المحاضرة الرمضانية الثانية للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي (نص+فيديو)
تاريخ النشر: 13th, March 2024 GMT
المحاضرة الرمضانية الثانية للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي 02-09-1445هـ 12-03-2024م
الثلاثاء 2 رمضان 1445هـ 12 مارس 2024م
https://www.saba.ye/storage/post_galleries/MyndOIy2OxI5eclkdDUdc1/0652eca2b813c751b981f24155650418.mp4
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
حديثنا عن أهمية التقوى، التي هي الثمرة التربوية لفريضة الصيام، وما تعنيه لنا التقوى؛ ليتضح لنا مدى حاجتنا إلى التقوى، وماذا تعنيه بالنسبة لنا، لنركز عليها، ونسعى لأن نحصل على هذه الثمرة، من خلال أدائنا لفريضة الصيام المباركة، ومن خلال سعينا للاستفادة الواسعة من بركات الشهر الكريم (شهر رمضان المبارك).
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بيَّن لنا كثيراً في القرآن الكريم عن أهمية التقوى بالنسبة لنا، وعن حاجتنا إليها، وفي واقع الحال فالسعي للتقوى، والحرص على التقوى، والاهتمام بأمر التقوى هي مسألةٌ فطريةٌ لدى الإنسان، الإنسان هو بفطرته يحب الخير والسلامة لنفسه كما قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” عن الإنسان: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}[العاديات: الآية8]، يحب لنفسه الخير، ويريد لنفسه الخير؛ ولذلك نحتاج مع الفطرة التي تؤثِّر عليها مؤثرات هذه الحياة، ويؤثر أيضاً جهلنا بما هو الذي يشكِّل وقايةً لنا، وسلامةً لنا، وخيراً لنا، كما يؤثِّر على الإنسان ما يعانيه من الضلال، وسوء الفهم، والتصورات الخاطئة عمَّا هو الذي يحقق له الخير، ويشكِّل وقايةً له من الشرور والشقاء، وضنك المعيشة، وعن الخزي في الدنيا، وعن العذاب في الآخرة، نحتاج إلى هداية الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، نحتاج إلى الإيمان الواعي، الذي يتحقق لنا من خلاله التقوى، مع هداية الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” رسم لنا في توجيهاته، وتعليماته، وأوامره، ونواهيه، ما يمثل وقايةً لنا في الدنيا، وفي الآخرة:
في الدنيا: من الشقاء، من ضنك المعيشة، من الخزي، من القهر، من الظلم، من الذل، من كل الشرور.
وفي الآخرة: من العذاب العظيم، من سوء الحساب، من الخسران الكبير، الخسران لرضوان الله، ولجنته، وللنعيم الأبدي، والاتجاه نحو العذاب الأبدي والعياذ بالله.
ما ينقص المسلمين مع انتمائهم للإسلام هو التقوى، وهذا النقص له أثرٌ خطيرٌ على حياتهم، في كل شؤونهم: السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والأمنية، وغير ذلك، ومن الواضح مدى الخسارة التي يعانيها المسلمون، بسبب هذا النقص في التقوى، لو أن المسلمين التزموا التقوى، وبنوا واقعهم على أساسها، لكان وضعهم مختلفاً تماماً عمَّا هو عليه، ولما حصلت لهم ما حصلت من المآسي والكوارث والويلات، ولا يعني ذلك ألَّا يكون هناك معاناة وتضحيات في إطار عملي، فهذا شيءٌ طبيعيٌ في ظروف هذه الحياة، التي هي ميدان اختبار وميدان مسؤولية، ولكن المسألة تختلف كثيراً عن تضحيات ومتاعب لها ثمرة، ولها نتائج مهمة جداً، وعن معاناة تنتج المزيد من المعاناة، ومآسٍ تنتج المزيد من المآسي، وعن تتابع الكوارث والمآسي والويلات التي عانت منها الأمة على مدى تاريخها.
النقص في التقوى كان خطيراً ومؤثراً، والأخطر أيضاً من نتائجه وآثاره في هذه الحياة الدنيا: العواقب الخطيرة في الآخرة؛ فلذلك ندرك من خلال التأمل في آيات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم الأهمية الكبيرة لمعالجة هذا النقص، والسعي لتلافي هذا النقص.
الخطر الذي يسبب للإنسان أن يقع في المصائب الكبرى، والعواقب الخطيرة جداً، هو بمخالفة توجيهات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ لأنها هي التي تُشَكِّل وقايةً لنا، وشملت مختلف شؤون حياتنا، فعندما يخالفها الإنسان كشخص، أو كمجتمع، أو كأمة، لذلك تابعات، ومخاطر، وأضرار، وآثار، وعواقب وعقوبات، جزءٌ منها يأتي في الدنيا، والجزء الأوفى، والجزء الكبير، والجزء الخطير يأتي في الآخرة.
والمسلمون فَرَّطُوا في كثيرٍ من تعليمات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، التي تشكِّل وقايةً لهم من الضعف، والهوان، والشتات، والذل، والقهر، والظلم، فَرَّطُوا في تعليمات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وتوجيهاته، التي تبنيهم كأمةٍ قويةٍ عزيزة.
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أمرهم في القرآن الكريم بالاعتصام بحبله، وحذرهم من التفرُّق، فتفرَّقوا وفرَّطوا في هذه التعليمات، أمرهم بالجهاد في سبيله، أمرهم بأن يكونوا أمةً قائمة بالقسط في عباده وبلاده، حمَّلهم مسؤوليات فيها الشرف الكبير لهم، بها نهضتهم، وعزتهم، وقوتهم، وريادتهم بين الأمم؛ ولذلك فرَّطوا في ذلك، بدلاً من أن يكونوا الأمة التي تتحرك في إطار تلك المسؤوليات العظيمة، وتحظى بنصر الله، ومعونته في أدائها لتلك المسؤوليات الكبرى: في الدعوة إلى الخير، في الأمر بالمعروف، في النهي عن المنكر، في السعي لإنقاذ البشرية وإصلاح واقعها، التفريط في ذلك، التفريط في الجهاد في سبيل الله، التفريط في الدور الحضاري وتقديم النموذج الحضاري الإسلامي، الذي يعمر هذه الحياة على أساسٍ من هدي الله وتعليماته، على أساسٍ من القيم والأخلاق العظيمة، فرَّطوا في كل ذلك، فرطوا في إعداد ما يستطيعون من القوة، فكانت النتائج عليهم خطيرة؛ لأن تفريطهم في ذلك كله امتد على مدى قرون من الزمن، على مدى مئات السنين، فكان الاتجاه هو اتجاه انحدار بين الأمم، الأمم الأخرى تنهض، تكبر، تقوى، وأمتنا الإسلامية تهبط في مسار هبوط على مدى التاريخ؛ لاستمرارها في ذلك التفريط، ولتفاقم وتعاظم هذا النقص في التقوى، والإصرار عليه، فكانت النتيجة في هذه الحياة نتيجة مؤسفة جداً، بعد امتداد التفريط لقرون من الزمن تغير واقع الأمة، هبطت في مستواها بين الأمم، وطمع فيها أعداؤها.
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وعد المسلمين، وعد المؤمنين على الالتزام بالتقوى بالنور والفرقان؛ ليكونوا أرقى أمة في وعيهم، في حكمتهم، في بصيرتهم، في فهمهم، في معرفتهم، ولكن فرَّطوا في التقوى؛ فخسروا ذلك، بدلاً من أن يكونوا أمةً ترى بنور الله، تمتلك الوعي العالي، والبصيرة، والحكمة، والفهم، خسروا ذلك، وأصبحوا أمة ينقصها الوعي، يتمكن أعداؤها من إغوائها وإضلالها، وتضييعها في اتجاهات مختلفة، وأهواء مختلفة، وأفكار مضطربة، تزيدها ذُلاً، وتزيدها هواناً وضعفاً، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}[الأنفال: من الآية29]، فقدوا الفرقان؛ فالتبست عليهم الأمور، وتمكّن أعداؤهم من التأثير عليهم، في رؤاهم، في ثقافاتهم، في أفكارهم، بما يخدم أعداؤهم، ويؤثر عليهم سلباً.
وعدهم الله على الالتزام بالتقوى أن يكون معهم، وهذا شيءٌ جامع، جامعٌ لكل خير، لكل فلاح، لكل عزة، {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا}، {أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}[التوبة: من الآية123]، {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}[النحل: الآية128]، فلا يضر بهم ولا يؤثر عليهم مكر أعدائهم كيفما كان، {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}[النحل: 127-128].
وعدهم- كما وعد الأمم من قبلهم- على الالتزام بالتقوى بالبركات والخيرات، في أرزاقهم، في متطلبات حياتهم، في معيشتهم، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}[الأعراف: من الآية96].
وعودٌ كثيرة تحدث عنها في القرآن الكريم، تتعلق بعاجل الدنيا، وأيضاً في الآخرة الجزاء الأوفى، الحساب اليسير، الأمن في يوم الفزع الأكبر، الفوز برضوان الله تعالى، الوصول إلى نعيم الله، إلى أرقى نعيم، إلى جنة الله، إلى السلامة من عذاب الله، ومن الشقاء والعذاب الأبدي.
ولذلك فالتقوى ذات أهمية كبيرة للإنسان، وحاجة ضرورية للإنسان، البديل عنها: هو ما يقع فيه الإنسان من الشقاء، من العذاب، من الهوان، من الخزي، من المصائب، من الشرور، فالتقوى ذات أهمية للإنسان، وإذا كان الإنسان قد يجازف بالتقوى، في حساب ما يحسبه من شقاء في هذه الحياة، وشرور في هذه الحياة، وأراد أن يجازف، وأن يستهتر بنفسه ولا يبالي بذلك، فماذا عن الآخرة؟ ماذا عن العذاب الأبدي، الشقاء الأبدي، الحسرات والندم، والعذاب النفسي والعذاب الجسمي الرهيب جداً في الآخرة، هل يمكن أن يفكر الإنسان بأنه شيء عادي، بأنه شيءٌ بسيط، بأنه شيءٌ يمكن أن يجازف وأن يورط نفسه فيه؟ هذا ما ينبغي أن نتأمله أيضاً من خلال القرآن الكريم.
العواقب والعقوبات في الآخرة رهيبة جداً، فظيعة وشديدة للغاية، وتداعيات، وعواقب، وعقوبات، إخلال الإنسان في هذه الدنيا بالتقوى، بما يشكل وقايةً له، لا تقتصر عند شرور ومصائب هذه الحياة، ما يواجه الإنسان في هذه الحياة من شرور ومصائب ومخاطر، بل الخطير جداً أنها تمتد إلى عالم الآخرة، إلى عالم الآخرة بشكلٍ رهيبٍ جداً يفوق تخيل الإنسان، فهي لا تقتصر على الدنيا، بل تمتد إلى الآخرة، وجزاء عظيم، جزاء كبير جداً، يُبيِّن لنا أهمية مسؤولية الإنسان كإنسان، وأهمية أعماله، وما يترتب على أعماله من جزاء، عِظَمُ الجزاء يدل على أهمية العمل، وآثار هذا العمل، ونتائج هذا العمل بالنسبة للإنسان.
ولذلك فالإيمان بالآخرة، واليقين بالآخرة، من أهم ما يساعد الإنسان على التزام التقوى في هذه الحياة، والاستقامة في هذه الحياة؛ لأن الإنسان يدرك أنَّ مستوى العقوبات والعواقب خطيرة جداً على الإخلال بالتقوى، ومهولة، ورهيبة، وليست فقط في ما قد يصيب الإنسان في هذه الحياة من شرور، ومن آلام، ومن مخاطر، ومن أضرار، ومن مصائب، بل أكبر بكثير، رهيبةٌ جداً، فهذا يمثِّل حافزاً له على الاستقامة في هذه الدنيا، فهذه مسألة مهمة.
ولهذا قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم في أوصاف المتقين: {وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}[البقرة: من الآية4]، وصلوا في مستوى إيمانهم بالآخرة إلى درجة اليقين، واليقين له أثره الكبير على الإنسان، عندما يكون موقناً بكل تلك التفاصيل عن عالم الآخرة، التي ذكرها الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن، ويدرك أنَّه سيتَّجه إليها، وإذا عاش تلك التفاصيل ووصل إليها بإخلاله بالتقوى، بتفريطه في تعاليم الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فهي حالة خطيرة جداً.
فالإنسان بحاجة إلى هذا الإيمان، وهذا اليقين، وبحاجة إلى الاستحضار؛ لأننا في واقعنا كأمةٍ مسلمة نقر في إيماننا بالآخرة، إيمان إقرار، نحتاج أولاً إلى أن يكون إيمان يقين، وإيمان راسخ، ووعي، وبصيرة، وفي نفس الوقت الاستحضار والتذكر لما ذكره الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” عن عالم الآخرة، من خلال تلاوة الإنسان للقرآن الكريم، وينبغي أن تكون هذه العلاقة مع القرآن الكريم، في الاهتمام بتلاوته علاقة دائمة، علاقة مستمرة، علاقة يومية، والإنسان يقرأ في القرآن الكريم وفي القرآن مساحة واسعة جداً للحديث عن عالم الآخرة، فالإنسان عندما يتلو كتاب الله، ويتلو آيات الله، ويرى تلك التفاصيل المؤثِّرة جداً، والمهمة للغاية، هذا يزيده دافعاً للتقوى، ويدرك أهميتها باستمرار، فالغفلة، وعدم الاستحضار، عدم التذكر، عدم الانتباه، يسبب للإنسان قسوة القلب، وإذا قسى قلب الإنسان؛ كان جريئاً على المخالفة لتوجهات الله، وتعليمات الله، التي هي تشكِّل وقايةً له، فيفرِّط في التقوى، وهي حالة خطيرة جداً.
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قال عن عباده المتقين المفلحين؛ ليبيِّن هذا الاستحضار للآخرة، هذا التذكر، هذا الإيمان، هذا اليقين، يحكي عنهم: {إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا}[الإنسان: الآية10]، هذا التذكر، وهذا الاستحضار مثَّل دافعاً عملياً، وكان شعوراً حياً يحملونه في قلوبهم، ومشاعرهم، ووجدانهم.
يقول عن أهل الجنة في الجنة، عن المتقين الذين لم يفرِّطوا بالتقوى، فوصلوا إلى الغاية العظمى، والسعادة الأبدية، وهم يتحدثون عن أسباب نجاتهم في الدنيا: {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ}[الطور: الآية26]، لم يكونوا في حالة غفلة دائمة مستحكمة، وإعراض، وتجاهل، واستهتار، كان هناك حالة إشفاق، محاذرة من الوقوع في سخط الله، وعذاب الله، والعقاب الإلهي.
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” ذكر أيضاً حتى عن ملائكته، وعن أنبيائه، كيف هي مشاعرهم حيَّة، كيف يعيشون حالة الحذر من المخالفة لتوجيهات الله، وتعليمات الله؛ لأنهم يؤمنون أنَّ ذلك يوقعهم في العذاب، أنَّ ذلك تفريطٌ في التقوى، فيما يشكِّل وقايةً لهم، فيقول عن ملائكته، وهم ملائكته: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[النحل: الآية50].
يتحدث عن أنبيائه كذلك، عن مخافتهم: {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ}[الإسراء: من الآية57]، يخافون من عذاب الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، يحملون مشاعر الخوف من أن يفرِّطوا في توجيهاته، في تعليماته؛ لأنهم يدركون أنَّ ذلك هو تفريطٌ فيما هو وقايةٌ لهم.
يقول عن خاتم أنبيائه وسيِّد رسوله محمد بن عبد الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}[الزمر: الآية13]، رسول الله “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ” يحمل مشاعر الخوف من أن يفرِّط في التقوى، من أن يخالف تعليمات الله، من أن يعصي الله؛ لأنه يدرك ما وراء ذلك من العذاب العظيم.
هؤلاء هم ملائكة الله وأنبياؤه، كيف بنا نحن؟! كيف بالإنسان الجاهل، الغافل، المستهتر، الذي لا يدرك الخطر الكبير الناتج عن تفريطه بالتقوى؟!
يوم القيامة وأهواله، هو مرتقبٌ ومنظور، وله ثقله في السماوات والأرض، يومٌ عظيم، ينبغي أن يلتفت الإنسان إليه، له شأنٌ يعنيه، ويتعلق به؛ ولهذا يقول الله عن القيامة، عن الساعة: {ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}[الأعراف: من الآية187]، شأنها كبير، مشهد رهيب جداً، مرتقب بين ملائكة الله، وبين خلق الله، وسيأتي حتماً، ويترتب عليه نتائج كبيرة جداً؛ ولهذا بهذه الأهمية الكبرى، كان من أهم أدوار الرسل والأنبياء ومسؤولياتهم ومهامهم: أن يكونوا مبشِّرين، وأن يكونوا منذرين؛ لإقامة الحجة على الناس، ولهذا يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}[النساء: من الآية165]؛ لأن ما يأتي أمر رهيب، وأمر عظيم جداً.
فعالم الآخرة، ويوم القيامة، ليس مجهولاً، بل أتى الحديث عن تفاصيله الكثيرة جداً في القرآن الكريم، وعن مراحله، مرحلةً بعد مرحلة، وبحديثٍ تفصيليٍ عجيب، يُشَخِّص للإنسان في حالة تقريبية- إذا تأمل الإنسان ذلك- ما يرى منه مشهداً رهيباً جداً، يدرك أنَّ من الخسران، وأن من الحمق أن يتجاهل الإنسان هذا المستقبل الآتي حتماً، الذي هو مصيرك المحتوم، ستتجه إليه، ويتقرر فيه أيضاً حياتك في عالم الآخرة، الحياة الأبدية، إمَّا بخيرٍ خالص، وإمَّا بشرٍ خالص.
عالم الآخرة مرتبطٌ ومترابطٌ مع عالم الدنيا، فمنذ بداية التكوين في تدبير الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، أن يكون هناك عالم الدنيا (العالم الأول)، وعالم الآخرة، وليس فقط عالماً واحداً، وحياة الإنسان- كذلك- في تدبير الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” منذ البداية، الإنسان مخلوق لحياتين: الحياة الأولى، والحياة الآخرة، بينهما فاصلٌ قصيرٌ جداً، هو الموت، والإنسان سيستشعر حين البعث كم كان الموت فاصلاً قصيراً جداً، قد يتصوَّره الإنسان بمقدار ساعة واحدة، أو بعض يوم، فالإنسان منذ البداية في تدبير الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو مخلوقٌ لحياتين بينهما ارتباط، حياة محدودة، بأجل محدود، قصيرة جداً في مقابل الحياة الأخرى، التي هي أبدية، لا نهاية لها؛ ولذلك ينبغي على الإنسان بما أنَّ مصيره في الحياة الأخرى مرتبطٌ بهذه الحياة، وبما يعمله في هذه الحياة، ينبغي أن يحسب حساب حياته الأخرى، وليس فقط يتَّجه إلى هذه الحياة ناسياً ذلك المستقبل الأبدي، حسابات الإنسان واهتماماته ينبغي أن تكون مبنيةً على ذلك.
أتى الحديث عن عالم الآخرة، وعن نهاية هذه الحياة في القرآن الكريم بعناوين مهمة جداً، عناوين تبيِّن لنا رهبة وعِظَم ذلك المستقبل الآتي حتماً: القيامة، والساعة، والواقعة، والقارعة، والطامة الكبرى، والصاخة، والحاقة، هذه من الأسماء والعناوين التي تعبِّر عن هول المرحلة الثانية للوجود، هذه المرحلة الآتية في جزئيها: نهاية هذه المرحلة الأولى، وبداية المرحلة الأخرى في النفخة الأولى والنفخة الثانية، الصيحة الأولى والصيحة الثانية.
في مقدمة ما ينبغي أن نعرفه عن القيامة، وعن أهوالها: أنَّها قد اقتربت، أنها قريبةٌ جداً، وأنها بالنسبة لنا في هذا العصر أقرب من أيِّ زمنٍ قد مضى، نحن آخر الأمم، نحن على مقربةٍ- فعلاً- من قيام الساعة، من نهاية المرحلة الأولى من الوجود، ومجيء المرحلة الثانية في عالم الآخرة، نحن على مقربة- نحن أهل الأرض بشكلٍ عام- نحن على مقربة أكثر من كل الأجيال البشرية التي قد مضت في التاريخ، فنحن على مقربة من نهاية هذه الحياة، على قربٍ من قيام القيامة والساعة، نحن على مقربةٍ من نهاية التاريخ، نحن في حقبة نهاية التاريخ، في المراحل المتأخرة جداً، وهذا ما أكَّده الله في القرآن الكريم؛ ولذلك ختمت رسالات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بخاتم النبيين، وسيِّد المرسلين محمد بن عبد الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، فكان ختام الأنبياء، وكانت رسالة الله إليه هي نهاية الرسالات، وختام الرسالات؛ لأن البشر على مقربة من القيامة، من الحساب والجزاء.
ومع قربها، هي ستأتي بغتة، ليس هناك وقت محدد يتصوَّر الإنسان أنه في يوم كذا، في ساعة كذا- سواءً من ليلٍ أو نهار- تقوم الساعة، ستأتي بغتة، في وقتٍ غير متوقع، معنى مجيئها بغتة: أنها ستأتي في مرحلة، في وقت، في لحظة لا يتوقع المجتمع البشري حتى بالرغم مما يمتلكه البشر في هذا العصر من تقنيات، من إمكانات، وقد تطوَّرت العلوم بمختلفها، علوم الفلك… وغيرها من العلوم، تطوَّرت وامتلك البشر فيها أيضاً وسائل وتقنيات، وإمكانات متطورة، مع كل ذلك ستأتي في وقتٍ غير متوقع، خارج الحسابات والقراءات، ولو كان لدى البشر مراصد فلكية، وحسابات رياضية لحركة الأفلاك، وحركة الكواكب، وحركة الأرض، ولكن ستأتي في وقتٍ لا يتوقعونها أبداً، بغتة، وهذا ما أكَّده القرآن الكريم في آياتٍ كثيرة، فلا يعرف أحدٌ اللحظة التي تحصل فيها، تجيء فيها الساعة، وتقوم فيها القيامة، إلَّا الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً}[الأعراف: من الآية187]، فهي قريبة، كما قال عنها: {أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57) لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ}[النجم: 57-58].
النفخة الأولى كما في التعبير القرآني، والصيحة الأولى أيضاً كما في تعبيرات قرآنية، يختل بها نظام عالمنا هذا، في سمائه وأرضه، وتدمِّر الأرض بكلها تدميراً كلياً هائلاً، بزلزالٍ عظيمٍ شامل، يسحق جبالها بكلها، بالرغم من كثرة الجبال في الأرض، من قوتها، مما فيها من الصخرات، وهي أوتاد للأرض، هذه الجبال الشامخة، الممتدة على مساحات ورقعة واسعة في الأرض، تنسف بشكلٍ نهائي نتيجةً لذلك الزلزال العظيم، وتتحول إلى هباء، إلى غبار يتطاير في الجو وتنتهي؛ ولهذا يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ}[الحاقة: الآية13]، واحدة فقط، {وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً}[الحاقة: الآية14]، يعني: لا يحتاج كل جبل إلى نفخة، وإلى صيحة، وإلى حادث منفرد به، ثم ينتقل إلى الجبل الآخر، فيبدأ بها جبلاً ثم جبل، إلى آخر الجبال في الأرض، بل في نفحةٍ واحدة تدك كل الجبال، تنسف كل الجبال التي على الأرض، {فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ}[الحاقة: الآية15].
الزلزال الذي يُدمِّر الأرض بكلها، وبكل ما عليها من الجبال، فما بالك بالعمران! إذا كانت الجبال بكل قوتها، وشموخها، وثقلها، وكبرها، وصخراتها الصلبة، وجبال كثيرة هي بذاتها صلبة، تدمَّر وتنسف في لحظةٍ واحدة، في نفحةٍ واحدة، في صيحةٍ واحدة، فما بالك بما على الأرض من عمران، من مدن، من قرى، من منشآت عمرها الإنسان على كوكب الأرض، كلها ستنسف، لا يتخيل الإنسان هذه الحالة الرهيبة، هذا المشهد المهول جداً، من الدمار والخراب الذي ينسف كل ما على الأرض من المدن والقرى في لحظةٍ واحدة، في لحظة واحدة يتم تدمير كل ما على الأرض، من مدن، من منشآت، من عُمران، من مبانٍ، كل ما عمره الإنسان، وتنتهي كل معالم الحياة على الأرض، كل ما على الأرض من معالم للحياة؛ ولهذا يقول الله: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا}[الزلزلة: 1-5]، في بداية الأمر يصاب الإنسان بالذهول، بالدهشة، بالحيرة، بالخوف؛ لكنه سيهلك، يهلك كل البشر الذين تأتي الساعة وهم على قيد الحياة، يهلكون بأجمعهم، كل الكائنات الحية على وجه الأرض كلها تنتهي، كلها تموت، كلها تهلك.
{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ}[الرحمن: الآية26]، يفنى كل ما على وجه الأرض من كائنات حية، الأرض التي كانت تنتشر فيها الكائنات الحية باختلافها وأنواعها، في برها وبحرها، كل تلك الكائنات الحية تموت، كل ما على الأرض يفنى، لا يبقى ولا كائنٌ حي على وجه الأرض.
تنسف الجبال بكلها، تمحى كل معالم العمران على الأرض، كما قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا}[الكهف: الآية8].
حتى البحار والمحيطات، التي تغطي نسبة واسعة من كوكب الأرض، تتبخر وتتلاشى، {وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ}[الانفطار: الآية3]، {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ}[التكوير: الآية6]، تتلاشى وتنتهي، لا يبقى على الأرض لا مياه، ولا جبال، ولا عمران… ولا أي معالم من معالم الحياة التي كانت قائمةً عليها، تتحول الأرض إلى صعيد، إلى جُرُز، ليس فيها أي نبات، ولا أي غابات، ولا أي معالم من معالم الحياة، ولا ماء… ولا أي شيء، {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا}، لا نبات فيه، ولا حياة فيه.
يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا}[طه: 105-107]، لا ترى في الأرض تتحول إلى ساحة مستوية تماماً، وصعيدٍ مستوٍ، ليس فيها لا جبال، ولا منخفضات، ولا وديان، ولا أنهار، ولا بحار… ولا أي معالم من معالم الحياة، ينمحي كل ما عليها من معالم الحياة، ومن العمران، تصبح صعيداً جُرُزاً، وقاعاً صفصفاً مستوياً تماماً، ليس فيه أي شيء آخر.
{لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا}: مستوية بشكلٍ تام، بشكلٍ تام، يتغير وضع الأرض بشكلٍ كامل، ومعالمها، صورتها وشكلها، كل شيء يتغير، يتغير، الآن للأرض شكلها، ولها لونها، بالبحار والمحيطات التي تغطيها، بالغابات التي تغطِّي مساحةً منها، وفي أماكن منها أيضاً معالم العمران الذي عمره البشر، من مدن وقرى، كل ذلك ينتهي، ولا مزارع، ولا نباتات… ولا أي شيء، شكل مختلف تماماً.
ليس فقط هذه المتغيرات التي تأتي على الأرض، في نهاية المرحلة الأولى من الوجود، وتمهيداً للمرحلة الثانية، بل يشمل السماء، السماء في بداية أمرها تنشق، السماء يقول الله عنها: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ}[الانفطار: الآية1]، {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}[الانشقاق: الآية1]، {وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ}[الحاقة: الآية16]، يتغير لونها {كَالدهَانِ}[الرحمن: من الآية37]، كما ورد في الآية المباركة، ثم تطوى وتتلاشى وتنتهي، كما قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ}[الأنبياء: من الآية104]، تطوى وتنكمش وتتلاشى.
الشمس التي هي نجمٌ ملتهبٌ، متوقدٌ، مستعرٌ، هائل، كبير الحجم جداً، تنتهي، {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}[التكوير: الآية1]، النجوم تتساقط {وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ}[التكوير: الآية2]، كذلك يطمس نورها وينمحي، ويظلم العالم ظلاماً مطبقاً وبشكلٍ تام، وهكذا الشمس والقمر تصطدم ببعضها البعض، {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ}[القيامة: الآية9].
فينتهي هذا العالم بكل ما فيه، ويعيد الله صياغته من جديد؛ لتبدأ المرحلة الثانية من الوجود فيما بعد ذلك، كما قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {يَوْمَ تُبَدلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ}[إبراهيم: من الآية48]، يعيد الله صياغة الأرض وتشكيلها، وتشكيل السماوات والأرض، لمهمة مختلفة، الأرض عندما يغيِّر الله حالها، لا يبقى فيها الجبال، ولا البحار، ولا النباتات، وتتحوَّل إلى صعيدٍ مستوٍ تماماً؛ لأن لها مهمة، مهمة أخرى، غير المهمة السابقة، مهمة الحشر عليها، والحساب عليها، تمهيداً للانتقال إلى عالم الجزاء.
ما بين المرحلتين: مرحلتي القيامة والساعة، في مرحلتها الأولى التي هي نهايةٌ للوجود، وخرابٌ لنظام العالم لإعادة تشكيله وصياغته، إلى المرحلة الثانية، التي أعيد فيها تشكيل هذا العالم من جديد؛ لتبدأ مرحلة جديدة هي الحياة الأخرى، وليبدأ الناس في البعث والحشر إلى عالم الآخرة، هي مرحلة ليست بعيدةً جداً قياساً بما قد مضى من الزمان؛ ولهذا يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ}[النازعات: 6-7]؛ ليبيِّن القرب ما بين النفخة الأولى والنفخة الثانية، والله أعلم كم هو قياساً بالنسبة للزمن.
يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ}[الزمر: من الآية68]، هذا الاستثناء لما خارج الأرض، أمَّا الأرض فهو قال عنها: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ}[الرحمن: الآية26]، {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}[الزمر: من الآية68]، بعد إعادة تشكيل الأرض والسماوات والعالم من جديد، تأتي النفخة الثانية، والصيحة الثانية، صيحة البعث، صيحة الحشر والنشور، في يوم النشور، في يوم البعث.
نستكمل الحديث على ضوء بعضٍ من الآيات المباركة القرآنية عن مرحلة الحشر، والنشر؛ والحساب، والجزاء؛ والجنة، والنار، باختصارٍ- إن شاء الله- في محاضرة الغد.
نَسْألُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّج عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: فی القرآن الکریم المرحلة الثانیة کل ما على الأرض فی هذه الحیاة کما قال الله ى الإنسان أن یکونوا فی الآخرة فی التقوى فی الدنیا خطیرة جدا س ب ح ان ه ع ل ى آل ت ع ال ى ینبغی أن إلى عالم فی الأرض الأرض من فی لحظة التی هی من خلال على مدى ات الله ال أ ر ض أن یکون إ ذ ا ال ل وقایة م او ات ة الله ات الل ولا أی ر الله التی ت فی ذلک فی وقت فی یوم الذی ی
إقرأ أيضاً:
مرايا الوحي.. حكايات المحاضرات الرمضانية للسيد القائد “المحاضرة الأولى”
يمانيون/ مراد شلي
مرايا الوحي: حكايات المحاضرات الرمضانية للسيد القائد . ( تجسيد المحاضرات الرمضانية كـ”مرايا” تعكس أنوار المعرفة الإلهية بطريقة السرد الروائي )
( قراءة مختلفة للمحاضرة الرمضانية الأولى )
يجلس نظام مستمعاً لزميله ريّان وهو يحدثه عن محاضرات السيد القائد التي يتابعها منذ ثلاثة أعوام والطريقة المتفردة التي يقدم فيها الحياة الإنسانية بطريقة روحانية ايمانية ويشد القارئ القرآن الكريم لتدبره وفهم معانيه وتقديمه للقصص القرآنية بطريقة مختلفة أي نظام طالب عراقي سنة ثانية بمعهد التكنولوجيا بالجامعة التقنية الوسطى يبلغ من العمر 33 عاماً وقد تأخر في دراسته بسبب قضاءه عشر سنوات في تيه وطيش أودت به ليكون مدمناً للمخدرات ومن ثم انضمامه لداعش المتطرفة .
لكنه عاد لحياته الطبيعية بعد ان وقفت معه اسرته وتعالج من ادمان المخدرات وتطرف داعش .
يعود ” نظام ” مسرعاً من جامع الحارة المجاور لمنزله ليجلس امام الشاشة متسمراً على قناة المسيرة حيث ستنطلق للتو محاضرة السيد القائد الرمضانية الأولى لهذا العام :-
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ جَمِيعِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُه
في هذا الشهر المبارك، عادةً ما نبدأ حديثنا بالتركيز على أهمية التقوى؛ باعتبار ذلك من الأهداف الأساسية لفريضة الصيام في شهر رمضان المبارك، وباعتبار هذا العنوان من أهم العناوين، التي أخذت مساحةً كبيرةً في القرآن الكريم، باعتبار أهميتها للإنسان نفسه، لنا نحن، نحن بحاجةٍ كبيرةٍ إلى أن نستوعب هذا المفهوم، وأن نسعى للعناية به في واقع حياتنا.
لأهمية التقوى، احتل هذا العنوان، كصفة أساسية بارزة لعباد الله المؤمنين، المرتبة الثانية بعد الإيمان، ولذلك يصف الله عبادَهُ الَّذين استجابُوا لرسالته ودعوته واتبعوا هديهُ بالمؤمنين، ثم تأتي في سياق المواصفات البارزة للمؤمنين صفة المتقين، وأتى الوعد الإلهي بالجنة، والمغفرة، والرضوان، والتوفيق، والهداية.
– ما اطيب هذا الحضور الايماني لهذه الشخصية لقد بدأ بخير بداية ليجعلنا شغوفين لمتابعة المحاضرة
كثير من الوعود الإلهية أتت في القرآن الكريم مبنيةً على أساس التقوى، ففي الوعد بالجنة، النعيم العظيم، والسعادة الأبدية، والفوز العظيم، أتى التركيز على عنوان التقوى، يقول الله “جَلَّ شَأنُهُ”: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}[آل عمران:133]، {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا}[مريم:63]، كذلك الكثير من الوعود الإلهية، سواءً ما يتعلق منها بعاجل الدنيا: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا}[الطلاق:2]، أو ما يتعلق أيضاً بالآخرة، في الحساب وتيسيره، في الجنة، في الفوز العظيم… إلى غير ذلك، فيما يتعلق أيضاً بالارتقاء الإيماني والهداية الإلهية: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}[الأنفال:29]، وهكذا الكثير من الآيات تركز على عنوان التقوى، فعنوان التقوى هو عنوانٌ مهمٌ جداً، فعندما قال الله “جَلَّ شَأنُهُ” عن فريضة الصيام في شهر رمضان: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة:183]، ندرك أهمية التقوى في ما تعنيه لنا، مما يترتب عليها من نتائج لنا نحن، نحن في أمسِّ الحاجة إلى تلك النتائج والآثار المترتبة على التقوى.
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هدانا في كتابه الكريم، وعلى لسان رسوله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم”، إلى ما تتحقق لنا به التقوى، ما يقينا، ما يقينا من المخاطر، من الشرور؛ ولـذلك فأوامر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” ونواهيه، ومن خلال الالتزام بها، تحقق لنا كل هذه النتائج؛ لأن التقوى هي تتمحور حول الالتزام بأوامر الله ونواهيه، هي- في واقع الحال- حالة نفسية تدفع الإنسان إلى الالتزام؛ لأنه يعي المسؤولية تجاه ما يعمل، يدرك أهمية الأعمال، وما يترتب عليها من نتائج
فالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وهو الذي خلقنا وأنعم علينا، ويريد لنا الخير، ويريد لنا الفوز العظيم والسعادة الأبدية، لذلك نجد أنه لم يتركنا لنكون في حالة تخبط في هذه الحياة، فنتَّجه على أساس ونحن نبني نحن بأنفسنا في رؤانا، في تصوراتنا، في أفكارنا، ونرسم لأنفسنا الأعمال التي نتصور أنها تحقق لنا الخير، لم يتركنا الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في حالة فراغٍ من هدايته، بل هو ربنا المالك لنا، المنعم علينا، ولي نعمتنا، ونحن عبيده، في مقام المسؤولية أمامه؛ ولـذلك فهو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” ابتدأنا هو بالهداية إلى ما فيه الخير لنا، وما فيه الوقاية لنا، ليس فقط على مستوى ما يقينا من العواقب السيئة للأعمال السيئة، والتفريط في المسؤوليات الكبيرة، بما ينتج عن ذلك من عواقب خطيرة على الإنسان في الدنيا، والعواقب الخطيرة الكبرى في الآخرة، بل أيضاً يدلنا على الأعمال العظيمة التي تتحقق بها النتائج الكبيرة لنا نحن، من حياةٍ طيبة في هذه الدنيا، كما وعد الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ومن سعادةٍ أبديةٍ (للأبد) في النعيم العظيم، فيما وعد الله به في الآخرة.
– ما اعظم نعمة الهداية من الله عز وجل لما فيه الخير لنا وما فيه الوقاية لنا … هكذا حدث نفسه نظام
لذلك فمن أهم ما يساعد الإنسان على الاهتمام بالتقوى، والالتزام بالتقوى، هو: وعيه بأهمية الأعمال، وما يترتب عليها من نتائج، وإيمانه بوعد الله ووعده، هذه مسألة مهمة جداً، عندما نلتفت إلى واقع حياتنا، فنرى من الظواهر المنتشرة في أوساط الكثير من الناس هي: عدم تفاعلهم مع أعمال ذات أهمية كبيرة جداً، أعمال عظيمة، أعمال كبيرة يسمِّي الله، بعضها بالتجارة، مثل: الجهاد في سبيل الله، أعمال يتحقق من خلالها الخير الكبير للإنسان، وكذلك التهاون عند الكثير من الناس تجاه أعمال سيئة، أعمال خطيرة، أعمال يترتب عليها نتائج وخيمة للإنسان في الدنيا وفي الآخرة بشكلٍ رهيبٍ جداً، هذا كله من نقص التقوى،
– صدقت يا سيد عبدالملك فالجهاد بنظرنا كان ليس في اجندات حياتنا ومغيب عنا هكذا عقب نظام
ونحن قلنا: الذي ينقصنا كأمةٍ مسلمةٍ وعالمٍ إسلامي، ومنتمين لهذا الإسلام، تنقصنا التقوى، النقص هنا في موضوع التقوى، نعمة الإسلام والانتماء للإسلام هي نعمةٌ عظيمة، تهيئ لنا الفرصة لأن نتَّجه في مسيرة حياتنا على أساس هدى الله، على أساس تعليماته، على أساس توجيهاته، وهنا كل الخير؛ لأن انتماءنا للإسلام أننا نؤمن بالله، نؤمن باليوم الآخر، نؤمن بكتب الله ورسله، وهذا يهيئ لنا أن تكون انطلاقتنا في مسيرة حياتنا وفي أعمالنا مبنيةً على أساس هذا الإيمان، وهذا الانتماء، لكن يحصل الخلل مع غفلة الناس، مع اتِّباع الكثير لأهواء أنفسهم، عندما يتَّجه الإنسان في أعماله وتصرفاته اتِّجاهاً غريزياً بناءً على الغريزة، على هوا النفس، على رغبات النفس، على شهوات النفس، سواءً فيما يعود إلى رغبة لشهوة، أو فيما يعود إلى حالة انفعال وغضب، ينتج عنها رغبة لتصرف معين، أو فعل معين، أو ردة فعل معينة، أو فيما يترتب على حالة المخاوف أحياناً لدى الكثير من الناس، التي تؤثر عليهم في مسألة التقوية نفسها، فوعينا من خلال القرآن الكريم، من خلال هدى الله وتعليماته، وما ارشدنا اليه رسوله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، وعينا بأهمية الاعمال، وعدم التهاون تجاه ما نعمل، ما نقولهم، ما نتصرف فيه من تصرفات، ما هي مسؤولياتنا في هذه الحياة،
– يجب ان ننطلق في حياتنا كما قلت يا سيد عبدالملك على أساس هُدى الله عز وجل متمثلة كنعمة انتماءنا للاسلام
هذا الوعي مهم لنا في تحقيق التقوى، إيماننا بوعد الله ووعيده، والوعد والوعيد أخذ مساحةً كبيرةً جداً في القرآن الكريم؛ لأن من المهام الأساسية لكتب الله ورسل الله هو الإنذار والتبشير:
الإنذار بالتنبيه والتحذير من العواقب السيئة للأعمال السيئة، وما يترتب عليها من العقوبات في الدنيا والآخرة.
الإنذار أيضاً بالآخرة وما فيها من الجزاء.
وكذلك التبشير على الأعمال الصالحة.
– كان جسد نظام يرتعد تارة من تعرفه على معنى التقوى وماهيتها وتجسيدها في واقع الانسان ومن عظيم الحديث عن التقوى واثار التفريط في المسؤوليات
ولذلك خلال شهر رمضان، والإنسان يتلو كتاب الله، عليه أن يتدبر، أن يتأمل، أن يركز على الوعد والوعيد في القرآن الكريم، وعلى ما في القرآن من هدايةٍ مهمةٍ وعظيمة.
من المبادئ الأساسية في الوعد والوعيد هو: مبدأ الجزاء: ما نعمله نجازى عليه، هذا مبدأٌ مهمٌ، الله يقول عن كل نفسٍ بشرية في مقام المسؤولية والتكليف، {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}[البقرة:286]، هذا المبدأ المهم يجب أن يُرَسِّخه الإنسان في نفسه، وأن يستحضره في ذهنه، في كل مواقع الحياة، في كل مقامات الحياة، في كل ظروف الحياة؛ لأن غفلة الإنسان عن ذلك تجعله يستهتر تجاه ما يعمل، وكأنه لا يجازى عليه، ولا يعاقب عليه، أو لا يتفاعل مع أعمال ذات أهمية كبيرة، جزاؤها عظيم، من ورائها خيرٌ كبيرٌ لهُ.
ولأهمية هذا المبدأ، أتى الحديث عنه كثيراً في القرآن الكريم؛ باعتباره من المبادئ الأساسية التي ترتبط بعدل الله وبحكمته أيضاً؛ لأن هذا من عدل الله ومن حكمته، وأيضاً ترتبط بملكه؛ لأنه هو الملك، ملك السماوات والأرض، وملك الناس، لم يخلقنا عبثاً في هذه الحياة لنتصرف كيفما نشاء ونريد، ونعمل كما تهواه أنفسنا، وبما تهواه أنفسنا، ومن دون أن نجازى على ذلك.
– اللهم اني نويت ان اركز على الوعد والوعيد في القرآن الكريم وان استحضره في حياتي العملية وفي جميع رسائل القرآن الكريم …. هكذا حدث نفسه نظام
الإنسان كلما استحضر هذا المبدأ، ورسَّخه في نفسه، كلما التزم بالتقوى، لأنه يدرك أنه يجاز على كل ما يعمل، إن خيراً فخيراً، وإن شراً فشر، ليست المسألة عبث، ليست عبثاً، ليس الوضع بالنسبة للإنسان مهدوراً، ولهذا يقول الله في القرن الكريم: {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}[الجاثية:22]، فمسألة الخلق بنفسها مبنيةٌ على هذا المبدأ العظيم، خلق السماوات والأرض، وخلق الإنسان، خلق الكائنات التي هي في مقام المسؤولية، مبنيٌ كله على هذا المبدأ المهم، لابدَّ من الجزاء، الإنسان سيجازى.
كذلك الآخرة اليوم الآخر، يقول الله: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ}[طه:15]، هي آتية الساعة، ونحن آخر الأمم، ومسيرة الحياة البشرية قريبة من النهاية، والقيامة قريبة، اقتربت الساعة، {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى}[طه:15].
– لقد قدم السيد عبدالملك قراءة متفردة لمسألة خلق الانسان ووجوده المبنية على مبدأ الجزاء الذي لا بد منه
ولذلك خلال شهر رمضان، والإنسان يتلو كتاب الله، عليه أن يتدبر، أن يتأمل، أن يركز على الوعد والوعيد في القرآن الكريم، وعلى ما في القرآن من هدايةٍ مهمةٍ وعظيمة.
من المبادئ الأساسية في الوعد والوعيد هو: مبدأ الجزاء: ما نعمله نجازى عليه، هذا مبدأٌ مهمٌ، الله يقول عن كل نفسٍ بشرية في مقام المسؤولية والتكليف، {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}[البقرة:286]، هذا المبدأ المهم يجب أن يُرَسِّخه الإنسان في نفسه، وأن يستحضره في ذهنه، في كل مواقع الحياة، في كل مقامات الحياة، في كل ظروف الحياة؛ لأن غفلة الإنسان عن ذلك تجعله يستهتر تجاه ما يعمل، وكأنه لا يجازى عليه، ولا يعاقب عليه، أو لا يتفاعل مع أعمال ذات أهمية كبيرة، جزاؤها عظيم، من ورائها خيرٌ كبيرٌ لهُ.
ولأهمية هذا المبدأ، أتى الحديث عنه كثيراً في القرآن الكريم؛ باعتباره من المبادئ الأساسية التي ترتبط بعدل الله وبحكمته أيضاً؛ لأن هذا من عدل الله ومن حكمته، وأيضاً ترتبط بملكه؛ لأنه هو الملك، ملك السماوات والأرض، وملك الناس، لم يخلقنا عبثاً في هذه الحياة لنتصرف كيفما نشاء ونريد، ونعمل كما تهواه أنفسنا، وبما تهواه أنفسنا، ومن دون أن نجازى على ذلك.
– اللهم اني نويت ان اركز على الوعد والوعيد في القرآن الكريم وان استحضره في حياتي العملية وفي جميع رسائل القرآن الكريم …. هكذا حدث نفسه نظام
الإنسان كلما استحضر هذا المبدأ، ورسَّخه في نفسه، كلما التزم بالتقوى، لأنه يدرك أنه يجاز على كل ما يعمل، إن خيراً فخيراً، وإن شراً فشر، ليست المسألة عبث، ليست عبثاً، ليس الوضع بالنسبة للإنسان مهدوراً، ولهذا يقول الله في القرن الكريم: {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}[الجاثية:22]، فمسألة الخلق بنفسها مبنيةٌ على هذا المبدأ العظيم، خلق السماوات والأرض، وخلق الإنسان، خلق الكائنات التي هي في مقام المسؤولية، مبنيٌ كله على هذا المبدأ المهم، لابدَّ من الجزاء، الإنسان سيجازى.
كذلك الآخرة اليوم الآخر، يقول الله: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ}[طه:15]، هي آتية الساعة، ونحن آخر الأمم، ومسيرة الحياة البشرية قريبة من النهاية، والقيامة قريبة، اقتربت الساعة، {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى}[طه:15].
– لقد قدم السيد عبدالملك قراءة متفردة لمسألة خلق الانسان ووجوده المبنية على مبدأ الجزاء الذي لا بد منه
يقول الله أيضاً: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}[النجم: 39]، فمصيرك أنت هو مرتبطٌ بسعيك، بعملك، مسألة مصير، العمل ليست مسألة عادية، مصيرك الأبدي متوقفٌ على أعمالك، مرتبطٌ بها، {وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى}[النجم:40-41]، فنتائج الأعمال وتبعاتها بحسبها،
يعني: إن كان اتِّجاه الإنسان قائماً على الإيمان، والعمل الصالح، والاستجابة لله تعالى، والاستقامة، والتقوى، كان هذا المسار مساراً عظيماً، وفق وعد الله “جَلَّ شَأنُهُ”، أنت تحصل على الجزاء من الله، لن تُظْلَم، لن يضيع عليك من عملك الصالح ولا مثقال ذرة، ولا اي شيء أبداً.
يقول الله: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا}؛ ولذلك عندما يُدعى الإنسان إلى ما هو عملٌ صالح، فيتصور المسألة وكأنها عبئاً إضافياً، كأنه شيءٌ لا يعنيه، وحملٌ وعبءٌ عليه، هذا نقص في استيعاب هذا المفهوم، أنه لنفسك أنت، أنت المستفيد من ذلك، لهذا نتائج لك أنت، منها ما يأتيك في هذه الدنيا، ومنها ما يأتيك في الآخرة، في مستقبلك الأبدي والدائم، وعلى مستوى عظيم جداً، على مستوىً عظيم من النعيم، من التكريم، من الجزاء العظيم.
لو استوعب الإنسان ورسَّخ في نفسه هذا المبدأ المهم، لما كانت نظرته أبداً إلى الأعمال الصالحة، إلى الأعمال العظيمة، إلى ما يدعونا الله إليه، وكأنه عبء، وكأنه حِمْل، وكأنه مشكلة يسعى للخلاص منها، أو كأنه شيءٌ ثانوي لا يعنيه وليس له صلةٌ به.
– لو ارتبط الانسان بهذه الحياة من واقع ان مصيره مرتبط بالسعي
{وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا}، كذلك جرأة الإنسان في الأعمال السيئة، والتصرفات السيئة، والأفعال والأقوال السيئة، هذه الجرأة هي ناتجةٌ عن غفلة، أو عدم إيمان؛ إمَّا أن الإنسان يتناسى ويتغافل أنه يسيء على نفسه، يُحَمِّل نفسه الأوزار على مستوى ما يقوله من الأقوال السيئة، كل كلمة سيئة يترتب عليها نتائج تعود عليك أنت، وكذلك الأفعال والتصرفات، التي قد ينطلق الإنسان فيها كما قلنا:
إما بشهوة، اتِّباعاً للشهوات والأهواء.
وإمَّا في إطار الغضب والانفعال، وهي كذلك رغبة مبنية على حالة غضب. أو في إطار المخاوف.
أي حالة من الدوافع التي تؤثِّر على الكثير من الناس، لكن عندما يدرك الإنسان أنه يسيء على نفسه، يتحمل هو التبعات والعواقب لتلك الإساءة، سواءً كانت بشكل عمل، أو موقف، أو كلام… أو غير ذلك، {وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا}.
عِظم الجزاء يدل على عظيم المسؤولية بالنسبة للإنسان، يعني: ليست المسألة حتى في مسألة الجزاء أنه جزاء عادي، هناك جزاء يحصل في الدنيا، جزءٌ منه فيما وعد الله به في الدنيا، وهو شيءٌ له أهميته بالنسبة للإنسان، وعد الله المؤمنين المتقين بالحياة الطيِّبة، بالعزَّة، بالنصر، بأشياء كثيرة وعدهم بها في الدنيا، بالخير، بالبركات… كلها ذات أهمية وتمثل حاجةً كبيرةً للإنسان، على المستوى الشخصي، وعلى المستوى الاجتماعي كمجتمع.
ولكن ليس هذا فحسب، هناك أيضاً الآخرة، ما يأتي في الدنيا هو شيءٌ من الجزاء، نسبة محدودة من الجزاء، لكن يوفَّى الإنسان جزاءه في الآخرة، الآخرة التي هي مصيرٌ أبديٌ خيرها خالصٌ عظيمٌ جداً جداً على أرقى مستوى، فيما يتعلق بالتكريم المعنوي، فيما يتعلق بالنعيم المادي، والإمكانات المادية، والحياة المادية، والتكريم في ما هو في مرحلة الحساب، في ساحة القيامة، وفي ما هو في الجنة، الجنة التي قال الله عنها: {عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}[آل عمران:133]، الجنة التي فيها كل أنواع النعيم المادي الذي يشتهيه الإنسان، وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، ولكن على أرقى مستوى، بما عَبَّر عنه رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم”: ((فِيْهَا مَا لَا عَينٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَت، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلبِ بَشْر))، أرقى نعيم، يعني: جزاء عظيم جداً، وللأبد {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}، {لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا}[الكهف:108]، يستقرون للأبد، بسعادة دائمة، بنعيمٍ عظيمٍ مستمرٍ، ليس فيه هرم، ولا مرض، ولا هم، ولا غم، ولا أي منغصات أبداً.
والشر في الآخرة كذلك شرٌ خالص، ليس معه أي لحظة من الراحة، أو لحظة يُفْرَج عن الإنسان ما هو فيه من الشدة والعذاب، على المستوى النفسي وعلى المستوى الجسدي، بدءاً من ساحة القيامة، في هول الحساب، في تشديد الحساب، في الخزي يوم الحساب، في الحسرات والندم الشديد جداً، ثم في الذهاب إلى جهنم، في الحشر إلى جهنم، في العذاب في النار والعياذ بالله، الاحتراق الدائم في نار جهنم، العذاب بكل ما فيها: بشرابها الحميم والصديد، بطعامها الزقوم، الذي يغلي في البطون كغلي الحميم، بكل ما فيها من العذاب الشديد جداً، الذي لا ينفك عن الإنسان ولا لحظةً واحدة، ليس فيها ولا بمستوى ثانية واحدة، ما يعادل ثانية واحدة يمكن للإنسان أن يرتاح فيها، يطلبون يوماً واحداً يخفف عنهم فيه العذاب على مستوى التخفيف، ولا يستجاب لهم، يعني: شرٌ رهيب، في مقابل الخير .
– ظل جسد نظام يرتعد والسيد القائد يقدم مآلات عمل الخير والشر المسنودة بوعيد الله في القرآن الكريم .
فالجزاء الكبير في الآخرة، الذي هو مصيرٌ أبدي، يدل على ماذا؟ على أهمية مسؤوليتنا في هذه الحياة، على الأهمية الكبيرة لأعمالنا، التي نعملها بدون مبالاة، أو اكتراث، أو لا ندرك أهميتها، فالإنسان بحاجة إلى أن يصحح نظرته تجاه الأعمال، في مجال الخير، وأهميتها الكبيرة، وما يترتب عليها، وفي مجال الشر كذلك، وما يترتب عليها، ولهـذا يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ}[لقمان:8]، في مقابل الإيمان والعمل الصالح هناك هذا الفوز العظيم: {لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ}، فهي أعمال ذات قيمة كبيرة، لها أهميتها بالنسبة لمستقبلك الأبدي والدائم، لأن يكون في جنات النعيم، {خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[لقمان:9]، فكيف لا ترغب؟ كيف لا تتوفر لديك الدوافع للعمل الصالح، للأعمال التي دعاك الله إليها، وهي أعمال عظيمة، أعمال هي شرفٌ لك في هذه الحياة، أعمال هي مُيَسَّرة في هذه الحياة، الله يسَّر للإنسان أعمال الخير، ليست في أصلها شاقّة، بالقدر الذي هناك في مقابلها من الأعمال السيئة مشاق أكبر، مشقتها قد تكون في المستوى المعتاد لظروف الحياة، ومع ذلك يأتي التيسير حتى في هذه النسبة من المشقة، التي هي في المستوى المعتاد في ظروف حياة الناس في سائر أعمالهم، حتى الأعمال العادية جداً، التي هي أعمال في معيشتهم وكسب حياتهم، وما يترتب على ذلك.
– يجب ان تكون نصحح نظرتنا ونوايانا لاعمال الخير صدقت يا سيد عبدالملك ومنها ياتي التيسير من الله اذا ما كانت النية صادقة والعزيمة حقيقية لعمل الخير
فهذه الأعمال التي لها أهمية كبيرة، كُلّ عمل تنجزه له مقابل عند الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في إطار هذا الوعد العظيم: الجنة وما فيها من النعيم، كل عمل من الأعمال الصالحة هو رصيدٌ لك، {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا}[المزمل:20]، يعني: شيءٌ لك أنت، أنت المستفيد منه، لا تتصور وكأنك أسديت جميلاً لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، هو غنيٌ عنك، غنيٌ عن أعمالك، أنت أنت المستفيد
يقول الله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26]؛ لأن الله يزيدهم من فضله، هناك ما هو يقابل عملك من الجزاء العظيم والكبير والمهم في مقابل الأعمال الحسنة، أنت كنت محسناً في هذه الدنيا، تعمل الأعمال الحسنة، وتحسن إلى عباد الله؛ لأن عنوان الإحسان هو يشمل أن تكون أعمالنا أعمالاً حسنة، في مقابل الأعمال السيئة، ألَّا نسيء في تصرفاتنا، في أقوالنا، في أعمالنا، هذا يتحقق للإنسان بالتزامه بتوجيهات الله وتعليماته وأوامره، وانتهائه عن نواهيه، هذا يحقق لك أن تكون أعمالك أعمالاً حسنة، وأن تكون محسناً في أعمالك وتصرفاتك، وليس مسيئاً، وكذلك في قيمة الإحسان إلى عباد الله، في فعل الخير لهم، في فعل البر إليهم، في العطاء لهم… في كل أشكال الإحسان التي إليهم.
(وَزِيَادَةٌ) من الله، زيادة واسعة وكبــــيرة من فضله العظيم، زيادة على ما يقابل جهدك وعملك، يكافئك الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، مع أن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بكرمه العظيم، في ما قرره للإنسان في مقابل الأعمال، من البداية بنى المسألة على الزيادة: الحسنة بعشرة أمثالها، ثم هناك أبواب من الأعمال عليها مضاعفات كبيرة للثواب والأجر، في الإنفاق في سبيل الله الحد الأدنى هو سبع مائة ضعف، مواسم كما في شهر رمضان، الحد الأدنى من المضاعفة في شهر رمضان إلى سبعين ضعفاً، يعني: من البداية هناك زيادات، ثم فوق هذه الزيادات في الأجر، في الثواب، في الفضل، في مقابل الإحسان، هناك أيضاً ما هو زيادة على كل ذلك من فضل الله في الآخرة.
{وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ}[يونس:26]، في ساحة الحساب، في ساحة القيامة، والمسيؤون في وضعٍ رهيب جداً، لشدة ما هم فيه من الحزن، والندم، والأسف، والحسرات، والخوف، تظهر على وجوههم تلك الحالة، تلك الكآبة الشديدة في وجوههم، في ألوان وجوههم، سواداً وقتراً؛ لكن في واقع الآخرين المحسنين، الذين استجابوا لله، في ما هم فيه من الفرح، من السرور، وأدركوا قيمة أعمالهم، نتيجة جهودهم، النتيجة العظيمة وفق وعد الله لهم، الطمأنة من ملائكة الله، البشارات تلو البشارات، فهم في حالة فرح وسرور، يتجلى ذلك السرور على وجوههم، وعلى ألوانهم، فيما هم فيه من حالة الفرح.
{أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[يونس:26] مصيرهم الجنة، في عالم الجنة، للخلود الأبدي والدائم، فكانت النتيجة هي هذه النتيجة: السعادة للأبد، والهناء بالحياة الأبدية.
– اللهم اجعلنا من أصحاب الجنة ولا تسيئ وجوهنا يوم العرض عليك يا رب العالمين … هكذا دعى نظام وهو يستمع لهذه الجزئية
{وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[يونس:27]، هذا هو المصير، مصيرك عندما تكسب في هذه الحياة السيئات، الأعمال السيئة، بتصرفاتك، بمخالفتك لأوامر الله ونواهيه؛ لأنك خضعت لأهواء النفس، لأماني النفس، .تأثرت بوساوس الشيطان، اتَّجهت الاتِّجاه السيئ، فأنت كسبت على نفسك من الأعمال السيئة ما كان به مصيرك إلى جهنم والعياذ بالله، حسراتك يوم القيامة، أسفك وندمك، خوفك الشديد يتجلى على وجهك إلى هذه الدرجة: {كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا}، قطعة من السواد، من سواد الليل على وجهك، تعبِّر عن حجم ما في نفسك من الهم، والغم، والحسرة، والندم، والخوف الشديد، ومع ذلك لا ترى لنفسك أي فرصة على الإطلاق لتلافي وضعك آنذاك؛ لأنك فوَّت الفرصة الوحيدة، وهي: حياتك في هذه الدنيا، ليس وراءها أي فرصة أبداً.
– ظل جسد نظام يرتعد بشدة وهو يستمع لمصير من كسب في هذه الحياة السيئات بأعماله ومخالفته لأوامر الله عز وجل
والإنسان يدرك قيمة العمل وأهمية العمل حتى في لحظة الموت، {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ}[المؤمنون:99-100]، لكن لا يفيد الإنسان هذا أبداً، في الآخرة، في مواقف الحساب والقيامة كذلك.
لـذلك من خلال تأملاتنا في القرآن الكريم، تلاوتنا لكتاب الله في هذا الشهر الكريم، علينا أن نعي جيداً أهمية الأعمال، أهمية التقوى فيما تعنيه لنا، فيما يترتب على أعمالنا من نتائج في الآخرة، أن نُرسِّخ إيماننا بوعد الله ووعيده، أن نتأمل ما ورد في القرآن الكريم من الوعد الإلهي والوعيد الإلهي، هذا شيءٌ مهمٌ جداً بالنسبة لنا؛ لكي ندرك أهمية التقوى، ونركز عليها في هذا الشهر، كحصيلة ومكتسب مهم وعظيم لنا، نستفيده من صيام شهر رمضان.
نكتفي بهذا المقدار، وإن شاء الله نبدأ من محاضرتنا القادمة، من بعد هذه المحاضرة، لنستأنف ما كنا بدأناه في شهر رمضان من العام الماضي في القصص القرآني.
نَسْألُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنَّا وَمِنْكُمُ الصِّيَامَ وَالقِيامَ وَصَالِحَ الأَعْمَال، وَأَنْ يُوَفِّقَنَا لِنَكُونَ فِي عِدَادِ عِبَادِهِ المُتَّقِين.
وَنَسْألُهُ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّج عَنْ أَسرَانَا، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
– انتهت المحاضرة ومعها اطلق نظام نيته الخالصة بالبدء بإصلاح نفسه واخذ على الفور هاتفه ليتصل بزميله ريان والذي اجابه فوراً
: نعم يا نظام هل استمعت للمحاضرة ؟
اجابه نظام ودموعه تنزل من عينيه وبصوت متهدج
: جزاك الله خير الجزاء اخي ريان استمعت لها وغيرت مفهومي في مفاهيم عدة وقد نويت ان أكون متابعاً مخلصاً لمحاضرات السيد وان اعمل صالحاً في حياتي واغتنم هذا الشهر العظيم .
انتهى . .