لجريدة عمان:
2024-06-26@20:59:50 GMT

قد تكون غزة بوتقة نظام جديد في الشرق الأوسط

تاريخ النشر: 12th, March 2024 GMT

ترجمة: أحمد شافعي -

يمرّ الشرق الأوسط بلحظة مفصلية، فالنظام القديم ينهار، ولم ينشأ بعد نظام جديد، وبرغم أن التحولات الكبيرة التي تشهدها المنطقة أسبق من هجوم حماس في السابع من أكتوبر، فإن الصراع الذي أعقبه في غزة وأصداءه في مختلف أنحاء المنطقة يشكّل البوتقة التي سوف تتشكل فيها ملامح الشرق الأوسط الجديدة.

لا بد أن تنتهز الولايات المتحدة - ولا غنى عنها برغم تراجع نفوذها - هذه اللحظة، وأن تساعد، من خلال دبلوماسية جريئة وإبداع، في تحفيز تحول المأساة الرهيبة الراهنة إلى فرصة لتحقيق سلام وازدهار دائمين.

ويمثل شهر رمضان الذي بدأ هذه الأيام والأمل في هدنة إنسانية أخرى أطول وإطلاق سراح الرهائن مفترق طرق حاسم في الحرب: فمن الطرق ما يؤدي إلى تفاقم العنف وربما اندلاعه على مستوى المنطقة كلها، والطريق الآخر يشير إلى سلام تحويلي يتوجه حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الذي طال أمده واندماج إسرائيل الأوسع في المنطقة.

إلى هذا الحد يبلغ التناقض الصارخ بين هذين المسارين المتباينين. وما من طريق ثالث. لقد تحطمت بلا رجعة الأسطورة القائلة بإمكانية إدارة الصراع، وتحطمت بفعل بؤر التوتر المنبعثة من غزة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط. فقد تتفجر أي من هذه البؤر إلى صراع أوسع نطاقا، فتهوي بالمنطقة في عقود من الاضطراب مهددة الأمن العالمي.

وحتى قبل الاضطرابات الحالية، كان الشرق الأوسط يمر بمنعطف مزعج -نقطة انقطاع دامت سبعين عاما- منتقلا من عصر الهيمنة الأمريكية إلى عصر جديد متعدد الأقطاب. إذ أدى الانسحاب الأمريكي الفوضوي من أفغانستان في أغسطس 2021 وعدم رد أمريكا على هجوم ضخم بطائرة مسيرة مدعوم من إيران على منشأة أبقيق النفطية السعودية في عام 2019، إلى تعميق التصورات الإقليمية حول الانسحاب الأمريكي وعدم إمكانية الاعتماد على الولايات المتحدة.

وبفضل شعور أكبر بالقدرة على التصرف، سعت الجهات الفاعلة الإقليمية ـ أي المملكة العربية السعودية وتركيا، على سبيل المثال لا الحصر ـ على نحو متزايد إلى حل مشاكلها وتهدئة التوترات. وأدى ذلك إلى سلسلة من التحولات الداخلية في المنطقة. ومن الأمثلة القليلة على ذلك ترحيب جامعة الدول العربية بعودة النظام السوري، وإصلاح دول مجلس التعاون الخليجي خلافاتها الداخلية، والدفء بين تركيا والمملكة العربية السعودية.

يتميز هذا العصر الجديد متعدد الأقطاب أيضا بدور أكثر نشاطا للصين، التي توسطت بشكل ملحوظ في التقارب بين المملكة العربية السعودية وإيران (برغم لعب العراق وسلطنة عمان أيضا أدوارا رئيسية) وعلاقات اقتصادية وتجارية أعمق بكثير بين بكين والخليج. وكان انضمام مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإيران إلى مجموعة البريكس+ الموسعة حديثا علامة فارقة أخرى على طريق المنطقة إلى عصر متعدد الأقطاب.

وروسيا الضعيفة، والأكثر خطورة أيضا، تشكل هي الأخرى لاعبا أساسيا في النظام الناشئ في الشرق الأوسط. فقد أدى اعتمادها المتزايد على إيران لتغذية حربها في أوكرانيا إلى مستويات غير مسبوقة من التعاون العسكري، حيث تقدم طهران طائرات مسيرة وصواريخ باليستية لموسكو، بما يهدد بقلب التوازن الأمني في الشرق الأوسط اعتمادا على ما تقدمه روسيا في المقابل.

وبرغم ابتعادها الواضح عن المنطقة، لا تزال الولايات المتحدة تلعب دورا حاسما هناك. لقد بشرت بالاتفاقيات الإبراهيمية عام 2020 التي أدت إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب. كما أدت الدبلوماسية الأمريكية إلى مفاوضات ناجحة بشأن الحدود البحرية الدائمة بين إسرائيل ولبنان في عام 2022.

وأحدث من ذلك ما أفادت به تقارير من تحقيق واشنطن تقدما ملموسا في تنسيق ترتيب معقد كان من شأنه أن يؤدي إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية. والحقيقة أن حماس ربما اختارت توقيت هجومها بحيث يخرج بهذه الجهود عن مسارها قبل أن تكتسب قدرا كبيرا من الزخم.

لقد كان هجوم السابع من أكتوبر تذكيرا صارخا بأن المعركة من أجل تشكيل النظام الناشئ في الشرق الأوسط شرسة وسوف تتردد أصداؤها على مدى الأجيال القادمة. إذ يتكاثر المفسدون والمتطرفون الذين يستغلون ما لم يتم حله من الصراعات، من قبيل الصراع الذي يمزق الإسرائيليين والفلسطينيين، دونما طرح بديل حقيقي، ناهيك عن السلام أو الأمن لأي من الجانبين. وفي أماكن أخرى، سوف تزدهر القوى الخبيثة في مواجهة الحكم الطويل الأمد والتحديات الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة، مستغلة لصالحها السخط الشعبي الناتج عن سنوات من استشراء الفساد، وعدم كفاية الخدمات العامة، والقطاع الخاص الهزيل. وهؤلاء المفسدون والمتطرفون والجهات الفاعلة الخبيثة هم الذين سيخرجون منتصرين في الشرق الأوسط الذي مزقته الصراعات.

ويتصور الجانب الآخر من هذا السرد مسارا متغيرا نحو السلام، وتحقيق الأمن والرخاء في منطقة ظلت لفترة طويلة تفتقر إلى كليهما. وفي شرق أوسط متعدد الأقطاب، لا يزال يتعين على الولايات المتحدة أن تلعب دورا أساسيا في تحفيز الجهود الضرورية من جانب جهات فاعلة متعددة ــ مثل الدول العربية المعتدلة، والأوروبيين، والمنظمات المتعددة الأطراف، والمجتمع الدولي الأوسع ــ لحل المشاكل وحل الصراعات.

غير أن واشنطن يجب أن تنشط وتشجع دبلوماسيتها، مستغلة نفوذها عند الضرورة وصاقلة قدراتها الإبداعية على حل المشاكل للمساعدة في تحفيز سلام عادل ودائم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وضمان أن يتمكن أطرافه على كلا الجانبين من العيش في سلام وكرامة.

وهذا من شأنه أن يطلق العنان لإمكانات المنطقة الهائلة غير المستغلة، ويضع الأساس لتكامل إقليمي أوسع يشمل إسرائيل. ووفقا لهذه الرؤية الطوباوية، يجب أن يعمل أصحاب المصلحة في المنطقة معا من أجل معالجة التحديات المشتركة، ومنها التأثيرات المناخية الحادة، والبنية الأساسية غير الكافية، وتخلف التجارة العابرة للمنطقة.

ومن شأن إحراز التقدم في علاج العلل التي تعاني منها المنطقة منذ فترة طويلة أن يكون أعظم ترياق لتحييد أولئك المستفيدين من فوضى المنطقة. فالاقتصادات المزدهرة القادرة على خلق فرص العمل والحكم الفعّال الذي يعالج المشاكل اليومية للمواطنين هي التي من شأنها أن تحرم الجهات الفاعلة الخبيثة من الأكسجين الذي يدعمها.

سوف يشكل مسار حرب غزة النظام الناشئ في الشرق الأوسط. والولايات المتحدة تقف في طليعة الأطراف المعنية القادرة على التبشير بحقبة غير مسبوقة من السلام. وبين عدد كبير من اللاعبين، تبقى هي الممثل الذي لا غنى عنه.

غير أنه في مواجهة تراجع النفوذ الأمريكي وتنامي المشاعر المعادية لأمريكا، يجب أن تكثف واشنطن جهودها لإعادة تنشيط دبلوماسيتها بينما تظل الفرصة قائمة لتشكيل نتيجة الصراع بشكل إيجابي، ومعه الشرق الأوسط الجديد.

منى يعقوبيان خبيرة في شؤون الشرق الأوسط عملت سابقا في وزارة الخارجية ونائبة مساعد المدير في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.

عن صحيفة ذي هيل

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: العربیة السعودیة الولایات المتحدة فی الشرق الأوسط متعدد الأقطاب فی المنطقة

إقرأ أيضاً:

تحذيرات دولية من اتساع الصراع في الشرق الأوسط

عواصم (الاتحاد، وكالات)

أخبار ذات صلة مباحثات إسرائيلية أميركية بشأن «المرحلة الثالثة» من الحرب «الأونروا»: مستويات الجوع الكارثية بالقطاع من صنع البشر

توالت التحذيرات الدولية من اتساع الحرب في الشرق الأوسط لتشمل لبنان، على ضوء التصعيد المتزايد مؤخراً وعمليات القصف المتبادل بين الأراضي اللبنانية وإسرائيل، جاء ذلك فيما فتحت السلطات اللبنانية مطار بيروت أمام دبلوماسيين وصحافيين لدحض التهم بتخزين أسلحة.
وقال الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل إن الصراع في الشرق الأوسط على وشك الاتساع ليشمل لبنان.
وقال بوريل للصحفيين قبل اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورج، إن «خطر هذه الحرب التي تؤثر على جنوب لبنان وامتدادها يتزايد يوما بعد يوم، فنحن على أعتاب حرب آخذة في الاتساع». 
بدوره، قال رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة  الجنرال تشارلز براون، إن أي هجوم إسرائيلي على لبنان قد يزيد مخاطر نشوب صراع أوسع، تنجر إليه دول أخرى.
ولم يكشف براون عن توقعه للخطوات التالية التي يمكن أن تتخذها إسرائيل، لكنه اعتبر أن «من حقها  الدفاع عن نفسها».
وأضاف براون للصحافيين: «مرة أخرى، كل هذا يمكن أن يساعد في توسيع نطاق الصراع في المنطقة ويجعل إسرائيل تشعر بالقلق، ليس فقط بشأن ما يحدث في الجزء الجنوبي من البلاد، ولكن أيضاً بشأن ما يحدث في الشمال».
وأشار براون إلى أن قدرة الولايات المتحدة على الدفاع عن إسرائيل من الهجمات قد تكون محدودة، أكثر من قدرتها على المساعدة في اعتراض الهجوم الصاروخي والطائرات المسيرة.
وجاءت تصريحات براون في الوقت الذي قال فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمس الأول، إن انتهاء المرحلة المكثفة من القتال في غزة سيسمح لإسرائيل بنشر المزيد من القوات على طول الحدود الشمالية مع لبنان.
وفي السياق، وصفت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك الوضع على الحدود بين إسرائيل ولبنان بأنه أكثر من مقلق، وحذرت من تصاعد العنف. 
وقالت بيربوك قبيل جولتها في الشرق الأوسط: «أي تصعيد آخر سيكون بمثابة كارثة على جميع شعوب المنطقة». 
إلى ذلك، دعا رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي أمس، الأطراف اللبنانية كافة إلى وضع مصلحة لبنان بعين الاعتبار وصون علاقاته الخارجية. 
وقال بيان صادر عن مكتبه الإعلامي إن «رئيس الحكومة بحث مع وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب التحديات التي يواجهها لبنان في هذه المرحلة وأهمها وأخطرها الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب التي تترافق مع تهديدات بالحرب»، إضافة إلى تناول الاتصالات الدبلوماسية اللبنانية. 
وفتحت السلطات اللبنانية أمس، مستودعات الشحن في مطار بيروت الدولي أمام دبلوماسيين وصحافيين، مكررة نفيها ما أوردته صحيفة بريطانية لناحية تخزين أسلحة داخل حرم المرفق الجوي الوحيد في البلاد.
ونشرت صحيفة «التلغراف» البريطانية أمس الأول، تقريراً نقلت فيه عن «مبلّغين من المطار»، إنهم يشعرون بالقلق إزاء زيادة إمدادات السلاح على متن رحلات مباشرة من دول أخرى. 
ونفت السلطات اللبنانية بشدة الاتهامات التي جاءت على وقع مخاوف جدية من انزلاق التصعيد إلى حرب واسعة في ظل تهديدات متبادلة.
وشدد وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية للصحافيين من مطار رفيق الحريري الدولي، بحضور عدد من الدبلوماسيين من دول عدة، على أن «مطارنا يستوفي كل المعايير الدولية».
واعتبر أن «نشر التقرير يهدف إلى تشويه سمعة المطار ويلحق ضرراً معنوياً باللبنانيين»، مندداً بما وصفه بـ«حرب نفسية مكتوبة».
وجال الدبلوماسيون وعشرات الصحافيين داخل مركزين تابعين للشركتين المشغلتين للخدمات الأرضية. 
وأكد مسؤول إداري في المطار للصحافيين أمام المركز المعني بتقديم الخدمات أنّ «حمولة الطائرات كافة تخضع للتفتيش».
وشدّد المدير العام للطيران المدني فادي الحسن في تصريحات على هامش الجولة على أن «كل الطائرات الوافدة إلى المطار تخضع للإجراءات الجمركية ذاتها»، موضحاً أنه «يمكن لأي كان الإطلاع على حمولة كل طائرة وصلت إلى المطار».

مقالات مشابهة

  • لماذا تريد إسرائيل عدم استقرار الوضع الشرق الأوسط؟.. خبير يوضح
  • أردوغان يستذكر سلطانين عثمانيين بالدفاع عن فلسطين ويوجه دعوة لدول الشرق الأوسط
  • الصين تحث الدول الكبرى على المساعدة في تهدئة التوترات بمنطقة الشرق الأوسط
  • سلطنةُ عُمان: إنهاء الصراع في الشرق الأوسط لا يتم إلّا بالاعتراف بالدولة الفلسطينية
  • منسق عملية السلام في الشرق الأوسط: الاحتلال يستخدم أسلحةً متفجرة في مناطق مكتظة
  • “نيتيف إكس” تتوسع في المنطقة عبر دبي
  • تحذيرات دولية من اتساع الصراع في الشرق الأوسط
  • كارثة الشرق الأوسط على بعد غارة جوية
  • في ظل صراعات الشرق الأوسط.. أسعار العملات العربية اليوم
  • الشرق الأوسط ينجرف نحو الكارثة