أعلنَ الرئيس الأميركي جو بايدن في الثامن من مارس/ آذار الجاري، إعطاءَه الأوامر للجيش الأميركي لإنشاء رصيف عائم أمام شواطئ قطاع غزة؛ لاستقبال السفن المحمّلة بالمساعدات لإغاثة المدنيين الذين يتعرّضون لتجويع ممنهج من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وذلك بالتزامن مع إعلان مشترك للعديد من الدول: (المفوضية الأوروبية، وألمانيا، واليونان، وإيطاليا، وهولندا، وقبرص، والإمارات العربية المتحدة، وبريطانيا، والولايات المتحدة الأميركية)، عن عزمهم فتح خط بحري من قبرص إلى غزة.
ويشكّل الرصيف الأميركي العائم – الذي سيعمل على إقامته نحو ألف جندي أميركي خلال 60 يومًا حسب تصريحات الناطق باسم البنتاغون؛ بات رايدر – منصّة ضرورية لتفريغ السفن الكبيرة حمولتَها، ومن ثم يجري نقل المساعدات بسفن صغيرة إلى البر "الغزّاوي" أو عبر شاحنات تستخدِم جسرًا عائمًا يصل الرصيف العائم بالشاطئ.
مع الإشارة إلى أن الكيان الإسرائيلي سيكون طرفًا معنيًا بتفتيش المساعدات، وبأمن الرصيف البحري الأميركي – حسب تصريحات الرئيس بايدن – ما يجعل الاحتلال بوّابة أساسية يمرّ عبرها كل صغيرة وكبيرة.
ما وراء الإغاثةإنّ التوجّه لتدشين ممر بحري – من قبرص إلى غزة مرورًا بالرصيف الأميركي العائم قبالة شواطئ غزة، وبشراكة دول كبرى مثل الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وألمانيا؛ ناهيك عن الاتحاد الأوروبي – يُثير السؤال البديهي؛ لماذا لا تُلزم تلك الدول، وخاصة واشنطن، إسرائيلَ ومصرَ بفتح معبر رفح الذي تتكدّس خلفه أطنان المساعدات وآلاف الشاحنات المحمّلة بالمواد الإغاثية التي أصابها التلف نتيجة التسويف والمماطلة، لا سيّما مع وجود معبر كرم أبو سالم، المخصّص لعبور الشاحنات، والواقع على الحدود المصرية المشتركة مع قطاع غزة والكيان الإسرائيلي شرق مدينة رفح؟
ولماذا لا تُلزم واشنطن، إسرائيلَ باستقبال سفن المساعدات عبر ميناء أسدود الواقع جنوب الكيان، والأقرب إلى القطاع، ومن ثم نقل المساعدات برًا عبر معبر المنطار التجاري شرق مدينة غزة، وهو خط يقع بالكامل تحت سيطرة وإشراف الاحتلال الإسرائيلي، إن كانت إسرائيل تتخوف من وجود أطراف أخرى غيرها؟
أليست تلك حلول متوفّرة وسريعة وناجعة وأقل تكلفة إن أرادت واشنطن ذلك؟
إذن الممر البحري – على أهميته النسبية في الجانب الإغاثي الذي ستبدأ عجلته في الدوران بعد شهرين – يُشير إلى وجود غايات ومآرب سياسية أخرى، خاصة عندما نتحدّث عن دولة راعية بوزن الولايات المتحدة الأميركية المعنية بالتحكّم في السياسة الدولية، وبرسم الخطوط العريضة في الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط. ومن تلك الأهداف:
أولًا: إعلان الرئيس بايدن، له علاقة في توقيته، بالسباق الانتخابي إلى رئاسة البيت الأبيض، فهو خطاب موجّه في إحدى زواياه وأهدافه إلى الشرائح الغاضبة من الشعب الأميركي على أداء الرئيس بايدن، وموقف إدارته المتورّطة في جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، عبر إمدادها جيشَ الاحتلال الإسرائيلي بالسلاح والغطاء السياسي والمالي.
فالموقف؛ محاولة لتبييض صفحته وتحسين صورته الملطّخة بدماء الأطفال والمدنيين العزّل، وكسب وُد تلك الشرائح كفئة الشباب، والتقدميين الليبراليين، والأقليات المسلمة والعربية قُبيل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني القادم.
ثانيًا: تحتاج إقامة الرصيف البحري نحو 60 يومًا إذا بدأ العمل فورًا، وهي المدّة ذاتها التي أشار إليها رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو في تصريحاته إلى "بوليتيكو" (10 مارس/آذار الجاري)، كفترة مطلوبة للقضاء على المقاومة وكتائب القسام في مدينة رفح، بعد أن شارف جيشه على إنهاء عملياته في مدينة خان يونس – حسب المعلن – بمعنى أن مدة الشهرين لبدء الإغاثة ستمثّل غطاءً وتمديدًا لفترة العدوان على قطاع غزة، بالتوازي مع استمرار الأزمة الإنسانية المتفاقمة كورقة ضغط على الفلسطينيين.
ثالثًا: التحكّم في عمليات الإغاثة – من قبل واشنطن وتل أبيب التي سيكون لها حق الإشراف الأمني والتفتيش – يعدّ مدخلًا للاحتلال الإسرائيلي للتحكم في إدارة المشهد المدني في قطاع غزّة، كسلطة أمر واقع، عبر بوابة توزيع الإغاثة؛ فخُطة بنيامين نتنياهو التي أعلن عنها في 23 فبراير/شباط الماضي، تقتضي استنبات أفراد وشخصيات عائلية، أو اعتبارية مؤهلة إداريًا لتحلّ محلّ حركة حماس والأطر الوطنية، وحكومة غزة لإدارة القطاع، وستكون المساعدات شكلًا من أشكال الابتزاز، والضغط على بيئة اجتماعيّة تُعاني من التجويع والتّعطيش، ووضع تلك الشرائح والشّخصيات أمام خيارَي إنقاذ الحياة بالتخلّي عن المقاومة، أو الموت جوعًا، وهذا يخدم فكرة إعادة هندسة المجتمع الفلسطيني بعيدًا عن الثّوابت والحقوق الوطنيّة.
رابعًا: أمام انعدام فرص الحياة في قطاع غزة، بعد تدمير نحو 80% من المساكن والبنى التحتية؛ كالمستشفيات، والجامعات والمدارس، والمصانع، والبلديات، والطرق، والمناطق الزراعية، واستمرار حالة القتل والنزوح الداخلي الكثيف والذي يصر الاحتلال على تعميقه وتأزيمه، سيكون الممر البحري والرصيف الأميركي العائم وسيلةً دولية تسمح للفلسطينيين بالهجرة إلى الخارج، إنقاذًا للحياة بعد أن دمّر الاحتلال كل مقوماتها في غزّة، وسيسوّق ذلك على أنه فعل إنساني إغاثي، ما يحقّق للاحتلال مُراده بإعادة احتلال قطاع غزة بأقل عدد ممكن من السكان، كما كشفت عنه خطة نتنياهو، وصرّح به وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وغيرهما من المسؤولين الإسرائيليين.
صراع البقاءمن الواضح أن الصراع والمشهد يأخذ بعدًا وجوديًا على أرض غزّة، والذي إنْ نجح الاحتلال في حسمه لصالحه، فإنه سينسحب لاحقًا على الضفة الغربية والقدس بتفريغهما من السكان باتجاه الأردن، إنْ لم يستسلم الفلسطينيون لإرادة الاحتلال ويقبلوا بأن يكونوا أقلّية سكّانية لا شعبًا، تعيش في كنف الاحتلال وشروطه ومعاييره.
وهذا يعيدنا إلى خُطة وزير المالية سموتريتش التي أعلن عنها بداية تشكيل هذه الحكومة، بإفصاحه عن ثُلاثيّة لا بد من تطبيقها في الضفة الغربية، تقتضي قبول الفلسطينيين العيش تحت السيادة الإسرائيلية كأقلّية، وإذا رفضوا ذلك فإنهم سيُقتلون أو يهجّرون من هذه الأرض، وما حصل في قرية حوّارة جنوب نابلس – من هجوم لآلاف المستوطنين المسلّحين عليها وحرق بيوتها ومزارعها وسيّاراتها في 26 فبراير/ شباط 2023، بحماية جيش الاحتلال – مجرّد عيّنة ونموذج لما يمكن أن يتعرّض له الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة، في وقت يتزايد فيه تسليح المستوطنين بشكل مكثّف برعاية سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وبإشراف مباشر من وزير الأمن القومي بن غفير.
أصبح صمود الشعب الفلسطيني الأعزل واستمرار مقاومته في قطاع غزة، ومن ثم القدرة على تفعيل أشكال المقاومة في الضفة الغربية، ورفع وتيرة التضامن الرسمي والشعبي في لبنان، واليمن، والعراق وعموم المنطقة، وتعزيز الحراك الجماهيري الفاعل في الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية والعالم، يشكّل ضرورة وجودية للفلسطينيين، بتحويل تلك النشاطات والفعاليات إلى قوّة ضغط متصاعدة ومتواصلة، تستنزف الاحتلال الإسرائيلي إلى الحد الذي لا يقوى على تحمّله.
ما يشكّل بدوره نقطة تحوّل في المشهد، تُفضي إلى وقف العدوان، ومن ثم الإقرار بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره حسب القانون الدوليّ، وإلّا فإن الاحتلال سيواصل سياسة التجويع وجريمة الإبادة الجماعية لفرض معادلته حسب خُطة بنيامين نتنياهو والتي تعني إعادة احتلال وضمّ الضفة الغربية وقطاع غزة بأقلّ عدد ممكن من السكّان، بعد أن يتمكّن من التغلّب على المقاومة، وتطويع صلابة الشعب الفلسطيني عبر آليات الإغاثة، المتحكّم بها أميركيًا وإسرائيليًا، والتي ستكون بمثابة خبز مسموم قاتل للإرادة الوطنية.
فالاحتلال يبحث في كافة الطرق والسبل التي توصله إلى مراده، بمعزل عن قيم وأخلاقيات الحروب والقوانين الدولية، لا سيّما بعد أن فشل في القضاء على المقاومة أو تأليب الحاضنة الشعبية ضدها.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان حريات الاحتلال الإسرائیلی المتحدة الأمیرکیة الضفة الغربیة قطاع غزة فی قطاع ومن ثم بعد أن
إقرأ أيضاً:
الزاوية العمياء | تصعيد عسكري جديد وعمليات نوعية ضد الاحتلال الإسرائيلي ..تفاصيل
تستمر الأوضاع في غزة بالتصاعد بشكل ملحوظ، حيث كشف العديد من الفصائل الفلسطينية عن تنفيذ عمليات عسكرية نوعية ضد الجيش الإسرائيلي في شمال القطاع، وتأتي هذه العمليات في سياق الرد على الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة بحق المدنيين والمقاومة في غزة.
التصعيد الأخير في قطاع غزةوفي هذا الصدد، أعلنت الفصائل الفلسطينية أنها نفذت عملية عسكرية في شمال غزة، حيث تم استهداف مجموعة من الجنود الإسرائيليين وآلياتهم العسكرية باستخدام ألغام تحت الأرض، وشملت العمليات عدة مواقع في مخيم جباليا، حيث تم قنص جندي إسرائيلي وتفجير ناقلة جنود.
في هذا الصدد، قال الدكتور عبدالله نعمة، الكاتب والمحلل السياسي اللبناني، إن التصعيد الأخير في غزة يمثل حادثا غير مسبوق في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي.
وأضاف نعمة- خلال تصريحات لـ "صدى البلد"، أن هذا التصعيد قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة على المنطقة.
وأشار الكاتب والمحلل السياسي اللبناني، إلى أن هذه العمليات تأتي في إطار سلسلة الجرائم الإسرائيلية بحق غزة والشعب الفلسطيني.
ووفقا لمقطع الفيديو الذي نشرته الفصائل الفلسطينية، جاءت العملية الأولى في منطقة الخزندار غرب التوام شمال قطاع غزة باستخدام عبوات ناسفة أرضية، وتمكنت الفصائل من الحصول على معلومات استخباراتية دقيقة بعد أن استولت على طائرة استطلاع إسرائيلية من طراز "ماتريكس" في 21 نوفمبر الماضي.
وبفضل هذه المعلومات، تمكنت الفصائل من تحديث إحداثيات قوات الاحتلال في المنطقة المستهدفة.
وأظهر الفيديو قيام الفصائل بمسح جوي دقيق للموقع، ما أتاح لها تحديد مواقع الآليات الإسرائيلية وعدد من الجنود، وتمت عملية زرع العبوات الناسفة من نوع "ثاقب" و"رعد" في المنطقة، مما أدى إلى تفجير العبوات مع تحرك القوات الإسرائيلية.
عملية ثانية جديدة بشمال غزةأما بالنسبة للعملية الثانية، فقد جرى تنفيذها في مناطق التوغل شمال قطاع غزة في مخيم جباليا.
ووثق مقطع الفيديو الذي تداولته وسائل التواصل الاجتماعي بعنوان "كمائن الصمود والتحدي" استهداف دبابة إسرائيلية من طراز ميركافا في منطقة حارة الدقعة بمخيم جباليا، كما استهدفت الفصائل ناقلة جند إسرائيلية في ساحة الخلفاء الراشدين، بالإضافة إلى قنص جندي إسرائيلي في شارع أبو العيش، مما أسفر عن إصابته إصابة مباشرة وسقوطه على الأرض. كذلك تم تفجير عبوة ناسفة ضد مجموعة من الجنود الإسرائيليين.
وقال أحد رجال الفصائل الفلسطينية إن الألوية الإسرائيلية التي تم الزج بها إلى شمال غزة لم تحقق أهدافها سوى قتل المدنيين وتدمير المباني السكنية، مؤكدا أن المسافة بين الجنود الإسرائيليين والمقاتلين الفلسطينيين لا تتجاوز 200 متر.
وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي قد أعلن في 6 أكتوبر الماضي عن بدء عملية عسكرية جديدة في مخيم جباليا، بدعوى منع الفصائل الفلسطينية من استعادة قوتها في المنطقة. من جانبها، وصفت وسائل الإعلام الإسرائيلية القتال في مخيم جباليا وبيت لاهيا شمال القطاع بأنه "ضار وصعب"، في ظل التصعيد العسكري المستمر.
يشهد قطاع غزة بعد أكثر من 14 شهرا من العدوان الإسرائيلي، تدميراً واسع النطاق طال البنية التحتية والمرافق الحيوية، مما أسفر عن خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات.
وأصبح القطاع يواجه وضعا مأساويا، حيث الجثث ملقاة في أماكن متفرقة دون دفن، وأخرى لا تزال تحت الأنقاض في ظل نقص حاد في المعدات اللازمة لانتشالها، وباتت الشوارع شبه خالية وتحولت إلى أودية من التراب، بينما تهيمن رائحة الموت والدماء على الأجواء.
حصاد 2024 لحرب إسرائيل المدمرة في غزةالقصف الجوي والمدفعي استهدف المنازل السكنية، المستشفيات، المدارس، والبنية التحتية الأساسية مثل شبكات الكهرباء والمياه، مما أدى إلى معاناة إنسانية كبيرة.
وتسببت هذه الهجمات في تهجير آلاف العائلات وتدمير ممتلكات المدنيين بشكل كامل أو جزئي، بينما تمثل المستشفيات والمرافق الطبية المتضررة تحديات ضخمة أمام توفير الرعاية الصحية للجرحى والمصابين.
وأدت الحرب الشاملة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة إلى استشهاد أكثر من 45.000 شخص، وفقا لوزارة الصحة الفلسطينية.
وفي أخر إحصائية أعلنت السلطات الطبية بقطاع غزة ارتفاع حصيلة الشهداء في إلى 45.259 شهيدا، معظمهم من الأطفال والنساء، منذ بدء عدوان الاحتلال الإسرائيلي في السابع من أكتوبر 2023، وأضافت أن حصيلة الإصابات ارتفعت إلى 107.627 منذ بدء العدوان، في حين لا يزال آلاف الضحايا تحت الأنقاض.