"القتال والانتصار في جميع المعارك ليس هو قمة المهارة، التفوق الأعظم هو كسر مقاومة العدو دون أي قتال" (مقتبس من كتاب فن الحرب لصن تزو الجنرال والفيلسوف والمحارب الصيني الأسطوري الذي عاش في الفترة ما بين عامي 551 و496 قبل الميلاد، وقد تُرجم كتابه إلى الفرنسية أولا ثم الإنجليزية في بداية القرن العشرين).
تبدأ المعارك داخلنا كما تبدأ الرغبات والشهوات، ولكنها لا تنتهي بداخلنا كما يتصور البعض؛ لأن المعارك التي يخوضها المرء عادة ما تتورط فيها أطراف كثيرة عن قصد وترتيب أو بغير قصد ولا نية، وتختلف آثار وتبعات المعارك الشخصية عن المعارك التي يدخلها القادة باسم الشعوب وتحت علَم الدول؛ فالأولى آثارها محدودة في الأفراد ونادرا ما تمتد للمجتمع لكن معارك الأمم والشعوب قد يمتد أثرها للقارات الخمس في لحظة اشتعال نادرة كما جرى في الحرب العالمية الأولى والثانية.
المعارك والحروب ليست بالأمر الهين ولا السهل ولا البسيط معنى ومبنى، فالحرب تعني الدمار والقتل والتشريد والجروح والإصابات والتكلفة المالية وعدم الاستقرار؛ وتوابع ما بعد النصر أو الهزيمة من هيمنة وسيطرة أو تراجع واستسلام وخضوع لشروط المنتصر وهزيمة الشعوب نفسيا لسنوات قد تمتد لعقود، وهذا هو أخطر ما في القصة.
هزيمة الشعوب نفسيا تعني نصف موت أو موت كامل؛ لأن الشعوب تفقد ثقتها في القادة وفي نفسها فتصبح إن لم تدرك رحمة الله هي والعدم سواء. وهنا أستشهد بما قاله الشهيد الأستاذ سيد قطب في الظلال، في تفسيره لقول الله تعالى "يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض"؛ يقول الشهيد: "إنها ثقلة الأرض ومطامع الأرض وتصورات الأرض، ثقلة الخوف على الحياة والخوف على المال والخوف على اللذائذ والمصالح والمتاع، ثقلة الدعة والراحة والاستقرار، ثقلة الذات الفانية والأجل المحدود والهدف القريب، ثقلة اللحم والدم والتراب والتعبير يلقي كل هذه الظلال بجرس ألفاظه".
المعارك القتالية ليست هي كل شيء، وحتى الانتصارات، إنما المهم هو المعارك النفسية المتمثلة في إخضاع النفس وتحريرها من التعلق بالشهرة والشهوة والغنائم بحيث تطلب ما هو أعلى وأخلد، وهو ما لا يطلبه العدو ولا يعرف له طريقا، وإذا كانت الشعوب بهذه النفسية فإن الهدف يتحول من انتصار عسكري فقط إلى انتصار نفسي يتمثل في إخضاع العدو وتركيعه وإشعاره بأنه بلا حيلة
هنا تأتي أهمية الكلام المذكور في مطلع المقال، فالمعارك القتالية ليست هي كل شيء، وحتى الانتصارات، إنما المهم هو المعارك النفسية المتمثلة في إخضاع النفس وتحريرها من التعلق بالشهرة والشهوة والغنائم بحيث تطلب ما هو أعلى وأخلد، وهو ما لا يطلبه العدو ولا يعرف له طريقا، وإذا كانت الشعوب بهذه النفسية فإن الهدف يتحول من انتصار عسكري فقط إلى انتصار نفسي يتمثل في إخضاع العدو وتركيعه وإشعاره بأنه بلا حيلة ولا قِبَل له بهذا الجيش أو الشعب مهما فعل.
كيف تكسب العركة قبل أن تخوضها؟ وكيف تجبر العدو على الانسحاب قبل الحرب أو الاستسلام فور وقوعها؟ هذا هو الأهم في الحروب والمعارك.
كيف تجعل العدو مترددا محتارا لا يعرف لك مدخلا ولا نقطة ضعف يصطادك منها؟ كيف تجبره على القبول بما تطلبه أو تشير به عليه مباشرة أو عبر وسطاء؟
الحقيقة أن الشعوب القوية هي الشعوب الأبية التي تستعصي على الترويض والبيع والشراء إلا لله سبحانه وتعالى، "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة"، والباقي تفاصيل بسيطة جدا وتبدو بلا قيمة إذا ما قورنت بالهدف الأسمى وهو الجنة.
حين تقدم الشعوب التفاصيل التافهة على الأهداف المهمة والغايات العظيمة، وتتغير أولوياتها من كونها شعوبا رائدة وقائدة إلى شعوب باحثة عن المطعم والمشرب والملبس، شعوب لاهثة خلف شهواتها وملذاتها تصبح سهلة القيادة ولا يحتاج عدوها جيوشا جرارا من أجل هزيمتها وإذلالها، فهي شعوب مهزومة ومأزومة وليس في قاموسها مفردات من عينة العزة والكرامة، ولا شيء يفرق معها إن انتصرت أو انهزمت أو حتى سحقت.
غزوة تبوك كشفت النفس البشرية أيما كشف وعرتها أيما تعرية، ووضعت كل إنسان زعم وقتها أنه مسلم ومؤمن أمام الاختبار النفسي القاسي؛ هل لديك عزيمة؟ أم أنك صاحب هزيمة، هزيمة نفسية حتى قبل دخول المعركة؟
انظر إلى ما يجري اليوم وابحث عن العزيمة في نفوس المسلمين فسوف تجدها "حاسة غائبة"، وأنا متأكد أنك لن تحتاج إلى منظار مكبر للبحث عن الهزيمة لأنها تعلو الوجوه وتكسو النفوس وتغلف الضمائر، وكأنني أرى الهزيمة في كل بيت وعلى كل فراش وكأنها الموت.
قارن هذه الهزيمة النفسية القاسية التي عمت بلاد العرب من المشرق إلى المغرب بالصمود الأسطوري للقلة الباقية والصامدة من أهل الجهاد في فلسطين، وستجد الفارق الكبير بين العزيمة والهزيمة وهو أمر يؤكد ما ذهب إليه "صن تزو" في كتابه عن النصر النفسي أو المعنوي. إذ أجبرت المقاومة واحدا من أقوى جيوش العالم على الاعتراف بهزيمته في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وأنه وحسب تصريح رئيس وزرا الاحتلال بنيامين نتنياهو لن يسمح بتكرار ما جرى في طوفان الأقصى، وأظنه واهما.
العبرة هنا بعزيمة المقاوم وقدرته على الحاق هزيمة نفسية في العدو شعبا وقيادة وجيشا واعلاما، هزيمة نفسية رغم تفوقه العددي والتقني، رغم الدعم الدولي غير المحدود وخيانة الأنظمة العربية المشهود وضمت الشعوب المشئوم، رغم أن موازين القوى ليست في صالح المقاومين لأن الأمر متعلق بالعزيمة القدرة على إلحاق الهزيمة النفسية بالعدو.
الهزيمة ليست هزيمة الجيوش ولا النصر نصر الجيوش أيضا، إنما هي خليط ومزيج يبدأ من داخل النفوس، فإذا ما علت الهمة وصلبت العزيمة فإن اكتساب القدرات أمر هين ويمكن تدبيره، وإذا ما هوت النفوس وخضعت فلن تنفعها كل جيوش العالم ولا معداته الحربية المتقدمة، وإلا فالجيوش العربية تحتل مواقع الريادة في ترتيب شراء الأسلحة الحديثة، وبعضها يعد من أقوى جيوش العالم
بين البحث عن الذات المفقودة واستعادتها وإدراك قيمتها وأهميتها في معارك البقاء وبين البحث عن اللذات والملذات وأطياب الطعام وحسن الفراش؛ المسافة كبيرة والهوة عظيمة بين من استطاع أن يكسر غرور العدو بعزيمته الفولاذية ومن استطاع العدو إرغامه وإذلاله وإخضاعه لشروطه وطلباته من قبل أن ينطق بها العدو.
الهزيمة ليست هزيمة الجيوش ولا النصر نصر الجيوش أيضا، إنما هي خليط ومزيج يبدأ من داخل النفوس، فإذا ما علت الهمة وصلبت العزيمة فإن اكتساب القدرات أمر هين ويمكن تدبيره، وإذا ما هوت النفوس وخضعت فلن تنفعها كل جيوش العالم ولا معداته الحربية المتقدمة، وإلا فالجيوش العربية تحتل مواقع الريادة في ترتيب شراء الأسلحة الحديثة، وبعضها يعد من أقوى جيوش العالم ومع ذلك فكل حرب خاضتها بعض تلك الجيوش مقرونة بالهزيمة، وحتى تلك التي لم تحارب مهزومة نفسيا ولا قِبل لها بالحروب رغم جاهزيتها الظاهرة.
الحرب على غزة أظهرت معادن الشعوب قبل معادن الحكام، ولا فرق عندي بينهما طالما خضع الشعب للحاكم الجبان فهو شعب جبان أو مستجبن، أما ما فعله شعب غزة العزيز فهو خير مثال على أن الشعب الفلسطيني أفرز مقاومة ووقف بجانبها، فالشعب صامد منذ ستة أشهر ويخوض المعركة رغم ما أصابه من خسائر بعزيمة مشهود بها، تلك العزيمة التي وضعت المعتدي وحوارييه وأنصاره من عرب وعجم في خانة المهزومين والمأزومين.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه النصر الهزيمة المقاومة غزة غزة النصر المقاومة الحرب النفسية الهزيمة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة جیوش العالم فی إخضاع
إقرأ أيضاً:
هيئة الدواء تعلن زيادة منافذ صرف الجواهر المخدرة والأدوية النفسية
كتب- أحمد جمعة:
أعلنت هيئة الدواء المصرية، التنسيق مع الشركة المصرية لتجارة الأدوية من أجل متابعة صرف وتداول الجواهر المخدرة والأدوية المؤثرة على الحالة النفسية بسوق الدواء، وتأمين الإمدادات لها والتأكد من الخدمات الدوائية المقدمة للمواطنين، تسهيلا على المواطن وتيسير حصوله على تلك الخدمات.
وقال بيان صادر عن الهيئة، اليوم الأحد، إن تلك الخطوة تهدف إلى تلبية احتياجات المرضى من الأدوية الاستراتيجية والجواهر المخدرة والأدوية المؤثرة على الحالة النفسية ودعم القطاع الصحي في جميع أنحاء الجمهورية، وانطلاقا من توجيهات القيادة السياسية بدعم وتطوير الخدمات الصحية في مختلف أنحاء الجمهورية.
وأكدت هيئة الدواء أن خطة التطوير بدأت في أكتوبر 2024 مقسمة على 3 مراحل، حيث بدأت المرحلة الأولى بالانتهاء من تطوير وإضافة صيدلية إسعاف الأميرية بالقاهرة، وصيدلية إسعاف الجيزة.
وجاء الانتهاء من المرحلة الثانية في فبراير 2025 بزيادة عدد 9 صيدليات إضافية، وهي صيدلية إسعاف المنصورة بالدقهلية، صيدلية اسعاف أسيوط، صيدلية إسعاف طنطا بالغربية، صيدلية إسعاف سوهاج، صيدلية إسعاف أسوان، صيدلية إسعاف الميري بالإسكندرية، صيدلية إسعاف بورسعيد، صيدلية إسعاف كفر الشيخ، صيدلية إسعاف المنوفية، بحسب بيان الهيئة.
وأوضحت أنه جارٍ حاليا العمل على تنفيذ المرحلة الثالثة بإضافة عدد 14 صيدلية أخرى بمختلف المحافظات، والتي سوف تنتهي خلال شهر من انتهاء المرحلة الثانية؛ ليصبح بعدها العدد الإجمالي بعد الانتهاء من جميع مراحل التطوير نحو 27 صيدلية بمختلف المحافظات.
هيئة الدواء: ربط إلكتروني بين الصيدليات لمنع تكرار صرف الجواهر المخدرة
وأضافت الهيئة أن خطة التطوير اشتملت على إعداد الربط الإلكتروني بين الصيدليات لمنع تكرار صرف الجواهر المخدرة، وتوفير أماكن مجهزة بتلك الصيدليات لحفظ الجواهر المخدرة والأدوية النفسية، وإعداد أنظمة الدورات المستندية لتسجيل تلك الأدوية طبقا للقوانين والقرارات المنظمة.
وأوضحت هيئة الدواء أن صرف أدوية الجواهر المخدرة والأدوية المؤثرة على الحالة النفسية كان يتم في السابق من خلال صيدليتين فقط للإسعاف، هما صيدلية إسعاف وسط البلد بالقاهرة، وصيدلية إسعاف إسكندرية.
يذكر أن هيئة الدواء المصرية سبق أن أعلنت عن انطلاق مشروع دوانا الخاص بتتبع الأدوية المخدرة والمؤثرة على الحالة النفسية في ديسمبر الماضي، ضمن جهود هيئة الدواء المصرية لتعزيز بنيتها التحتية الرقمية، وتطبيق أحدث الحلول التكنولوجية انطلاقا من الرؤية الوطنية للهيئة للمساهمة في تحقيق التكامل بين مختلف القطاعات والمؤسسات بالدولة المصرية؛ ما يعود بالنفع على صحة المواطن.
اقرأ أيضًا:
"الإسعاف" تُلزم العاملين بتعليمات جديدة.. منع النوم داخل السيارات وحظر "الإكراميات"
نصائح مهمة لمرضى السكر والسمنة في رمضان.. كيف تصوم بأمان؟
مواعيد عمل الوحدات الصحية ومراكز فاكسيرا للتطعيمات في رمضان
تقلبات جوية وتحذير من الشبورة.. الأرصاد تعلن طقس الـ6 أيام المقبلة
جهز فلوسك.. موعد استكمال مقدم حجز شقق جنة بالطرح الأخير
لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا
لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا
هيئة الدواء المصرية الأدوية النفسية القطاع الصحيتابع صفحتنا على أخبار جوجل
تابع صفحتنا على فيسبوك
تابع صفحتنا على يوتيوب
فيديو قد يعجبك:
الأخبار المتعلقةإعلان
رمضانك مصراوي
المزيدهَلَّ هِلاَلُهُ
المزيدإعلان
هيئة الدواء تعلن زيادة منافذ صرف "الجواهر المخدرة والأدوية النفسية"
© 2021 جميع الحقوق محفوظة لدى
القاهرة - مصر
23 12 الرطوبة: 38% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار bbc وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك