تستمر إسرائيل في غيها وبغيها تمارس المذابح التي سلطتها على الفلسطينيين، خاصة في قطاع غزة. قصفها طال عائلات بأكملها فقتل الكثيرون، وحوّل الأحياء والمباني إلى أنقاض، الأمر الذي ينفطر له قلب كل من عاين وشاهد المأساة الكبرى التي سلطت على شعب يكافح من أجل البقاء. بخلاف المذابح، فرضت إسرائيل حصارًا ضاريا على الفلسطينيين ليعيشوا وسط أزمة إنسانية قاتلة، فلا غذاء ولا ماء ولا دواء.
عمليات قتل ممنهج قامت إسرائيل بها بقصد بتر الفلسطينيين من الساحة، وتفريغ قطاع غزة والضفة الغربية من كل فلسطيني لكي تؤول الأرض لبني صهيون. ارتكبت إسرائيل المجازر على الملأ. أبادت الأطفال والنساء والشيوخ. أبادت الجميع في وضح النهار وفي غسق الفجر. لم يحاول المجتمع الدولي التصدي للهجمات الإسرائيلية المتعاقبة على الفلسطينيين. لم يمارس أي ضغط على إسرائيل لوقف عدوانها الآثم الواقع على المدنيين الأبرياء. وهكذا جرت الأحداث لتقوم إسرائيل بتنفيذ مذبحة "دار النابلسي" في التاسع والعشرين من فبراير الماضي، وتهاجم وتقصف الفلسطينيين العزل الذين تجمعوا أثناء توزيع مساعدات الغذاء عليهم فيسقط من جرائه عشرات القتلى والمصابين.
إنها إسرائيل التي شرعت في استهداف الفلسطينيين برًا وجوًا وبحرًا، شجعها على ذلك دعم الولايات المتحدة لها، بل والتناغم معها عبر منحها الوقت الكافي لإكمال مهمة الإبادة التي اضطلعت بها ضد الفلسطينيين. ومن ثم عمدت الولايات المتحدة لإبطال مشروع القرار المطروح على مجلس الأمن، والذي يطالب بوقف فوري لإطلاق النار. لجأت إدارة "بايدن" إلى استخدام (الفيتو) لإفشال مشروع القرار، وبالتالي لكي يستمر إطلاق النار ساريا دون توقف. وهكذا تبنت الولايات المتحدة سياسة رعناء لمساندة الكيان الصهيوني وسياساته البعيدة عن المبادئ والقيم والأخلاق.
لم تراع الولايات المتحدة الإنسانية، فلقد تجبرت ومضت في دعم الكيان الصهيوني وساعدته على تمرير وتنفيذ كل مشروعاته الآثمة ضد الفلسطينيين. وهكذا وصل الوضع في قطاع غزة إلى ذروة المأساة، لا سيما مع المذابح الإسرائيلية المستمرة، التى لم تتوقف، ومع سياسة تدمير البنى التحتية في الأراضي الفلسطينية، والتي طمر تحت رمادها الكثير من الجثامين حيث حلت فى توليفة واحدة مع الأنقاض. وصل حال المستشفيات إلى الدرك الأسفل وباتت معطلة عصية على استقبال المرضى والمصابين وذلك في أعقاب استهدافها بالقصف العشوائي والمتعمد الذي نفذته إسرائيل.
بدا من خلال كل ما يحدث من ممارسات الكيان الصهيونى الجهنمية على الأرض الفلسطينية وكأن إسرائيل تريد بذلك وضع اليد على قطاع غزة من خلال اتباعها نفس السيناريو الذي تبنته أيام "بن جوريون"، و"إسحق شامير"، نفس السياسة ونفس المخطط الذي أفصح عن نواياها الخسيسة. فهو نفس السيناريو الذي ظهر في الأرشيف العسكري الإسرائيلي الصادر يوم 25 نوفمبر 1948، فلقد صدر يومها أمر من القيادة العامة إلى قائد قواتها في المنطقة ليقوم بحرق القرى الفلسطينية ودفع السكان بالقوة إلى الحدود صوب سيناء. بيد أن مصر جابهت الموقف بشجاعة، وأغلقت حدودها حتى لا تكون معبرا لليهود الذين يتم الدفع بهم من جانب إسرائيل نحو سيناء. وكأني بها اليوم تريد تكرار نفس السيناريو ولكن ستبوء مخططاتها بالخسران.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الولایات المتحدة على الفلسطینیین قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
خطاب السلطة السودانية: الكذبة التي يصدقها النظام وحقائق الصراع في سنجة
خطاب السلطة السودانية: الكذبة التي يصدقها النظام وحقائق الصراع في سنجة
عمار نجم الدين
تصريحات وزير الإعلام السوداني لقناة الجزيرة اليوم خالد الإعيسر تعكس بوضوح استراتيجية النظام في الخرطوم التي تعتمد على تكرار الكذبة حتى تصير حقيقةً في نظر مُطلقيها. عندما يصف الوزير الدعم السريع بـ”الخطأ التاريخي” ويزعم تمثيل السودانيين، فإنه يغفل حقائق دامغة عن طبيعة الصراع وأدوار الأطراف المختلفة فيه.
في خضم هذه الدعاية، يُظهر الواقع أن الانسحاب الأخير لقوات الدعم السريع من سنجة، تمامًا كما حدث في انسحاب الجيش في مدني وجبل أولياء وانسحاب الدعم السريع من أمدرمان، ليس إلا فصلًا جديدًا من فصول التفاوض بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. هذه الانسحابات لم تكن وليدة “انتصار عسكري” كما يدّعي النظام، بل هي نتيجة مباشرة لمفاوضات سرية أُجريت بوساطات إقليمية، خاصة من دول مثل مصر وإثيوبيا وتشاد، وأسفرت عن اتفاق لتبادل السيطرة على مواقع استراتيجية وضمانات بعدم استهداف القوات المنسحبة.
ما حدث في سنجة هو نتيجة لتفاهمات وُقعت في أواخر أكتوبر 2024 في أديس أبابا تحت ضغط إقليمي ودولي. الاتفاق، الذي حضرته أطراف إقليمية بارزة، مثل ممثل رئيس جنوب السودان ووزير خارجية تشاد، شمل التزامات متبادلة، من بينها انسحاب الدعم السريع من مواقع محددة مثل سنجة ومدني، مقابل:
ضمانات بعدم استهداف القوات المنسحبة أثناء تحركها من المواقع المتفق عليها. تبادل السيطرة على مناطق استراتيجية، حيث التزم الجيش السوداني بانسحاب تدريجي من مناطق مثل الفاشر، مع الإبقاء على وحدات رمزية لحماية المدنيين. التزام بوقف الهجمات لفترة محددة في المناطق المتفق عليها لتسهيل التحركات الميدانية وإعادة توزيع القوات.انسحاب الجيش السوداني من الفاشر سوف يكون تدريجيًا، يُظهر أن الطرفين يعيدان ترتيب أوراقهما ميدانيًا وفق التفاهمات السرية، لا على أساس أي انتصارات عسكرية كما يدّعي النظام.
النظام في الخرطوم، كعادته، يسعى إلى تصوير هذه التطورات الميدانية كإنجازات عسكرية، معتمدًا على خطاب تضليلي يخفي حقيقة أن ما يحدث هو نتيجة لاتفاقات سياسية تخدم مصالح الطرفين أكثر مما تحقق أي مكاسب للشعب السوداني.
ادعاء الوزير بأن النظام يمثل السودانيين، في مقابل القوى المدنية التي “تتحدث من الخارج”، هو محاولة أخرى لإقصاء الأصوات الحقيقية التي تمثل السودان المتنوع. هذه المركزية السياسية، التي لطالما كرست التهميش ضد الأغلبية العظمى من السودانيين، تعيد إنتاج نفسها اليوم بخطاب مكرر يفتقر لأي مصداقية.
الحديث عن السلام وفق “شروط المركز” هو استمرار لنهج الإقصاء، حيث يرفض النظام الاعتراف بالمظالم التاريخية، ويمضي في فرض حلول تخدم مصالحه السياسية دون النظر إلى جذور الأزمة. السلام الحقيقي لا يتحقق بشروط مفروضة من الأعلى، بل بإعادة بناء الدولة السودانية على أسس جديدة تضمن العدالة والمساواة.
خطاب النظام حول “الانتصارات العسكرية” و”مواجهة المؤامرات الدولية” ليس سوى وسيلة لتبرير القمع الداخلي وتحريف الحقائق. الحقيقة الواضحة هي أن الانسحاب من سنجة وستتبعها الفاشر وغيرها من المناطق تم نتيجة مفاوضات سياسية بوساطة إقليمية، وليس نتيجة “نصر عسكري” كما يزعم النظام. هذه الممارسات تفضح زيف الرواية الرسمية وتؤكد أن الأزمة الراهنة ليست صراعًا بين دولة ومليشيا، بل هي امتداد لصراع مركزي يهدف إلى تكريس الهيمنة والإقصاء.
إذا كان النظام السوداني يسعى حقًا لإنهاء الحرب وبناء السلام، فعليه أولًا التوقف عن الكذب والاعتراف بمسؤولياته في خلق هذه الأزمة. السودان اليوم أمام مفترق طرق حاسم، والاختيار بين الحقيقة أو الكذبة سيحدد مصير البلاد لسنوات قادمة.
الوسومالفاشر حرب السودان سنجة