تصدر الأوامر التي يلتزم بها الأفراد تحقيقا ً لهذا الغرض. غير أنه ليس من حقها إبادة الأفراد والمواطنين. فليس في ذلك إزالة لآثـار الجريمـة، وإنمـا يتضمن في حد ذاته جريمة جديدة أو تكرارا ً للجريمة التي وقعت) .

٢- الإعدام عقوبة لا يمكن تداركها :

يعيب المناهضون لعقوبة الإعدام عليها أنهـا عقوبـة يـستحيل تـدركها أو إصلاح آثارها حين يكون العدول عنها حـق وواجـب. فقـد تظهـر بـراءة المحكوم عليه بعد تنفيذها. فالأخطاء القضائية ليست نادرة، والعدالة الإنسانية نسبية حتى أن أغلـب التشريعات الوضعية تقر الحق في تصحيح الأحكام عن طريق الطعن فيها. ومـن ثم فإن الإبقاء على عقوبة الإعدام يشكل خطورة بالغة لعدم إمكان جبر الخطأ فـي حالة تنفيذ عقوبة الإعدام)١(. وتعتبر هذه الحجة من أقوى الحجج التي يستند عليها المعارضون لعقوبة الإعدام)٢(. وعليه فإن المناهضون لعقوبة الإعدام يرون أنه من الأوفق إلغاء هذه العقوبة وإحلال العقوبة السالبة للحرية مكانها لأن هذا النوع الأخير من العقوبات من الممكـن تدارك الأخطاء القضائية بشأنه وذلك بإطلاق المحكوم عليه) .

٣- عقوبة الإعدام غير عادلة:

يرى المناهضون لعقوبة الإعدام أنها عقوبة غير عادلة فهي غير قابلـة للتدرج تبعا ً لجسامة الفعل المجرم. وخطورة المجرم. فجسامة الضرر الناتج عـن تنفيذ عقوبة الإعدام لا يتناسب مع جسامة الجريمة المرتكبة، ذلك لأن الضرر الذي أصاب المجتمع من جراء ارتكاب الجريمة محدود. أما الضرر الذي يصيب الجان من جراء تنفيذ عقوبة الإعدام هو ضرر غير محدود)
وعقوبة الإعدام تبدو غير عادلة من جانب آخر، فهي لا تقبـل التجزئـة، وبالتالي تنقصها المرونة بحسبان أن القاضي لا يستطيع أن يتصرف في مقـدارها لكي ينزل بالمحكوم عليه القدر الذي يستحقه منها)٢(.
أيضا ً من مظاهر عدم عدالة عقوبة الإعدام عدم قابليتها للرجوع فيهـا إذا ما اتضح بعد تنفيذها خطأ الحكم الذي قضى بها أو طرأت أسـباب جعلـت مـن الملائم العفو عنها).

٤- عقوبة الإعدام قاسية وغير إنسانية :
يرى المناهضون لعقوبة الإعدام أن هذه العقوبة تتصف بالقسوة والبشاعة والوحشية)٤( فهي تنم عن وحشية لا تتفق مع ما وصل إليه الإنسان من تقدم ورقي ومدنية، والإبقاء عليها ليس إلا إحياء لعهد البربرية القديم)٥(. فالإعدام – إذن – عقوبة لا تتفق والكرامة الإنسانية، يتولد عنها الاشمئزاز
في النفوس، ويتأذى منها الشعور العام، وتسيء إلي فكـرة العدالـة فـي نفـوس الناس) .

٥- عقوبة الإعدام لا تحقق الردع العام :

يرى أنصار إلغاء عقوبة الإعدام أن فائدتها منعدمة في تحقيق الردع العام، ويستدلون على ذلك بأن الدول التي ألغيت فيها عقوبة الإعدام لم تزد فيهـا نـسبة الجرائم التي كانت مقررة لها هذه العقوبة. كما أن الدول التي تبقي علـى عقوبـة الإعدام لم تقل فيها نسبة الجرائم المقررة لها هذه العقوبـة. وإنمـا العكـس هـو الصحيح. وآية ذلك أن نسبة جرائم القتل في بعض الولايات الأمريكية التي ألغـت عقوبة الإعدام انخفضت عن نسبتها في الولايات التي أبقت عليها. مما يستنتج منه أن أثر عقوبة الإعدام في تحقيق الردع العام محل شك كبير)١(.
ويضيف أنصار هذا الاتجاه أن وظيفة العقوبة في تحقيق الـردع العـام تتوقف إلى حد كبير على سرعة تطبيقها. وهو ما لا يتوافر في عقوبة الإعدام التي تؤدي الضمانات المحيطة بها إلى إطالة أمد الفترة بين وقوع الجريمـة، وتطبيـق العقوبة. وهذا من شأنه التأثير في الشعور العام وتحويله مـن شـعور بـضرورة معاقبة الجاني إلى شعور بالتعاطف معه لأن انقضاء فترة على وقـوع الجريمـة يؤدي إلى نسيانها، وزوال آثارها) .

٦- عقوبة الإعدام تتعارض والأغراض الحديثة للعقوبة .
كانت العقوبة في المجتمعات البدائية ينظر إليها على أنها رد فعل عشوائي وانتقامي ضد الجاني وأسرته، وأضحى لها مع تطور الفكر الإنـساني وظيفتـان رئيسيتان: إحداهما أخلاقية تتمثل في تكفير الجاني عن ذنبـه وإرضـاء الـشعور بالعدالة، والثانية نفعية تتمثل في تحقيق الردع العام، وإصلاح حال الجاني لإعادة تكييفه مع المجتمع)١(. وعقوبة الإعدام تتعارض مع الأغراض الحديثة للعقوبة إذ يستحيل معهـا إصلاح المحكوم عليه بها وإعادة تقويمه وتكيفه مع المجتمع. وإذا قيل إن وظيفة عقوبة الإعدام ليست إصلاح الجاني، وإنما استئصاله وإبعاده عن المجتمع فإن هذه الوظيفة يمكن أن تحقق بعقوبة "السجن مدى الحيـاة" وبطريقة أكثر إنسانية واحتراما ً لآدمية وكرامة الإنسان).

٧- عقوبة الإعدام غير مجدية وغير نافعة :
يرى أنصار هذا الاتجاه أن عقوبة الإعدام غير مجدية وغير نافعة سـواء من وجهة فردية أو جماعية، فهي تحول دون أن يشرع المحكوم عليه تحت رقابة الدولة في إصلاح آثار الجريمة كلما كان ذلك ممكنا ً . كما أنها تحرم الدولة من قوة عاملة يمكن أن تساهم في زيادة الإنتاج وإقامة المـشروعات ذات النفـع العـام، ولاسيما بعد ان اصبح العمل في السجون عاملًا في زيارة الإنتاج.

٨- عقوبة الإعدام تتعارض ومبدأ شخصية العقوبة :
قال المناهضون لعقوبة الإعدام إنها تتعارض ومبـدأ شخـصية العقوبـة ومعناه عدم توقيع العقوبة إلا على الجاني فلا تنفذ العقوبة إلا على مـن صـدرت عليه، فيجب ألا تصيب غير الجاني. ووجه التعارض يكمن في أن إعدام أحد الأفراد له آثار سيئة على غيـره من أفراد أسرته، تتمثل في الألم النفسي الذي يلحق بهم، جراء إعدام أحد أفرادها لضرر المادي إذا كان المحكوم عليه هو عائلها الوحيد، كذلك نظـرة الرحمـة والشفقة التي ينظرها إليهم المجتمع والتي تدوم طويلا ً ويصعب محو اثرها .

٩- عقوبة الإعدام والجرائم السياسية:
يرى بعض أنصار هذا الاتجاه أن عقوبة الإعدام في الجـرائم الـسياسية كانت ولا تزال محل نقد خاص لأن الأوضاع السياسية متغيرة أبدا ً، فمـا يـستحق الإعدام في عهد قد يستحق التقدير في عهد آخر. وذلك عندما لا تكـون الجريمـة السياسية من جرائم سفك الدماء أو التنكيل بالأبرياء)٢(. ومن ناحية أخرى فإن عقوبة الإعدام تستغل من قبل كثير من الحكومـات للخلاص من المعارضين السياسيين).

١٠ - عقوبة الاعدام ليس لها ما يبررها اصلا :

يرى المناهضون لعقوبة الإعدام أنها عقوبة ليس لها ما يبررها من الوجهة المنطقية، فرد الفعل يحدث بعد تمام الجريمة وتحقق الضرر. ومن ثم فـلا تزيـل عقوبة الإعدام الضرر الناجم عن الجريمة. فالمجني عليهم في جرائم القتل التـي هي من أكثر الجرائم المعاقب عليها بالإعدام لا يشعرون برد الفعل الاجتماعي إزاء الجاني، بل يقتصر أثر العقوبة على الأحياء. ويذهب أنصار هذا الاتجاه إلي القول بعدم جواز قياس عقوبة الإعدام على حالة الدفاع الشرعي، فلا تشابه بين الحالتين)٤(. كذلك لا يجـوز قياسها على حالـة نزع الملكية للمنفعة العامـة، لأن هذا افتعال غير مقبول، وتشبيه للشخصية الإنسانية بأشياء مادية الأمـر الـذي يأبـاه الشعور العام. ولا يجوز – أيضا ً – الاستناد إلى حالة الضرورة بحجة أن عقوبة الإعدام وسيلة لحماية المجتمع إزاء بعض الأفعال التي تهدده لأن شروط حالة الـضرورة التي تبرر القتل غير متوافرة بالنسبة للدولة عند تنفيذها لعقوبة الإعدام نظرا ً لانتهاء حالة الخطر بوقوع الجريمة ووجود المتهم تحت تصرف الدولة التي يحق لهـا أن تحمي المجتمع منه بوسائل أخرى غير القتل. ولم تذهب آراء الفلاسفة والمفكرين المناهضة لعقوبة الإعدام سدى، فقـد كان لها تأثير كبير على العديد من التشريعات. فاتجه البعض منها إلى إلغاء عقوبة الإعدام كلية ً ومن أمثلة هذه التشريعات، التشريع الألماني، والنمساوي والدانمركي، والنرويجي، والبرتغالي، والسويدي، والكندي. والفرنسي، بمقتضى القانون الصادر في ٩ أكتوبر سنة ١٩٨٠، وقد حظر الدستور الفرنسي في المادة ١/٦٦ منه تطبيق عقوبة الإعدام بمقتضى التعديل الدستوري الحاصل في ٢٣ فبراير ٢٠٠٧، كمـا ألغتها بعض الولايات في الولايات المتحـدة الأمريكيـة، كمـا ألغاهـا التـشريع الإنجليزي بمقتضى القانون الصادر في ٨ نوفمبر ١٩٦٥. ) انتهي. الدكتور عماد الفقي / عقوبة الأعدام في التشريع المصري تأصيلا وتحليلا / المنظمة العربية لحقوق الإنسان/ الطبعة الثانية/ صفحة: ٦٧ - ٧٢ .

هذه هي حزمة (د عماد الفقي) للاسباب المناهضة لعقوبة الاعدام ، وبحول الله سوف افرد ثلاثة فصول مستقلة من هذا الكتاب اتناول فيها هذه الأسباب بالشرح والبيان وذلك من خلال السوابق القضائية ، في بريطانيا واميركا مع التركيز علي السوابق القضائية السودانية. وتحقيقا لهذه الغاية سوف نخصص الفصول التالية :
أ- الإعدام ليس حق للدولة ، ولا يجوز مطلقًا الحكم بالإعدام في جرائم سياسية. تعزيز هذه الحجة بالسوابق القضائية السودانية في عهد دولة الإنقاذ ١٩٨٩ - ٢٠١٩ .
ب - الإعدام عقوبة لايمكن تداركها.. تدعيم هذه الحجة بالسوابق القضائية الفاضحة لعقوبة الاعدام حين تثبت براءة المحكوم عليه قضائيًا.. ولكن بعد نفاذ عقوبة الاعدام !!
ج- في تبرئة الدين الاسلامي من رفض الاستبداد (الدول العربية والاسلامية) للمصادقة علي العهود الدولية المناهضة لعقوبة الاعدام.

(٨) العالم يتطور بسرعة الصاروخ نحو الغاء عقوبة الاعدام ، و الدول العربية والإسلامية محلك سر!!

المقتطف ادناه ماخوذ من موقع الدبلوماسية الفرنسية ، يوضح بالتفصيل وبالارقام الدول استجابت لمناشدات الأمم المتحدة الغاء عقوبة الاعدام ، واضعف الايمان ايقاف تنفيذ عقوبة الاعدام ، وتتحدث الأرقام عن نفسها ، وهي توضح ان قائمة الدول التي وافقت على الغاء عقوبة الاعدام في نمو مطرد ، وتأتي الدول العربية والإسلامية في القائمة السوداء حسا ومعنى ، اي سواد الحداد بسبب الموت الوحشي من خلال مقصلة الإعدام كانهم لم يسمعوا قوله تعالى:( : مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ أَنَّهُۥ مَن قَتَلَ نَفْسًۢا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍۢ فِى ٱلْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَآ أَحْيَا ٱلنَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِٱلْبَيِّنَٰتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِى ٱلْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) صدق الله العظيم.
والواقعة المخجلة هي ان 72% من عمليات الإعدام التي تمت عام ٢٠١٤ كانت في المملكة العربية السعودية وإيران والعراق!! فالي المقتطف :

(ألغى أكثر من ثلثي بلدان العالم عقوبة الإعدام إما قانونا أو فعلا في يومنا هذا، على النحو التالي:

ألغت 102 دولة عقوبة الإعدام لجميع الجرائم

ألغت 6 دول العقوبة لجرائم الحق العامّ

أوقفت 33 دولة العمل بعقوبة الإعدام
ومن جهة أخرى بتنا نسجّل هبوطا في عدد الإدانات بالإعدام وتنفيذ هذه العقوبة في العالم.
ولا تزال 58 دولة وإقليما تطبّق هذه العقوبة، وقامت 22 دولة بتنفيذ عمليات الإعدام في عام 2014 (تم تنفيذ 72% من هذه العمليات في المملكة العربية السعودية وإيران والعراق). ومن الجدير بالتذكير أنه من الصعب تحديد عدد عمليات الإعدام بدقة في ظل انعدام الإحصائيات الرسمية في بعض الدول (مثل الصين). إنتهي المرجع : موقع الدبلوماسية الفرنسية على الشبكة/الصفحة الرئيسية سياسة فرنسا الخارجية / عقوبة الإعدام في العالم / 04 /06 / 2018 .

موقع الخارجية الفرنسية/المرجع السابق يقدم لنا بالتفصيل قائمة ال ٥٨ دولة التي لاتزال تطبق عقوبة الاعدام ، ولن يضيق هذا المقام بذكرها كاملة تنديدا بها ، وذلك بغرض رفع الوعي الجماهيري بهذه العقوبة الوحشية والمخالفة لقيم حقوق الانسان ، و الأهم من ذلك انها مخالفة لقيم الاسلام الداعية للعفو:

ففي خطبة مكتوبة/موقع د. علي بن يحي الحدادي بعنوان: فضل العفو عن القصاص ومفاسد المبالغة في شروط التنازل عن القصاص/١١/يناير/٢٠١٩/ يقول د علي الحدادي في خطبته المذكورة:

(ومع إعطاء الشرع حق القصاص للورثة فإنه رغبهم مع ذلك في العفو عن القصاص إلى الدية فقال تعالى {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} فجعل التنازل عن القصاص إلى الدية تخفيفاً ورحمة ترغيباً فيه وحثاً عليه بعد أن كان القصاص هو المتحتم قبلنا في شريعة موسى عليه السلام) انتهي .

وبالنظر الي قائمة ال58 السوداء التي لاتزال تحكم بالإعدام وتنفذه نجد انها تعج بالدول العربية والإسلامية العصية علي تقبل (حقوق الانسان) .. وتسئ بذلك الى الإسلام.. وتقدم الإسلام كانه دين متعطش لسفك الدماء.. في حين ان الإسلام يدعو الي العفو في القصاص كما سبق بيانه في خطبة د علي الحدادي انفة الذكر ، و الحقيقة التي سنوضحها بحول الله في فصل مستقل هي ان:(السلطان العربي/المسلم المستبد هو الذي يتمسك بعقوبة الاعدام لقهر شعبه ، لانه فاقد للشرعية الشعبية ، او آن شرعيته تقوم على التخويف والزيف (الفوز بنسبة ٩٩،٩٩٪؜) . في انتخابات نسبة كبيرة من الناخبين رحلوا الي الرفيق الاعلي منذ ٢٠عاما !!
هذه هي القائمة السوداء من البلدان التي لا تزال تحكم بالإعدام وتنفذه : سنذكرها بالاسم (تنديدا بها - وليس تشريفا- ومنها بلدي ومكان مولدي - السودان) :

(البلدان التي لا تزال تنفّذ عقوبة الإعدام هي:
أفغانستان، وأنتيغوا وبربودا، والمملكة العربية السعودية، والسلطة الفلسطينية، وجزر البهاما، والبحرين، وبنغلاديش، وبربادوس، وبليز، وبيلاروس، وبوتسوانا، والصين، وجزر القُمر، وكوريا الشمالية، وكوبا، ودومينيكا، ومصر، والإمارات العربية المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية، وإثيوبيا، وغامبيا، وغواتيمالا، وغينيا، وغينيا الاستوائية، وغيانا، والهند، وإندونيسيا، والعراق، وإيران، وجامايكا، واليابان، والأردن، والكويت، وليسوتو، ولبنان، وليبيا، وماليزيا، ونيجيريا، وعُمان، وأوغندا، وباكستان، وقطر، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وسانت لوسيا، وسانت كيتس ونيفس، وسانت فنسنت وجزر غرينادين، وسنغافورة، والصومال، والسودان، وجنوب السودان، وسورية، وتايوان، وتشاد، وتايلند، وترينيداد وتوباغو، وفييت نام، واليمن، وزمبابوي.) انتهي . المرجع: موقع الدبلوماسية الفرنسية.
ابوبكر القاضي
نيوبورت / ويلز UK
٤ يوليو ٢٠٢٤

aboubakrelgadi@hotmail.com  

مقالات مشابهة

  • الإسلام لا يُهزم، وإن هُزِم المسلمون
  • حماس تصدر بيانا حول مستقبل قطاع غزة
  • شيخ الأزهر: وسطية الإسلام هي الحل لمكافحة ظاهرة الجرأة على التكفير
  • حماس تؤكد رفضها أي خطط تتجاوز الإرادة الفلسطينية بشأن مستقبل غزة
  • شيخ الأزهر: النهج الوسطي الذي لا يعرف الإقصاءأو شيطنة تلقتها جماهير الأمة بالقبول
  • شيخ الأزهر من ماليزيا: وسطية الإسلام هي الحل لمكافحة ظاهرة الجرأة على التكفير والتفسيق والتبديع
  • لوموند: لماذا كثرت الاعتداءات على المسلمين في السويد؟
  • العدالة المائية.. كيف فقدتها فلسطين منذ 1948؟
  • الخشت: الدكتور أسامة الأزهري سيكون خير سفير للإسلام السمح
  • في مناهضة عقوبة الإعدام.. ومناصرة العدالة الجنائية (2-7)