سلاح المقاطعة ومغزى إسناد المقاومة.. قاموس المقاومة (17)
تاريخ النشر: 12th, March 2024 GMT
في مقالنا السابق تبيّن أن واجبات أمة العرب والمسلمين تختلف عن واجبات غيرها، لأن الأرض المسلوبة عربيّة ذات اعتبار إسلامي بالقدس والأقصى، ولأن الشعب المهجّر والمنتهكة حقوقه عربيّ. فكون قضية فلسطين قضية عربية وإسلامية يعني أن العرب والمسلمين ليسوا فيها مراقبين محايدين، أو طرفا ثالثا، بل هم الطرف الخاضع للاحتلال الاستيطاني، وبالتالي واجباتهم ومسؤولياتهم تختلف عن واجبات ومسؤوليات غيرهم.
والمقاطعة هي كل نشاط يهدف لنزع الشرعية وعزل العدوّ الصهيوني سياسيا، وثقافيا واقتصاديا وأكاديميا، وغيرها من المجالات المتعددة التي من الممكن أن تكون محلا لفعل المقاطعة الفردي والجماعي الناهض بمواقف الأمة في دحر العدوان وأعوانه ودعم المقاومة في كل أشكالها.
إن انتشار ثقافة وحركة المقاطعة في كل أشكالها ومستوياتها وأوعيتها أمر إيجابي وضروري، بل هو واجب الأمة في حال القيام بالجهاد والمقاومة للعدو، لكن يجب التذكير دائما بأنه أقل واجبات العرب والمسلمين، أما أعلى واجباتهم فهو المقاومة. والمقاومة لا تنحصر فقط في الأنشطة العسكرية، بل تشمل كل نشاط -عسكري أم سلمي أم اقتصادي- لا يهدف فقط لنزع الاعتراف والشرعية عن الصهاينة، بل في هزيمتهم وإنهاء احتلالهم. لهذا هناك تداخل بين المقاطعة والمقاومة، حيث إن الأولى يمكن أن تتحول إلى الثانية، لأنها تتضمن نوعا من الإضعاف غير المباشر.
المقاطعة هي كل نشاط يهدف لنزع الشرعية وعزل العدوّ الصهيوني سياسيا، وثقافيا واقتصاديا وأكاديميا، وغيرها من المجالات المتعددة التي من الممكن أن تكون محلا لفعل المقاطعة الفردي والجماعي الناهض بمواقف الأمة في دحر العدوان وأعوانه ودعم المقاومة في كل أشكالها
دخلت كلمة "boycott" اللغة الإنجليزية خلال حرب الأرض الايرلندية (Land war) واشتقت من اسم الكابتن تشارلز بويكات (charles boycott) وهو وكيل أرض المالك الغائب (absentee landlord) اللورد إيرن. وكان الكابتن تشارلز بويكات يعيش في منزل على بحيرة ماسك بالقرب من بالينروب في مقاطعة مايو في أيرلندا. ويمكن متابعة أصل المقاطعة في الغرب من هذه الكلمة (boycott) التي صارت رمزا لفعل المقاطعة والتي ارتبطت كذلك في بادئ أمرها بالمقاطعة كحالة امتناع اختياري ومتعمد عن الاستخدام أو الشراء أو التعامل مع شخص أو منظمة أو بلد، كتعبير عن الاحتجاج، وعادة ما تكون لأسباب أخلاقية أو اجتماعية أو سياسية أو بيئية.
وغرض المقاطعة هو إلحاق بعض الخسائر الاقتصادية بالشخص أو المنظمة المستهدفة أو الإشارة إلى إساءة أخلاقية؛ لمحاولة إجباره على تغيير سلوك مرفوض. وفي بعض الأحيان يمكن أن تكون شكلا من أشكال نشاط المستهلك، وعندما تشرعه حكومة بلد ما فإنه يسمى عقوبة أو جزاء. وكما يؤكد علماء المفاهيم ومتابعة سيرة الأفكار؛ فإن الظاهرة تنشأ أولا على أرض الواقع ثم تتخذ اسما أو مسميات متعددة، وقد ترتبط بحادثة رمزية أو شخص ارتبط بها. وتنتشر في ثقافات مختلفة وأهمها ذاكرة الثقافة والحضارة الإسلامية واتخذت فيها أسماء وأشكالا مختلفة.
تترافق فعاليات العمل الشعبي الكفاحي والمقاوم المناهض للاحتلال والعدوان في فلسطين مع تطور حملة مقاطعة الاحتلال، وتؤكد على طبيعة هذا الفعل الحضاري في الممانعة والمدافعة في المناهضة والمقاومة؛ وهي الحملة التي تعد في جوهرها شكلا من أشكال المقاومة بطابعها السلمي الحضاري طويل النفس، ويمكن لها أن تحشد المزيد من الداعمين والمساندين على امتداد العالم بأسره لمؤازرة القضية الفلسطينية؛ فتنداح دوائرها وتتسع لتشكل حركة عالمية قوية في شتى بقاع الأرض لمحاصرة العدوان والعدو الصهيوني معا؛ حتى لو كانت تلك المواقف رمزية تبرز المواقف المناهضة للصهيونية والصهاينة والمتصهينة على حد سواء.
خطاب المقاطعة كما يؤكد العالم المتميز في علم تحليل الخطاب الأستاذ الدكتور عماد عبد اللطيف؛ "هو كل النصوص والصور والتسجيلات التي تتداول لحث جماهير الناس على المقاطعة، وإضفاء مشروعية عليها، وتبرير مسوغاتها، والتأكيد ليس فحسب على فاعليتها، وإنما أيضا على ضرورتها الحاسمة. في المقابل هناك خطاب مضاد للمقاطعة، تروجه قوى الاحتلال ومن يدافعون عنها، يسعى إلى التقليل من تأثيرها، وتحريض الجماهير العربية على رفض المقاطعة أو التخلي عنها. وقد عرف العالم العربي والإسلامي أشكالا من خطابات المقاطعة على مدى الأعوام الثلاثين الأخيرة، نذكر منها على سبيل المثال، حملة المقاطعة الهائلة في الانتفاضة الفلسطينية الثانية وما تبعها. ومن ثم، فإن لدينا تراثا من خطابات المقاطعة، وما ينتج ويُتداول من نصوص وكلام في سياق خطاب المقاطعة الراهنة يتشابه في بعض الأمور مع الخطابات السابقة، ويختلف عنها في أمور أخرى؛ وما يتميز به خطاب المقاطعة الراهن، المصاحب لطوفان الأقصى".
لا تتخذ شكلا من الأشكال الذي يتعلق بالبضائع والسلع، ولكنها تمتد لكل أرض وتمتد في كل مجال؛ الثقافي والإعلامي والفني والرياضي والأكاديمي، وهنا فإن ابتكار أشكال ومستويات جديدة من المقاطعة هو رهن بقيام الأمة بهذه المواجهة الحضارية الشاملة والمتكاملة
المقاطعة إذا في ارتباطها بالمقاومة؛ خاصة تلك المقاطعة الاقتصادية؛ هي عملية استغناء والتربية عليه، وهي خروج على صنم الاستهلاك وتكديس الأشياء كما يؤكد على ذلك مالك بن نبي؛ ثقافة الاستغناء عن الأشياء غير الضرورية والتي تشكل جوهر الصناعة الرأسمالية، والتي تتسرب إلى كافة المجالات الكمالية، كما أنها أيضا تؤكد على أن الأمر لا يتعلق فقط باستيراد سلعة أجنبية، بل تؤكد في الجانب الآخر أننا قادرون على صناعة احتياجاتنا الأساسية.
المقاطعة: تربية نفسية، وصناعة تربوية تمكن لذلك الحاجز النفسي مع العدو نحو مفهوم جديد للولاء والبراء؛ الولاء للقضية الفلسطينية وكل ما يحدث في غزة من مقاومة عزيزة وكريمة وقتل وقصف في غزة لكل حي فيها ولكل حجز وشجر، وهي بذلك تحدث هذا الأمر الذي يتعلق بمصيرية الصراع مع هذا الكيان الصهيوني الذي يشكل معركة وجود لا بضعة من أرض أو حدود.
المقاطعة: لا تتخذ شكلا من الأشكال الذي يتعلق بالبضائع والسلع، ولكنها تمتد لكل أرض وتمتد في كل مجال؛ الثقافي والإعلامي والفني والرياضي والأكاديمي، وهنا فإن ابتكار أشكال ومستويات جديدة من المقاطعة هو رهن بقيام الأمة بهذه المواجهة الحضارية الشاملة والمتكاملة.
المقاطعة: انتصار على مقولة الولع ودحر لموسوعة المغلوب، فهي في حقيقة الأمر تؤكد على تلك الطاقة النفسية التي تشكل سندا معنويا لكل أمر مقاوم، فإن المقاطعة من المقاومة، والمقاومة من المقاطعة. إن هذه المقاومة والممانعة تؤكد على مواجهة العدو في أي مكان وفي كل مكان في المعمورة.
المقاطعة: سلاح الأمة الماضي الذي يشكل مشاركة شعورية ممتدة لمقاومة الأمة وجهادها، وهي اجتهاد وجهاد تقوم به الأمة دعما لمقاومتها، ومحاصَرة لأعدائها.
المقاطعة: رمز عبادي؛ وكما أشرنا سابقا، هي معنى العبادة الصامتة التي تتعلق بالترك والامتناع، ولها ألف سند من الشرع تتأكد به هذه المقاطعة لتستند إلى أنها ضرورة حياتية وشرعية في مواجهة كل السياسات الصهيونية.
المقاطعة: مقاومة عابرة للحدود؛ فهي لا تتعلق بقُطر دون قُطر، ولكنها تتعلق بشعوب الأمة بأسرها أينما كانت، وأينما كانت مواقف النظم الرسمية فيها، فهي عمل عابر لكل سلطة تحاول تكميم الأفواه، أو تمنع عموم الناس من الفعل والفاعلية، وهي كذلك شاملة للأمة، وأمة الإنسانية بأسرها، لتعبر عن معنى التحرير ومقاومة العدوان والطغيان
المقاطعة: حالة وموقف؛ أما الحالة فهي التي ترتبط بالأمة بأسرها، على كل أحد أن يتصور أن له دورا في معركة الأمة القائمة والماضية مع هذا العدو الاستيطاني الذي يشكل احتلالا واغتصابا، وهي موقف مستمر قائم على قاعدة تمكين المقاومة من أهدافها وتحقيق الهدف النهائي في مواجهة العدوان، والتحرر من الاحتلال والطغيان.
المقاطعة: مقاومة عابرة للحدود؛ فهي لا تتعلق بقُطر دون قُطر، ولكنها تتعلق بشعوب الأمة بأسرها أينما كانت، وأينما كانت مواقف النظم الرسمية فيها، فهي عمل عابر لكل سلطة تحاول تكميم الأفواه، أو تمنع عموم الناس من الفعل والفاعلية، وهي كذلك شاملة للأمة، وأمة الإنسانية بأسرها، لتعبر عن معنى التحرير ومقاومة العدوان والطغيان.
المقاطعة: بنيان مرصوص يحرك طاقات الأمة كحائط صد في مواجهة العدو والعدوان ومواجهة هؤلاء الذين يساندونه ويتحالفون معه من أعوان، ذلك أن هذا الفعل لا يحقرنّ منه أحدا أو يستصغر شأنه أو يهوّن من أثره، فإن الصناعة الرأسمالية لا تبحث فقط عن الدولار الذي تحصله، ولكنها تبتئس كثيرا من الدولار الذي تفقده، والممانعة في هذا المقام تعبر عن كل هذا الشأن الذي يتعلق بمقاومة من نوع جديد.
المقاطعة في النهاية هي كيان أمة، وأمة قطب، تستقطب اللُحمة الجامعة، والمواقف الفاعلة؛ "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد"، "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا".. وهي أيضا ذمة أمة وشهودها؛ "المؤمنون تتكافأ دمائهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم". إن هذه الوحدة الجمعية والانتماء الجماعي إنما يشكلان في النهاية ذمة الأمة في مقاطعتها دعما لكيان الأمة ووحدتها، ومقاومة لمن يسعى إلى أن ينتهك حياض الأمة وكرامتها وعزتها وجهاد مقاومتها؛ المقاطعة مقاومة؛ والممانعة مقاومة.
twitter.com/Saif_abdelfatah
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المقاطعة المقاومة الاحتلال غزة غزة الاحتلال المقاومة تضامن المقاطعة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العرب والمسلمین الذی یتعلق الأمة فی تؤکد على شکلا من
إقرأ أيضاً:
إسناد مرحلة الطمأنة السورية بالسلع
أحسنت الإدارة الجديدة لسوريا حينما أتاحت المجال للوزراء الجدد الحديث إلى وسائل الإعلام، لطمأنة السوريين على إداركهم للمشاكل المتعلقة بشؤون وزاراتهم وسيرهم في طريق تخفيفها خلال الفترة الانتقالية، على أن تكون هناك خططا شاملة للتطوير خلال المرحلة المقبلة، وعرض الواقع الصعب الذي استلموه من النظام السابق، والذي يحتاج إلى نفقات كبيرة لتغييره وإلى بعض الوقت، حتى لا يتعجل الجمهور حصاد ثمارا سريعة من تراكمات سلبية ظلت لعقود وحتى ينخفض سقف توقعاتهم حاليا.
فهذا وزير النقل يشير إلى الواقع المزرى للسكك الحديدية، والذي لا يصلح معه شراء قطارات جديدة حيث يتطلب الأمر تغييرا شاملا للبنية التحتية المتمثلة في القضبان، كما يشير إلى سرقة بعض المُهمات من مطار دمشق يتطلب الأمر تعويضها حتى يمكن إعادة الرحلات إلى دول العالم، وها هو وزير الزراعة يشير إلى معاناة المزارعين في شراء التقاوي والأسمدة وحاجتهم لقروض مصرفية لشرائها، ومشكلة نقص المياه المرتبطة بتركيا دولة المنبع للنهرين أو من سيطرة الأكراد على مسار مجرى مائي.
ويشير وزير التجارة إلى أن كثيرا من المصانع مغلقة وكثيرا من المعامل تحتاج لتكهينها لقدم آلاتها لعقود ماضية، ويذكر وزير التعليم أن هناك 6500 مدرسة قد دمرت كليا أو جزئيا بسبب الحرب خلال السنوات الماضية، من بين إجمالي 18 ألفا و400 مدرسة في للبلاد مما سيدعو إلى العمل فترتين دراسيتين لاستيعاب الطلاب البالغ عددهم أربعة ملايين.
وهكذا نجم عن تنوع المتحدثين تناول العديد من القطاعات من حيث التركة الموروثة، أو الإجراءات العاجلة التي تمت لتوفير الأمن للأفراد والمنشآت، وتوفير الخدمات من خبز ومياه وكهرباء واتصالات، مع تكفل القائد العام أحمد الشرع بإرسال رسائل الطمأنة للداخل والخارج، سواء بالنسبة لاستيعاب الجميع داخل النظام الجديد واحترام المرأة، أو عدم تصدير الثورة السورية إلى أية بلدان أخرى، وحرصه على التعاون مع دول الخليج، والحرص على العلاقات الطيبة مع الجميع خاصة دول الجوار التي أكد عدم التدخل في شؤنها.
الممارسة العملية تزيد خبرة الوزراء
وقد يرى البعض أن بعض الوزراء ليست لديهم مهارات الحوار الإعلامي بشكل محترف، يجاري الإعلاميين القادمين من فضائيات عربية أعلى مهنية مما تعودوا على لقائه في إدلب من قبل، أو أن حديثهم يخلو من البيانات الرقمية الدقيقة للأمور التي يتناولونها، أو أنهم قد غضوا أبصارهم عن النظر إلى المذيعات اللاتي حاورنهم، مما أفقد الحوار خاصية التواصل البصري بين المحاور والضيف، وربما رأى البعض أن بعضهم يفتقد إلى النظرة المستقبلية لمجال تخصصه من خلال تركيزه على المسائل الجزئية الحالية.
وكل ما سبق فيه الكثير من الصحة، مع الأخذ في الاعتبار أعمار الوزراء المتوسطة وقلة سنوات خبرتهم في وزارة الإنقاذ في إدلب، وقصر فترة توليهم لمناصبهم الجديدة التي تبلغ أسبوعين فقط، ولهذا ستزيد خبرتهم الإعلامية والعملية مع الممارسة. وأتذكر هنا ما حدث في لجنة الثقافة والإعلام بمجلس الشورى المصري في فترة الرئيس محمد مرسى، حينما سعت لتطوير المؤسسات الصحفية الحكومية، وطلبت الإطلاع على دراسة لأوضاع تلك المؤسسات قام بها مكتب محاسبة شهير بتكليف من مجلس الشورى، ولكنها فشلت في مسعاها، لتعرف بعد ذلك أنه كانت هناك تعليمات من جهات بالسلطة بمنع إمدادهم بأية معلومات.
وهنا نذكر واقع عمل وزارة الداخلية في النظام الجديد، التي لم تجد من يستقبلها من العاملين القدامى حتى يسلموها الملفات التي يبنون عملهم على أساسها، حيث وجدوا أبنية مهجورة ليس فيها أحد وتم حرق بعضها خلال حرق الملفات الموجودة فيها لطمس الدلائل على تصرفات القيادات، ولعل ذلك يفسر لماذا لجأت الإدارة الجديدة للإستعانة بوزراء حكومة الإنقاذ في إدلب، لتولي مهمة حكومة تصريف الأعمال في دمشق حتى بداية آذار/ مارس المقبل.
مخاوف التضخم مع زيادة الأجور
وأتصور أن هناك جهات داخل النظام الجديد تختص بالرؤية الشاملة لمستقبل سوريا من مختلف النواحي، مع تكفل الوزراء بالنواحي التنفيذية اليومية، ويرجح ذلك ما تردد عن إجراء حوار وطني أوائل العام المقبل، والتدرج في استكمال المناصب الإدارية كما حدث مؤخرا بتعيين وزير للدفاع وآخر للخارجية ومسؤولة لمكتب شؤن المرأة، وكذلك التصريح بالاتجاه إلى مضاعفة أجور العاملين في الوزارات بنسبة 400 في المائة، والتوجه إلى تحرير الأسعار في الأسواق.
وأتوقف عند قرار مضاعفة أجور العاملين بالحكومة أربعة مرات مع نهاية الشهر كما تردد، وتبرير بعض الخبراء ذلك بأنه لن يتسبب في رفع الأسعار المرتفعة أصلا، بدعوى أن التضخم الموجود في سوريا ليس ناجما عن كبر الطلب وإنما بسبب نقص العرض للسلع، وهنا نذكر بأن زيادات الأجور التي قررها الرئيس التركي قد ساهمت في استمرار ارتفاع معدلات التضخم بتركيا، وهو ما حدث في مصر أيضا مما دفع صندوق النقد الدولي للضغط على الحكومة المصرية لتقليل إصدار النقد وعدم التوسع في زيادات الأجور.
فحتى يتم حصار التضخم والذي يمثل المشكلة الرئيسية لدى الأسر السورية حاليا، فلا بد أن يصاحب رفع الأجور المرتقب بسوريا، زيادة كمية المعروض من السلع والخدمات، لأن زيادة الأجور وحدها تعي أن تطارد أموال كثيرة سلعا قليلة مما يؤدى للمزيد من التضخم. ولا يكفي ما ذكره وزير التجارة من أن إزالة الحواجز في الطرق قد زاد من حركة التجارة بين محافظات سوريا مما زاد من المعروض السلعي، وكذلك حديثه عن أن مواجهة الفساد والإتاوات المفروضة على السلع قد قلل من قيمتها لدى التجار، فالأمر يتعلق بزيادة المعروض من السلع والخدمات بكم أكبر يوازى كمية الأموال الضخمة التي سيحصل عليها العاملون بالحكومة.
وهو أمر تكتنفه الصعاب من حيث تدبير العملات الأجنبية لاستيراد الطعام والوقود، كما أن غالب انتاج النفط والغاز الطبيعي والسلع الزراعية يقع في نطاق المنطقة التي يحكمها الأكراد، كما يتطلب الحصول على المنتجات الزراعية من الأراضي الخاضعة لسلطة النظام الجديد عدة أشهر حتى يتم الحصاد، ونفس الأمر لدورة التشغيل داخل المصانع، وتوافر المحروقات لنقل البضائع وانتقال العمالة.
البحث عن تعويض لغير الموظفين
وهنا يصبح الاستيراد هو الحل الأسرع لزيادة المعروض السلعى خاصة من دول الجوار الجغرافي لأن الاستيراد من دول بعيدة جغرافيا سيستغرق بعض الوقت إضافة إلى استمرار عقوباتها المفروضة على سوريا، وهنا نخشى من تأثير العوامل السياسية على إمداد سوريا باحتياجاتها الغذائية، خاصة من دول مثل مصر والأردن ما زال إعلامها المعبر عن سلطاتها يتخذ موقفا متشددا من النظام السوري الجديد، وهنا يمكن التدخل من قبل هؤلاء لتفضيل تصدير الخضر والفاكهة الأردنية إلى إسرائيل مثلا، على تصديرها إلى سوريا بحجة قوة العملة الإسرائيلية بالمقارنة لضعف العملة السورية.
لكن تعدد دول الجوار يمكن أن يساهم في تجزئة وتوزيع الاحتياجات عليها، وأبرزها تركيا التي بلغت قيمة صادراتها في العام الماضي لسوريا حسب البيانات التركية مليارين و38 مليون دولار، ذهب معظمها لمنطقة إدلب والشمال السوري، مما يعني زيادة الاحتياجات منها حاليا، ولأن تركيا دولة مستوردة للنفط والغاز الطبيعي مثل الأردن ولبنان يتطلب الأمر تعدد الموردين.
وكانت الصادرات المصرية لسوريا خلال العام الماضى قد بلغت حسب البيانات المصرية 305 ملايين دولار، كما بلغت الصادرات الأردنية لسوريا حسب البيانات الأردنية في العام الماضي 118 مليون دولار، وبلغت الصادرات اللبنانية لسوريا 126 مليون دولار ولا تتوافر بيانات عن قيمة الصادرات العراقية لسوريا. وتشير الأرقام السابقة إلى إمكانية زيادة قيمة تلك الواردات السورية من دول الجوار، حيث أشارت البيانات الأمريكية إلى أن النصيب النسبي للدول التي استوردت منها سوريا عام 2022، كانت بنسبة 45 في المائة من تركيا، و20 في المائة من الإمارات، و9 في المائة للصين و8 في المائة للبنان و7 في المائة لمصر.
ولعلنا نركز على أهمية تعزيز المعروض السلعى بالأسواق السورية بالتزامن مع زيادة الأجور وحرية التسعير للسلع التي أعلن عنها، لأن تسبب زيادة الأجور وحدها في ارتفاع معدلات التضخم سيؤدي إلى تآكل ثقة الجمهور في النظام الجديد، وإمكانية زيادة عوامل عدم الاستقرار الاجتماعي، خاصة وأن البيانات الرسمية السورية لعام 2022 قد أشارت إلى أن عدد المشتغلين في سن 15 عاما فأكثر قد بلغ 4 ملايين و551 ألف شخص، موزعين ما بين: مليون و697 ألفا يعملون في الخدمات، و850 ألفا بالتجارة والفنادق والمطاعم و 672 ألفا بالزراعة و500 ألف بالصناعة، و483 ألفا بالتشييد والبناء و294 ألفا بالنقل والتخزين والاتصالات، و56 ألفا بالمال والتأمين والعقارات.
وبلغ عدد العاملين في الدولة 912 ألفا، منهم 472 ألفا من الذكور و440 ألفا من الإناث، ليجيء تصريح الوزراء الجدد بعدم دوام جانب من العمالة الحكومية بالوزارات بعد سقوط الأسد، مما يعني أن العدد الموجود حاليا أصبح أقل، فعندما تقوم حكومة تسيير الأعمال برفع الأجور للموظفين بالحكومة بنسبة 400 في المائة، والذي نتوقع أن يتسبب في ارتفاع الأسعار، فماذا تفعل باقي الشرائح العاملة خارج الحكومة وهي الأكثر عددا لمواجهة الأسعار المتوقع ارتفاعها؟
x.com/mamdouh_alwaly