لجريدة عمان:
2024-11-08@16:51:22 GMT

حق الفيتو غير المشروع

تاريخ النشر: 12th, March 2024 GMT

تناولت في العديد من المقالات السابقة مسألة حق الفيتو باعتباره آلية من آليات إصدار القرارات في مجلس الأمن الدولي! إذ إن القائمين على شؤون العالم بعد الحرب العالمية الثانية قد اجتمعوا معًا وسنّوا القانون الذي ينظّم آلية إصدار القرارات الدولية المُلزِمة التي تكفل تحقيق السلام والأمن الدوليين. فقد اجتمعت الدول العظمى لسن قرارات مجلس الأمن الدولي، وقد سنت قرارات عظيمة إنسانية وأخلاقية وعادلة؛ ولكنها للأسف وضعت شرطًا مفاده أن أي قرار يصدر عن هذا المجلس يمكن نقضه من خلال القوى العظمى التي يكون لها حق الفيتو، أي حق نقض أي قرار يصدر من المجلس! وهذا أمر خطير قد بدأ الباحثون والمفكرون يلتفتون إليه في الآونة الأخيرة، فتعالت أصواتهم، كما أنني قد نبهت عليه كثيرًا وانتقدته مرارًا في مقالات سابقة.

ومكمن الخطورة هنا هو أن آلية التصويت التي يتبعها مجلس الأمن في إصداره لقرارته هي آلية تبدو في ظاهرها ديمقراطية، ولكن حق الفيتو ينسف هذه الآلية الديمقراطية، ويبرهن لنا على أن المجلس المنوط به إقرار السلم والعدل الدوليين لا يطبق مفهوم «العدالة» على نفسه؛ وبالتالي فإنه يبرهن لنا- في الوقت ذاته- على عوار النظام العالمي.

لقد سنَّ الأقوياء القوانين التي تحكم العالم منذ الحرب العالمية الثانية؛ ولقد سمَّى هؤلاء أنفسهم بالدول العظمى؛ وبالتالي أعطوا أنفسهم الحق في طرح القرارات للتصويت وحق نقضها أيضًا (رغم أن مفهوم «الدول العظمى» مفهوم نسبي؛ لأن الدولة العظمى لا تكون عظمى في كل عصر، وقد يتراجع نفوذها إزاء نفوذ قوى أخرى صاعدة)! والرأي عندي أن حق الفيتو ليس سوى رخصة استعمارية، أعني أنه وليد النظرة الاستعمارية للغرب إزاء كل الدول التي كانت جزءًا من المستعمرات الغربية، والتي ينبغي أن تظل في النهاية دولًا خاضعة، لا يحسم صوتها شيئًا مما يتعلق بإرساء الحق والواجب في الصرعات الدولية. يكفي اعتراض واحدة من الدول التي تمتلك حق الفيتو، لكي يتم إسقاط كل الأصوات التي تنتصر للحق والعدالة. ولا شك في أن هذا الأسلوب في إدارة أهم المنظمات الدولية لا علاقة له بالديمقراطية التي يتشدق بها الغرب في بلدانه: إذ كيف تكون دول الغرب مؤمنة بالديمقراطية في ممارساتها الداخلية على سائر مستوياتها، ولكن حينما يتعلق الأمر بالآخر نجد أن هذه النُظم المسماة بالنظم الديمقراطية تمارس كل أشكال التمييز العنصري، سواء على مستوى صياغة القوانين العالمية التي تدافع عنها حتى يومنا هذا أو على مستوى تطبيق هذه الرؤية الاستعلائية على الآخرين، خاصةً العالم العربي والإسلامي عمومًا.

ما أود قوله في هذا الصدد هو أن مفهوم «الديمقراطية الغربية» هو مجرد وهم. فالحقيقة أننا لا يمكن أن نتعامل مع مفهوم «الحق» بمعنى مزدوج: بمعنى أن نقول إننا مع الحق دائمًا وفقًا للقرارات الدولية؛ ولكن عندما توضع الأصوات على المحك، نجد أن واحدًا من الأصوات يُبطِل إصدار قرار بهذا الحق؛ لكي يمنح المعتدي مشروعية ممارسة الظلم والعدوان. يتجسد هذا الأمر بوضوح في الحالة الراهنة التي يعيشها العالم: تدمير مساكن المدنيين في غزة على رؤوس رجالها ونسائها وأطفالها، بل على الخدج منهم، من دون أن يتحرك هذا المجلس المسمى بمجلس الأمن. وحتى حينما تُرفَع قضية من جانب دولة جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، باعتبار أن ما يجري هو «جريمة إبادة جماعية»، وعلى الرغم من إدانة المحكمة لإسرائيل في هذا الصدد وإمهالها شهرًا تبين فيه التزامها بقوانين المحكمة، فإن كل هذا ضاع أدراج الرياح، ببساطة لأن إسرائيل لا تعترف بالمواثيق والعهود الدولية، وتعتمد في النهاية على الولايات المتحدة الأمريكية التي سوف تنقذها في النهاية بممارسة حق الفيتو في الاعتراض على أي قرار يدين إسرائيل.

بأي معنى إذن يمكننا أن نتحدث عن الديمقراطية في هذه الدول. الدول الديمقراطية الكبرى في عصرنا الراهن لا تعرف الديمقراطية إلا فيما يتعلق بالعلاقة بين السلطة وشعوبها، أما فيما يتعلق بالشعوب الأخرى، فهي لا ينبغي أن تتمتع بهذه الديمقراطية، فهي في النهاية شعوب ينبغي السيطرة عليها، وهذا ما يدعمه تاريخ طويل من إمبريالية هذه الدول في نظرتها للآخر، باعتبار أن هذا الآخر ينبغي دائمًا أن يظل تابعًا. وهذا مناط المشكلة على وجه التحديد: فالواقع أن ما يُروّج له تحت عنوان «ديمقراطية الغرب» هو في الحقيقة مفهوم وهمي، لا وجود له إلا داخل مجتمع محدود يمارس أشكال الديمقراطية المعتادة: كحرية الانتخابات والصحف والتعبير عن الرأي، وما إلى ذلك؛ أما شعوب الدول الأخرى، فلا يهم ما تعانيه من ظلم وعدوان وإبادة بشكل يجافي كل المواثيق الدولية. هذا ما نشاهده بوضوح من خلال الاعتداءات اليومية لجيش الاحتلال الإسرائيلي على شعب فلسطين. أدانت محكمة العدل الدولية هذه الممارسات باعتبارها ممارسات يمكن أن ترقى إلى إبادة حرب. فما الذي حدث؟ لا شيء! وما الذي يمكن أن يحدث برفع ذلك الأمر إلى مجلس الأمن: لا شيء! فمن المؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية التي لها حق الفيتو سوف تُوقِف أي قرار يدين دولة إسرائيل التي هي ذراع أمريكا والغرب في الشرق الأوسط (ولذلك فقد استخدمت هذا الحق مؤخرًا في إبطال قرار بوقف إطلاق النار في غزة، مثلما استخدمت هذا الحق من قبل ثمانين مرة بإسراف وترخُّص لمنع إدانة إسرائيل!). ولذلك تستغل إسرائيل هذا العوار في القوانين الدولية، لتمارس كل أشكال العنف والاستبداد والإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني؛ ببساطة لأنها مطمئنة إلى أن القوانين الدولية باتت أشبه بحبر على ورق!.

ما الذي يمكن أن نقوله من راء كل هذا؟ الأمر بسيط، فما نود قوله هو أن الدساتير والقوانين العالمية التي تحكم هذا العالم، تحتاج إلى مراجعة جذرية، بحيث تؤمن بالديمقراطية وبالعدالة حقًا وصدقًا. وإلى أن يتحقق ذلك، فلا أمل من تحقيق شيء من الديمقراطية والعدالة في هذا العالم.

د. سعيد توفيق أستاذ علم الجمال والفلسفة المعاصرة بجامعة القاهرة ومؤلف كتاب «ماهية اللغة وفلسفة التأويل»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی النهایة مجلس الأمن حق الفیتو من الدول یمکن أن أی قرار

إقرأ أيضاً:

الأمم المتحدة تحذّر: نقص التمويل يعيق التكيف مع تغير المناخ

حذّر تقرير، صادر عن الأمم المتحدة، اليوم الخميس، أن حجم التمويل المقدم للدول النامية لمساعدتها في التكيف مع تداعيات تغير المناخ لا يزال أقل من المبلغ المطلوب وهو 359 مليار دولار أميركي سنويا حتى بعد أحدث زيادة سنوية في حجم التمويل.
وجاء في التقرير السنوي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة أن التمويل المقدم من الدول المتقدمة بلغ 28 مليار دولار في عام 2022، بعد زيادة قدرها ستة مليارات دولار، وهي أكبر زيادة في عام واحد منذ إبرام اتفاقية باريس للأمم المتحدة عام 2015 التي تستهدف الحد من آثار الاحتباس الحراري.
وتستعد الدول للاجتماع في أذربيجان في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب29) المقرر تنظيمه من 11 إلى 22 نوفمبر تشرين الثاني، بهدف مواصلة محادثات المناخ في عام شهد ظروفا جوية متطرفة زادت حدتها بفعل تغير المناخ، من بينها فيضانات في بنجلادش وجفاف في البرازيل.
ومن المتوقع أن تكون مسألة مبلغ التمويل الذي ستوافق الدول الغنية على تقديمه للدول النامية لمساعدتها في التكيف مع تغير المناخ هو الموضوع المحوري في المحادثات المقرر إجراؤها في باكو عاصمة أذربيجان.
وقالت إنجر أندرسن المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة في بيان "تغير المناخ يدمر بالفعل مجتمعات في أنحاء العالم، لا سيما الأشد فقرا وضعفا. فالعواصف العاتية تدمر المنازل وحرائق الغابات تأتي على الأشجار بينما يؤدي تدهور الأراضي والجفاف إلى الإضرار بالمناظر الطبيعية".
وأضافت "دون اتخاذ إجراء، فإن ما نراه الآن هو لمحة لما قد يحمله مستقبلنا. لهذا لا يوجد ببساطة أي عذر لعدم اتخاذ العالم الآن خطوات جدية بشأن التكيف (مع عواقب تغير المناخ)".
ويغطي تمويل التكيف مع تغير المناخ مجموعة أنشطة من بينها بناء مصدات لحماية المناطق الساحلية من الفيضانات التي تنتج عن ارتفاع منسوب المياه، وزراعة الأشجار في المناطق الحضرية لحمايتها من درجات الحرارة المرتفعة، وضمان قدرة البنية التحتية على الصمود أمام الأعاصير.
وبالإضافة للتمويل، تحتاج الدول إرشادات حول كيفية استخدامه.
وبينما وضعت 171 دولة سياسة أو استراتيجية أو خطة في هذا الشأن، فإن جودة هذه الخطط تختلف من دولة لأخرى، كما أن عددا قليلا من الدول الضعيفة أو المتضررة من الصراعات ليس لديها أي خطة، بحسب التقرير.
وذكر تقرير منفصل صادر عن الأمم المتحدة الشهر الماضي أن العالم في طريقه لتجاوز هدف الحد من ارتفاع درجات حرارة العالم، لأعلى من 1.5 درجة مئوية فوق مستوى درجات الحرارة قبل الثورة الصناعية، بحلول عام 2050. وبدلا من ذلك يُتوقع أن ترتفع درجات الحرارة بما بين 2.6 و 3.1 درجة مئوية.

أخبار ذات صلة «الطوارئ والأزمات»: خطط تطوير البنية التحتية تعزز المرونة والجاهزية لمواجهة تغيرات المناخ دراسة حديثة: حرائق الغابات تزداد بفعل التغير المناخي المصدر: آ ف ب

مقالات مشابهة

  • الصحة العالمية: مصر من أولى الدول التي طبقت معايير منع ومكافحة العدوى
  • الأمم المتحدة تحذّر: نقص التمويل يعيق التكيف مع تغير المناخ
  • مرشد سياحي: خيبر تعد أولى مناطق العالم التي اكتشف فيها قرية من العصر البرونزي
  • وعد بإنهاء حروب العالم .. ترامب يعود للبيت الأبيض مثقلاً بالملفات الدولية
  • وجه الكورتيزول ومعجون الفحم للأسنان.. هذه صيحات الصحة التي شهدها العالم في 2024
  • باستخدام الرافعة المتحركة.. محافظ سوهاج يتابع مراحل إنشاء الصالة الرياضية الدولية
  • من هي هاريس التي باتت قاب قوسين من أن تصبح أول امرأة تتولى منصب الرئاسة في أقوى دولة في العالم؟
  • إبراهيم عيسى: الانتخابات الأمريكية ليست الديمقراطية الأصلية أو النموذجية
  • ربيع السنوار
  • برلمانية: مصر من أوائل الدول التي تبنت الأجندة التنموية الحضرية الجديدة