كان السلف الصالح يسمون شهر الصيام شهر القطيعة عن الخلق والإقبال على الخالق وكان أبوحنيفة – رضى الله عنه – إذا دخل رمضان تفرغ لقراءة القرآن فإذا كان العشر الأواخر فقلما استطاع أحد أن يكلمه وكان مالك إذا دخل رمضان ترك قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم وأقبل على تلاوة القرآن فى المصحف، وكان السلف يعتمدون على العصى من طول القراءة فى صلاة التراويح وما كانوا ينصرفون إلا عند الفجر وبعضهم كان يختم القرآن فى قيام رمضان فى كل رمضان فى كل ثلاث ليال وبعضهم فى كل عشر وكانوا فى زمن التابعين يقرأون سورة البقرة وهى أكثر من جزئين ونصف فى ثمانى ركعات ويرون أن قراءتها فى اثنتى عشرة ركعة من التخفيف وكان من عادة عائشة – رضى الله عنها – فى رمضان أن تقرأ القرآن فى المصحف أول النهار لتبدأ يومها بأحسن الكلام كما أحيت ليلها بقيام الليل ثم تنام لتستريح بعد طلوع الشمس.
كل ذلك أسوة بالسيد المكرم النبى العربى سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام الذى كان يعنى بمدارسة القرآن الكريم فى رمضان وكيف لا يعنى المسلمون بتلاوة القرآن فى هذا الشهر وشهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن وكان يعارض جبريل به (أى يقرأ ويسمع جبريل ثم يسمع من جبريل) ويكثر من القرآن خصوصًا فى قيامه بالليل فلقد قرأ بالبقرة وآل عمران والنساء فى ليلة واحدة وما صلى الركعتين حتى جاءه بلال يعلمه (أى يؤذنه) بصلاة الفجر.
وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن هذا القرآن مأدبة الله فاقبلوا مأدبته ما استطعتم، إن هذا القرآن حبل الله والنور المبين، والشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه، لا يزيغ فيستعتب ولا يعوج فيقوم ولا تنقضى عجائبه ولا يخلق (لا يبلى) من كثرة الرد فإن الله يأجركم على تلاوته كل حرف عشر حسنات، أما إنى لأقول لكم (ألم) حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف وقال صلى الله عليه وسلم إن لله آهلين من الناس. قالوا: يا رسول الله من هم قال: هم أهل القرآن أهل الله وخاصته الإمام أحمد.
عن ابن عباس - رضى الله عنهما - قال: من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر وذلك بيان قوله تعالى (ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا) ومعنى ذلك أن الذين آمنوا هم الذين قرأوا القرآن فلو سألت الناس اليوم لرأيت واقعهم القصور عن التلاوة وإن تلوا لم يتدبروا مع أن الغذاء القلبى الروحانى ينير مشكاة صدر المؤمن فتتوضح لدية علائم السير ويجعل مع القارئ الضوء الساطع الذى يجنبه مضلات الفتن ويملكه مقود السير فينجو من المآزق الحرجة فى الدنيا والآخرة.
فأى الفريقين أحق بالأمن، الذين أحلوا حلاله وحرموا حرامه أم الذين أهملوا وضيعوا.
هل يستويان مثلًا من أنجى نفسه وأهله وكان صحيح القوة سليم العافية وأكرمه الله بهذا الإكرام الذى أشار إليه ابن عباس آنفًا أم الذين ضيعوا وأضاعوا؟
قال القرطبى فى مقدمة تفسيره:
جعل الله أمثاله أى القرآن عبرًا لمن تدبره وأوامره هدى لمن استبصرها، وشرح فى واجبات الأحكام وفرق فيه بين الحلال والحرام وكرر فيه المواعظ والقصص للإفهام وضرب فيه مثلًا وقص فيه غيب الأخبار فقرأ القرآن خلفاء أنبيائه.
فإذا وفقت أخى الصائم لتلاوة هذا القرآن والعمل، فتذكر ما قاله القرطبى: الحمد لله الذى جعل صدورنا أوعية كتابه وآذاننا موارد سنن نبيه وهممنا مصروفة إلى تعلمها والبحث عن معانيها وغرائبهما طالبين بذلك رضاء رب العالمين.
ففى الأثر: فمن استوفى قراءة جميع القرآن على أقصى درج الجنة فى الآخرة.
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
هل ذُكرت كلمة وطن في القرآن الكريم؟ أمين الفتوى يجيب
أكد الدكتور محمد عبدالسميع، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أنه على الرغم من أن كلمة "الوطن" أو "الوطنية" لم ترد بهذه الصيغة في النصوص الدينية، إلا أن معناها موجود في العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة.
وقال أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، خلال فتوى له، "في القرآن الكريم، ورد ما يشير إلى احترام الوطن وتقديره في قول الله سبحانه وتعالى: 'وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنْ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوْ اخرجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ' (النساء: 66)، هذه الآية تشير إلى أن الخروج من الديار أو الوطن يُعد من أكبر المصائب التي يواجهها الإنسان، حيث جعل الله سبحانه وتعالى في الآية الخروج من الدار قرينًا لقتل النفس، مما يدل على عظم معاناة الإنسان عندما يُجبر على مغادرة وطنه."
وأضاف: "الآية تشير إلى مدى قسوة هذا الفعل على النفس البشرية، إذ إن مغادرة الوطن قد تحمل ألمًا نفسيًا مثل الذي يسببه القتل، وبالتالي، يمكننا أن نفهم من هذه الآية أهمية الوطن وضرورة احترامه."
وتابع: "أما في السنة النبوية، فقد وردت العديد من الأحاديث التي تحث على الدفاع عن الأرض والوطن، من أبرز هذه الأحاديث ما رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهادة في سبيل الدفاع عن الوطن، حيث قال: 'من قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أرضه فهو شهيد، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد'، مما يدل على أن الدفاع عن الأرض والعرض والوطن يعتبر من أسمى الأعمال التي يمكن أن يقوم بها المسلم."
ونوه: "الشريعة الإسلامية تدعو إلى حب الأوطان والاهتمام بها، وتحث على الدفاع عنها بكل الوسائل الممكنة، حتى لو تطلب الأمر التضحية بالنفس في سبيل حماية الوطن، ولهذا، نجد أن من يضحون في سبيل أوطانهم، سواء كانوا في الجيش أو في أي مجال آخر، لهم عند الله سبحانه وتعالى المنزلة العالية، لأنهم ماتوا دفاعًا عن أرضهم ووطنيتهم."